في مطلع هذه الحلقة التي أعدِكُم إن شاء الله أن تكون حلقةً ماتعةً ومفيدة. أرِّحب بضيفي الكريم الدكتور/ عبدالرحمن بن معاضة الشِّهري. فحياَّكم الله
الضَّيف: أهلاً وسهلاً بك، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين الكِرام.
مقدِّم البرنامج: فَرِحنا كثيراً بكم في هذا البرنامج شيخ عبدالرحمن، وإن أذنتَ لي سبق أنّك سُئلتَ في إحدى المرَّات في إحدى البرامج أظن في العِيد، عن سبب خروجك مرَّتين في برنامج مِداد وهذه هي المرَّة الثالثة ، اسمحلي فضيلة الشِّيخ أن أجيب عنك، الضُّيوف عندنا في برنامج مداد ربَّما هذه خَلطَة لا يَعرفُها الكثير من النَّاس وهي أنّنا عندنا مجموعة من الضُّيوف قد لا نتجاوُزُهم لأنّنا نشترط في ضيفنا شروطاً قد لا تكون موجودة في بعض المتَّخصِّصين الأكَاديمين، مثلاً
نشترط أنَّ يكون صاحِب قراءة موسوعية ومُهتم بالكتاب وأيضاً مُهتم بمتابعة جديد الكُتُب، ربَّما نجد مثلاً بعض الضُّيوف الكِرام والمختَّصين في مجالهم قد يكونون في مجال المبدعين لكنّهم ليسوا مثلاً أصحاب صِلَة بالمكتبات وجديد الكُتُب ربما يكون هذا شرط لا يُوافق برنامجنا ، وأنتُم على شَرطنا شرط البُّخاري، فحيّاكم الله يا أبا عبدالله.
الضِّيف: الله يحفظك ، أرجو أن أكون عند حُسن ظنِّك.
مقدّم البرنامج: وأنتم إن شاء الله كذلك ، تأذن لنا فضيلة الشيخ ننتقل إلى الفقرة الأولى من هذا البرنامج.
فقرة الورّاق ( جديد المطابع) : ومن جديد المطابع التي رأيناها في هذه الأيّام.
1-
كتاب الطبقات الصَّغير أو كتاب
الطبقات الصُّغرى: كما هو موجود للمؤلِّف لأبي عبدالله محمد بن سعد المؤرِّخ المشهور، كثير من النّاس ظنّ أنَّ هذا الكتاب مفقود يا شيخ، وبالفعل وجده محمد زاهد والمحقق المشهور بشّار عوّاد ، وقد حُقِّق الكتاب في مجلدين ربّما كانت أكثر من ألف صفحة ، المجلد الأوّل 472 ص، والمجلَّد الثاني 430 ص، طبعة دار الغَرب الإسلامي بتونس. الجميل فيه الفهارس كثير من النّاس عندما يقرأ في كِتاب الطَّبقات كتب التّاريخ ينتهي الكتاب من دون فهرس فيضّطر الإنسان أن يكون معه العشر المجلدات أو العشرين المجلد حتى يعرف الفَهارس ، فهارس الطَّبقات الأسماء الأعلى موجودة في المجلد الأوّل ، لكن الفهارس الكبرى موجودة في نهاية المجلّد الثاني وطبعاً هذه طريقة جيدة إلى حد ما.
الضَّيف: طبعاً الدّكتور بشّار مدرسة في التحقيق في كتب التَّاريخ والرِّجال
المُقدّم : طبعاً هو ذكروا أنّهم ما وجدوا إلا نسخة ًواحدة وطبعاً هذا مزعج، لكنّهم قابلوه على كتاب الطّبقات الكبرى وقابلوه على كتب التراجم الأخرى فخرجت بهذا الشّكل
الكتاب الثاني ( المُفصّل في القواعد الفقهية ) للدكتور يعقوب بن عبدالوهّاب الباحسين عضو هيئة كبار العلماء، وقدّم له الدُّكتور عبدالرحمن السديس مدير جامعة المعرفة العالمية، طبعة الدّار التدمرية وجامعة المعرفة العالمية...
وهذا الكتاب في أصله محاضرات ألقيت على طلاّب جامعة المعرفة ثمّ أخذها الشِّيخ مرّة أخرى وحرَّرها وأعاد كتابتها ثم خرج بهذا الشّكل
يقول الشيخ السديس :
هذا الكتاب الذي بين أيدينا يتميّز بعدّة ميزات منها:
الأوَّل: أنّه يتناول علماً من أهمّ علوم الشَّريعة
الثاني : تميّز المؤلف في هذا الفن وعلوّ كعبه فيه، فقد تمَّيز بكتاباته ودراسته المتعمّقة في هذا العلم ...
إصدارات الشيخ السّابقة ونبذة من سيرته:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=59181
فقرة الميزان :
المقدّم : الكتاب "
هو مفردات ألفاظ القرآن للرَّاغب الأصفهاني"،، قبل أن نتكلم عن هذا الكتاب نرغب بتعريف عن هذا المؤلف
الضيّف: هو أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضّل المعروف بالرّاغب الأصفهاني،وهو من علماء مدينة أصفهان وهي مدينة من مدن فارس ، توفي سنة 425 على الصّحيح مما ذكره المترجمون ولذلك هو متقدِّم الوفاة، وأخطأ من كتب أنّه توفيَ سنة 502
قد أدرك الصّاحب بن عبّاد، قد أدرك ابن فارس صاحب (
مقاييس اللُّغة) ولذلك يُعتبر كتاب (
الـــمُجمَل في اللُّغة ) لابن فارس من أبرز مصادره التي اعتمد عليه في كتابه هذا وهي من مميزاته.كذلك لم أجد في ترجمته أنّه أدرك ابن فارس وقد أخذ عنه ولكنّي لمست في الكتاب تأثُّراً بكتاب (
المجمل لابن فارس)، وابن فارس له كتابين في المعاجم في اللُّغة بعض النَّاس لا يعرف إلاّ كتاب ( مقاييس اللُّغة) اعتنى فيه بالاشتقاق الكبير ،وكتاب ( المجمل في اللُّغة ) فقد رتَّب هذا الكتاب ترتيباً معجمياً، وحَرَصَ فيه على ألاّ يذكُر فيه إلاّ الصَّحيح ممّا صحّ عن العرب من اللُّغة . ولذلك هو يَكاد يُضاهي الصِّحاح للجوهري في جودة اللُّغة، لذلك اللُّغة لو وجدتها في كتاب المجمل فهي أشبه ما يكون بالأحاديث الصحيحة .
وللرَّاغب الأصفهاني كتباً كثيرة من أشهرها:
محاضرات الأدباء وهي اختيارات أدبية وهي مثل عيون الأخبار لابن قتيبة
وله كتاب اسمه(
الذَّريعة في مكارم الشَّريعة) وله غيرها من الكتب.
وله كتاب في التّفسير طُبع جزءاً منه محقَّقاً في دار الوطن بتحقيق الدكتور عادل الشِّدي
المقدّم : له كتاب اسمه ( الكُليّات ) لا أدري إذا كان موجوداً أم مفقوداً
الضيّف : ليس موجوداً. وله أيضاً كتب جيِّدة في القرآن ولكنّها ليست موجودة.
المقدّم : بالنسبة لكتاب (مفردات القرآن ) هل سُبِق إليه غيره؟
الضيّف : مفردات ألفاظ القرآن هي تتحدَّث عن ألفاظ القرآن الكريم وليست فقط عن غريب القرآن الكريم، فهو حاول أن يستوعب كل الكلمات التي وردت في القرآن الكريم ويتحدّث عنها، وفاته تقريبا ثمان مفردات فقط.فهو جهد رائع جدّاً. يعتبر الكتاب من أجود معاجم المفردات القرآنية ولذلك أثنى عليه العلماء بعد الزّركشي وغيره ، ولذلك بعضهم يوصي بحفظه وبعضهم يُكثر من النّقل عنه.
من ميزات هذا الكتاب:
أوّلاً: أنّه حاول استيعاب مفردات القرآن، ثانياً: أجاد في البيان عن المفردات فهو عندما يتحدّث عن مُفردة إنّما يتحدّث حديث عالم متّتبع مستقصي للمعاني ولذلك يُعتبر من أقدم من تحدَّث عن المفردة من زاويتين من زاوية
( جانب الحقيقة في المفردة ) ثمّ التَّعبيرات المجازية، لذلك هو قد سبق الزمخشري في كتابه ( أساس البلاغة) يعتبر من مميزاته أنّه يتحدّث عن المعانيى الحقيقية للمُفردة ثم يأتي بالمجازية.
أيضاً حسن ترتيبه فقد رتبّه ترتيبا معجميا، والمعجم المقصود به هو الكتاب الذّي رُتِّبت فيه المواد ترتيباً ألف بائياً أو أبجدياً حسب حروف المعجم. وأصل كلمة معجم تكلّم عنه ابن منظور في ( لِسان العرب) كلاماً جيِّداً.
طبعاً المؤلف رتّب كتابه ألف بائياً ، ثم يأتي في داخل كل كتاب فسمّاه ( كتاب الألف، كتاب الباء، كتاب التّاء) إلى آخره ، فيُرَتِّبها داخل المفردة على حسب الألف ثم الباء ثم التاء إلى آخره. فيبدأ بكلمة ( أبى)، فمثلاً تُريد أن تبحث عن كلمة (حَرَد) كما في سورة القلم ( وغَدَوا على
حَردٍ قادرين)، زمان قبل الرَّاغب الأصفهاني بل قبل السجستاني صاحب كتاب (
نزهة القُلوب). لعلّنا نتحدّث عنه عندما نتحدّث عن المعاجم، أوّل من ابتدأ في المعاجم القرآنية فكرة ترتيب المفردات على حسب الألف بائي دون السُّور ، كان ابن قُتيبة يُرَّتبه على حسب السُّور ، فأنت الآن كلمة (
حَرَد) مباشرة تذهب إلى سُورة القلم تجد الكلمة ، لكن هنا لا ، تذهب كتاب الحاء ثم تتبَّع الحاء ثم الباء ثم التَّاء إلى آخره حتى تصل إلى حرَث ثم حَرَجَ ثمّ حَرَد، فتجد كلمة (
حَرَد) يقول الحَرد المنعُ من حِدَّةٍ وغضَبِ يعني ليس المنع العادي. قال عزَّوجل (
وغَدَوا على حَردٍ قادرين) أيّ على امتناعٍ من أن يتناولوه قادرين على ذلك، ونزَلَ فلاناً حِريداً أيّ ممتنعاً عن مخالطة القوم فهو حريدُ المحل، وحاردت السَّنةُ منعت قطرها.. انتهى.
لكن انظر إلى كلمة أخرى وَردت أكثر من مرّة مثل (
حَرَجَ) يقول أصل الحَرَج والحَرَاجي مجتمعُ الشيئين ص 226، وتُصُوِّر منه ضيقَ ما بينهما، فالضيِّق حَرَجٌ ،وللإثمِ حَرَجٌ قال تعالى ( ثمَّ لا يجدوا في أنفسهم حَرَجاً) وقال عزَّوجل ( وما جعل عليكم في الدِّينِ من حرج) وقد حَرِجَ صدره قال تعالى ( يجعل صَدَرَه ضيِّقاً حَرَجا كأنما يصَّعَّدُ في السَّماء) وقُرئَ (حَ
رِجاً) أي ضيِّقاً بكفره لأنّ الكفر لا يكاد تسكُنُ إليه النّفس لكونه اعتقاداً عن ظنٍّ، وقيل ضُيِّق بالإسلام كما قال تعالى (خَتَم الله على قلوبهم ) وقوله تعالى ( فلا يكن في صدركَ حَرجٌ منه) قيل هو نهيٌ، وقيل هو دعاءٌ، وقيل هو حُكمٌ منه، نحو ( ألـَم نشرح لكَ صَدرَك) والمتحرِّج المتحوِّبُ المتجنِّبُ من الحَرَجِ والحبو.
فنُلاحظ أنّه يجمع الآيات التي وردت في نفس اللّفظة من القرآن كامل وهذه ميزة عنده، فيُقَدِّم الحديث عن القرآن ثمَّ يستشهد بالأحاديث أحياناً ويستشهد بالشِّعر أحياناً ، ثمَّ إذا كانت لها معانٍ مجازية ذكرها بآخر حديثه.
المقدِّم : طبعاً كلمة ( عَدَل) ذكر الآيات كلّها في العَدل،وذكر معنى العَدل وما يتبعها
الضيّف: نعم ،طبعاً هناك بعض الكلمات في القرآن الكريم تكرَّرت كثيراً فهذه يُطيل فيها.
المقدِّم : لكن إذا كانت الكلمة خُماسية كيف أرُجع الكلمة وأعرف أنّها موجودة .
الضيّف: ممتاز، تُرجعها إلى أصله،
المُقدِّم : ولكن كيف أرجِعها إلى أصلها مثل كلمة الحكمة
الضيف: حَكَم، لابد أن يكون لديك معرفة بالصَّوت ، ولذلك (نُزهة القلوب) للسَّجستاني أسهل منه، فإنّها رتّبها ترتيباً ألف بائياً لكن لم يُرجعها إلى أصولها، فمثلاً كلمة ( أقامُوا)لا تجدها في مادة (قَوَمَ) وإنَّما في مادة الألف (أقام) وهكذا فهذه طريقته، وحقيقةً طريقته مميَّزة.
وأيضاً من مميزات الرَّاغب الأصفهاني التي أجَادَ فيها وهي أنّه لا يكتفي بالمعاني التي يذكرها أصحاب اللُّغة، يعني يرجِع إلى كُتُب معاجم اللُّغة يستفيد منها كثيراً مثل كتاب(
الـــمُجمل ) كما قلت لابن فارس ومن سبقه ككتاب (
العين ) للخليل بن أحمد الفراهيدي. لكن هناك معاني في المفردات القرآنية يدُّل عليها السِّياق في القرآن لا يذكرها علماء اللُّغَة، فهذا يَلتقط المعاني التي يدُّل عليها السِّياق ويُضيفها هنا، ولذلك تميّز بهذه الـــمِيزة، ولذلك يُعتبر من أجود كُتب المفردات على الإطلاق .
الـــمُقَدِّم : وطريقته في التفسير طريقة محمودة يا شيخ
الضيَّف : طبعاً، فهو على مذهب أهل السُّنة والجماعة كما ثبتَ في ترجمته، وكان يَرُد على القدرية وعلى المرجئة والمعتزلة فهو سُنِّي كما يظهر من كتابه. طبعا ميزة الكتاب لمّا طُبِع بهذا المستوى في مجلد واحد، الآن لمّا تُريد أن تبحث عن أيّ آية لابد أن تُرجِعها إلى أصلها، ثمَّ تبحث عنها في المادة ، وقد صنع الأخ المحقق (صفوان داودي) جزاه الله خير، طبعاً الكتاب له تحقيقات كثيرة حقّقها الدكتور محمد أحمد خَلَفَ الله عام 1390 وطبعه مرّة أخرى، وحقَّقَه نور محمد كَرَاجي في باكستان، وحُقِّقَ تحقيقات في بيروت وطُبِعَ طبعات كثيرة جِدّاً ، فهذا الكتاب من أكثر الكتب طباعةً في غريب القرآن. ثمّ حقّقها الأخ صفوان داودي 1412 من الطبعة التي عندي هنا هذه هي ( الطبعة الأولى) دار القلم، فأجاد فيها أيَّما إجادة جزاه الله خيراً ، فهو أجود تحقيق موجود الآن هو هذا التّحقيق وجمعه في مجلّد واحد، فعندما تحمله الآن في يدك تستطيع أن تُراجع أيّ مفردة بكل سهولة وتُرجعه إلى أصله
المقدِّم: ولا يعني من سيرجع لهذه اللّفظة سيرجع إلى معناها فقط بل سيعرف اشتقاقها وماذا يُستعمل له
الضيف: بالضّبط، لاحظ الآن من المؤخذات الآن – و الحقيقة هي ليست بملحوظات عميقة- فقد فاته ثمان مفردات كلمة (
زَبن) في قوله ( سندعُ الزّبانية) ومادة (
قَرَشَ) في قوله ( لإيلافِ في قريش) ومادة (
كَلَحَ) في قوله ( وهم فيها كالحون) ومادة (
قَدَوَ) في قوله ( فبهُداهمُ اقتده ، وفي مادة (
نَضَخَ) في قوله (فيهما عينان نضَّاختان)، كان المفترض أن يذكرها، كلمتي خردل ، وفَنِيَ في قوله ( كلّ ُ من عليها فانٍ) هذا استدركها المحقق على السَّمين الحلبي صاحب (عمدة الحُفَّاظ) لعلّنا نذكره
أيضاً كان يَحصل عنده خلل نادراً في ترتيب بعض المفردات ، نادراً أحياناً يختار اختيارات ضعيفة في معاني المفردة، وينسى بعض التقسيمات فيقول وهي على أربعة أنحاء ثمّ يذكر ثلاثاً. وهي أمور شكلية.
المُقدِّم : لكن بالنسبة للمفردات بهذا العدد وهذه الكمية الضَّخمة، هل هناك كتاب استوعبه أو قريب من استيعابه
الضيف : نعم هناك كتاب استدرك عليه وهو كتاب ( عمدة الحُفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ) للسَّمين الحلبي تلميذ أبِّي حيَّان الغرناطي له كتاب بهذا العنوان في أربعة مجلّدات حقَّقه الدكتور محمد آل تونجي وهو قد بناها على هذا ، بنى كتابه على هذا الكتاب ولكنّه أضافه إضافات جيّدة ، السّمين الحلبي له إضافات في الاشتقاق، له إضافات في الاستشهادات ، في البيان ، فالسّمين الحلبي عالم، حتى المراجع التي رجع إليها بعضها مفقود ممّا يَدُّل على أنّه رجلٌ لا يُشَّكُّ في علمه، وله (
كتاب الدُّر المصون في علم الكتاب المكنون)
المقدِّم : من يقرأ هذا الكتاب يا شيخ.
الضَّيف: يقرأه البَّاحثون وطلبة العلم بالدَّرجة الأولى، ويقرأه أوساط طلبة العلم.فأنا أُوصِي بهذا الكتاب طلبة وخاصة هذا الطبعة الجيِّدة وهو من المصادر المهمّة المعتمدة في معرفة مادة ألفاظ القرآن الكريم، عندما تريد تُراجعها وتستذكرها وتشرحها وتبيِّنها لطلابك.