حكم حذف التغريده !

إنضم
15/04/2006
المشاركات
161
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
حكم حذف التغريدة !
هذا موضوع لطيف إنقدح في ذهني بعد مشاهدات كثيرة عن بعض المغرِّدين المشاهير تُفيد بحذف تغريداتهم بعد تدوينها في بعض مواقع التواصل الإجتماعي .

والحذف والإثبات معروف قديماً عند العلماء لكنه على حسب مصلحة الشرع وجوداً وعدماً . ومن المسائل الأصولية التي تتعلَّق بهذا الموضوع المليح قول بعض الأصوليين : لا يجوز إحداث قول ثالث إذا اختلف الصحابة في مسألة على رأيين .

الكتابة والتدوين بمنزلة الإقرار والشهادة في كثيرٍ من اعتباراتها ، وهي توثيق خطِّي كتابي لما يعتقده الكاتب أو يشرع في تحريره .

المقصود بحذف التغريدة : حذف إقرار الكاتب أو المحرِّر لحقيقة معينة قام بتحريرها ثم نقضها من تلقاء نفسه .
السبب الرئيس لحذف المغرِّدين لتغريداتهم أو بعضها هو غموض الهدف وقِلة المعلومات والخوف من الأذى المعنوي أو البدني .

سًهيل بن عمرو في بيعة الرضوان أمر علياً رضي الله عنه بمسح وحذف عبارة ” محمد رسول الله ” واستبدالها بعبارة ” محمد بن عبد الله ” في القصة المشهورة ، لإعتقاده بصدق مذهبه ودعوة قومه .

في الفقه الإسلامي يحرم على المغرِّد أو الكاتب أن يُحرِّر شيئاً للناس وهو في حَنق أو يُعاني من حيرة أو تردُّد في اتخاذ قرار ، أو لا يملك الشجاعة الأدبية للتعبير عن رأيه وتحمُّل مسؤوليته .

ومصطلح الإقرار الكاذب تناوله الإمام ابن تيمية ( ت: 728هـ) رحمه الله تعالى بشيءٍ من الإسهاب في فتاويه ،وبيَّن أنه لا يعتدُّ به ويحرم كتابته أو تلقينه أو الشهادة به.

وما أشار إليه الإمام موجود في عصرنا للأسف الشديد وهو الإخبار بشيءٍ لا حقيقة له ، أو الشهادة بأمور لا تصح ويجب تكذيبها ، للقرائن والشواهد المانعة لها ، كالإقرار بالمنامات الكاذبة والحوادث المختلقة والقصص المكذوبة عن أحوال الناس أو الدُّول والحكومات وأهل العلم الصالحين والطالحين على حدِّ سواء .

بعض الكتابات أو التغريدات يترتب عليها حُقوق للناس في أعراضهم أو أموالهم أو حياتهم الشخصية ، وقد تكون سبباً في ملاسنات أو دعاوى طويلة في المحاكم ودوائر القضاء.

الترف في الكتابة أو التحرير بدون هدف واضح يُسبِّب عوائق صعبة للكاتب أو المغرِّد ، وربما أمراض وعقد نفسية يؤول إليها بقلمه ، وقد ينتهي إلى الطعن في الأديان وأنبياء الله وكتبه واليوم الآخر ، كما هو حال كثيرٍ ممن يكتب في مواقع التواصل .

ثبت عن كثيرٍ من الأئمة المتكلمين تراجعهم عن مذهبهم أو طريقتهم في مسائل العلم كالأئمة الجويني( ت: 478هـ) والغزالي( ت: 505هـ) والرازي ( ت: 60هـ) عفى الله تعالى عنهم .

ومن العلماء من صنَّف كتاباً ثم ندم على تصنيفه كوهب بن منبِّه رحمه الله تعالى ( ت: 114هـ ) ، فقد صنَّف في القدر كتاباً ثم ندم عليه ، لأن القدر سِّر الله في خلقه ، ويثقل فهمه على عوام الناس فضلاً عن خواصهم .

ولما حدثت الفِتن بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وخاض فيها من خاض من الكبار والأعيان ، اعتزل بعضهم وندموا على أقوالهم وما كتبه البعض فيها من أحاديث وروايات توغر النفوس .

من الفقه في دين الله الثبات على المبدأ إن اعتقد صاحبه أنه على الحق ، وقد يؤجر على ذلك .

وقد ثبت أن أمَّ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، كانت تغضب على ولدها ليغيِّر دينه ، فيقول لها : ” يا أُمَّاه : لو كانت لك مئة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركتُ ديني ، فكلي وإن شئتِ فلا تأكلي ” .

وفي قصة الحاكم العبيدي الفاطمي ( ت: 411هـ) عبرة لما أحضر الإمام النابلسي( ت: 363هـ ) رحمه الله تعالى وقال له :
إنك تقول لو : أن لي عشرة أسهم لرميتُ النصارى بتسعة أسهم والعبيديون بسهم ، قال لا لم أقل ذلك ، وإنما قلتُ :
لو أن عندي عشرة أسهم لرميتكم بتسعة ، والنصارى بسهم، فأمر بسلخ جلده عن لحمه ، ولما وصل قلبه طعنه بالسِّكين . وهذه القصة صححها الإمام الذهبي( ت: 748هـ) في تاريخه .

• مما تقدَّم يتبيَّن أن حذف التغريدة على أقسام :

الأول : حذف التغريدة بسبب التراجع عن فكرة لا يمكن الوثوق بها . وهذا جائز ومباح .
الثاني : حذف التغريدة بسبب ندم الكاتب على منهج دعى إليه أو فكرة لم تثبت في قلبه . وهذا واجب إن كان المقصد صحيحاً .
الثالث : حذف التغريدة بسبب حيرة ورؤية غير كاملة في النفس . وهذا يختلف حُكمه باختلاف الحيرة وحكمها في الشرع .
الرابع : حذف التغريدة بسبب الإفلاس في الدعوة إلى معتقد أو مذهب باطل . وهذا واجب وقد يكون من باب التوبة .
الخامس : حذف التغريدة بسبب إقرار باطلٍ وشهادة كاذبة . وهذا محرم وباب هلاك لصاحبه .

ومن أراد التوسع في الإقرار الذي يجوز الرجوع عنه والإقرار الذي لا يجوز الرجوع عنه ، فليطالع كتاب الفروق للقرافي(ت: 684هـ ) رحمه الله تعالى ففيه فوائد ماتعة عن هذه المسألة من الناحية الشرعية .
ومن المسائل المليحة هنا تراجع القاضي عن حُكمه إذا تناقض الشهود أو تراجعوا .
فقد روي أن رجلين شهدا عند الإمام عليِّ رضي الله عنه على آخر بالسرقة فَقطع يده، ثم عادا بعد ذلك برجلٍ غيره قائلين: إنما السارق هذا، كنا مخطئين، بعد أن قُطعت يده، فقال عليُّ رضي الله عنه: لا أصدقكما على هذا الآخر، وأضمِّنكما دية يد الأول، ولو أنِّي أعلمكما فعلتما ذلك عمداً، قطعت أيديكما، لا أُصدِّقكما على هذا الآخر ، وأنتما تضمنان دية اليد المقطوعة .

والمقصود أن حذف التغريدة يدل على علم المغرد أو صلاحه أو عكس بذلك بحسب الحال . وقد تقرَّر عند الأصوليين أن الإمام أحمد تتعدَّد رواياته في المسألة الواحدة إن لم يترجَّح له في أبواب العلم شي .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
1437/1/8هـ .

د/ أحمد بن مسفر العتيبي


( منقول )


حكم حذف التغريدة ! | مدونة المتوقِّد
 
عودة
أعلى