د. جمال القرش
Member
حكم الوقف على قوله: { بهذا مَثَلاً }[ البقرة: 26 ].
قال تعالى: { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا }مـ{ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } [ البقرة: 26 ].
رموز المصاحف: توافقت المصاحف المختارة وهي ( الشمرلي، المدينة، دمشق، باكتسان) على وضع علامة الوقف اللازم على هذا الموضع.
التوجيه النحوي:
معرفة الوقف يكون بالنظر إلى توجيه إعراب جملة (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا)، وفيها ثلاثة أقوال:
القول الأول : لا محل لها استئنافية[1]
القول الثاني: في محلِّ نصب صفة لمَثَلاً[2]
القول الثالث: أن تكونَ حالاً من اسمِ الله[3]
واختار القول الأول: الزجاج، وأبو حيان، والسمين الحلبي، باعتبار أنه مستأنف من كلام الله،جارية مجرى التفسير والبيان للجملتين المصدرتين بأمّا . [4]
قال الزجاج: (ت: 311هـ): فقال اللَّه عزَّ وجلَّ: (يُضِل بِهِ كَثِيراً). أي يَدعو إلى التصْدِيقِ بِه الخَلْق جميعاً فيكذبُ به الكفارُ – فيُضَلون [5]
واختار الرأي الثاني : الفراء : (ت: 207هـ) قال : ماذا أراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد يضل به هذا ويهدي به هذا، قال الله: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ. [6]
وجوزه ابن عطية : (ت: 541 هـ): على تقدير: مَثَلاً يُفَرِّقُ الناسَ به، إلى ضُلاَّلٍ ومُهْتدِين، وتكون بذلك جملة ( يضل به .. ) من الكفار، وقوله: {وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} من كلام الباري تعالى، وأنكر السمين الحلبي هذا وقال ( وهذا ليس بظاهرٍ، لأنه إلباسٌ في التركيب[7].
ورد أبو على هذا التوجيه وقال : هذا خبر مبتدأ وليس بصفة لمثلٍ، بدلالة قوله { كذلك يضل الله } في الأخرى [8]
ورد أبي حيان: (ت: 754 هـ) هذا التوجيه بقوله: (وَهَذَا الْوَجْهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، لِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْهُ هُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ مَا، أَيُّ مَثَلٍ: كَانَ بَعُوضَةً، أَوْ مَا فَوْقَهَا، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّمَا سَأَلُوا سُؤَالَ اسْتِهْزَاءٍ وَلَيْسُوا مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّ هَذَا الْمَثَلَ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، إِلَّا إِنْ ضُمِّنَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ اعْتِقَادِكُمْ وَزَعْمِكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَيُمْكُنُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ كَوْنُهُ إِخْبَارًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الظَّاهِرُ[9]
وجوز القول الثالث: أبو البقاء العكبري، وهي أن تكونَ حالاً من اسمِ الله أي: مُضِلاً به كثيراً وهادياً به كثيراً. قال: (يُضِلُّ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ صِفَةٌ لِلْمَثَلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ اسْمِ اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا[10]
وخلاصة القول: هو ترجيح النحاة للاستئناف، مع احتمال أن تكون من تتمة على النعت أو الحالية ولكنه ليس بالقوى.
توجيه علماء الوقف:
اختلف علماء الوقف في الحكم على هذا الموضع:
القول الأول: هذا الوقف، وهو قول أبي حاتم والنحاس[11]
القول الثاني : لازم، وهو اختيار السجاوندي [12]
القول الثالث: التفصيل بين الكفاية والجواز، وهو قول الأنصاري، والأشموني[13]
القول الرابع: لا وقف وهو اختيار الفراء [14]
مناقشة الأقوال:
وتوجيه الوقف التام باعتبار أن جملة ( يضل به ..9 مستأنفة وانتهاء كلام الكفار، وهو الظاهر من قول النحاس قال : (( قال أبو حاتم : هذا الوقف، وأما الفراء فليس هذا عنده تمام، والتمام عنده (ويهدي به كثيرا)، وقال أبو جعفر النحاس والأولى في هذا ما قاله أبو حاتم : والدليل على ذلك قوله عز وجل في سورة المدثر : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا } [الْمُدَّثِّرِ: 31]. ثم قال الله عز وجل (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْمُدَّثِّرِ: 31] [15].
وتوجيه الوقف اللازم بيَّنها السجاوندي بقوله: (( لأنه لو وصل صار ما بعده صفة له، ليس صفة، وإنما هو ابتداء إخبار من الله عز وجل جوابا لهم )) [16] وعلى ذلك يكون دفعا لتوهم معنى غير مراد وهو توهم أن قوله : ( يضل به كثيرا .. ) من كلام الكفار.
وقال النسفي: (ت: هـ): يوقف عليه إذ لو وصل لصار ما بعده صفة له وليس كذلك)) [17].
وقال ابن عثيمين: (ت: 1421 هـ): ينبغي الوقوف على قوله تعالى: {ماذا أراد الله بهذا مثلاً}؛ و {يضل به} أي بالمثل؛ {كثيراً} أي من الناس[18]
وتوجيه الوقف الكاف علله الأنصاري باعتبار استئناف ما بعده جوابا من الله للكفار والجواز باعتبار احتالية الوصل على تمام الحكاية[19]
وتوجيه عدم الوقف باعتباره أن جملة ( يضل به كثيرا) صفة لمثلا، أو حالاً من اسمِ الله، وبذلك يكون الكلام متصلا لفظا، ومعنى عن حكاية ما سق، وهو قول الفراء قال : ماذا أراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد يضل به هذا ويهدي به هذا، قال الله: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ. [20] ولم يذكر ابن الأنباري والداني وقفًا هنا [21]
وبعد عرض أقوال علماء الوقف يظهر أن ترجيح الاستئناف هو الذي عليه أكثر علماء الوقف، مما يؤيد لزوم الوقف لدفع التوهم المتوقع، مع احتمال أن يكون الوقف كافيا باعتبار اتصال االرد عن الكفار فيما قالوه.
أقوال علماء التفسير:
القول الأول : أنها مستأنفة من كلام الله ردا على الكافرين، والمعنى يُضلّ الله تعالى بهذا المثل كثيرًا من أهل النفاق والكفر الذين يكذبونه، وينكرونه، فيزيدهم ضلالا إلى ضلالهم، ويهدي به كثيرا من المؤمنين، بأن يوفقهم لمعرفة هذا المثل، فيزيدهم هدى إلى هداهم،. وهو قول مقاتل، والسدي، و الطبري، والزجاج، والسمرقندي، والثعالبي، والبغوي، وابن كثير، وغيرهم.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1. أن هذا التوجيه يظهر جليا في سورة المدثر في قوله تعالى: (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا } [الْمُدَّثِّرِ: 31]. هذا من كلام الكفار، ثم قال الله عز وجل ردا عليهم (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْمُدَّثِّرِ: 31]. [22]
2. الاعتراض بأن الكافرين لا يقرون بان القرآن فيه هداية، كما قال الشوكاني : (( وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْكَافِرِينَ لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا مِنَ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَعْتَرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الضَّلَالَةِ[23]
3. أن المعنى فيه رَدٌّ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ الضَّلَالَ وَلَا الْهُدَى، ودفعا لرائحة الاعتزال[24].
قال أبو جعفر الطبري ( ت:310هـ) :"يضلّ به كثيرًا"، هذا خبر من الله جل ثناؤه مبتدَأٌ، ومعنى الكلام: أن الله يُضلّ بالمثل الذي يضربه كثيرًا من أهل النفاق والكفر:- فيزيد هؤلاء ضلالا إلى ضلالهم، لتكذيبهم بما قد علموه حقًّا يقينًا من المثل الذي ضربه الله لما ضرَبه له[25]
وقال الزجاج: (ت:311هـ): أي يَدعو إلى التصْدِيقِ بِه الخَلْق جميعاً فيكذبُ به الكفارُ – فيُضَلون [26]
قال السمرقندي: (ت:375 هـ): قال الله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً، أي إنما ضرب المثل ليضل به كثيراً من الناس، يعني يخذلهم ولا يوفقهم وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، يعني يوفق به على معرفة ذلك المثل كثيراً من الناس وهم المؤمنون. [27]
قال البغوي: (ت: 510 هـ): ثُمَّ أَجَابَهُمْ فقال: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً من الكفار، وذلك أنهم يكذبون فَيَزْدَادُونَ ضَلَالًا، وَيَهْدِي بِهِ، أَيْ: بهذا المثل كَثِيراً من الْمُؤْمِنِينَ فَيُصَدِّقُونَهُ، وَالْإِضْلَالُ هُوَ الصَّرْفُ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ[28]
قال الثعالبي: (ت : 875 هـ): أجابهم الله تعالى فقال: أراد الله بهذا المثل يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً من الكافرين ذلك أنهم ينكرونه ويكذّبونه وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً من المؤمنين يعرفونه ويصدّقون[29].
قال الشوكاني : (ت: 1250هـ): يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً هُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِلْجُمْلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ الْمُصَدَّرَتَيْنِ بِأَمَّا، فَهُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقِيلَ: هُوَ حِكَايَةٌ لِقَوْلِ الْكَافِرِينَ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: مَا مُرَادُ اللَّهِ بِهَذَا الْمَثَلِ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ النَّاسَ إِلَى ضَلَالَةٍ وَإِلَى هُدًى؟ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْكَافِرِينَ لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا مِنَ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَعْتَرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الضَّلَالَةِ [30]
القول الثاني: أن ( يضل به كثيرا ..) من تتمة الحكاية: وهو قول الكافرين والمعنى : ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى؟، وهو أحد اختيار الإمام مكي، وابن عطية، والقرطبي.
قال الإمام مكي المتوفى: (ت: 437هـ): أي يضل بهذا المثل خلقاً كثيراً، وهذا من قول المنافقين، وقيل: هو من قول الله جَلَّ ذكره، ودَلَّ عليه قوله: {وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً}، وهذا لا يكون من قول المنافقين لأنهم لا يقرون أن هذا المثل / يهدى به أحد، فهو من قول الله بلا اختلاف. [31]
قال ابن عطية: (ت: 541 هـ): واختلف المتأولون في قوله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً
فقيل :هو من قول الكافرين، أي ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى؟
وقيل بل هو خبر من الله تعالى أنه يضل بالمثل الكفار الذين يعمون به، ويهدي به المؤمنين الذين يعلمون أنه الحق. [32]
قال ابن الجوزي (ت:597هـ) ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا، أو هو مبتدأ من كلام الله عزّ وجلّ؟ على قولين: أحدهما: أنه تمام الكلام الذي قبله، قاله الفراء، وابن قتيبة. قال الفراء: كأنهم قالوا: ماذا اراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد، يضل به هذا، ويهدي به هذا؟! ثم استؤنف الكلام والخبر عن الله. فقال الله: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ. والثاني: أنه مبتدأ من قول الله تعالى، قاله السّدّيّ ومقاتل[33]
قال القرطبي: (ت: 671هـ): قِيلَ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْكَافِرِينَ، أَيْ مَا مُرَادُ اللَّهِ بِهَذَا الْمَثَلِ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ النَّاسَ إِلَى ضَلَالَةٍ وَإِلَى هُدًى. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَشْبَهُ، لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِالْهُدَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ، فَالْمَعْنَى: قُلْ يُضِلُّ اللَّهُ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا، أَيْ يُوَفِّقُ وَيَخْذِلُ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ الضَّلَالَ وَلَا الْهُدَى.[34]
ترجيح الأقوال:
بعد النظر في الأقوال السابقة يظهر أن الراجح والأقوى أن يكون ( يضل به) من كلام الله ردا على الكافرين، فالله يُضلّ الله تعالى بهذا المثل كثيرًا من أهل النفاق والكفر الذين يكذبونه، وينكرونه، فيزيدهم ضلالا إلى ضلالهم، ويهدي به كثيرا من المؤمنين، بأن يوفقهم لمعرفة هذا المثل، فيزيدهم هدى إلى هداهم، وبذلك يكون الوقف تاما باعتبار أن كلام الله عام يشمل من سبق وغيرهم، وباعتبار الرد خاصة على من سبق يكون كافيا لارتباط المعنى،، وباعتبار دفع التوهم يكون الوقف لازما، ويوضح ذلك ما يلي:
1. أن هذا التوجيه يظهر جليا في سورة المدثر في قوله تعالى: (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا } [الْمُدَّثِّرِ: 31]. هذا من كلام الكفار، ثم قال الله عز وجل ردا عليهم (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْمُدَّثِّرِ: 31]. [35]
2. أن المعنى فيه رَدٌّ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ الضَّلَالَ وَلَا الْهُدَى، ودفعا لرائحة الاعتزال.
3. الاعتراض عليه كما قال الشوكاني : (( وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْكَافِرِينَ لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا مِنَ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَعْتَرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الضَّلَالَةِ[36]
4. أنه اختيار عامة النحاة وعلماء الوقف والتفسير، كالزجاج وأبي حيان، وأبو حاتم، والنحاس، والأنصاري، ومقاتل، والسدي، و الطبري، والزجاج، والسمرقندي، والثعالبي، والبغوي، وابن كثير، والدكتور مساعد الطيار في كتابه وقوف القرآن [37] وغيرهم
5. أن لزوم الوقف ذكره أكثر اهل العلم كالسجاوندي، والنسفي، وابن عثيمين، وتوافق المصاحف المختارة (الشمري، والمدينة، والشام، والباكستاني) على لزوم الوقف دفعا للتوهم أنه من قول الكفار، والله تعالى أعلى وأعلم.
[1] الدر المصون: 232، و إعراب القرآن وبيانه، درويش : 69
[2] البحر المحيط: 203، والجدول : 1/ 86، إعراب القرآن وبيانه، درويش : 69
[3] المجتبى من مشكل إعراب القرآن 1: 13
[4] إعراب القرآن وبيانه، درويش : 69
[5] معاني القرآن وإعرابه للزجاج : 105
[6] معاني القرآن للفراء : 23
[7] الدر المصون: 232
[8] معاني القرآن وإعرابه للزجاج : 105
[9] البحر المحيط: 203
[10] التبيان في إعراب القرآن : 44
[11] انظر: القطع : 47
[12] علل الوقوف : 193- 194.
[13] التبيان في إعراب القرآن : 44
[14] التبيان في إعراب القرآن : 44
[15] القطع : 47، ومعاني القرآن للفراء : 23
[16] علل الوقوف : 193- 194.
[17] تفسير النسفي: 72
[18] تفسير ابن عثيمين : 97
[19] منار الهدى مع المقصد: 90
[20] معاني القرآن للفراء : 23
[21] الإيضاح: 105، والمكتفى: 20
[22] القطع : 47، ومعاني القرآن للفراء : 23
[23] فتح القدير: 68
[24] القرطبي: 244
[25] تفسير الطبري : 408
[26] معاني القرآن للزجاج : 105
[27] بحر العلوم: 37
[28] معالم التنزيل : 100
[29] الجواهر الحسان في تفسير القرآن: 173
[30] فتح القدير: 68
[31] الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره : 202
[32] ابن عطية : 112
[33] زاد المسير : 47
[34] القرطبي: 244
[35] القطع : 47، ومعاني القرآن للفراء : 23
[36] فتح القدير: 68
[37] وقوف القرآن وأثرها على التفسير : 287.
البحث من كتاب مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء لـ جمال القرش
قال تعالى: { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا }مـ{ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } [ البقرة: 26 ].
رموز المصاحف: توافقت المصاحف المختارة وهي ( الشمرلي، المدينة، دمشق، باكتسان) على وضع علامة الوقف اللازم على هذا الموضع.
التوجيه النحوي:
معرفة الوقف يكون بالنظر إلى توجيه إعراب جملة (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا)، وفيها ثلاثة أقوال:
القول الأول : لا محل لها استئنافية[1]
القول الثاني: في محلِّ نصب صفة لمَثَلاً[2]
القول الثالث: أن تكونَ حالاً من اسمِ الله[3]
واختار القول الأول: الزجاج، وأبو حيان، والسمين الحلبي، باعتبار أنه مستأنف من كلام الله،جارية مجرى التفسير والبيان للجملتين المصدرتين بأمّا . [4]
قال الزجاج: (ت: 311هـ): فقال اللَّه عزَّ وجلَّ: (يُضِل بِهِ كَثِيراً). أي يَدعو إلى التصْدِيقِ بِه الخَلْق جميعاً فيكذبُ به الكفارُ – فيُضَلون [5]
واختار الرأي الثاني : الفراء : (ت: 207هـ) قال : ماذا أراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد يضل به هذا ويهدي به هذا، قال الله: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ. [6]
وجوزه ابن عطية : (ت: 541 هـ): على تقدير: مَثَلاً يُفَرِّقُ الناسَ به، إلى ضُلاَّلٍ ومُهْتدِين، وتكون بذلك جملة ( يضل به .. ) من الكفار، وقوله: {وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} من كلام الباري تعالى، وأنكر السمين الحلبي هذا وقال ( وهذا ليس بظاهرٍ، لأنه إلباسٌ في التركيب[7].
ورد أبو على هذا التوجيه وقال : هذا خبر مبتدأ وليس بصفة لمثلٍ، بدلالة قوله { كذلك يضل الله } في الأخرى [8]
ورد أبي حيان: (ت: 754 هـ) هذا التوجيه بقوله: (وَهَذَا الْوَجْهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، لِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْهُ هُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ مَا، أَيُّ مَثَلٍ: كَانَ بَعُوضَةً، أَوْ مَا فَوْقَهَا، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّمَا سَأَلُوا سُؤَالَ اسْتِهْزَاءٍ وَلَيْسُوا مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّ هَذَا الْمَثَلَ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، إِلَّا إِنْ ضُمِّنَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ اعْتِقَادِكُمْ وَزَعْمِكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَيُمْكُنُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ كَوْنُهُ إِخْبَارًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الظَّاهِرُ[9]
وجوز القول الثالث: أبو البقاء العكبري، وهي أن تكونَ حالاً من اسمِ الله أي: مُضِلاً به كثيراً وهادياً به كثيراً. قال: (يُضِلُّ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ صِفَةٌ لِلْمَثَلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ اسْمِ اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا[10]
وخلاصة القول: هو ترجيح النحاة للاستئناف، مع احتمال أن تكون من تتمة على النعت أو الحالية ولكنه ليس بالقوى.
توجيه علماء الوقف:
اختلف علماء الوقف في الحكم على هذا الموضع:
القول الأول: هذا الوقف، وهو قول أبي حاتم والنحاس[11]
القول الثاني : لازم، وهو اختيار السجاوندي [12]
القول الثالث: التفصيل بين الكفاية والجواز، وهو قول الأنصاري، والأشموني[13]
القول الرابع: لا وقف وهو اختيار الفراء [14]
مناقشة الأقوال:
وتوجيه الوقف التام باعتبار أن جملة ( يضل به ..9 مستأنفة وانتهاء كلام الكفار، وهو الظاهر من قول النحاس قال : (( قال أبو حاتم : هذا الوقف، وأما الفراء فليس هذا عنده تمام، والتمام عنده (ويهدي به كثيرا)، وقال أبو جعفر النحاس والأولى في هذا ما قاله أبو حاتم : والدليل على ذلك قوله عز وجل في سورة المدثر : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا } [الْمُدَّثِّرِ: 31]. ثم قال الله عز وجل (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْمُدَّثِّرِ: 31] [15].
وتوجيه الوقف اللازم بيَّنها السجاوندي بقوله: (( لأنه لو وصل صار ما بعده صفة له، ليس صفة، وإنما هو ابتداء إخبار من الله عز وجل جوابا لهم )) [16] وعلى ذلك يكون دفعا لتوهم معنى غير مراد وهو توهم أن قوله : ( يضل به كثيرا .. ) من كلام الكفار.
وقال النسفي: (ت: هـ): يوقف عليه إذ لو وصل لصار ما بعده صفة له وليس كذلك)) [17].
وقال ابن عثيمين: (ت: 1421 هـ): ينبغي الوقوف على قوله تعالى: {ماذا أراد الله بهذا مثلاً}؛ و {يضل به} أي بالمثل؛ {كثيراً} أي من الناس[18]
وتوجيه الوقف الكاف علله الأنصاري باعتبار استئناف ما بعده جوابا من الله للكفار والجواز باعتبار احتالية الوصل على تمام الحكاية[19]
وتوجيه عدم الوقف باعتباره أن جملة ( يضل به كثيرا) صفة لمثلا، أو حالاً من اسمِ الله، وبذلك يكون الكلام متصلا لفظا، ومعنى عن حكاية ما سق، وهو قول الفراء قال : ماذا أراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد يضل به هذا ويهدي به هذا، قال الله: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ. [20] ولم يذكر ابن الأنباري والداني وقفًا هنا [21]
وبعد عرض أقوال علماء الوقف يظهر أن ترجيح الاستئناف هو الذي عليه أكثر علماء الوقف، مما يؤيد لزوم الوقف لدفع التوهم المتوقع، مع احتمال أن يكون الوقف كافيا باعتبار اتصال االرد عن الكفار فيما قالوه.
أقوال علماء التفسير:
القول الأول : أنها مستأنفة من كلام الله ردا على الكافرين، والمعنى يُضلّ الله تعالى بهذا المثل كثيرًا من أهل النفاق والكفر الذين يكذبونه، وينكرونه، فيزيدهم ضلالا إلى ضلالهم، ويهدي به كثيرا من المؤمنين، بأن يوفقهم لمعرفة هذا المثل، فيزيدهم هدى إلى هداهم،. وهو قول مقاتل، والسدي، و الطبري، والزجاج، والسمرقندي، والثعالبي، والبغوي، وابن كثير، وغيرهم.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1. أن هذا التوجيه يظهر جليا في سورة المدثر في قوله تعالى: (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا } [الْمُدَّثِّرِ: 31]. هذا من كلام الكفار، ثم قال الله عز وجل ردا عليهم (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْمُدَّثِّرِ: 31]. [22]
2. الاعتراض بأن الكافرين لا يقرون بان القرآن فيه هداية، كما قال الشوكاني : (( وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْكَافِرِينَ لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا مِنَ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَعْتَرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الضَّلَالَةِ[23]
3. أن المعنى فيه رَدٌّ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ الضَّلَالَ وَلَا الْهُدَى، ودفعا لرائحة الاعتزال[24].
قال أبو جعفر الطبري ( ت:310هـ) :"يضلّ به كثيرًا"، هذا خبر من الله جل ثناؤه مبتدَأٌ، ومعنى الكلام: أن الله يُضلّ بالمثل الذي يضربه كثيرًا من أهل النفاق والكفر:- فيزيد هؤلاء ضلالا إلى ضلالهم، لتكذيبهم بما قد علموه حقًّا يقينًا من المثل الذي ضربه الله لما ضرَبه له[25]
وقال الزجاج: (ت:311هـ): أي يَدعو إلى التصْدِيقِ بِه الخَلْق جميعاً فيكذبُ به الكفارُ – فيُضَلون [26]
قال السمرقندي: (ت:375 هـ): قال الله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً، أي إنما ضرب المثل ليضل به كثيراً من الناس، يعني يخذلهم ولا يوفقهم وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، يعني يوفق به على معرفة ذلك المثل كثيراً من الناس وهم المؤمنون. [27]
قال البغوي: (ت: 510 هـ): ثُمَّ أَجَابَهُمْ فقال: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً من الكفار، وذلك أنهم يكذبون فَيَزْدَادُونَ ضَلَالًا، وَيَهْدِي بِهِ، أَيْ: بهذا المثل كَثِيراً من الْمُؤْمِنِينَ فَيُصَدِّقُونَهُ، وَالْإِضْلَالُ هُوَ الصَّرْفُ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ[28]
قال الثعالبي: (ت : 875 هـ): أجابهم الله تعالى فقال: أراد الله بهذا المثل يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً من الكافرين ذلك أنهم ينكرونه ويكذّبونه وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً من المؤمنين يعرفونه ويصدّقون[29].
قال الشوكاني : (ت: 1250هـ): يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً هُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِلْجُمْلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ الْمُصَدَّرَتَيْنِ بِأَمَّا، فَهُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقِيلَ: هُوَ حِكَايَةٌ لِقَوْلِ الْكَافِرِينَ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: مَا مُرَادُ اللَّهِ بِهَذَا الْمَثَلِ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ النَّاسَ إِلَى ضَلَالَةٍ وَإِلَى هُدًى؟ وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْكَافِرِينَ لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا مِنَ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَعْتَرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الضَّلَالَةِ [30]
القول الثاني: أن ( يضل به كثيرا ..) من تتمة الحكاية: وهو قول الكافرين والمعنى : ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى؟، وهو أحد اختيار الإمام مكي، وابن عطية، والقرطبي.
قال الإمام مكي المتوفى: (ت: 437هـ): أي يضل بهذا المثل خلقاً كثيراً، وهذا من قول المنافقين، وقيل: هو من قول الله جَلَّ ذكره، ودَلَّ عليه قوله: {وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً}، وهذا لا يكون من قول المنافقين لأنهم لا يقرون أن هذا المثل / يهدى به أحد، فهو من قول الله بلا اختلاف. [31]
قال ابن عطية: (ت: 541 هـ): واختلف المتأولون في قوله تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً
فقيل :هو من قول الكافرين، أي ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى؟
وقيل بل هو خبر من الله تعالى أنه يضل بالمثل الكفار الذين يعمون به، ويهدي به المؤمنين الذين يعلمون أنه الحق. [32]
قال ابن الجوزي (ت:597هـ) ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا، أو هو مبتدأ من كلام الله عزّ وجلّ؟ على قولين: أحدهما: أنه تمام الكلام الذي قبله، قاله الفراء، وابن قتيبة. قال الفراء: كأنهم قالوا: ماذا اراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد، يضل به هذا، ويهدي به هذا؟! ثم استؤنف الكلام والخبر عن الله. فقال الله: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ. والثاني: أنه مبتدأ من قول الله تعالى، قاله السّدّيّ ومقاتل[33]
قال القرطبي: (ت: 671هـ): قِيلَ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْكَافِرِينَ، أَيْ مَا مُرَادُ اللَّهِ بِهَذَا الْمَثَلِ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ النَّاسَ إِلَى ضَلَالَةٍ وَإِلَى هُدًى. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ أَشْبَهُ، لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِالْهُدَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ، فَالْمَعْنَى: قُلْ يُضِلُّ اللَّهُ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا، أَيْ يُوَفِّقُ وَيَخْذِلُ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ الضَّلَالَ وَلَا الْهُدَى.[34]
ترجيح الأقوال:
بعد النظر في الأقوال السابقة يظهر أن الراجح والأقوى أن يكون ( يضل به) من كلام الله ردا على الكافرين، فالله يُضلّ الله تعالى بهذا المثل كثيرًا من أهل النفاق والكفر الذين يكذبونه، وينكرونه، فيزيدهم ضلالا إلى ضلالهم، ويهدي به كثيرا من المؤمنين، بأن يوفقهم لمعرفة هذا المثل، فيزيدهم هدى إلى هداهم، وبذلك يكون الوقف تاما باعتبار أن كلام الله عام يشمل من سبق وغيرهم، وباعتبار الرد خاصة على من سبق يكون كافيا لارتباط المعنى،، وباعتبار دفع التوهم يكون الوقف لازما، ويوضح ذلك ما يلي:
1. أن هذا التوجيه يظهر جليا في سورة المدثر في قوله تعالى: (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا } [الْمُدَّثِّرِ: 31]. هذا من كلام الكفار، ثم قال الله عز وجل ردا عليهم (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [الْمُدَّثِّرِ: 31]. [35]
2. أن المعنى فيه رَدٌّ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ الضَّلَالَ وَلَا الْهُدَى، ودفعا لرائحة الاعتزال.
3. الاعتراض عليه كما قال الشوكاني : (( وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْكَافِرِينَ لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ شَيْئًا مِنَ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَعْتَرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الضَّلَالَةِ[36]
4. أنه اختيار عامة النحاة وعلماء الوقف والتفسير، كالزجاج وأبي حيان، وأبو حاتم، والنحاس، والأنصاري، ومقاتل، والسدي، و الطبري، والزجاج، والسمرقندي، والثعالبي، والبغوي، وابن كثير، والدكتور مساعد الطيار في كتابه وقوف القرآن [37] وغيرهم
5. أن لزوم الوقف ذكره أكثر اهل العلم كالسجاوندي، والنسفي، وابن عثيمين، وتوافق المصاحف المختارة (الشمري، والمدينة، والشام، والباكستاني) على لزوم الوقف دفعا للتوهم أنه من قول الكفار، والله تعالى أعلى وأعلم.
[1] الدر المصون: 232، و إعراب القرآن وبيانه، درويش : 69
[2] البحر المحيط: 203، والجدول : 1/ 86، إعراب القرآن وبيانه، درويش : 69
[3] المجتبى من مشكل إعراب القرآن 1: 13
[4] إعراب القرآن وبيانه، درويش : 69
[5] معاني القرآن وإعرابه للزجاج : 105
[6] معاني القرآن للفراء : 23
[7] الدر المصون: 232
[8] معاني القرآن وإعرابه للزجاج : 105
[9] البحر المحيط: 203
[10] التبيان في إعراب القرآن : 44
[11] انظر: القطع : 47
[12] علل الوقوف : 193- 194.
[13] التبيان في إعراب القرآن : 44
[14] التبيان في إعراب القرآن : 44
[15] القطع : 47، ومعاني القرآن للفراء : 23
[16] علل الوقوف : 193- 194.
[17] تفسير النسفي: 72
[18] تفسير ابن عثيمين : 97
[19] منار الهدى مع المقصد: 90
[20] معاني القرآن للفراء : 23
[21] الإيضاح: 105، والمكتفى: 20
[22] القطع : 47، ومعاني القرآن للفراء : 23
[23] فتح القدير: 68
[24] القرطبي: 244
[25] تفسير الطبري : 408
[26] معاني القرآن للزجاج : 105
[27] بحر العلوم: 37
[28] معالم التنزيل : 100
[29] الجواهر الحسان في تفسير القرآن: 173
[30] فتح القدير: 68
[31] الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره : 202
[32] ابن عطية : 112
[33] زاد المسير : 47
[34] القرطبي: 244
[35] القطع : 47، ومعاني القرآن للفراء : 23
[36] فتح القدير: 68
[37] وقوف القرآن وأثرها على التفسير : 287.
البحث من كتاب مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء لـ جمال القرش