محمد محمود إبراهيم عطية
Member
العبادة هي حق الله تعالى على العباد ؛ فما خلقهم الله تعالى إلا لذلك ، قال تعالى : ] وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ ( الذريات : 56 ) ؛ فالعبادة لله هي الغاية المحبوبة المرضية له Y ؛ ففي الصحيحين عَنْ مُعَاذٍ t قَالَ : كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ e عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ : " يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ ؟ " قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! قَالَ : " فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ ؟ قَالَ : " لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا " ( [1] ) .
من هنا كان يجب على كل أحدٍ أن يعرف هذا الحق وأن يعرف كيف يقوم به كما أراد الله تعالى ؛ ومن هنا - أيضا - كان التقصير في هذه المعرفة إثمًا يُعاقب عليه .
إن بيان العبادة كانت مهمة الرسل الأولى إلى أقوامهم ، فما أرسل الله تعالى رسولا إلا وقال لقومه : ] اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [ ؛ قال تعالى : ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [ ( الأنبياء : 25 ) ؛ والعبادة هي حق الله وحده ، ولا تجوز لغيره ، وهي مقتضى كلمة الإخلاص التي يلهج بها المسلم في حياته كلها : لا إله إلا الله ، فمعنى ذلك : لا معبود بحق إلا الله ، ومقتضى ذلك ، لا يستحق العبادة إلا الله ، فهو الخالق الرزاق سبحانه Y ؛ فالذي خلق ورزق هو المستحق للعبادة ؛ قال الله تعالى : ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ ( البقرة : 21 ، 22 ) ، وقال U : ] وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ ( العنكبوت : 16 ، 17 ) .
ويقتصر فهم البعض للعبادة على العبادات المحضة ( الصلاة – الصيام – الزكاة – الحج والعمرة ؛ ونوافل ذلك والذكر وما شابه ذلك ) ؛ ولا يعي أن العبادة شاملة لحياة العبد كلها زمانا ومكانا وحالا ، فالزمان هو عمر العبد ، والمكان محل العبد أينما حل ؛ والمراد بالحال حال العبد مع ربه ظاهرًا وباطنًا ، وحاله في نفسه ظهورًا وخفاء ، وسكونًا وحركة ، وحاله مع الناس .. فالعبادة شاملة لكل هذا .. لكل حركاته وسكناته .. ممتدة معه طول عمره .. إنه عبد لله تعالى ؛ وقد قال U : ] قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [ ( الأنعام : 162 ، 163 ) .
ومعنى العبادة في اللغة : التذلل والخضوع ، يقال طريق معبد ، أي : مذلل ، وعَبَدَ الله يعبده عبادة ومعْبَدًا ومَعْبَدَةً : تألَّه له ، ورجلٌ عابد من قوم عَبَدَةٍ وعُبُدٍ وعُبَّدٍ وعُبَّادٍ ؛ والتعبد : التنسك ، والعبادة : الطاعة ( [2] ) .
والعبادة في الشرع : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، فالصلاة والزكاة والصيام والحج ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والوفاء بالعهود ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد للكفار والمنافقين ، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين ، والإحسان إلى البهائم ، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة الظاهرة .
وكذلك حب الله ورسوله ، وخشية الله ، والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ، والصبر لحكمه ، والشكر لنعمه ، والرضا بقضائه ، والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف من عذابه ، وأمثال ذلك هي من العبادة لله ، وهي العبادة الباطنة . أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( [3] ) .
وعرفها الحافظ ابن كثير بقوله : عبارة عن ما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف .ا. هـ ( [4] ) .
قلت : الذي ذهب إليه شيخ الإسلام أجمع وأشمل ، بل هو التعريف الجامع المانع ، فقوله : ( اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ) دخل فيه كل ما أمر الله به ورضيه فعلاً ، وكل ما نهى الله عنه ورضيه تركًا ، وخرج به كل ما لا يحبه الله ولا يرضاه مما يتقرب به على غير ما أمر الله تعالى .
وقوله : ( من الأعمال الظاهرة ) دخل فيه كل أعمال الجوارح .
وقوله : ( والباطنة ) دخل فيه كل أعمال القلوب .
فانتظم في ذلك جميع حركات المسلم وسكناته ، كما قال الله تعالى : ] قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [ .
وأما ما ذهب إليه ابن كثير - رحمه الله - فهو حقيقة العبادة ، وشبيه به ما قاله ابن القيم : والعبادة تجمع أصلين : غاية الحب ، بغاية الذل والخضوع ؛ فمن أحببته ولم تكن خاضعًا له لم تكن عابدًا له ، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدًا له ، حتى تكون محبًا خاضعًا.ا.هـ ( [5] ) . والعلم عند الله تعالى .
[1] - البخاري ( 2856 ) ، ومسلم ( 30 ) .
[2] - انظر لسان العرب باب الدال فصل العين ، ومختار الصحاح ، والمصباح المنير ، ومفردات الراغب ( مادة : ع ب د ) .
[3] - انظر مجموع الفتاوى : 10 / 149 .
[4] - انظر تفسيره : 1 / 26 ( دار الفكر ) .
[5] - انظر مدارج السالكين : 1 / 74 .
من هنا كان يجب على كل أحدٍ أن يعرف هذا الحق وأن يعرف كيف يقوم به كما أراد الله تعالى ؛ ومن هنا - أيضا - كان التقصير في هذه المعرفة إثمًا يُعاقب عليه .
إن بيان العبادة كانت مهمة الرسل الأولى إلى أقوامهم ، فما أرسل الله تعالى رسولا إلا وقال لقومه : ] اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [ ؛ قال تعالى : ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [ ( الأنبياء : 25 ) ؛ والعبادة هي حق الله وحده ، ولا تجوز لغيره ، وهي مقتضى كلمة الإخلاص التي يلهج بها المسلم في حياته كلها : لا إله إلا الله ، فمعنى ذلك : لا معبود بحق إلا الله ، ومقتضى ذلك ، لا يستحق العبادة إلا الله ، فهو الخالق الرزاق سبحانه Y ؛ فالذي خلق ورزق هو المستحق للعبادة ؛ قال الله تعالى : ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ ( البقرة : 21 ، 22 ) ، وقال U : ] وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ ( العنكبوت : 16 ، 17 ) .
ويقتصر فهم البعض للعبادة على العبادات المحضة ( الصلاة – الصيام – الزكاة – الحج والعمرة ؛ ونوافل ذلك والذكر وما شابه ذلك ) ؛ ولا يعي أن العبادة شاملة لحياة العبد كلها زمانا ومكانا وحالا ، فالزمان هو عمر العبد ، والمكان محل العبد أينما حل ؛ والمراد بالحال حال العبد مع ربه ظاهرًا وباطنًا ، وحاله في نفسه ظهورًا وخفاء ، وسكونًا وحركة ، وحاله مع الناس .. فالعبادة شاملة لكل هذا .. لكل حركاته وسكناته .. ممتدة معه طول عمره .. إنه عبد لله تعالى ؛ وقد قال U : ] قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [ ( الأنعام : 162 ، 163 ) .
ومعنى العبادة في اللغة : التذلل والخضوع ، يقال طريق معبد ، أي : مذلل ، وعَبَدَ الله يعبده عبادة ومعْبَدًا ومَعْبَدَةً : تألَّه له ، ورجلٌ عابد من قوم عَبَدَةٍ وعُبُدٍ وعُبَّدٍ وعُبَّادٍ ؛ والتعبد : التنسك ، والعبادة : الطاعة ( [2] ) .
والعبادة في الشرع : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، فالصلاة والزكاة والصيام والحج ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والوفاء بالعهود ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد للكفار والمنافقين ، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين ، والإحسان إلى البهائم ، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة الظاهرة .
وكذلك حب الله ورسوله ، وخشية الله ، والإنابة إليه ، وإخلاص الدين له ، والصبر لحكمه ، والشكر لنعمه ، والرضا بقضائه ، والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف من عذابه ، وأمثال ذلك هي من العبادة لله ، وهي العبادة الباطنة . أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( [3] ) .
وعرفها الحافظ ابن كثير بقوله : عبارة عن ما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف .ا. هـ ( [4] ) .
قلت : الذي ذهب إليه شيخ الإسلام أجمع وأشمل ، بل هو التعريف الجامع المانع ، فقوله : ( اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه ) دخل فيه كل ما أمر الله به ورضيه فعلاً ، وكل ما نهى الله عنه ورضيه تركًا ، وخرج به كل ما لا يحبه الله ولا يرضاه مما يتقرب به على غير ما أمر الله تعالى .
وقوله : ( من الأعمال الظاهرة ) دخل فيه كل أعمال الجوارح .
وقوله : ( والباطنة ) دخل فيه كل أعمال القلوب .
فانتظم في ذلك جميع حركات المسلم وسكناته ، كما قال الله تعالى : ] قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [ .
وأما ما ذهب إليه ابن كثير - رحمه الله - فهو حقيقة العبادة ، وشبيه به ما قاله ابن القيم : والعبادة تجمع أصلين : غاية الحب ، بغاية الذل والخضوع ؛ فمن أحببته ولم تكن خاضعًا له لم تكن عابدًا له ، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدًا له ، حتى تكون محبًا خاضعًا.ا.هـ ( [5] ) . والعلم عند الله تعالى .
[1] - البخاري ( 2856 ) ، ومسلم ( 30 ) .
[2] - انظر لسان العرب باب الدال فصل العين ، ومختار الصحاح ، والمصباح المنير ، ومفردات الراغب ( مادة : ع ب د ) .
[3] - انظر مجموع الفتاوى : 10 / 149 .
[4] - انظر تفسيره : 1 / 26 ( دار الفكر ) .
[5] - انظر مدارج السالكين : 1 / 74 .