محمد محمود إبراهيم عطية
Member
العناية بالطفل جنينا ، لا تجدها إلا في الإسلام ؛ فقد اعتنى منهج الإسلام بالجنين لأنه – إن صح التعبير – مشروع إنسان له الحق في الحياة إذا نفخ فيه الروح ؛ فأباح الإسلام الفطر للحامل في شهر رمضان إذا كان الصيام يؤثر عليها أو على طفلها ، على أن تقضي ما أفطرته بعد ذلك ؛ فروى أحمد وأهل السنن عَنْ أَنَسٍ بن مالك الْكَعْبِي عَنْ النَّبِيِّ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْم وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحَامِلِ أَوْ الْمُرْضِعِ الصَّوْم " ( 1 ) .
ويعد الإسلام الاعتداء على الجنين جناية ؛ ومن هنا حرَّم إجهاض الجنين حفاظًا لحقه في الحياة ؛ فلا يجوز لأمه أن تتعاطى ما يسبب الإجهاض من عمل شاق أو شرب دواء أو نحو ذلك ، ولا يحل لأبيه أن يأمرها بذلك ؛ يقول الغزالي - رحمه الله : الإجهاض والوأد جناية على موجود حاصل ؛ وله مراتب : وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة ، وإفساد ذلك جناية ؛ فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش ، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا ؛ ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا ( 2 ) ؛ والوأد الذي ذكره الغزالي - رحمه الله - هو دفن المولود حيًّا ، وكانوا في الجاهلية يفعلونه بالإناث .
بل جعل الإسلام دية للجنين على من يتسبب في إسقاطه ؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا ؛ فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ ؛ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا ، وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ . فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ [ ولي القاتلة ] : يَا رَسُولَ اللَّهِ : كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ [ أي يهدر ] ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ " مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ ( 3 ) . وفي الحديث دليل على وُجُوب الدِّيَة فِي الْجَنِين وَلَوْ خَرَجَ مَيِّتًا ؛ وهذا من أبلغ عناية الإسلام بالجنين ؛ ودية الجنين إذا نزل ميتا عشر الدية ؛ وأما إذا استهل صارخا ثم مات ففيه الدية كاملة .
بل يدل على عظم عناية الإسلام بالجنين أن النبي أخَّر رجم الغامدية التي أقرت بالزنى حتى تضع ولدها ؛ ثم أخَّرها حتى تفطمه ؛ رعاية لحق الجنين ثم رعاية لحق الوليد .
فإذا جنت المرأة الحامل على غيرها بقتل أو قطع طرف ؛ أو قذف ، أو زنت زنا يستوجب الرجم ؛ فقرر العلماء أن تحبس حتى تضع ولدها وترضعه اللبأ ( 4 ) ، ويستغني ولدها بغيرها من امرأة أخرى أو بهيمة يحل لبنها ؛ فإن فقد ما يستغني الولد به فلابد من انتظار حولين للفطام ؛ لحديث الغامدية ، ولأنه في قصاص النفس اجتمع فيها حقان : حق الجنين وحق ولي الدم في التعجيل ؛ ومع الصبر يحصل استيفاء الجنين لحقه فهو أولى من تفويت أحدهما .
وأما في قصاص الطرف [ يد أو رجل أو غير ذلك ] أو الحد ، فلأن في استيفائه قد يحصل إجهاض الجنين وهو متلف له غالبا وهو بريء فلا يهلك بجريمة غيره ؛ ولا فرق بين أن يكون الجنين من حلال أو حرام ، ولا بين أن يحدث بعد وجوب العقوبة أو قبلها ( 5 ) .
ألا فليشهد الثقلان بأن الإسلام هو دين حقوق الإنسان ، في عالم يدعي الحضارة والمدنية وحقوق الإنسان ، ثم هو يسعى لإقرار الإجهاض كحق للمرأة لتستمتع بحياتها في دنيا الشياطين .
وفوق كل ذلك حفظ الإسلام حق الجنين في الميراث ، إذا مات أبوه وهو في بطن أمه ؛ فيتأخر توزيع تركة الميت ، حتى يأتي المولود فينظر أذكر أم أنثى ؟ ثم يقسم الميراث على أهله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أحمد : 3 / ، وأبو داود ( 2408 ) والترمذي ( 715 ) وحسنه ، والنسائي ( 2274 ) ، وابن ماجة ( 1667 ) .
2 - انظر إحياء علوم الدين : 2 / 51 ، بتصرف يسير ، وهناك حالات ضرورية تقدر في حينها ولها أحكام خاصة بها .
3 - البخاري ( 5758 ؛ 6910 ) ، ومسلم ( 1681 ) ؛ قَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا ذَمّ سَجْعه لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ عَارَضَ بِهِ حُكْم الشَّرْع وَرَامَ إِبْطَاله ؛ وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَكَلَّفَهُ فِي مُخَاطَبَته , وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنْ السَّجْع مَذْمُومَانِ . وَأَمَّا السَّجْع الَّذِي كَانَ النَّبِيّ يَقُولهُ فِي بَعْض الْأَوْقَات فَلَيْسَ مِنْ هَذَا ; لِأَنَّهُ لَا يُعَارِض بِهِ حُكْم الشَّرْع , وَلَا يَتَكَلَّفهُ , فَلَا نَهْي فِيهِ , بَلْ هُوَ حَسَن , وَيُؤَيِّده مَا جاء في بعض الروايات قَوْله : ( كَسَجْعِ الْأَعْرَاب ) , فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ بَعْض السَّجْع هُوَ الْمَذْمُوم ؛ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
4 - اللبن أول الولادة .
5 - انظر مغني المحتاج : 4 / 39 .
ويعد الإسلام الاعتداء على الجنين جناية ؛ ومن هنا حرَّم إجهاض الجنين حفاظًا لحقه في الحياة ؛ فلا يجوز لأمه أن تتعاطى ما يسبب الإجهاض من عمل شاق أو شرب دواء أو نحو ذلك ، ولا يحل لأبيه أن يأمرها بذلك ؛ يقول الغزالي - رحمه الله : الإجهاض والوأد جناية على موجود حاصل ؛ وله مراتب : وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة ، وإفساد ذلك جناية ؛ فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش ، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا ؛ ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا ( 2 ) ؛ والوأد الذي ذكره الغزالي - رحمه الله - هو دفن المولود حيًّا ، وكانوا في الجاهلية يفعلونه بالإناث .
بل جعل الإسلام دية للجنين على من يتسبب في إسقاطه ؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا ؛ فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ ؛ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا ، وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ . فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ [ ولي القاتلة ] : يَا رَسُولَ اللَّهِ : كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ [ أي يهدر ] ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ " مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ ( 3 ) . وفي الحديث دليل على وُجُوب الدِّيَة فِي الْجَنِين وَلَوْ خَرَجَ مَيِّتًا ؛ وهذا من أبلغ عناية الإسلام بالجنين ؛ ودية الجنين إذا نزل ميتا عشر الدية ؛ وأما إذا استهل صارخا ثم مات ففيه الدية كاملة .
بل يدل على عظم عناية الإسلام بالجنين أن النبي أخَّر رجم الغامدية التي أقرت بالزنى حتى تضع ولدها ؛ ثم أخَّرها حتى تفطمه ؛ رعاية لحق الجنين ثم رعاية لحق الوليد .
فإذا جنت المرأة الحامل على غيرها بقتل أو قطع طرف ؛ أو قذف ، أو زنت زنا يستوجب الرجم ؛ فقرر العلماء أن تحبس حتى تضع ولدها وترضعه اللبأ ( 4 ) ، ويستغني ولدها بغيرها من امرأة أخرى أو بهيمة يحل لبنها ؛ فإن فقد ما يستغني الولد به فلابد من انتظار حولين للفطام ؛ لحديث الغامدية ، ولأنه في قصاص النفس اجتمع فيها حقان : حق الجنين وحق ولي الدم في التعجيل ؛ ومع الصبر يحصل استيفاء الجنين لحقه فهو أولى من تفويت أحدهما .
وأما في قصاص الطرف [ يد أو رجل أو غير ذلك ] أو الحد ، فلأن في استيفائه قد يحصل إجهاض الجنين وهو متلف له غالبا وهو بريء فلا يهلك بجريمة غيره ؛ ولا فرق بين أن يكون الجنين من حلال أو حرام ، ولا بين أن يحدث بعد وجوب العقوبة أو قبلها ( 5 ) .
ألا فليشهد الثقلان بأن الإسلام هو دين حقوق الإنسان ، في عالم يدعي الحضارة والمدنية وحقوق الإنسان ، ثم هو يسعى لإقرار الإجهاض كحق للمرأة لتستمتع بحياتها في دنيا الشياطين .
وفوق كل ذلك حفظ الإسلام حق الجنين في الميراث ، إذا مات أبوه وهو في بطن أمه ؛ فيتأخر توزيع تركة الميت ، حتى يأتي المولود فينظر أذكر أم أنثى ؟ ثم يقسم الميراث على أهله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أحمد : 3 / ، وأبو داود ( 2408 ) والترمذي ( 715 ) وحسنه ، والنسائي ( 2274 ) ، وابن ماجة ( 1667 ) .
2 - انظر إحياء علوم الدين : 2 / 51 ، بتصرف يسير ، وهناك حالات ضرورية تقدر في حينها ولها أحكام خاصة بها .
3 - البخاري ( 5758 ؛ 6910 ) ، ومسلم ( 1681 ) ؛ قَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا ذَمّ سَجْعه لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ عَارَضَ بِهِ حُكْم الشَّرْع وَرَامَ إِبْطَاله ؛ وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَكَلَّفَهُ فِي مُخَاطَبَته , وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنْ السَّجْع مَذْمُومَانِ . وَأَمَّا السَّجْع الَّذِي كَانَ النَّبِيّ يَقُولهُ فِي بَعْض الْأَوْقَات فَلَيْسَ مِنْ هَذَا ; لِأَنَّهُ لَا يُعَارِض بِهِ حُكْم الشَّرْع , وَلَا يَتَكَلَّفهُ , فَلَا نَهْي فِيهِ , بَلْ هُوَ حَسَن , وَيُؤَيِّده مَا جاء في بعض الروايات قَوْله : ( كَسَجْعِ الْأَعْرَاب ) , فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ بَعْض السَّجْع هُوَ الْمَذْمُوم ؛ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
4 - اللبن أول الولادة .
5 - انظر مغني المحتاج : 4 / 39 .