حكم الغنّة في النون المخفاة من حيث التفخيم والترقيق

إنضم
10/04/2005
المشاركات
1,122
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الجزائر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول لله وبعد

موضوع تفخيم الغنّة وترقيقها في النون المخفاة موضوع لا بدّ من التحقيق والبحث فيه لأنّه موضوع ظاهره السهوله ولكنّ الحقيقة تبيّن عكس ذلك بما يلي :

أوّلاً : أنّ تفخيم الغنّة وترقيقها لم تذكر في الكتب المعتمدة لا سيما القديمة كالنشر وشروح الشاطبية وغيث النفع والتمهيد لابن الجزري والرعاية لمكي القيسي والموضح للقرطبي وشروح الجزرية وغيرها ، ولا أظنّ أنه يفوتهم أمر كهذا خاصّة أنهم كانوا في أشدّ الدّقة في مسائل المخارج والصفات كما هو معلوم.

ثانياً : أنّ الغنّة هي في ذاتها صفة لازمة فكيف توصف بصفة أخرى عارضة كالتفخيم والترقيق ومن المعلوم أنّ الحروف هي التي توصف كما قال بن الجزري " وهو إعطاء الحروف حقّها من صفة لها ومستحقها " ولا شكّ أن الضمير في كلمتي حقّها ومستحقّها يعود على الحروف لا على الصفات وهذا نص صريح أنّ الصفات لاتوصف لأنّها هي بذاتها صفة الحرف وإنّما الحروف هي التي توصف.

ثالثاً : أن النون المخفاة ولو صارت مخفاة فلا يجوز تفخيم صوتها بأي حال كما قال بن الجزري " ورققن مستفلاً من أحرف " إلاّ الراء واللام والألف التي لا توصف بتفخيم ولا بترقيق بل هي تابعة لما قبلها. ولو كانت النون المخفاة تُفخّم لسبقنا إلى هذا القول جهابذة أهل هذا الفنّ الذين ما تركوا صغيرة ولا كبيرة في هذا العلم إلاّ أحصوها.

رابعاً : التفخيم معناه النطق بالحرف مفخّماً بحيث يمتلأ الفم بصدى الحرف وعلى هذا التعريف إذا فخّمنا الغنّة تفخيماً كما نفخّم حروف الاستعلاء فصوتها يخرج مفخّم مبالَغاً إذ يستوي مع تفخيم حروف الاستعلاء وهذا يحتاج إلى دليل ولا يكون بمجرّد رأي.

خامساً : إن كان دليل من قال بتفخيم الغنّة وترقيقها هو التلقّي فنقول كم من مسألة اجتهادية صارت فيما بعد من المُتلقّى بالسند كمسألة الفرجة في الميم المخفاة والإقلاب وغيرها فالعبرة بالنص والدليل لأنّ النصّ لا يتغيّر مهما طال الأمد بخلاف التلقّي الذي قد يعتريه شيءمن التغيير مع مرّ الزمان وما نسمعه اليوم من المخالفات للنصوص والكتب القديمة دلالة على ذلك، فالتلقّى الصحيح المعتبر لا بدّ أن يكون موافقاً للنصوص المعتبرة في هذا الفنّ. والحمد لله أنّه تعالى يسخّر في كلّ زمان علماء يحققون في المسائل ويرجعون إلى المصادر والينابيع الأصلية ليبيّنوا للناس الحق.

ولا بدّ من التوضيح أنّ النون المخفاة المفخّمة هل تفخيمها يكون كتفخيم حروف الاستعلاء فإذا أجيب بنعم فلا بدّ حيئذ من نص صريح في ذلك ، وإذا قيل أنّه دون حروف الاستعلاء فلا يصحّ حينئذ أن نسمّي ذلك تفخيماً ولنجد اسماً آخراً بحيث لا يخالف النصوص وأقوال القدامى. وما تلقيناه عن مشايخنا في المدينة النبوية وفي دمشق أنّ الغنّة تفخّم تفخيماً بسيطاً يتلائم مع التلقّي الصحيح بخلاف من يبالغ في ذلك حتى نخرج عن ما كان عليه أسلافنا شيئاً بعد شيء بمجردّ اجتهادات.

فلاّ بدّ من تصحيح المتلقى عن المشايخ بالنص المعتمد ولا أن نجتهد في المسائل ثمّ نلزم الطلبة أن يقرؤا بما اجتهدنا ويصير ذلك فيما بعد من المتلقّى بالسند كمسئلة الفرجة والقول بأنّ الحرف المفخّم الساكن بعد الكسر في مرتبة المكسور إلى غير ذلك من الاجتهادات التي صارت فيما بعد من المتلقى بالسند والله المستعان.

وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

محمد يحي شريف الجزائري
 
الأخ الفاضل / محمد يحيى شريف...تحية طيبة وبعد :

مسألة تفخيم الغنة وترقيقها لم يتعرض لها العلماء المتقدمين - كما ذكرتَ - ولذا
يكون الفاصل في هذا الأمر هو التلقي والتواتر. وأنا أتفق معك -أخي الكريم- في أن اتباع المتقدمين هو الأساس... لكن كيف لنا أن نعرف كيف نطق الغنة "ابن الجزري" مثلا طالما
أنه لم يذكرها في كتبه؟!!
لا سبيل إلى معرفة الكيفية إلا بالأخذ من المشايخ المحققين من أهل التواتر. ولا أعلم أن
أحدا من العلماء المتأخرين قد عارض قاعدة "تفخيم الغنة وترقيقها"...وكلنا يعلم أن هؤلاء
قد أخذوا عن الأوائل بالسند المتصل. وأذكر منهم على سبيل المثال : "السمندوي -
والضباع - وعثمان مراد وغيرهم"....وقد نظم فضيلة الشيخ عثمان مراد -رحمه الله -
هذه القاعدة في سلسبيله الشافي :
وفَخِّمِ الغُنَّةَ إن تلاها ***** حُرُوفُ الاسْتِعْلاءِ لا سِوَاهَا
فالأمر فيه سَعَة....وأظنك -أخي الفاضل- لا ترفض هذه القاعدة بل تدعو إلى مزيد
بحث وتقصي ومناقشة ما يمكن أن يكون مشكلا مثل..."إذا كانت الغنة توصف بترقيق وتفخيم فهل هي حرف أم صفة؟!!"
وأنا بدوري أدعو مشايخنا العلماء في هذا الملتقى المبارك ليتحفونا بما عندهم.

وجزاكم الله خيرا.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

بارك الله فيكم على هذه الكلمات المفيدة. والهدف من تعليقي لهذه المسألة ليس مجرّد ردّ وإنكار بل الهدف هو الاستفادة من الردود التي تعرض لنا حتى يزيل الإشكال. وأحيكم علماً أنّ هناك من العلماء من ينكر القول بتفخيم الغنّة كمشايخ الهند وباكستان والأفغان كالشيخ عبيد الله الأفغاني مدرّس في المسجد النبوي والشيخ محمد طاهر الرحيمي الباكستاني وكان مدرّساً في المسجد النبوي وغيرهما. وأعتقد والله أعلم أنّ الخلاف في مسألة تفخيم الغنّة خلاف لفظي أي هل يطلق على الغنّة صفة الترقيق والتفخيم والذي ننكرُهُ اليوم هو المبالغة في تفخيمها كما تفخّم حروف الاستعلاء وسبب هذه المبالغة راجع إلى ما أصّله العلماء المتأخرون في إطلاق التفخيم على الغنّة فلذلك لا بدّ أن تُؤخذَ هذه المسألة بحذر وأن تُضبط جيّداً حتى لا يكون ذلك سبباً للخروف على ما كان عليه الأوائل والعلم عند الله.

وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم
 
الأستاذ الفاضل : محمد يحيى شريف :
بارك الله فيك وجزاك خيرا....وشكرا لك على الإفادة.
من خلال الاستقراء والتتبع تجد أن القارئ عندما يهيء نفسه للنطق بحرف التفخيم أو
الترقيق تتأثر الغنة بهذا تلقائيا - والله أعلم-، ولذا يكون من الصعب جدا رفض قاعدة "تفخيم الغنة وترقيقها"....لكن ربما يكون الخلاف خلافا لفظيا فقط كما أشرت أنت إليه مشكورا.

وللأسف "المبالغة" مرضٌ منتشرٌ بكثرة بين المعلمين والمتعلمين.....خاصة في باب "التفخيم والترقيق"....نسأل الله تعالى أن يخلصنا منه.
أخي الكريم...ما رأيك بالرأي الذي يقول بأن تفخيم الغنة خاضع لمراتب التفخيم الخمس (مفتوح بعده ألف - مفتوح - مضموم - ساكن - مكسور)؟
يعني مثلا الغنة في قوله تعالى: "وإن قيل" (النور :2) لا تفخم كما تفخم في قوله تعالى :"من صلصال" (الرحمن :14)

وتقبل تحياتي.....
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وبعد

بارك الله فيكم أخي عمار على هذا الكلام المفيد، وفيما يخصّ خضوع تفخيم الغنّة للمراتب الخمسة على مذهب من يرى أنّ الغنّة تابعة لما بعدها تفخيماً وترقيقاً فيمكن أن نقول بأنّها خاضعة للمراتب لأنها تفخّم والتفخيم لا يخرج عن هذه المراتب والله أعلم. أمّا من يرى أنّ الخلاف لفظي فلا شكّ أنّ الغنّة لا تخضع والعلم عند الله. وأرجوا أن يكون هناك تداخلات في هذه المسألة من طرف العلماء وطلبة العلم لتعمّ الفائدة.

وبالمناسبة أريد أن أثير نقاشاً آخر وهو لماذا يكون الحرف المفخّم الذي بعده ألف أقوى من الحرف المفخّم الذي ليس بعده ألف ، وهل هذا يدل أنّ المدّ يزيد قوّةً في الحرف ؟ فإن أُجيب بنعم هل يعني هذا أنّه كلّما زيد في المدّ زاد الحرف قوّةً فتكون حينئذ القاف في { قآئم } أقوى من { قال } وهو أقوى من { القمر }. وقد ورد في رواية ورش ما يدلّ على عكس ذلك في نحو { فصالا } و{ طال } و{ أفطال } و{ يصّالحا } حيث جاز الترقيق لأجل الفاصل وهو الألف. فلو كان الألف يزيد الحرف قوّةً لما جاز الترقيق في هذه الكلمات والعلم عند الله.

وأنا في اتظار المريد من التوضيح في هذه المسألة.

وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أخوكم محمد يحي شريف
 
الإجابة على بعض الإشكالات

الإجابة على بعض الإشكالات

بسم الله الرحمن الرحيم .

أشكر أخويَّ محمد وعمار على مشاركتهما . وما أريد أن أقول هو ما يتعلق بقضيتين :
الأولى : بخصوص القول : بأن الخلاف لفظي في مسألة تفخيم وترقيق الغنة المخفاة . فأقول : إن الخلاف حقيقي ، وسمعت الشيخ العلامة الدكتور/ عبدالقيوم السندي – الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى بقسم القراءات يقول : بأن مشائخ الهند وباكستان لا ينكرون على من ترك التفخيم في الغنة المخفاة عند ملاقاة حروف الاستعلاء ، بينما نجد أن مشائخ مصر والشام يعتبرون ذلك خطأ وعيباً في الأداء .

الثانية : استشكال الأخ محمد : لماذا يكون الحرف المفخّم الذي بعده ألف أقوى من الحرف المفخّم الذي ليس بعده ألف ، وهل هذا يدل أنّ المدّ يزيد قوّةً في الحرف ؟ فأقول : إن الألف لا يوصف بقوة ولا ضعف ولا يزيد قوة ولا ضعفاً إلا أنه يُعين على بقاء صفة الحرف الذي قبله ترقيقاً وتفخيماً – ويمكن أن نعتبر من هذه الحيثية أن الألف حرف يزيد في قوة الحرف الذي قبله أو ضعفه - فإذا كان ما قبله مفخماً فإن الألف يساعد على بقاء الصوت المفخم بقدر ما يمد من الحركات . وبذلك يكون الحرف المفخم الذي بعده ألف أقوى من الحرف الذي ليس بعده ألف . لأن الذي ليس بعده ألف ينقطع صوته المخفم بمجرد ما يتخلص من النطق به .
أما استشكالك الثاني عن رواية ورش في مثل (فصالاً) ، كيف يكون له وجهان مع أنه كان من المفترض حسب ما تقرر لدينا أن الألف يزيد في قوة الحرف الذي قبله وبالتالي لا يكون له إلا وجه واحد وهو التفخيم . فنقول : صحيح إن الألف حافظ على بقاء الصوت المفخم ولكن ينقطع بمجرد ما ننتهي من النطق به كأن الألف أخذ تفخيم الصاد ورمى به إلى الأعلى حتى تلاشى الصوت شيئاً فشيئاً وما استطاعت اللام أن تلحق به . ولعلك فهمت الصورة التي أقصد . بخلاف مثل (صلاة) فإن اللام اتصلت بالصاد وباشرته حتى اكتسبت منه التفخيم على قاعدة المجاورة .

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 
عودة
أعلى