وأحب أن أنقل هنا تحريراً لهذه المسألة لأحد طلبة العلم بحضرموت :وهي كالتالي :
صلاة العيد والجمعة إذا اجتمعا في يوم واحد
اعلم أيها المسلم الحريص على إقامة فرائضه أن هذه المسألة في غاية الأهمية لأنها تتعلق بإقامة فريضة من فرائض الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الدين.
وتبرز الحاجة إلى هذه المسألة في عامنا هذا ( 1430 هـ ) لموافقة يوم عيد الأضحى ليوم الجمعة , فإنه قد حصل شيء من الخلاف بين أهل العلم فيما لو وافق يوم العيد يوم جمعة , حيث تجتمع عبادتان ’ الأولى : صلاة العيد وهي سنة مؤكدة أو فرض كفاية عند البعض أو فرض عين عند البعض الآخر , والثانية : صلاة الجمعة وهي فرض عين عند جميع المسلمين , فهل يسقط وجوب حضور الجمعة يوم العيد؟.
خلاصة ما وقع في المسألة المذكورة ثلاثة أقوال, وقول رابع مهجور متروك كما قال ابن عبد البر.
وأول هذه الأقوال : أن من شهد العيد من أهل البلد يجب عليه شهود الجمعة ويرخص لأهل القرى النائية والبوادي إذا صلوا العيد أن يتركوا الجمعة ويرجعوا إلى قراهم ويصلونها ظهراً. وهذا قول الشافعية ورواية عن مالك وأحمد.
والثاني: أن الجمعة تجب على من شهد العيد ولا يرخص لأحد في تركها والصلاة ظهراً لا من أهل البلد ولا من أهل القرى والبوادي, وهذا قول المالكية والحنفية ورواية عن أحمد واختاره ابن حزم وابن المنذر وابن عبد البر.
الثالث : أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة ويصلي ظهراً, لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من لم يشهد العيد أو من شاء ممن صلى العيد وهذا مذهب الحنابلة وأختاره ابن تيمية.
الرابع: أن من صلى العيد يرخص له ترك الجمعة والظهر معاً, ولا يصلي إلا العصر, وهو قول عطاء.
وهذا القول الرابع كما أسلفنا متروك مهجور لإجماع العلماء على أن الواجب على المكلف الجمعة أو الظهر . قال ابن عبد البر في (التمهيد): ( الأصول كلها تشهد بفساد هذا القول).
ولهذا لن نقف عند هذا القول لعدم من يقول به الآن , فتبقى ثلاثة أقوال , الصحيح منها القول الأول وهو قول وسط بين من يوجب الجمعة على الجميع أهل البلد ومن خارجه وبين من يسقطها عن الجميع ويبدلها ظهراً وهذا القول الوسط هو الذي مضى عليه العمل في هذه البلاد , وإليك الأدلة التي استند إليها أصحابه :
1- من الكتاب قوله تعالى ( ياأيها الذين أمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) والخطاب عام لكل من سمع النداء أو كان قريباً من محل إقامة الجمعة كما إن الآية شاملة لكل أيام الجمعة ولو صادفت عيداً.
2- من السنة أحاديث وجوب الجمعة وهي كثيرة ومنها حديث حفصة رضي الله عنها أن النبي قال ( رواح الجمعة واجب على كل محتلم ) رواه أبو داود والنسائي.
3- إجماع العلماء على أن صلاة الجمعة فرض عين.
فيتبين من هذا أن الأصل وجوب الجمعة على المكلف إلا ما استثنى شرعاً كما في حديث طارق بن شهاب أن النبي قال { الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة : عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض } رواه أبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي . واستثني أيضاً المسافر فلا تجب عليه جمعة لأن النبي كان يسافر ولا يقيم الجمعة بل يصلي ظهراً.
إذا عرفت هذا علمت أن الأصل إقامة الجمعة يوم العيد كغيره – على من وجبت عليه – وهذا ما ورد في السنة من فعله إذا اجتمعا في يوم واحد. فعن النعمان بن بشير قال { كان رسول الله يقرأ في العيدين وفي الجمعة ( بسبح أسم ربك الأعلى ) و ( هل أتاك حديث الغاشية ) قال ( وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضا في الصلاتين } رواه مسلم فهذا حديث صحيح صريح أنه كان يصلي العيد والجمعة معاً إذا اجتمعا في يوم واحد.
ثم جاء ما يدل على أن الآتي من القرى النائية إذا حضر العيد فإنه يجزئه ذلك عن حضور الجمعة , وله أن يرجع إلى مكانه ويصلي ظهراً . ففي صحيح البخاري عن أبي عبيد مولى ابن أزهر أنه قال { شهدت مع عثمان بن عفان – أي يوم العيد – فكان ذلك يوم الجمعة فصلى قبل الخطبة ثم خطب فقال : ياأيها الناس إن هذا يوم قد أجتمع لكم فيه عيدان فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر, ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له } وفي مصنف ابن أبي شيبة والحميدي { فمن كان هاهنا من أهل العوالي فقد أذنا له , فإن شاء أن يرجع فليرجع ومن أحب أن يمكث فليمكث } بين هذا الأثر أن عثمان رخص لأهل العوالي في الرجوع, وقد قاله عثمان في محضر الصحابة ولم ينكر عليه أحد فأشبه اتفاقهم على ذلك.
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني بعض أهل المدينة عن غير واحد منهم أن النبي اجتمع في زمانه يوم جمعة ويوم فطر أو يوم جمعة وأضحى فصلى بالناس العيد الأول ثم خطب فأذن للأنصار في الرجوع إلى العوالي وترك الجمعة فلم يزل الأمر على ذلك قال : وحدثت عن عمر بن عبد العزيز وعن أبي صالح الزيات أن النبي أجتمع في زمانه يوم جمعة ويوم فطر فقال :{ إن هذا اليوم قد اجتمع فيه عيدان . فمن أحب فلينقلب ومن أحب أن ينتظر فلينتظر }.
وفي سنن البيهقي عن عمر بن عبد العزيز قال { اجتمع عيدان على عهد النبي فقال { من أحب أن يجلس من أهل العالية فيجلس من غير حرج }
وهذه الأحاديث وإن كانت منقطعة فإنه يستأنس بها في تأييد قول عثمان وأنه لم يقله اجتهادا من عنده, لأن الإذن في ترك شهود الجمعة وانتقالها ظهراً لا يكون إلا عن توقيف.
والإذن لأهل العوالي ظاهر العلة , فإن هؤلاء يأتون من أماكن بعيدة لصلاة العيد ويشق عليهم أن يرجعوا مرة أخرى لصلاة الجمعة فرخص لهم , وهذا يتوافق مع قواعد الشريعة في الرخصة والتخفيف عند المشقة , أما أهل البلد فلا مشقة عليهم أن يصلوا الجمعة كما صلوا العيد.
وها نحن نذكر ما استدل به من يقول بسقوط الجمعة عمن صلى العيد والجواب عليها:
الدليل الأول : حديث أبي هريرة عن رسول الله قال { قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزاه عن الجمعة وإنا مجمعون ) رواه أبو داود .
والجواب من وجوه :
1- أن هذا الحديث في إسناده بقية بن الوليد وقد تفرد به عن شعبة. قال الإمام أحمد : { من أين جاء بهذا ؟ كأنه يعجب من . وقال الدار قطني : هذا حديث غريب .
2- مع التسليم بصحة الحديث فإنه يحمل على غير أهل البلد لعلة المشقة.
3- قوله ( إنا مجمعون ) فيه إشارة إلى أهل المدينة, لأنه ما كان ليجمع إلا بأهل المدينة وليس لنفسه لأن الجمعة لا تصح من واحد. فالظاهر أن الذين صلى بهم رسول الله الجمعة هم الذين صلوا معه العيد, وليس بأناس لم يشهدوا العيد, ولا يظن بالصحابة إلا أنهم كانوا يحضرون صلاة العيد, كيف وهم الذين يحضرون نساءهم إلى المصلى حتى الحيض.
4- أن مقتضى الجمع مع الآثار السابقة أن تحمل الرخصة في الحديث على من هم خارج المدينة قال ابن عبد البر في (( التمهيد )) : { في ذلك دليل على أن فرض الجمعة والظهر لازم وأن الرخصة إنما أريد بها من لم تجب عليه الجمعة ممن شهد العيد من أهل البوادي }.
الدليل الثاني : حديث إياس بن أبي رملة الشامي قال : { شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم , قال : أشهدت مع رسول الله عيدين اجتمعا في يوم؟ قال نعم , قال : فكيف صنع ؟ قال : صلى العيد ثم رخص في الجمعة , فقال : ( فمن شاء أن يصل فليصل ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
والجواب فيما يلي :
1- أن إياس بن أبي رمله مجهول , كما في التقريب , وقد تفرد به فيكون الحديث منكراً قال ابن المنذر : { لا يثبت هذا الحديث فإن إياساً مجهول ). وقال ابن خزيمة ( لا أعرف إياس بن أبي رملة بعدالة ولا جرح.
2- على قول من يصححه فإنه محمول على أهل العوالي كما تقدم.
الدليل الثالث : حديث ابن عمر قال { اجتمع عيدان على عهد رسول الله فصلى بالناس ثم قال { من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها , ومن شاء أن يتخلف فليتخلف } رواه ابن ماجه.
الجواب :
1- الحديث ضعيف فيه جبارة بن المغلس ومندل بن علي وهما ضعيفان , وقد ضعفه البوصيري في الزوائد.
والخلاصة أن هذه الأحاديث لم تسلم من مقال في أسانيدها ولو صحت فإن متونها محمولة على أن الرخصة لأهل العوالي.
قال الطحاوي في " مشكل الآثار " : { أن المرادين بالرخصة في ترك الجمعة ف يهذين الحديثين هم أهل العوالي الذين منازلهم خارجة عن المدينة ممن ليست الجمعة عليهم واجبة ) . وقال ابن عبد البر: { وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه.
الدليل الرابع : ما رواه النسائي عن وهب بن كيسان قال :{ اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يومئذ الجمعة فذكر ذلك لابن عباس فقال : أصاب السنة} ورواه أبو داود من حديث عطاء بن أبي رباح
الجواب عليه :
1- قال ابن عبد البر : ( هذا الحديث اضطرب في إسناده ) 1 هـ . وفيه اضطراب في المتن أيضاً فالرواية هنا ( أنه خرج حتى تعالى النهار ) وفي بعضها ( صلاها ركعتين بكره ) وفي رواية ( صلى أول النهار )
2- أنه إذا صح هذا الأثر ففعل النبي مقدم على فعل ابن الزبير بلا أدنى شك ولا ريب , فإنه لم يترك الجمعة بل كان يصلي بالناس الجمعة كما يصلي بهم العيد فأي الدليلين أحق بالإتباع ؟ وأما قول ابن عباس ( أصاب السنة ) فمعارض بفعل الخليفة الراشد عثمان فإنه أقام الجمعة ولم يرخص إلا لأهل العوالي ثم نقول : أليس من صلى العيد ثم صلى الجمعة أصاب السنة لأنه جاء بما فعله نبيه , وأنه أحق بإصابة السنة ممن ترك الجمعة وصلاها ظهراً ؟
3- لا دليل في الأثر – لمن تأمله – على القول بترك الجمعة , لان ابن الزبير كما هو صريح خطب ثم صلى , وهذه إن كانت صلاة العيد فقد خالف السنة لان الخطبة بعد الصلاة , فالأقرب ما ذهب إليه بعض أهل العلم كالخطابي أن ابن الزبير صلى بهم الجمعة على قول من يرى صحتها قبل الزوال . فالأولى بمن يستدل بهذا الأثر أن يقول بسقوط العيد وصلاة الجمعة بدلاً عنها ولا قائل بذلك فيما نعلم.
4- لو أخذنا بظاهر الأثر وأنها صلاة عيد لكان فيه إسقاط الجمعة والظهر معاً بصلاة العيد , وهذا مخالف للإجماع.
الدليل الخامس: استدلوا من جهة النظر بما يلي :
1- إن اجتماع عبادتين من جنس واحد يدخل أحدهما في الأخرى كما يدخل الوضوء في الغسل. والجواب عن هذا انه لو صح هذا لسقطت الجمعة من أساسها ودخلت في العيد والحنابلة لا يقولون بذلك بل يوجبون الظهر, ثم أنهما ليسا من جنس واحد فالعيد سنة والجمعة فرض. وقياسهم بسقوط الوضوء بالغسل معكوس لأن الغسل أعم من الوضوء وأشمل فيسقطه, ولكن هل يقول أحد من الفقهاء: أن الوضوء يسقط الغسل ؟
2- قالوا: أنه بصلاة العيد يحصل مقصود الجمعة من الخطبة والاجتماع.
والجواب: لو صح هذا لترك النبي صلاة الجمعة وما صلاها. بل الثابت أن
المقصود حصول الصلاتين معاً الجمعة والعيد. كما أن في الجمعة أموراً ليست في العيد كما سيأتي في المرجحات.
3- قالوا: أن في إيجاب صلاة الجمعة تضييقاً على الناس . والجواب : أن هذا يصدق على أهل البوادي المنتقلين إلى المدينة أما أهل البلد وبالذات في عصرنا فالمشقة منتفية , كيف وبعض الناس هم جيران للمسجد , والجوامع منتشرة في كل مكان.
4- قالوا: أن فعل عثمان إنما هو اجتهاد منه. والجواب : ينبغي أن يقال وكذلك فعل ابن الزبير اجتهاد منه فمن أولى بالتقديم؟ أليس فعل عثمان أولى بالاتباع مع موافقته لظاهر الكتاب والسنة, أضف إلى أنه أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بإتباع سنتهم ؟
إذا عرفت هذه الأجوبة مع ما تقدم من أدلة الموجبين للجمعة يوم العيد حصل عندك العلم – إن شاء الله – بأنه لا ينبغي التساهل والتفريط في حضور الجمعة بحجة حصول خلاف لأهل العلم في ذلك , لأنك مأمور بإتباع الكتاب والسنة وقد عرفت ما فيهما , ثم نزيدك بياناُ برجحان قول الشافعية بما يلي:
1- أن العمل بهذا القول أسلم وأحوط للدين وفيه الموافقة للسنة العملية وفيه خروج من خلاف من أوجب الجمعة إذا وافقت عيداً.
2- أتفاق أهل العلم عل شهود الجمعة وجوباً أو استحبابا, فغير خافٍ أن في حضور الجمعة خيراً كثيراً ومن ذلك حيازة الفضل في التبكير إليها وصلاة النافلة قبلها والقراءة والذكر وكونها أفضل من الظهر وكون خطبة الجمعة آكد من خطبة العيد.
3- أن في هذا القول جمعاً بين الآثار كلها فتحمل الرخصة على أهل القرى والبوادي ويحمل وجوب الجمعة على أهل البلد الذين يسمعون النداء.
4- أنه لم يعهد في شيء من الأمور الشرعية أن يرخص فيه للناس دون سبب وإنما تناط الرخص بحصول المشقة وتشرع تخفيفاً للناس وهذا لا يوجد في أهل البلد.
5- قد يؤدي القول بسقوط الجمعة إلى التمادي في ذلك إلى أن يأتي يوم لا يعرف فيه الناس الجمعة في يوم العيد فتترك شعيرة من شعائر الإسلام.
6- أن القول بسقوط حضور الجمعة يؤدي إلى التهاون في أداء الظهر فمن الناس من ينام إلى العصر , ومنهم من يصليها آخر الوقت , وربما اشتغل عنها باللعب واللهو بل ربما لم يصلها أصلاً كما حصل ذلك في الواقع. وكل هذا لا يرضاه الشرع .
7- وجود وسائل النقل المريحة في عصرنا الحاضر وانتشار الجوامع وتعدد إقامة الجمعة , وفي غيلنا المحروسة تقام أكثر من عشر جمع – والبقية تأتي – وكل ذلك يسهل حضور الجمعة وينفي المشقة .
ونختم القول بأن أحد كبار العلماء في هذا العصر وهو العلامة ابن جبرين قام بدراسة وبحث هذه المسألة من كافة جوانبها وكتب رسالة قيمة فيها قال في ختامها : { بعد هذه الجولة والمراجعة لكتب الأئمة والتعرف على مذاهب العلماء وأقوالهم يترجح لي قول الشافعية. فتكون الرخصة خاصة بمن يأتي إلى العيد من مكان بعيد كأهل العوالي ونحوهم وذلك من باب التخفيف عليهم }.
والله أعلم , وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ,,,
حرره الفقير إلى الله : صالح بن سعد التريمي
حضرموت / غيل باوزير
7 ذو الحجة 1430 هـ
انظر الرابط :
http://www.alwsta.com/vb/showthread.php?t=12131