د. محمد بن جميل المطري
New member
القراءة بخلط القراءات جائز في مقام التلاوة والتعبد، لا في مقام الرواية، قال ابن الجَزَري في النشر في القراءات العشر (1/ 19): "إن كانت إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى فالمنع من ذلك منع تحريم، كمن يقرأ {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] بالرفع فيهما، أو بالنصب آخذًا رفع (آدم) من قراءة غير ابن كثير، ورفع (كلمات) من قراءة ابن كثير، وشبهه مما يُرَكَّبُ بما لا تجيزه العربية ولا يصح في اللغة، وأما ما لم يكن كذلك فإنا نفرق فيه بين مقام الرواية وغيرها، فإن قرأ بذلك على سبيل الرواية، فإنه لا يجوز أيضًا من حيث إنه كذب في الرواية، وتخليط على أهل الدراية، وإن لم يكن على سبيل النقل، بل على سبيل القراءة والتلاوة، فإنه جائز صحيح مقبول، لا منع منه ولا حظر"، وقال ابن العربي في أحكام القرآن (2/ 613): "إذا ثبتت القراءات، وتقيدت الحروف فليس يلزم أحدًا أن يقرأ بقراءة شخص واحد، كنافع مثلًا، أو عاصم؛ بل يجوز له أن يقرأ الفاتحة فيتلو حروفها على ثلاث قراءات مختلفات؛ لأن الكل قرآن"، وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (22/ 445): "يجوز أن يقرأ بعض القرآن بحرف أبي عمرو، وبعضه بحرف نافع، وسواء كان ذلك في ركعة أو ركعتين، وسواء كان خارج الصلاة أو داخلها". ويُنظر: فتح الباري لابن حجر (9/ 38).
وقد اختار بعض العلماء قراءة خاصة من بين القراءات المشهورة، وممن اعتنى بالاختيار من بين القراءات: محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) في تفسيره، وابن خالويه (ت 370 هـ) في كتابه إعراب القراءات السبع وعللها (1/ 402)، ومكي بن أبي طالب القيرواني ثم الأندلسي (ت 437 هـ) في كتابه الكشف عن وجوه القراءات السبع، وأبو القاسم الهُذَلي (ت 465 هـ) في كتابه الكامل في القراءات، فابن جرير كثيرًا ما يختار في تفسيره القراءة التي قرأ بها أكثر القُرَّاء وإن استويتا في الصحة، وقد يختار نادرًا غير قراءة الأكثر من جهة المعنى أو الإعراب، وكثيرًا ما يختار القراءة بالقراءتين أو القراءات الواردة في الآية بلا ترجيح، قال ابن جرير في تفسيره (22/ 422): "اختلفت القُرَّاء في قراءة قوله: {بمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23] فقرأ ذلك عامة قُرَّاء الحجاز والكوفة {بما آتاكم} بمد الألف، وقرأه بعض قُرَّاء البصرة {بما أتاكم} بقصر الألف، ... والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان صحيح معناهما، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كنت أختار مد الألف لكثرة قارئي ذلك كذلك"، ويُنظر: تفسير ابن جرير (24/ 453). وقد يجيز ابن جرير نادرًا قراءة شاذة ليست من القراءات العشر، مثل إجازته قراءة (ويوم تقوم الأشهاد) بالتاء، والقُرَّاء العشرة على قراءة الآية بالياء هكذا: {وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]، قال ابن جرير في تفسيره (20/ 346): "وقرأ ذلك بعض أهل مكة وبعض قُرَّاء البصرة: (تقوم) بالتاء، والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب"، وابن خالويه يعلل اختياره غالبًا من جهة النحو أو المعنى، ينظر مثلًا: إعراب القراءات السبع وعللها (1/ 301، 402)، ومكي بن أبي طالب كثيرًا ما يختار قراءة، ويعلل اختياره بأنها قراءة الأكثر، يُنظر مثلًا: الكشف عن وجوه القراءات السبع (1/ 361، 401)، وقال أبو القاسم الهذلي في كتابه الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها (ص: 307): "هذا ما انتهى إلينا من السبعة ورجالها والاختيارات التي اختارها علماء الأمصار، ثم اتبعت أثرهم فاخترتُ اختيارًا وافقت عليه السلف، بعد نظري في العربية، والفقه والكلام، والقراءات، والتفاسير، والسنن، والمعاني، أرجو أن ينفع بعون الله وتوفيقه"، والهذلي يحرص غالبًا على ذكر اختياره في كل كلمة فيها خلاف بين القراء، وقد يصرح بأن سبب اختياره للقراءة التي اختارها هو اتباع الجماعة وموافقة الأكثر، وقد يختار أحيانًا قراءة شاذة ليست من القراءات العشر، مثل اختياره قراءة: (بِرِبوة) بكسر الراء، واختياره قراءة (أُفُّ) بضم الفاء، واختياره قراءة (وَقِيلُهُ) بضم اللام. يُنظر: الكامل للهذلي (ص: 555، 587، 610، 634).
وذكر أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي (ت 408 هـ) في كتابه (المنتهى) خمسة عشر قراءة، وهي القراءات العشر المتواترة، واختيار أبي بحرية عبد الله بن قيس الحمصي، واختيار أبي عُبيد القاسم بن سلام، واختيار أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني، واختيار سلام بن سليمان الطويل، واختيار أيوب بن المتوكل، وقد ذكر الخزاعي أنه قرأها عرضًا على مشايخه، وذكر أسانيدها، وروى القراءات العشر بأكثر من إسناد، أما الاختيارات الخمسة الأخيرة فذكر لكل قراءة منها إسنادًا واحدًا إلى كل قارئ من القُرَّاء الخمسة الذين جمع اختياراتهم في القراءة.
وقال ابن الجَزَري (ت 833 هـ) في كتابه (النشر في القراءات العشر) (1/ 34، 35): "القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون ألَّف كتابًا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إمامًا، منهم هؤلاء السبعة، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وكان بعده الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري جمع كتابًا حافلًا سماه (الجامع) فيه نيف وعشرون قراءة، توفي سنة عشر وثلاثمائة، ... ثم جاء أبو بكر أحمد بن مجاهد أول من اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط، وقام الناس في زمانه وبعده فألَّفوا في القراءات أنواع التواليف ... وألَّف أبو عمرو الداني كتاب (جامع البيان في قراءات السبعة) ذكر فيه عنهم أكثر من خمسمائة رواية وطريق ... وألَّف أبو القاسم يوسف بن علي الهذلي كتابه (الكامل) جمع فيه خمسين قراءة عن الأئمة، و (1459) ألفًا وأربعمائة وتسعة وخمسين رواية وطريقًا". انتهى باختصار وتصرف. ويُنظر: الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها للهذلي (ص: 307).
وقال ابن الجزري أيضًا في كتابه (النشر في القراءات العشر) (1/ 43): "قال الإمام شيخ الإسلام أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي (ت 454 هـ): ليُعلم أن ليس المراعى في الأحرف السبعة المنزَّلة عددًا من الرجال دون آخرين، ولا الأزمنة ولا الأمكنة، وأنه لو اجتمع عدد لا يحصى من الأمة فاختار كل واحد منهم حروفًا بخلاف صاحبه، وجرَّد طريقًا في القراءة على حدة في أي مكان كان، وفي أي أوان أراد، بعد الأئمة الماضين في ذلك، بعد أن كان ذلك المختار بما اختاره من الحروف بشرط الاختيار؛ لما كان بذلك خارجًا عن الأحرف السبعة المنزَّلة، بل فيها متَّسَع إلى يوم القيامة".
وقال مكي بن أبي طالب القيرواني ثم الأندلسي (ت 437هـ) في كتابه الإبانة عن معاني القراءات (ص: 86 - 89): "الرواة عن الأئمة من القُرَّاء كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرًا في العدد، كثيرًا في الاختلاف، فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه، وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة وحسن الدين وكمال العلم، قد طال عمره، واشتهر أمره، وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل، وثقته فيما قرأ وروى، وعلمه بما يقرأ، فلم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم، فأفردوا من كل مصر وجَّه إليه عثمان مصحفًا إمامًا هذه صفته، وقراءته على مصحف ذلك المصر، فكان أبو عمرو من أهل البصرة، وحمزة وعاصم من أهل الكوفة، والكسائي من أهل العراق، وابن كثير من أهل مكة، وابن عامر من أهل الشام، ونافع من أهل المدينة، كلهم ممن اشتهرت إمامته، وطال عمره في الإقراء، وارتحال الناس إليه من البلدان، ولم يترك الناس مع هذا نقل ما كان عليه أئمة هؤلاء من الاختلاف، ولا القراءة بذلك، وأول من اقتصر على هؤلاء: أبو بكر بن مجاهد قبل سنة ثلاثمائة أو في نحوها، وتابعه على ذلك من أتى بعده إلى الآن، ولم تترك القراءة بقراءة غيرهم، واختيار من أتى بعدهم إلى الآن، فهذه قراءة يعقوب الحضرمي غير متروكة، وكذلك قراءة عاصم الجحدري، وقراءة أبي جعفر وشَيبة إمامَي نافع، وكذلك اختيار أبي حاتم وأبي عُبيد واختيار المفضَّل، واختيارات لغير هؤلاء الناس على القراءة بذلك في كل الأمصار، وهؤلاء الذين اختاروا إنما قرءوا لجماعة وبروايات، فاختار كل واحد مما قرأ وروى قراءة تُنسب إليه بلفظ الاختيار، وقد اختار الطبري وغيره، وأكثر اختياراتهم إنما هو في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء: قوة وجهه في العربية. وموافقته للمصحف. واجتماع العامة عليه، والعامة عندهم ما اتفق عليه أهل المدينة وأهل الكوفة، فذلك عندهم حجة قوية، فوجب الاختيار، وربما جعلوا العامة ما اجتمع عليه أهل الحرمين، وربما جعلوا الاختيار على ما اتفق عليه نافع وعاصم، فقراءة هذين الإمامين أوثق القراءات، وأصحها سندًا، وأفصحها في العربية، ويتلوهما في الفصاحة خاصة قراءة أبي عمرو والكسائي رحمهم الله" انتهى باختصار يسير.
وقد اختار بعض العلماء قراءة خاصة من بين القراءات المشهورة، وممن اعتنى بالاختيار من بين القراءات: محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) في تفسيره، وابن خالويه (ت 370 هـ) في كتابه إعراب القراءات السبع وعللها (1/ 402)، ومكي بن أبي طالب القيرواني ثم الأندلسي (ت 437 هـ) في كتابه الكشف عن وجوه القراءات السبع، وأبو القاسم الهُذَلي (ت 465 هـ) في كتابه الكامل في القراءات، فابن جرير كثيرًا ما يختار في تفسيره القراءة التي قرأ بها أكثر القُرَّاء وإن استويتا في الصحة، وقد يختار نادرًا غير قراءة الأكثر من جهة المعنى أو الإعراب، وكثيرًا ما يختار القراءة بالقراءتين أو القراءات الواردة في الآية بلا ترجيح، قال ابن جرير في تفسيره (22/ 422): "اختلفت القُرَّاء في قراءة قوله: {بمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 23] فقرأ ذلك عامة قُرَّاء الحجاز والكوفة {بما آتاكم} بمد الألف، وقرأه بعض قُرَّاء البصرة {بما أتاكم} بقصر الألف، ... والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان صحيح معناهما، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كنت أختار مد الألف لكثرة قارئي ذلك كذلك"، ويُنظر: تفسير ابن جرير (24/ 453). وقد يجيز ابن جرير نادرًا قراءة شاذة ليست من القراءات العشر، مثل إجازته قراءة (ويوم تقوم الأشهاد) بالتاء، والقُرَّاء العشرة على قراءة الآية بالياء هكذا: {وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]، قال ابن جرير في تفسيره (20/ 346): "وقرأ ذلك بعض أهل مكة وبعض قُرَّاء البصرة: (تقوم) بالتاء، والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب"، وابن خالويه يعلل اختياره غالبًا من جهة النحو أو المعنى، ينظر مثلًا: إعراب القراءات السبع وعللها (1/ 301، 402)، ومكي بن أبي طالب كثيرًا ما يختار قراءة، ويعلل اختياره بأنها قراءة الأكثر، يُنظر مثلًا: الكشف عن وجوه القراءات السبع (1/ 361، 401)، وقال أبو القاسم الهذلي في كتابه الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها (ص: 307): "هذا ما انتهى إلينا من السبعة ورجالها والاختيارات التي اختارها علماء الأمصار، ثم اتبعت أثرهم فاخترتُ اختيارًا وافقت عليه السلف، بعد نظري في العربية، والفقه والكلام، والقراءات، والتفاسير، والسنن، والمعاني، أرجو أن ينفع بعون الله وتوفيقه"، والهذلي يحرص غالبًا على ذكر اختياره في كل كلمة فيها خلاف بين القراء، وقد يصرح بأن سبب اختياره للقراءة التي اختارها هو اتباع الجماعة وموافقة الأكثر، وقد يختار أحيانًا قراءة شاذة ليست من القراءات العشر، مثل اختياره قراءة: (بِرِبوة) بكسر الراء، واختياره قراءة (أُفُّ) بضم الفاء، واختياره قراءة (وَقِيلُهُ) بضم اللام. يُنظر: الكامل للهذلي (ص: 555، 587، 610، 634).
وذكر أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي (ت 408 هـ) في كتابه (المنتهى) خمسة عشر قراءة، وهي القراءات العشر المتواترة، واختيار أبي بحرية عبد الله بن قيس الحمصي، واختيار أبي عُبيد القاسم بن سلام، واختيار أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني، واختيار سلام بن سليمان الطويل، واختيار أيوب بن المتوكل، وقد ذكر الخزاعي أنه قرأها عرضًا على مشايخه، وذكر أسانيدها، وروى القراءات العشر بأكثر من إسناد، أما الاختيارات الخمسة الأخيرة فذكر لكل قراءة منها إسنادًا واحدًا إلى كل قارئ من القُرَّاء الخمسة الذين جمع اختياراتهم في القراءة.
وقال ابن الجَزَري (ت 833 هـ) في كتابه (النشر في القراءات العشر) (1/ 34، 35): "القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون ألَّف كتابًا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إمامًا، منهم هؤلاء السبعة، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وكان بعده الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري جمع كتابًا حافلًا سماه (الجامع) فيه نيف وعشرون قراءة، توفي سنة عشر وثلاثمائة، ... ثم جاء أبو بكر أحمد بن مجاهد أول من اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط، وقام الناس في زمانه وبعده فألَّفوا في القراءات أنواع التواليف ... وألَّف أبو عمرو الداني كتاب (جامع البيان في قراءات السبعة) ذكر فيه عنهم أكثر من خمسمائة رواية وطريق ... وألَّف أبو القاسم يوسف بن علي الهذلي كتابه (الكامل) جمع فيه خمسين قراءة عن الأئمة، و (1459) ألفًا وأربعمائة وتسعة وخمسين رواية وطريقًا". انتهى باختصار وتصرف. ويُنظر: الكامل في القراءات العشر والأربعين الزائدة عليها للهذلي (ص: 307).
وقال ابن الجزري أيضًا في كتابه (النشر في القراءات العشر) (1/ 43): "قال الإمام شيخ الإسلام أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي (ت 454 هـ): ليُعلم أن ليس المراعى في الأحرف السبعة المنزَّلة عددًا من الرجال دون آخرين، ولا الأزمنة ولا الأمكنة، وأنه لو اجتمع عدد لا يحصى من الأمة فاختار كل واحد منهم حروفًا بخلاف صاحبه، وجرَّد طريقًا في القراءة على حدة في أي مكان كان، وفي أي أوان أراد، بعد الأئمة الماضين في ذلك، بعد أن كان ذلك المختار بما اختاره من الحروف بشرط الاختيار؛ لما كان بذلك خارجًا عن الأحرف السبعة المنزَّلة، بل فيها متَّسَع إلى يوم القيامة".
وقال مكي بن أبي طالب القيرواني ثم الأندلسي (ت 437هـ) في كتابه الإبانة عن معاني القراءات (ص: 86 - 89): "الرواة عن الأئمة من القُرَّاء كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرًا في العدد، كثيرًا في الاختلاف، فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه، وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة وحسن الدين وكمال العلم، قد طال عمره، واشتهر أمره، وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل، وثقته فيما قرأ وروى، وعلمه بما يقرأ، فلم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم، فأفردوا من كل مصر وجَّه إليه عثمان مصحفًا إمامًا هذه صفته، وقراءته على مصحف ذلك المصر، فكان أبو عمرو من أهل البصرة، وحمزة وعاصم من أهل الكوفة، والكسائي من أهل العراق، وابن كثير من أهل مكة، وابن عامر من أهل الشام، ونافع من أهل المدينة، كلهم ممن اشتهرت إمامته، وطال عمره في الإقراء، وارتحال الناس إليه من البلدان، ولم يترك الناس مع هذا نقل ما كان عليه أئمة هؤلاء من الاختلاف، ولا القراءة بذلك، وأول من اقتصر على هؤلاء: أبو بكر بن مجاهد قبل سنة ثلاثمائة أو في نحوها، وتابعه على ذلك من أتى بعده إلى الآن، ولم تترك القراءة بقراءة غيرهم، واختيار من أتى بعدهم إلى الآن، فهذه قراءة يعقوب الحضرمي غير متروكة، وكذلك قراءة عاصم الجحدري، وقراءة أبي جعفر وشَيبة إمامَي نافع، وكذلك اختيار أبي حاتم وأبي عُبيد واختيار المفضَّل، واختيارات لغير هؤلاء الناس على القراءة بذلك في كل الأمصار، وهؤلاء الذين اختاروا إنما قرءوا لجماعة وبروايات، فاختار كل واحد مما قرأ وروى قراءة تُنسب إليه بلفظ الاختيار، وقد اختار الطبري وغيره، وأكثر اختياراتهم إنما هو في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء: قوة وجهه في العربية. وموافقته للمصحف. واجتماع العامة عليه، والعامة عندهم ما اتفق عليه أهل المدينة وأهل الكوفة، فذلك عندهم حجة قوية، فوجب الاختيار، وربما جعلوا العامة ما اجتمع عليه أهل الحرمين، وربما جعلوا الاختيار على ما اتفق عليه نافع وعاصم، فقراءة هذين الإمامين أوثق القراءات، وأصحها سندًا، وأفصحها في العربية، ويتلوهما في الفصاحة خاصة قراءة أبي عمرو والكسائي رحمهم الله" انتهى باختصار يسير.