أبو عبد الله محمد مصطفى
New member
حكم التشريك في الضمير بين الله والرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء في ذلك
النصوص التي تدل على الجواز
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" ( ).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا" . ( ).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء فقال : " أكلت الحمر ثم جاءه جاء فقال أكلت الحمر ثم جاءه جاء فقال أفنيت الحمر فأمر منادياً فنادى في الناس إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم " ( ).
النص الدال على النهي
عن عدي بن حاتم أن رجلاً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوي " ( ).
قال صلاح الدين العلائي : الجمع بين هذه الأحاديث وجوه :
أحدها أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يعطي مقام الربوبية حقه ولا يتوهم فيه تسويته له بما عداه أصلا بخلاف غيره من الأئمة فإنه مظنة التسوية عند الإطلاق والجمع في الضمائر بين ما يعود إلى اسم الله تعالى وغيره فلهذا جاء بالإتيان بالجمع بين الاسمين بضمير واحد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الحديثين المشار إليهما وفي قوله صلى الله عليه وسلم أيضا من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وغير ذلك وأمر صلى الله عليه وسلم ذلك الخطيب بالإفراد لئلا يوهم كلامه التسوية وهو مثل الحديث المتقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا ما شاء الله وشئت قولوا ما شاء الله ثم شئت ، وهذا يرد عليه أن حديث ابن مسعود المتقدم فيه تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته تلك الخطبة ليقولوها عند الحاجة وفيه ومن يعصهما فيدل على عدم الخصوصية به إلا أن يقال يؤخذ من مجموع الحديثين أن يقولوا في خطبة الحاجة ومن يعص الله ورسوله كم علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخطيب ويكون حديث ابن مسعود فيه تعليم أصل خطبة الحاجة لا بجميع ألفاظها وفيه نظر ، وثانيها أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنكر على ذلك الخطيب كان هناك من يتوهم منه التسوية بين المقامين عند الجمع بين الاسمين بضمير واحد فمنع من ذلك وحيث لم يكن هناك من يلبس عليه أتى بضمير الجمع وهذا لعله أقرب من الذي قبله ، وثالثها أن ذلك المنع لم يكن على وجه التحتم بدليل الأحاديث الآخر بل على وجه الندب والإرشاد إلى الأولوية في إفراد اسم الله تعالى بالذكر من التعظيم اللائق بجلاله ، وهذا يرجع في الحقيقة إلى ما قاله أئمة الأصول أولا لكن بزيادة أن ذلك ليس حتما وحينئذ فلا تكون الواو مقتضية للترتيب ، ورابعها أن ذلك الإنكار كان مختصا بذلك الخطيب وكأن النبي صلى الله عليه وسلم فهم عنه أنه لم يجمع بينهما في الضمير إلا لتسويته بينهما في المقام فقال له بئس الخطيب أنت فيكون ذلك مختصا بمن حاله كذلك ولعل هذا الجواب هو الأقوى لأن هذه القصة واقعة عين وما ذكرناه محتمل ويؤثر هذا الاحتمال فيها أن يحمل على العموم في حق كل أحد فإذا انضم إلى ذلك حديث أبي داود الذي علم فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته كيفية خطبة الحاجة وفيها "ومن يعصهما " بضمير التثنية قوي ذلك الاحتمال وهذا مثل ما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم لا تفضلوني على موسى مع قوله أنا سيد ولد آدم فقيل في الجمع بينهما وجوه منها أن الذي منعه من التفضيل فهم منه غضا من منصب موسى عليه السلام عند التفضيل عليه فمنعه منه فيكون ذلك مختصا بمن هو مثل حاله والعلم عند الله ، ورابعها ما روي أن عمر رضي الله عنه أنكر على سحيم عبد بني الحسحاس قوله كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
وقال لو قدمت الإسلام على الشيب وأن الصحابة رضي الله عنهم أنكروا على عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أمره بتقديم العمرة على الحج واحتجوا عليه بقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فلولا أنهم فهموا من الآية الترتيب لما أنكروا ذلك عليه وفهم الصحابة رضي الله عنهم حجة في مثل ذلك لأنهم أهل اللسان وهذا الأثر ذكره جماعة من أئمة الأصول ولم أجده في شيء من كتب الحديث بعد كثرة البحث عنه وكذلك أيضا لم أجد لإنكار عمر رضي الله عنه على سحيم سندا ولكنه مشهور في كثير من الكتب وقد أجيب عنه بأن ذلك الإنكار على وجه الأدب في تقديم الأهم في الذكر وإن كانت الواو لا تقتضي ترتيبا فإن الترتيب له سبب إرادة لفظية كالفاء وثم وطبيعة زمانية فالنطق الواقع في الزمان الأول متقدم بالطبع على النطق الواقع في الزمان الذي بعده وهو السر فيما حكى سيبويه عن العرب أنهم يبدأون بما هو الأهم عندهم وكانت العناية به أشد فكل ما قدم بالزمان دل على أن المتكلم قصد الاهتمام به أكثر مما بعده وذلك يقتضي تفضيلا فإنكار عمر رضي الله عنه لهذا المعنى وأما إنكار الصحابة رضي الله عنهم على ابن عباس فأجاب عنه فخر الدين بأن فهمهم معارض لفهم ابن عباس وفيه نظر لأن الكثرة مقتضية للترجيح وأجاب عنه الآمدي بأنه لم يكن مستند إنكارهم أمره بتقديم العمرة على الحج كون الآية مقتضية للترتيب حتى تتأخر العمرة على الحج بل لأنها مقتضية للجمع المطلق وأمره بالترتيب مخالف لمقتضى الآية وأجاب غيره بما تقدم من الاهتمام بذكر الأول فإنهم فهموا من الآية الاهتمام بأمر الحج فتقديم العمرة عليه في الفعل يناقض ذلك الاهتمام وإن لم تكن الواو مقتضية للترتيب وخامسها أن الترتيب على سبيل التعقيب وضعوا له الفاء وعلى سبيل التراخي وضعوا له ثم ومطلق الترتيب وهو القدر المشترك بين الخاصتين معنى معقول أيضا فلا بد له من لفظ يدل عليه بالوضع لأن المقتضي لذلك قائم والمانع منتف ويلزم من ذلك أن تكون الواو هي الموضوعة له إذ لا غيرها موضع له بالاتفاق وجوابه المعارضة بمثله كما تقدم في الجمع المطلق والحاجة إليه أعم فيكون أكثر فائدة فكان أولى بالوضع واعترض على هذا بأنا إذا جعلنا الواو حقيقة في الترتيب كان الجمع المطلق جزءا من المسمى ولازما له فيجوز جعله مجازا فيه لما بينهما من الملازمة بخلاف العكس فإنا إذا قلنا إنها حقيقة في الجمع المطلق لازما له فلا يتجوز بها فيه لعدم الملازمة وبعبارة أخرى أنه تعارض احتمالان أحدهما كون اللفظ حقيقة في الأخص مجازا في الأعم والآخر كونه حقيقة في الأعم مجازا في الأخص والأول أولى لأن الأخص يستلزم الأعم ولا ينعكس وجوابه هذا يمتنع أنه لا يصح التجوز بها في الترتيب إذا كانت حقيقة في الجمع المطلق بل هذا هو الأقوى لأن إطلاق اللفظ الأعم وإرادة الأخص كثير سائغ وليست وجوه العلاقة المقتضية للتجوز منحصرة في التلازم حتى يلزم ما ذكروه بل لها وجوه كثيرة غير ذلك والله تعالى أعلم " ( ).
قال النووي : " قوله ان رجلا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى قال القاضي وجماعة من العلماء إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضى للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ليفهم وأما قول الأوليين فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله صلى الله عليه وسلم أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وغيره من الأحاديث وإنما ثنى الضمير ها هنا لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظه وإنما يراد الاتعاظ بها ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود باسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فانه لا يضر الا نفسه ولا يضر الله شيئاً والله أعلم " ( ).
قال السيوطي : قال القاضي وجماعة إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمر بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه قال النووي والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الرموز والإشارات ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم كلمة أعادها ثلاثا لتفهم قال ومما يضعف الأول أن مثل هذا الضمير قد تكرر من كلامه صلى الله عليه وسلم كقوله أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وفي حديث أبي داود في خطبة الحاجة ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا قال بن نمير فقد غوي أي بكسر الواو والأول وهو الفتح أشهر من الغي وهو الإنهماك في الشر " ( ).
قال الحافظ ابن حجر : في كلامه على حديث ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما قال الشيخ محيي الدين هذا حديث عظيم أصل من أصول الدين ومعنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في الدين وإيثار ذلك على أعراض الدنيا ومحبة العبد لله تحصل بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك الرسول وإنما قال مما سواهما ولم يقل ممن ليعم من يعقل ومن لا يعقل قال وفيه دليل على أنه لا بأس بهذه التثنية وأما قوله للذي خطب فقال ومن يعصهما بئس الخطيب أنت فليس من هذا لأن المراد في الخطب الإيضاح وأما هنا فالمراد الإيجاز في اللفظ ليحفظ ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قاله في موضع آخر قال ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه واعترض بان هذا الحديث أنما ورد أيضا في حديث خطبة النكاح وأجيب بأن المقصود في خطبة النكاح أيضا الإيجاز فلا نقض وثم أجوبة أخرى منها دعوى الترجيح فيكون حيز المنع أولي لأنه عام والآخر يحتمل الخصوصية ولأنه ناقل والآخر مبنى على الأصل ولأنه قول والآخر فعل ورد بان احتمال التخصيص في القول أيضا حاصل بكل قول ليس فيه صيغة عموم أصلا ومنها دعوى أنه من الخصائص فيمتنع من غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمتنع منه لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقة التسوية بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك وإلى هذا مال بن عبد السلام ومنها دعوى التفرقة بوجه آخر وهو أن كلامه صلى الله عليه وسلم هنا جملة واحدة فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مقام المضمر وكلام الذي خطب جملتان لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر وتعقب هذا بأنه لا يلزم من كونه لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر أن يكره إقامة المضمر فيهما مقام الظاهر فما وجه الرد على الخطيب مع أنه هو صلى الله عليه وسلم جمع كما تقدم ويجاب بأن قصة الخطيب كما قلنا ليس فيها صيغة عموم بل هي واقعة عين فيحتمل أن يكون في ذلك المجلس من يخشى عليه توهم التسوية كما تقدم ومن محاسن الأجوبة في الجمع بين حديث الباب وقصة الخطيب أن تثنية الضمير هنا للإيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين لا كل واحدة منهما فإنها وحدها لا غية إذا لم ترتبط بالأخرى فمن يدعي حب الله مثلا ولا يحب رسوله لا ينفعه ذلك ويشير إليه قوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فأوقع متابعته مكتنفة بين قطري محبة العباد ومحبة الله تعالى للعباد وأما أمر الخطيب بالإفراد فلأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية إذ العطف في تقدير التكرير والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم ويشير إليه قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فأعاد أطيعوا في الرسول ولم يعده في أولي الأمر لأنهم لا استقلال لهم في الطاعة كاستقلال الرسول انتهى ملخصا من كلام البيضاوي والطيبي ومنها أجوبة أخرى فيها تكلم منها أن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه ومنها أن له أن يجمع بخلاف غيره قوله وأن يحب المرء قال يحيى بن معاذ حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء قوله وان يكره أن يعود في الكفر زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق الحسن بن سفيان عن محمد بن المثنى شيخ المصنف بعد إذ انقذه الله منه وكذا هو في طريق أخرى للمصنف والانقاذ أعم من أن يكون بالعصمة منه ابتداء بان يولد على الإسلام ويستمر أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان كما وقع لكثير من الصحابة وعلى الأول فيحمل قوله يعود على معنى الصيرورة بخلاف الثاني فإن العود فيه على ظاهره فإن قيل فلم عدى العود بفي ولم يعده بإلى فالجواب أنه ضمنه معنى الاستقرار وكأنه قال يستقر فيه ومثله قوله تعالى وما كان لنا أن نعود فيها تنبيه هذا الإسناد كله بصريون وأخرجه المصنف بعد ثلاثة أبواب من طريق شعبة عن قتادة عن أنس واستدل به على فضل من أكره على الكفر فترك البتة إلى أن قتل وأخرجه من هذا الوجه في الأدب في فضل الحب في الله ولفظه في هذه الرواية وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ انقذه الله منه وهي أبلغ من لفظ حديث الباب لأنه سوى فيه بين الامرين وهنا جعل الوقوع في نار الدنيا أولي من الكفر الذي انقذه الله بالخروج منه من نار الأخرى وكذا رواه مسلم من هذا الوجه وصرح النسائي في روايته والإسماعيلي بسماع قتادة له من أنس والله الموفق وأخرجه النسائي من طريق طلق بن حبيب عن أنس وزاد في الخصلة الثانية ذكر البغض في الله ولفظه وأن يحب في الله ويبغض في الله وقد تقدم للمصنف في ترجمته والحب في الله والبغض في الله من الإيمان وكأنه أشار بذلك إلى هذه الرواية والله أعلم " ( ).
قال السيوطي : قوله : " من يطع الله ورسوله فقد رشد بفتح الشين وكسرها ومن يعصهما فقد غوى غوى بفتح الواو وكسرها قال عياض والصواب الفتح وهو من الغي وهو الانهماك في الشر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت قال القرطبي ظاهره أنه انكر عليه جمع اسم الله تعالى واسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضمير واحد ويعارضه ما رواه أبو داود من حديث بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال في خطبته من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه وفي حديث أنس ومن يعصهما فقد غوى وهما صحيحان ويعارضه أيضا قوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي فجمع بين ضمير اسم الله وملائكته ولهذه المعارضة صرف بعض القراء هذا الذم إلى أن هذا الخطيب وقف علي ومن يعصهما وهذا التأويل لم تساعده الرواية فإن الرواية الصحيحة أنه أتى باللفظين في مساق واحد وان آخر كلامه إنما هو فقد غوى ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه وعلمه صواب ما أخل به فقال قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى فظهر أن ذمه له إنما كان على الجمع بين الاسمين في الضمير وحينئذ يتوجه الاشكال ويتخلص عنه من أوجه أحدها أن المتكلم لا يدخل تحت خطاب نفسه إذا وجهه لغيره فقوله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت منصرف لغير النبي صلى الله عليه وسلم لفظا ومعنى وثانيها أن إنكاره صلى الله عليه وسلم على ذلك الخطيب يحتمل أن يكون كان هناك من يتوهم التسوية من جمعهما في الضمير الواحد فمنع ذلك من أجله وحيث عدم ذلك جاز الإطلاق وثالثها أن ذلك الجمع تشريف ولله تعالى أن يشرف من شاء بما شاء ويمنع من مثل ذلك الغير كما أقسم بكثير من المخلوقات ومنعنا من القسم بها فقال سبحانه وتعالى أن الله وملائكته يصلون على النبي ولذلك أذن لنبيه صلى الله عليه وسلم في إطلاق مثل ذلك ومنع منه الغير على لسان نبيه ورابعها أن العمل بخبر المنع أولى لأوجه لأنه تقييد قاعدة والخبر الاخر يحتمل الخصوص كما قررناه ولأن هذا الخبر ناقل والآخر مبقي على الأصل فكان الأول أولى ولأنه قول والثاني فعل فكان أولى قال النووي قال القاضي عياض وجماعة من العلماء انما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والايضاح واجتناب الإشارات والرموز فلهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لتفهم وأما قول الأولين فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وغيره من الأحاديث وإنما ثنى الضمير هذا لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكل ما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها إنما يراد الاتعاظ بها ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن بن مسعود قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة الحمد لله نستعينه إلى أن قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر الا نفسه وقال الشيخ عز الدين من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجوز له الجمع في الضمير بينه وبين ربه تعالى وذلك ممتنع على غيره قال وإنما يمتنع من غيره دونه لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك ( ).
قال الشوكاني : قوله ومن يعصهما فيه جواز التشريك بين ضمير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ أن يكون الله تعالى ورسوله أحب إليه مما سواهما وما ثبت أيضا أنه صلى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي يوم خيبر إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية وأما ما في صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من حديث عدي بن حاتم أن خطيباً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يطع الله تعالى ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال له صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله تعالى ورسوله فقد غوى فمحمول على ما قال النووي من أن سبب الإنكار عليه أن الخطبة شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز قال ولهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لتفهم عنه قال وإنما ثني الضمير في مثل قوله أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكل ما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها وإنما يراد الاتعاظ بها ولكنه يرد عليه أنه قد وقع الجمع بين الضميرين منه صلى الله عليه وسلم في حديث الباب وهو وارد في الخطبة لا في تعليم الأحكام ، وقال القاضي عياض وجماعة من العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على الخطيب تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم ما شاء فلان ، ويرد على هذا ما قدمنا من جمعه صلى الله عليه وسلم بين ضمير الله وضميره ويمكن أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على ذلك الخطيب التشريك لأنه فهم منه اعتقاد التسوية فنبهه على خلاف معتقده وأمره بتقديم اسم الله تعالى على اسم رسوله ليعلم بذلك فساد ما اعتقده ( ).
قال العيني : " السؤال الثاني هو أنه لم يقل في الجزاء فهجرته إليهما وإن كان أخصر بل أتى بالظاهر فقال فهجرته إلى الله ورسوله وأجيب بأن ذلك من آدابه صلى الله عليه وسلم في تعظيم اسم الله عز وجل أن لا يجمع مع ضمير غيره كما قال للخطيب بئس خطيب القوم أنت حين قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وبين له وجه الإنكار فقال له قل ومن يعص الله ورسوله فإن قيل فقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الضمير وذلك فيما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد الحديث وفيه ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا قلت إنما كان إنكاره صلى الله عليه وسلم على الخطيب لأنه لم يكن عنده من المعرفة بتعظيم الله عز وجل ما كان عليه السلام يعلمه من عظمته وجلاله ولا كان له وقوف على دقائق الكلام فلذلك منعه والله أعلم ( ).
قال العراقي : " الفائدة الخمسون لم يقل في الجزاء فهجرته إليهما وإن كان أخصر بل أتى بالظاهر فقال فهجرته إلى الله ورسوله وذلك من آدابه صلى الله عليه وسلم في تعظيم اسم الله أن يجمع مع ضمير غيره كما قال للخطيب بئس خطيب القوم أنت حين قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وبين له وجه الإنكار فقال له قل ومن يعص الله ورسوله وهذا يدفع قول من قال إنما أنكر عليه وقوفه على قوله ومن يعصهما وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الضمير في موضع آخر فقال فيما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد الحديث وفيه من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا وظهر بهذا أن ترك جمعهما في ضمير واحد على وجه الأدب وأنه إنما أنكر على الخطيب ذلك تنبيها على دقائق الكلام ولأنه قد لا يكون عنده من المعرفة بتعظيم الله تعالى ما يعلمه صلى الله عليه وسلم من عظمته وجلاله والله أعلم " ( ).
قال الشيخ صلاح البدير حفظه الله في الجمع بين الأحاديث المانعة والمبيحة : إن كان قصد بالتشريك في الضمير التسوية بين الخالق والمخلوق فهو كفر . وإن لم يقصد التسوية نظرنا فإن كان التشريك في الضمير يقتضي معنى فاسداً منع منه كإنكاره صلى الله عليه وسلم على الخطيب قوله : " ومن يعصهما فقد غوى " لأن الغواية حاصلة بعصيان أحدهما . وإن كان عدم التشريك في الضمير يقتضي معنى فاسداً منع منه وصرنا إلى التشريك كقوله صلى الله عليه وسلم : " أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما لأن محبة الله فقط لا يتحقق بها الإيمان ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط لا يتحقق بها الإيمان بل لا بد من اجتماع المحبتين ، وإن كان التشريك لا يقتضي معنى فاسداً وعدم التشريك لا يقتضي معنى فاسداً أيضاً صار التشريك بذلك جائزاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي
( ) أخرجه البخاري رقم ( 16 ) 1 / 14، ورقم ( 21 ) 1 / 16 ، ورقم ( 5694 ) 5 / 2246 ، ورقم ( 6542 ) 6 / 2546 ، ومسلم رقم ( 43 ) 1 / 66 .
( ) أخرجه أبو داود رقم ( 1097 ) 1 / 287 ، ورقم ( 2119 ) 2 / 239 ، والبيهقي في السنن الكبرى رقم ( 13608 ) 7 / 146، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود رقم ( 1097 ) 1 / 287 ، ورقم ( 2119 ) 2 / 239 ، وصححه في صحيح الكلم الطيب رقم ( 206 ) ص 159 .
( ) أخرجه البخاري رقم ( 5208 ) 5 / 2103 ، ورقم ( 3962 ) 4 / 1538، ورقم ( 3963 ) 4 / 1539، ورقم ( 2829 ) 3 / 1090، ومسلم رقم ( 1802 ، 1940 ) 3 / 1540.
( ) أخرجه مسلم رقم ( 870 ) 2 / 594 ، وأبو داود رقم ( 1099 ) 1 / 288 ، والنسائي في السنن الكبرى رقم ( 5530 ) 3 / 322 ، وابن حبان رقم ( 2798 ) 7 / 37 .
( ) الفصول المفيدة في الواو المزيدة لصلاح الدين العلائي ص91- 96.
( ) شرح النووي على صحيح مسلم ج6/ص159- 160.
( ) الديباج على مسلم للسيوطي 2 / 449.
( ) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر 1 / 61 - 62.
( ) شرح السيوطي لسنن النسائي 6 / 90 - 92.
( ) نيل الأوطار للشوكاني 3 / 325 – 326 .
( ) عمدة القاري شرح البخاري للعيني 1 / 27 .
( ) طرح التثريب في شرح التقريب للعراقي 2 / 22.
النصوص التي تدل على الجواز
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" ( ).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا" . ( ).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء فقال : " أكلت الحمر ثم جاءه جاء فقال أكلت الحمر ثم جاءه جاء فقال أفنيت الحمر فأمر منادياً فنادى في الناس إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم " ( ).
النص الدال على النهي
عن عدي بن حاتم أن رجلاً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوي " ( ).
قال صلاح الدين العلائي : الجمع بين هذه الأحاديث وجوه :
أحدها أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يعطي مقام الربوبية حقه ولا يتوهم فيه تسويته له بما عداه أصلا بخلاف غيره من الأئمة فإنه مظنة التسوية عند الإطلاق والجمع في الضمائر بين ما يعود إلى اسم الله تعالى وغيره فلهذا جاء بالإتيان بالجمع بين الاسمين بضمير واحد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في الحديثين المشار إليهما وفي قوله صلى الله عليه وسلم أيضا من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وغير ذلك وأمر صلى الله عليه وسلم ذلك الخطيب بالإفراد لئلا يوهم كلامه التسوية وهو مثل الحديث المتقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا ما شاء الله وشئت قولوا ما شاء الله ثم شئت ، وهذا يرد عليه أن حديث ابن مسعود المتقدم فيه تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته تلك الخطبة ليقولوها عند الحاجة وفيه ومن يعصهما فيدل على عدم الخصوصية به إلا أن يقال يؤخذ من مجموع الحديثين أن يقولوا في خطبة الحاجة ومن يعص الله ورسوله كم علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخطيب ويكون حديث ابن مسعود فيه تعليم أصل خطبة الحاجة لا بجميع ألفاظها وفيه نظر ، وثانيها أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنكر على ذلك الخطيب كان هناك من يتوهم منه التسوية بين المقامين عند الجمع بين الاسمين بضمير واحد فمنع من ذلك وحيث لم يكن هناك من يلبس عليه أتى بضمير الجمع وهذا لعله أقرب من الذي قبله ، وثالثها أن ذلك المنع لم يكن على وجه التحتم بدليل الأحاديث الآخر بل على وجه الندب والإرشاد إلى الأولوية في إفراد اسم الله تعالى بالذكر من التعظيم اللائق بجلاله ، وهذا يرجع في الحقيقة إلى ما قاله أئمة الأصول أولا لكن بزيادة أن ذلك ليس حتما وحينئذ فلا تكون الواو مقتضية للترتيب ، ورابعها أن ذلك الإنكار كان مختصا بذلك الخطيب وكأن النبي صلى الله عليه وسلم فهم عنه أنه لم يجمع بينهما في الضمير إلا لتسويته بينهما في المقام فقال له بئس الخطيب أنت فيكون ذلك مختصا بمن حاله كذلك ولعل هذا الجواب هو الأقوى لأن هذه القصة واقعة عين وما ذكرناه محتمل ويؤثر هذا الاحتمال فيها أن يحمل على العموم في حق كل أحد فإذا انضم إلى ذلك حديث أبي داود الذي علم فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته كيفية خطبة الحاجة وفيها "ومن يعصهما " بضمير التثنية قوي ذلك الاحتمال وهذا مثل ما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم لا تفضلوني على موسى مع قوله أنا سيد ولد آدم فقيل في الجمع بينهما وجوه منها أن الذي منعه من التفضيل فهم منه غضا من منصب موسى عليه السلام عند التفضيل عليه فمنعه منه فيكون ذلك مختصا بمن هو مثل حاله والعلم عند الله ، ورابعها ما روي أن عمر رضي الله عنه أنكر على سحيم عبد بني الحسحاس قوله كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
وقال لو قدمت الإسلام على الشيب وأن الصحابة رضي الله عنهم أنكروا على عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أمره بتقديم العمرة على الحج واحتجوا عليه بقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فلولا أنهم فهموا من الآية الترتيب لما أنكروا ذلك عليه وفهم الصحابة رضي الله عنهم حجة في مثل ذلك لأنهم أهل اللسان وهذا الأثر ذكره جماعة من أئمة الأصول ولم أجده في شيء من كتب الحديث بعد كثرة البحث عنه وكذلك أيضا لم أجد لإنكار عمر رضي الله عنه على سحيم سندا ولكنه مشهور في كثير من الكتب وقد أجيب عنه بأن ذلك الإنكار على وجه الأدب في تقديم الأهم في الذكر وإن كانت الواو لا تقتضي ترتيبا فإن الترتيب له سبب إرادة لفظية كالفاء وثم وطبيعة زمانية فالنطق الواقع في الزمان الأول متقدم بالطبع على النطق الواقع في الزمان الذي بعده وهو السر فيما حكى سيبويه عن العرب أنهم يبدأون بما هو الأهم عندهم وكانت العناية به أشد فكل ما قدم بالزمان دل على أن المتكلم قصد الاهتمام به أكثر مما بعده وذلك يقتضي تفضيلا فإنكار عمر رضي الله عنه لهذا المعنى وأما إنكار الصحابة رضي الله عنهم على ابن عباس فأجاب عنه فخر الدين بأن فهمهم معارض لفهم ابن عباس وفيه نظر لأن الكثرة مقتضية للترجيح وأجاب عنه الآمدي بأنه لم يكن مستند إنكارهم أمره بتقديم العمرة على الحج كون الآية مقتضية للترتيب حتى تتأخر العمرة على الحج بل لأنها مقتضية للجمع المطلق وأمره بالترتيب مخالف لمقتضى الآية وأجاب غيره بما تقدم من الاهتمام بذكر الأول فإنهم فهموا من الآية الاهتمام بأمر الحج فتقديم العمرة عليه في الفعل يناقض ذلك الاهتمام وإن لم تكن الواو مقتضية للترتيب وخامسها أن الترتيب على سبيل التعقيب وضعوا له الفاء وعلى سبيل التراخي وضعوا له ثم ومطلق الترتيب وهو القدر المشترك بين الخاصتين معنى معقول أيضا فلا بد له من لفظ يدل عليه بالوضع لأن المقتضي لذلك قائم والمانع منتف ويلزم من ذلك أن تكون الواو هي الموضوعة له إذ لا غيرها موضع له بالاتفاق وجوابه المعارضة بمثله كما تقدم في الجمع المطلق والحاجة إليه أعم فيكون أكثر فائدة فكان أولى بالوضع واعترض على هذا بأنا إذا جعلنا الواو حقيقة في الترتيب كان الجمع المطلق جزءا من المسمى ولازما له فيجوز جعله مجازا فيه لما بينهما من الملازمة بخلاف العكس فإنا إذا قلنا إنها حقيقة في الجمع المطلق لازما له فلا يتجوز بها فيه لعدم الملازمة وبعبارة أخرى أنه تعارض احتمالان أحدهما كون اللفظ حقيقة في الأخص مجازا في الأعم والآخر كونه حقيقة في الأعم مجازا في الأخص والأول أولى لأن الأخص يستلزم الأعم ولا ينعكس وجوابه هذا يمتنع أنه لا يصح التجوز بها في الترتيب إذا كانت حقيقة في الجمع المطلق بل هذا هو الأقوى لأن إطلاق اللفظ الأعم وإرادة الأخص كثير سائغ وليست وجوه العلاقة المقتضية للتجوز منحصرة في التلازم حتى يلزم ما ذكروه بل لها وجوه كثيرة غير ذلك والله تعالى أعلم " ( ).
قال النووي : " قوله ان رجلا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى قال القاضي وجماعة من العلماء إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضى للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ليفهم وأما قول الأوليين فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله صلى الله عليه وسلم أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وغيره من الأحاديث وإنما ثنى الضمير ها هنا لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظه وإنما يراد الاتعاظ بها ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود باسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فانه لا يضر الا نفسه ولا يضر الله شيئاً والله أعلم " ( ).
قال السيوطي : قال القاضي وجماعة إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمر بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه قال النووي والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الرموز والإشارات ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم كلمة أعادها ثلاثا لتفهم قال ومما يضعف الأول أن مثل هذا الضمير قد تكرر من كلامه صلى الله عليه وسلم كقوله أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وفي حديث أبي داود في خطبة الحاجة ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا قال بن نمير فقد غوي أي بكسر الواو والأول وهو الفتح أشهر من الغي وهو الإنهماك في الشر " ( ).
قال الحافظ ابن حجر : في كلامه على حديث ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما قال الشيخ محيي الدين هذا حديث عظيم أصل من أصول الدين ومعنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في الدين وإيثار ذلك على أعراض الدنيا ومحبة العبد لله تحصل بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك الرسول وإنما قال مما سواهما ولم يقل ممن ليعم من يعقل ومن لا يعقل قال وفيه دليل على أنه لا بأس بهذه التثنية وأما قوله للذي خطب فقال ومن يعصهما بئس الخطيب أنت فليس من هذا لأن المراد في الخطب الإيضاح وأما هنا فالمراد الإيجاز في اللفظ ليحفظ ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قاله في موضع آخر قال ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه واعترض بان هذا الحديث أنما ورد أيضا في حديث خطبة النكاح وأجيب بأن المقصود في خطبة النكاح أيضا الإيجاز فلا نقض وثم أجوبة أخرى منها دعوى الترجيح فيكون حيز المنع أولي لأنه عام والآخر يحتمل الخصوصية ولأنه ناقل والآخر مبنى على الأصل ولأنه قول والآخر فعل ورد بان احتمال التخصيص في القول أيضا حاصل بكل قول ليس فيه صيغة عموم أصلا ومنها دعوى أنه من الخصائص فيمتنع من غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمتنع منه لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقة التسوية بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك وإلى هذا مال بن عبد السلام ومنها دعوى التفرقة بوجه آخر وهو أن كلامه صلى الله عليه وسلم هنا جملة واحدة فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مقام المضمر وكلام الذي خطب جملتان لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر وتعقب هذا بأنه لا يلزم من كونه لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر أن يكره إقامة المضمر فيهما مقام الظاهر فما وجه الرد على الخطيب مع أنه هو صلى الله عليه وسلم جمع كما تقدم ويجاب بأن قصة الخطيب كما قلنا ليس فيها صيغة عموم بل هي واقعة عين فيحتمل أن يكون في ذلك المجلس من يخشى عليه توهم التسوية كما تقدم ومن محاسن الأجوبة في الجمع بين حديث الباب وقصة الخطيب أن تثنية الضمير هنا للإيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين لا كل واحدة منهما فإنها وحدها لا غية إذا لم ترتبط بالأخرى فمن يدعي حب الله مثلا ولا يحب رسوله لا ينفعه ذلك ويشير إليه قوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فأوقع متابعته مكتنفة بين قطري محبة العباد ومحبة الله تعالى للعباد وأما أمر الخطيب بالإفراد فلأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية إذ العطف في تقدير التكرير والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم ويشير إليه قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فأعاد أطيعوا في الرسول ولم يعده في أولي الأمر لأنهم لا استقلال لهم في الطاعة كاستقلال الرسول انتهى ملخصا من كلام البيضاوي والطيبي ومنها أجوبة أخرى فيها تكلم منها أن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه ومنها أن له أن يجمع بخلاف غيره قوله وأن يحب المرء قال يحيى بن معاذ حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء قوله وان يكره أن يعود في الكفر زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق الحسن بن سفيان عن محمد بن المثنى شيخ المصنف بعد إذ انقذه الله منه وكذا هو في طريق أخرى للمصنف والانقاذ أعم من أن يكون بالعصمة منه ابتداء بان يولد على الإسلام ويستمر أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان كما وقع لكثير من الصحابة وعلى الأول فيحمل قوله يعود على معنى الصيرورة بخلاف الثاني فإن العود فيه على ظاهره فإن قيل فلم عدى العود بفي ولم يعده بإلى فالجواب أنه ضمنه معنى الاستقرار وكأنه قال يستقر فيه ومثله قوله تعالى وما كان لنا أن نعود فيها تنبيه هذا الإسناد كله بصريون وأخرجه المصنف بعد ثلاثة أبواب من طريق شعبة عن قتادة عن أنس واستدل به على فضل من أكره على الكفر فترك البتة إلى أن قتل وأخرجه من هذا الوجه في الأدب في فضل الحب في الله ولفظه في هذه الرواية وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ انقذه الله منه وهي أبلغ من لفظ حديث الباب لأنه سوى فيه بين الامرين وهنا جعل الوقوع في نار الدنيا أولي من الكفر الذي انقذه الله بالخروج منه من نار الأخرى وكذا رواه مسلم من هذا الوجه وصرح النسائي في روايته والإسماعيلي بسماع قتادة له من أنس والله الموفق وأخرجه النسائي من طريق طلق بن حبيب عن أنس وزاد في الخصلة الثانية ذكر البغض في الله ولفظه وأن يحب في الله ويبغض في الله وقد تقدم للمصنف في ترجمته والحب في الله والبغض في الله من الإيمان وكأنه أشار بذلك إلى هذه الرواية والله أعلم " ( ).
قال السيوطي : قوله : " من يطع الله ورسوله فقد رشد بفتح الشين وكسرها ومن يعصهما فقد غوى غوى بفتح الواو وكسرها قال عياض والصواب الفتح وهو من الغي وهو الانهماك في الشر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت قال القرطبي ظاهره أنه انكر عليه جمع اسم الله تعالى واسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضمير واحد ويعارضه ما رواه أبو داود من حديث بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال في خطبته من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه وفي حديث أنس ومن يعصهما فقد غوى وهما صحيحان ويعارضه أيضا قوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي فجمع بين ضمير اسم الله وملائكته ولهذه المعارضة صرف بعض القراء هذا الذم إلى أن هذا الخطيب وقف علي ومن يعصهما وهذا التأويل لم تساعده الرواية فإن الرواية الصحيحة أنه أتى باللفظين في مساق واحد وان آخر كلامه إنما هو فقد غوى ثم ان النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه وعلمه صواب ما أخل به فقال قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى فظهر أن ذمه له إنما كان على الجمع بين الاسمين في الضمير وحينئذ يتوجه الاشكال ويتخلص عنه من أوجه أحدها أن المتكلم لا يدخل تحت خطاب نفسه إذا وجهه لغيره فقوله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت منصرف لغير النبي صلى الله عليه وسلم لفظا ومعنى وثانيها أن إنكاره صلى الله عليه وسلم على ذلك الخطيب يحتمل أن يكون كان هناك من يتوهم التسوية من جمعهما في الضمير الواحد فمنع ذلك من أجله وحيث عدم ذلك جاز الإطلاق وثالثها أن ذلك الجمع تشريف ولله تعالى أن يشرف من شاء بما شاء ويمنع من مثل ذلك الغير كما أقسم بكثير من المخلوقات ومنعنا من القسم بها فقال سبحانه وتعالى أن الله وملائكته يصلون على النبي ولذلك أذن لنبيه صلى الله عليه وسلم في إطلاق مثل ذلك ومنع منه الغير على لسان نبيه ورابعها أن العمل بخبر المنع أولى لأوجه لأنه تقييد قاعدة والخبر الاخر يحتمل الخصوص كما قررناه ولأن هذا الخبر ناقل والآخر مبقي على الأصل فكان الأول أولى ولأنه قول والثاني فعل فكان أولى قال النووي قال القاضي عياض وجماعة من العلماء انما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والايضاح واجتناب الإشارات والرموز فلهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لتفهم وأما قول الأولين فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وغيره من الأحاديث وإنما ثنى الضمير هذا لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكل ما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها إنما يراد الاتعاظ بها ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن بن مسعود قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة الحمد لله نستعينه إلى أن قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر الا نفسه وقال الشيخ عز الدين من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجوز له الجمع في الضمير بينه وبين ربه تعالى وذلك ممتنع على غيره قال وإنما يمتنع من غيره دونه لأن غيره إذا جمع أوهم إطلاقه التسوية بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك ( ).
قال الشوكاني : قوله ومن يعصهما فيه جواز التشريك بين ضمير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ أن يكون الله تعالى ورسوله أحب إليه مما سواهما وما ثبت أيضا أنه صلى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي يوم خيبر إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية وأما ما في صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من حديث عدي بن حاتم أن خطيباً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يطع الله تعالى ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال له صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله تعالى ورسوله فقد غوى فمحمول على ما قال النووي من أن سبب الإنكار عليه أن الخطبة شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز قال ولهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لتفهم عنه قال وإنما ثني الضمير في مثل قوله أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكل ما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظها وإنما يراد الاتعاظ بها ولكنه يرد عليه أنه قد وقع الجمع بين الضميرين منه صلى الله عليه وسلم في حديث الباب وهو وارد في الخطبة لا في تعليم الأحكام ، وقال القاضي عياض وجماعة من العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على الخطيب تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيما لله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ليقل ما شاء الله ثم ما شاء فلان ، ويرد على هذا ما قدمنا من جمعه صلى الله عليه وسلم بين ضمير الله وضميره ويمكن أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على ذلك الخطيب التشريك لأنه فهم منه اعتقاد التسوية فنبهه على خلاف معتقده وأمره بتقديم اسم الله تعالى على اسم رسوله ليعلم بذلك فساد ما اعتقده ( ).
قال العيني : " السؤال الثاني هو أنه لم يقل في الجزاء فهجرته إليهما وإن كان أخصر بل أتى بالظاهر فقال فهجرته إلى الله ورسوله وأجيب بأن ذلك من آدابه صلى الله عليه وسلم في تعظيم اسم الله عز وجل أن لا يجمع مع ضمير غيره كما قال للخطيب بئس خطيب القوم أنت حين قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وبين له وجه الإنكار فقال له قل ومن يعص الله ورسوله فإن قيل فقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الضمير وذلك فيما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد الحديث وفيه ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا قلت إنما كان إنكاره صلى الله عليه وسلم على الخطيب لأنه لم يكن عنده من المعرفة بتعظيم الله عز وجل ما كان عليه السلام يعلمه من عظمته وجلاله ولا كان له وقوف على دقائق الكلام فلذلك منعه والله أعلم ( ).
قال العراقي : " الفائدة الخمسون لم يقل في الجزاء فهجرته إليهما وإن كان أخصر بل أتى بالظاهر فقال فهجرته إلى الله ورسوله وذلك من آدابه صلى الله عليه وسلم في تعظيم اسم الله أن يجمع مع ضمير غيره كما قال للخطيب بئس خطيب القوم أنت حين قال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وبين له وجه الإنكار فقال له قل ومن يعص الله ورسوله وهذا يدفع قول من قال إنما أنكر عليه وقوفه على قوله ومن يعصهما وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الضمير في موضع آخر فقال فيما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد الحديث وفيه من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا وظهر بهذا أن ترك جمعهما في ضمير واحد على وجه الأدب وأنه إنما أنكر على الخطيب ذلك تنبيها على دقائق الكلام ولأنه قد لا يكون عنده من المعرفة بتعظيم الله تعالى ما يعلمه صلى الله عليه وسلم من عظمته وجلاله والله أعلم " ( ).
قال الشيخ صلاح البدير حفظه الله في الجمع بين الأحاديث المانعة والمبيحة : إن كان قصد بالتشريك في الضمير التسوية بين الخالق والمخلوق فهو كفر . وإن لم يقصد التسوية نظرنا فإن كان التشريك في الضمير يقتضي معنى فاسداً منع منه كإنكاره صلى الله عليه وسلم على الخطيب قوله : " ومن يعصهما فقد غوى " لأن الغواية حاصلة بعصيان أحدهما . وإن كان عدم التشريك في الضمير يقتضي معنى فاسداً منع منه وصرنا إلى التشريك كقوله صلى الله عليه وسلم : " أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما لأن محبة الله فقط لا يتحقق بها الإيمان ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط لا يتحقق بها الإيمان بل لا بد من اجتماع المحبتين ، وإن كان التشريك لا يقتضي معنى فاسداً وعدم التشريك لا يقتضي معنى فاسداً أيضاً صار التشريك بذلك جائزاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي
( ) أخرجه البخاري رقم ( 16 ) 1 / 14، ورقم ( 21 ) 1 / 16 ، ورقم ( 5694 ) 5 / 2246 ، ورقم ( 6542 ) 6 / 2546 ، ومسلم رقم ( 43 ) 1 / 66 .
( ) أخرجه أبو داود رقم ( 1097 ) 1 / 287 ، ورقم ( 2119 ) 2 / 239 ، والبيهقي في السنن الكبرى رقم ( 13608 ) 7 / 146، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود رقم ( 1097 ) 1 / 287 ، ورقم ( 2119 ) 2 / 239 ، وصححه في صحيح الكلم الطيب رقم ( 206 ) ص 159 .
( ) أخرجه البخاري رقم ( 5208 ) 5 / 2103 ، ورقم ( 3962 ) 4 / 1538، ورقم ( 3963 ) 4 / 1539، ورقم ( 2829 ) 3 / 1090، ومسلم رقم ( 1802 ، 1940 ) 3 / 1540.
( ) أخرجه مسلم رقم ( 870 ) 2 / 594 ، وأبو داود رقم ( 1099 ) 1 / 288 ، والنسائي في السنن الكبرى رقم ( 5530 ) 3 / 322 ، وابن حبان رقم ( 2798 ) 7 / 37 .
( ) الفصول المفيدة في الواو المزيدة لصلاح الدين العلائي ص91- 96.
( ) شرح النووي على صحيح مسلم ج6/ص159- 160.
( ) الديباج على مسلم للسيوطي 2 / 449.
( ) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر 1 / 61 - 62.
( ) شرح السيوطي لسنن النسائي 6 / 90 - 92.
( ) نيل الأوطار للشوكاني 3 / 325 – 326 .
( ) عمدة القاري شرح البخاري للعيني 1 / 27 .
( ) طرح التثريب في شرح التقريب للعراقي 2 / 22.