حكم الوقف على قوله: " لَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ...

أحمد نجاح

New member
إنضم
22/02/2011
المشاركات
940
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
حكم الوقف على قوله: " لَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ" البقرة 282 .
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فحكم الوقف هنا مبنيٌ على تعلق الكاف في " كَمَا عَلَّمَهُ "، ومحل الفاء في " فليكتب" والواو في " وليملل " .
وقد تعدد أقوال العلماء فيها، ونلخصها في الآتي :
قيل الكاف في" كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ" متعلقة بـ " أن يكتب" على أنه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، وتكون الكاف للتشبيه، والتقدير : أَنْ يكتبَ كتابةً مثلَ ما عَلَّمه الله، ويكون قوله " فليكتب" في تلك الحال على سبيل التوكيد، فبعد أن نهاه عن الامتناع عن الكتابة المقيدة بكونها على الكيفية التي علمه الله إياها، أكده بقوله " فَلْيَكْتُبْ "،أي: : فَلْيَكْتُب تلك الكتابةَ على تلك الكيفية ولا يَعْدِلُ عنها .
وقيل متعلقة بـ " ولا يأب " على سبيل التعليل، والمعنى: لا يمتنع عن الكتابة؛ لأنه كما علمه الله إياها ويسرها له ونفعه بها، فعليه أن ينفع غيره بها فهي من باب قوله { وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ" ويكون قوله " فليكتب" على سبيل التوكيد -أيضا- للأمر المستفاد من قوله : { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ } .
وقيل متعلقة بقوله " فليكتب"، أي : فليكتب كما علمه الله، فيكون النهي-أولا- عن الامتناع عن الكتابة مطلقا " ولا يأب كاتب أن يكتب"، ثم أمر بها مقيدة بكونها موافقة للشرع " كما علمه الله فليكتب ".
وقيل يجوز -على تعلقها بـ فليكتب "- أن تكون تعليلا أيضا، أي : ولا يأب كاتب أن يكتب، لأجل ما علمه الله فليكتب .
أما الفاء في " فليكتب" فواقعة في جواب شرط مقدر أي: إن استكتب الكاتب فليكتب .
والواو في " وليملل " عاطفة، من باب عطف الجمل، واللام للأمر، والفعل مجزوم بها، وفاعله الموصول بعدها، أى: وعلى المدين الذي عليه الدين وقد التزم بأدائه أن يمل على الكاتب هذا الدين .
فعلى القول بأن الكاف في " كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ" متعلقة بـ " أن يكتب " يجوز الوقف على "عَلَّمَهُ اللَّهُ " وعلى " فليكتب" ، ولا يجوز الوقف على " أن يكتب".
وكذلك الحال مع تعلقها بـ " ولا يأب " ، يجوز الوقف على الاثنين،ولا يجوز على "أن يكتب" .
وعلى القول بتعلقها بـ " فليكتب" يجوز الوقف على " أن يكتب" وعلى " فليكتب"، ولا يجوز على " علمه الله " .
لذا أدرج بعض العلماء هذا الوقف ضمن وقوف المراقبة ( المعانقة) فمن وقف على " أن يكتب" لا يقف على " عَلَّمَهُ اللَّهُ " لتعلق الكاف حينها بـ " فليكتب"، ومن وقف " عَلَّمَهُ اللَّهُ " لا يقف على " أن يكتب" لتعلق القاف حينها بـ " أن يكتب" أو "ولا يأب" على نحو ما مر بيانه .
على كل، الوقف جائز على "عَلَّمَهُ اللَّهُ " وعلى " فليكتب"، أما الوقف على " عَلَّمَهُ اللَّهُ "، ووصل " فليكتب" بما بعدها -على النحو الموجود في غالب المصاحف- فضعيف؛ لأن في هذا الوقف إيهاما بأن الأمر بالكتابة والإملاء صادر للمدين، وهذا -على ما فيه من تضارب المعنى- غير صحيح.
وهذا الضعف مبني على فصل " فليكتب" عما قبلها، ووصلها بما بعدها، أما لو وصل القارئ قوله" فليكتب" بما قبله ووصله بما بعده فلا شيء فيه على هذا النحو؛ لوضوح تعلق " فليكتب" بما قبله، بما لا يقع معه الإيهام المذكور، علما بأن العلماء -علماء الوقف والابتداء-الذين ذكروا الوقف على " عَلَّمَهُ اللَّهُ " ذكروا كذلك على "فليكتب" .
ولا يمنع الوقف هنا كون الواو في " وليملل" عاطفة؛ لأنه من عطف الجمل، وعطف الجمل في حكم الاستئناف على ما ذكره الأشموني في غير موضع، فالوقف عليه كاف على جميع التوجيهات السابقة .
تفريعات:
- لا يمنع تأخرُ "فليكتب" تعلقَ الكاف في " كما علمه " بـ " فليكتب"؛ فقد جاء في " إعراب القرآن" المنسوب للزجاج تحت باب " ما جاء في التنزيل من التقديم والتأخير"، مستدلا على ذلك بتوجيه الفارسي له .
- ذكر الأشموني أن من وقف على " أن يكتب " وابتدأ بـ " كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فليكتب" ثم وقف فقد تعسف، ولا وجه له؛ لثبوته لغة وتفسيرا، فوقف التعسف يعطي معنى غير مراد في الآية، وقد ثبت صحة الوقفين معا، وعليه جمع من النحويين والمفسرين .
- لم يذكر ابن الأنباري وأبو جعفر النحاس سوى الوقف على "فليكتب"، ولم يتعرضا لـ" عَلَّمَهُ اللَّهُ " .
- وُضع علامة وقف على " فليكتب" في المصاحف الجزائرية المطبوعة على رواية ورش، ورأيتُ مصحفا جديدا مطبوعا في قطر وضع علامة "صلي" على الموضعين :" عَلَّمَهُ اللَّهُ " و"فليكتب" .
- ذكرتُ هذا الكلام دون تفصيل -في اتصال هاتفي- للشيخ العالم الجليل محمد تميم الزعبي -عضو لجنة تصحيح المصاحف بمجمع الملك فهد- فذكر لي ما ذكره الأشموني، فأجبته بنحو ما أجبت أعلاه وانتهى الاتصال على ذلك .
والحمد لله رب العالمين
المراجع كتب التفسير، وإعراب القرآن، والوقف والابتداء .
 
عودة
أعلى