حكم الغنة في اللام والراء فيما رُسم موصولا في نحو {فإلمّ يستجيبوا}

إنضم
10/04/2005
المشاركات
1,122
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
الجزائر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

فهذا بحث مختصر أبيّن فيه ما ظهر لي من الصواب في جواز الغنّة في اللام والراء فيما رُسم موصولاً في نحو {فإلم يستجيبوا} فأقول وبالله التوفيق.

قال ابن الجزري في نشره : (الثالث) أطلق من ذهب إلى الغنة في اللام وعمم كل موضع وينبغي تقييده بما إذا كان منفصلاً رسماً نحو (فإن لم تفعلوا، أن لا يقولوا) وما كان مثله مما ثبتت النون فيه، أما إذا كان منفصلاً رسماً نحو (فإلم يستجيبوا لكم). في هود (ألن نجعل لكم) في الكهف. ونحوه مما حذفت منه النون فإنه لا غنة فيه لمخالفة الرسم في ذلك وهذا اختيار الحافظ أبي عمرو الداني وغيره من المحققين، قال في جامع البيان واختار في مذهب من يبقى الغنة مع الإدغام عند اللام ألا ببقيها إذا عدم رسم النون في الخط لأن ذلك يؤدي إلى مخالفته للفظه بنون ليست في الكتاب. قال وذلك في قوله (فإلم يستجيبوا لكم) في هود وفي قوله (ألن نجعل لكم موعداً) في الكهف (وألن نجمع عظامه) في القيامة قال وكذلك (ألا تعولوا؛ ألا يسجدوا لله، لا تطغوا) وما أشبهه مما لم ترسم فيه النون وذلك على لغة من ترك الغنة ولم يبق للنون أثراً قال وجملة المرسوم ذلك بالنون فيما حدثنا به محمد بن علي الكاتب عن أبي بكر بن الأنباري عن أئمته عشرة مواضع: أولها في الأعراف (أن لا أقول على الله إلا الحق، وأن لا تقولوا على الله إلا الحق) وفي التوبة (أن لا ملجأ من الله) وفي هود (وأن لا إله غلا هو، وأن لا تعبدوا إلا الله) في قصة نوح عليه السلام. وفي الحج (أن لا تشرك بي شيئاً) وفي يس (أن لا تعبدوا الشيطان) وفي الدخان (وأن لا تعلموا على الله) وفي الممتحنة (على أن لا يشركن بالله شيئاً) وفي ن والقلم على (أن لا يدخلنها اليوم) قال واختلفت المصاحف في قوله في الأنبياء (أن لا إله إلا أنت) قال وقرأت الباب كله المرسوم منه بالنون والمرسوم بغير نون ببيان الغنة، وإلى الأول اذهب (قلت) وكذا قرأت أنا على بعض شيوخي بالغنة ولا آخذ به غالباً ويمكن أن يجاب عن إطلاقهم بأنهم إنما أطلقوا إدغام النون بغنة. ولا نون في المتصل منه والله أعلم. انتهى كلامه.

أقول : إنّ إظهار الغنّة في الموصول رسماً نحو (فإلم يستجيبوا لكم) لم يرد بالنصّ ولكنّه واردٌ بالأداء عن الداني وعن ابن الجزري عن بعض شيوخه وقد اطلعت على جملة من المصادر التي نقلت إظهار الغنّة في اللام والراء فلم أجد من مثّل بموصول أو أشار إليه وهذا الذي حمل الداني وابن الجزري في نظري على عدم الاعتماد على الأداء فيه والأخذ به لأنّه لم يثبت بالنصّ ولم يشتهر أداءه في الكتب إلاّ ما ذكره الداني في جامعه ونقله ابن الجزري أداءً عن بعض شيوخه ولو ثبت عن غير الداني لنقله ابن الجزري ولثبت في المصادر التي روت الغنّة في اللام والراء.

والآن سأنقل الأقوال الأئمّة الذي روى لهم ابن الجزريّ الغنّة في اللام والراء إلاّ صاحب المبهج وابن فارس في جامعه.

قال أبو العز القلانسي في كتابه الكفاية الكبرى : "روى المروزي إظهارهما عند اللام في جميع القرءان ، كقوله {من لدنا} ، ونحوه. وروى أحمد بن صالح والسوسنجردي عن زيد عن إسماعيل ، وابن حبش عن السوسيّ إدغامها وتبقية الغنة ، الباقون يدغمونها ويحذفون الغنّة " الكفاية الكبرى ص70.

قال ابن سوار في المستنير : "اختلفوا في تبقية الغنّة منهما عند الراء واللام نحو { من ربهم} ، {من ربّ العالمين} { فإن لم} ، {من لدنك} ، {أنصار رّبنا} ، {غفور رّحيم} ، {هدى لّلمتقين} ، {مسلّمة لا} وما أشبه ذلك ، فروى شيخنا أبو علي العطار عن النهرواني عن أهل الحجاز وابن عامر وأبي عمرو بتبقيتها منهما عندهما." ثمّ قال : "وخيّر الطبري عن قالون من طريق الحلواني ، وذكر أبو الحسن الخياط عن السوسي وأبي زيد" ص 159.

قال أبو العلاء الهمذاني : فأظهرها – أي الغنّة – عند اللام والراء المسيّبي ، الحلواني عن يزيد ، وأب9 زيد والسوسي والقطان عن اليزيديّ. (الغاية ص175).

قال ابن مهران في كتابه الغاية : {ٍهدى للمتقنِ} إدغام النون والتنوين عند اللام والراء مكي ويزيد وخلف ، ابن كثير بالوجهين ، وافق سهل في الراء فقط " الغاية ص153. وقال في المبسوط : يدغم أبو جعفر وابن كثير برواية الهاشمي ، وخلف النون والتنوين عند اللام والراء بغير عنّة ، ورُوي ذلك عن أبي عمرو مختلفاً عنه والصحيح عنه إظهار الغنّة وله فيه وعنه عليه شواهد ودلائل يطول ذكرها ، وقد ذكرناها في شرح إدغام الكبير بعلله." (المبسوط ص51).

قال أبو الكرم الشهرزوري : واختلفوا في تبقية الغنّة عند اللام والراء نحو {من ربهم} و {من ربّ العالمين} ، و{فإن لم } ،و {من لدنه} ، و {من أنصار ربّنا} ، و {هدى للمتقين} ، و {مسلّمة لا شية}. وما أشبه ذلك وكذلك اختلفوا عند الواو والياء. فأمّا الراء واللام فأظهرها عندهما – أي الغنّة- الشنبوذي عن الزينبي عن قنبل ، وأحمد بن صالح عن قالون والمسيّبي طريق المروزي وابن عامر واليزيدي طريق السوسي وأبو حمدون وحمزة طريق الكسائي وأبو عمارة وابن واصل والجعفي وحماد عن الشموني وروح وزيد عن يعقوب. وافقهم رويس عند اللام خاصّة. المصباح 1/404.

قال ابن الفحام في كتابه التجريد : واتّفقت الجماعة على إدغام الغنّة عند الراء واللام ، كما اتّفقوا على الإدغام عند الأربعة الباقية بغنّة إلاّ ما رواه خلف ، وأبو عثمان الضرير رضي الله عنهما عند الياء بغير غنّة وانفرد خلف بإدغام الغنّة عند الواو والياء. التجريد ص160 طبعة دار عمان.

قال أبو مشعر الطبري في تلخيصه : وقرأ بإدغامها عند الراء واللام : شيخان وأبو عمرو وقنبل والخزاعي وابن موسى والداجوني بغي غنة. وافقهم الحلواني هشام ويونس عند الراء فقط زاد شيخان ، وابن شنبود لقنبل إدغامهما عند الياء. زاد حمزة غير ابن قالوقا عند الواو. من بقي بتبقية الغنة عند هده الحروف. التلخيص ص135.

قال أبو علي المالكي في روضته : فأما اللام والراء نحو {هدى للمتقين} ، {من ربهمِ} ونظائر دلك فأظهرها عندهما أبو جعفر يزيد ابن القعقاع وإسماعيل بن جعفر من طريق زيد. الباقون الإدغام.1/263.

قال الهذلي في كامله : أمّا الراء واللام مثل {من ربهم} ، و {هدى للمتقين} فأظهرهم من غير غنة المسيّبي وهكذا {مسلّمة لا} أدغمها بغير غنّة حمزة والأعمش ...................ص346.

أقول : فهذي نصوص القوم واضحة ، والتي ما أشارت إلى إظهار الغنّة في الموصول لا من قريب ولا من بعيد ، لا بتلميح ولا بتمثيل ، وهي المصادر التي نقل منها ابن الجزريّ الغنّة في اللام والراء. والسبب في ذلك والله أعلم أنّه يتعذّر إدغام النون في اللام والراء وهي معدومة رسماً ولفظاً ، فكيف نتحدّث عن الإدغام فضلاً عن الغنّة ؟ ، ولعلّ الأداء الثابت عن الداني وابن الجزري عن بعض شيوخه كان سببه هذا الإطلاق وهو في حدّ ذاته ليس إطلاقاً في نظري لأنّ النون معدومة في الرسم والنطق ، والإطلاق في هذه الحالة لا يفيد .

ثمّ إنّ ابن الجزري نفسه لم يأخذ بالغنة في الموصول وإن قرأ به على بعض شيوخه وهو لاشكّ لم يُقرئ به من طرق النشر ونحن ملزمون بهذا الاختيار اتّباعاً للأداء المسند إليه من النشر وهذا في حدّ ذاته يكفي في عدم الأخذ بالغنّة من طريقه.

أمّا ما ذكره الإمام المتولّي في روضه بأنّ الغنّة في الموصول يحتمله الرسم ففيه نظر لأنّ الأخذ بالنطق الذي يحتمله الرسم منوطًَ بثبوته بالنصّ والأداء المشهور المستفاض عن الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى ، وقد سبق أنّ أداء الغنة في الموصول لم يثبت بالنصّ ولا بالأداء المشهور ولم يُتلقّى بالقبول من الأئمّة المحققين كالداني وابن الجزري. قال ابن الجزري في منجد المقرئين : وإنّما المقروء به عن الأئمّة العشرة على قسمين : متواتر ، وصحيح مستفاض متلقّى بالقبول والقطع حاصل بهما.

أقول : الغنّة في الموصول لم تثبت بالشهرة ولم تتلقّى بالقبول فوجب العدول عنها والاقتصار على ما رسم مقطوعاً.

والعلم عند الله تعالى.
 
عودة
أعلى