حقيقة اليقين دراسة تأصيلية

إنضم
27/02/2009
المشاركات
35
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله الرحمن الرحيم

حقيقة اليقين
محاولة تأصيلية
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد..... عندما تخط الاقلام وتصرح الألسن وتنشر وسائل الاعلام على اختلافها خبراً اوفكرة عن موضوع معين فأن الناس يتلقون ذلك غالباً بعقلية المصدق وقليلاً منهم من يتلقاه بعقلية المحلل الباحث عن الحقيقة.
وعندما يتعلق الخبر باتجاهٍ يوافق هوى المستمع او القارئ فانه يتردد كثيراً في التحقق من صحته ومصداقيته ، لاعتبارات نفسية وثقافية وعوامل تربوية اسهمت في تنشئته وتكوينه على هذه الصيغة . ومن هنا ننطلق اليوم للتعرف على مفهوم اليقين من مصدره الأساس ، لنرى ان طلب الحقيقة والتماسها والحصول عليها بطرق موثوقة ، كل ذلك من المفاهيم التي نص عليها كتاب الحقيقة واليقين(القرآن الكريم) وقد تدرج القرآن تدرجاً موضوعياً في شرح مراتب اليقين بطريقةٍ مبسطة وبلاغيةٍ على اعلى صور البلاغة والاعجاز في آن واحد ، وذلك عندما تحدث في سور الواقعة والحاقّة والتكاثر عن اليقين والذي هو عكس الظن ، (أنظر الى قوة تصور الخليل ان هجم به الظن على اليقين) وذلك في قصة ابراهيم الخليل عندما بحث عن الحقيقة وارد التخلص من آثارالشك باليقين فقال(... ربي أرني كيف تحيي الموتى...) وقد رتب القرآن مراتب اليقين بطريقةٍ اعجازية تحليلية منطقية ، كانت قد بدأت باليقين وأصله يقن: اليقين :العلم وازاحة الشك وتحقيق الامر وقد أيقن يوقن ايقاناً فهو موقنُ ويقن وييقن يقيناً فهويقينٌ ، واليقين نقيض الشك والعلم نقيض الجهل تقول علمتُهُ يقيناً: وفي التنزيل العزيز(وانه لحق اليقين) (أضاف الحق الى اليقين وليس من اضافة الشيئ الى نفسه لأن الحق هو غير اليقين إنما هو خالصه واصحُهُ فجر مجرى اضافة البعض الى الكل) ونعود الى التدرج الذي تحدثنا عنه في بداية موضوعنا فقد قال تعالى في سورة التكاثر (كلا لوتعلمون علم اليقين) أي لو تعلمون حق العلم لما الهاكم التكاثر عن طلب الاخرة وقيل معنى لو تعلمون علم اليقين اي لوتعلمون اليوم في الدنيا علم اليقين فيما امامكم مما وصفت لترون الجحيم بعيون قلوبكم فان علم اليقين يريك الجحيم وعن عين اليقين في نفس هذه السورة وفي قوله تعالى (ثم لترونّها عين اليقين) هي الرؤية التي هي نفس اليقين فأن علم المشاهدة اعلى مراتب اليقين ، ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم الذي الهاكم والخطاب مخصوص بكل من الهاه دنياه عن دينه وقد قال تعالى في سورة الواقعة(ان هذا لهو حق اليقين) يقول تعالى ذكره ان هذا الذي اخبرتكم به ايها الناس من الخبر عن المقربين واصحاب اليمين وعن المكذبين الضآلين وما اليه صائرة أمورهم (لهو حق اليقين) يقول لهو الحق من الخبر اليقين لاشك فيه ونحو الذي قلنا في ذلك قال اهل التأويل واخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة (رضي الله عنه) في قوله:(ان هذا لهو حق اليقين) قال ان الله عزوجل ليس تاركاً احداً من خلقه حتى يقفه على اليقين من هذا القرآن فأما المؤمن فأيقن في الدنيا فنفعه ذلك يوم القيامة واما الكافر فأيقن يوم القيامة فلاينفعه اليقين وعن قوله تعالى في سورة التكاثر(وانه لحق اليقين) لليقين الذي لاريب فيه ، حيث لايمكن ان يتطرق اليه الشك لامن قريب ولامن بعيد.
لقد علمنا القرآن الكريم بطرحه لمفهوم اليقين وفق هذه الصيغ وعلى هذه المراتب كيف نتثبت من الخبر وكيف نرتب بشكل موضوعي ومنطقي درجات مصداقية مايرد علينا من اخبار ومعلومات على اختلافها ممايدور في حياتنا اليومية ، فبدأ بعلم اليقين وهو الخبر الموثوق ، ثم عين اليقين وهي المشاهدة العيانية للحدث ، ثم حق اليقين وهي ان تعيش الحدث بنفسك وتتلمس مفاصله بشكلٍ مباشر وهذا التقسيم في اصله هو للامام محمد متولي الشعراوي(رحمه الله) وقد خالف البيضاوي في تفسيره لعين اليقين الذي اعتبره الامام البيضاوي اعلى مراتب اليقين بينما ذهب الشعراوي الى ان حق اليقين هو اعلى المراتب واني لاذهب مذهب الامام الشعراوي في ذلك لاعتبارات منها ان الحق يعرف بالمعايشة والملامسة حسياً او معنوياً وان الزيغ قد يقع في الابصار كما يدعي اهل الزيغ والضلالة من اصحاب الناريوم القيامة لو كان إدعاءً لكن وقوعه قائم الإحتمال . قال تعالى (أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ) ، لكنه لايقع في البصيرة ولا عند الملامسة بعين القلب أو بالملامسة الحسية حيث عندها فقط يزول اي احتمالٍ للشك والزيغ وقد كان مثال الامام الشعراوي في هذا التدرج في النار التي أجمع اكثر اهل التفسير على انها المراد من وعيد الله عزوجل بعذاب الناروالذي كنى عنه باليقين ، فقال (رحمه الله) علم اليقين ان يخبرك من لايُشَك في صدقه ولم يعهد عنه الكذب ان النارتحرق وتؤلم وعين اليقين ان ترى شخصا يمد يده الى النار فتحرقه وتكويه فيتألم فترى ذلك بام عينك وذلك هو عين اليقين ،وحق اليقين ان تضع انت يدك في النار فتكويك وتتالم جراء ذلك ، وذلك هو حق اليقين الذي لايحتمل الشعور به شك ولاتشكيك .
وبعد هذه المقدمة التفصيلية عن اليقين واذا ما أردنا ان نطابق هذا المفهوم على واقع الأمة اليوم وما تعيشه من من احداث ، فأننا سنتمكن قطعا من معرفة بعض الحقائق التي يسعى الكثيرون الى طمسها او التعتيم عليها بما يملكون من وسائل ، و سنتمكن لاشك من التثبت من صحة الكثير من الاخبار التي تردنا الينا يوميا على مافيها من تناقض وعموميات وماهو مفبركٌ منها لاظهار الحقيقة على خلافها وما هو صحيح وموثوق ومنطقي ، و مثالاً على ذلك فعندما نقلب صفحات التاريخ على اختلاف مراحله ومصادره وعلى اختلاف ازمنته وامكنته التي يصف لنا احداثها ، نرى بانه ما من إحتلالٍ على وجه الارض الاوقد واجه مقاومة من نوعٍ ما وعلى درجات متفاوته من الشدة ، من قبل الشعوب التي وقع عليها الإحتلال . ان هذه الحقيقة تمكننا من ان نضع تصوراً أولياً عن اي شخص او جهةٍ تقول بعدم وجود مقاومةٍ في هذا البلد او ذاك نهائياً لانه بذلك يلغي يقيناً من اليقينيات التاريخية التي تقع ضمن دائرة علم اليقين ، ذلك ان التاريخ وكما يذكر لنا اهل الاحترف من المؤرخين لايكذب في جملته . وكذلك يذكر لنا التأريخ انه ما من خائن او عميلٍ او متعاونٍ مع المحتل الاوقد خسر وخاب ولحقه عارُ ما اقترفت يداه في نهاية المطاف مهما احرز من مكاسب مادية في ظل الاحتلال . وكذلك فأنك لاتجد معتدياً الاولعدوانه واحتلاله نهاية وغالباً ماتكون مأساوية له ولمن تبعهُ من الغاوين ، وهذا باختصار من علوم اليقين التاريخية والتي هي موثوقةً باعتبار ماذكر عن مصداقية جملة التأريخ وباعتبار المشاهدات العيانية لابآئنا واجدادنا في الماضي القريب . وعن عين اليقين وماعاصرناه في جيلنا هذا من هزائم نكراء للروس في افغانستان وللاميركان في الصومال وللعدو الصهيوني في بعض اجزاء فلسطين واطرافها والتي من المؤسف انهم لم يتعلموا من دروسها شيئاً ولعل قادم الدروس سيكون ابلغ لهم علهم يتعلمومن منها شياً ، كل ذلك يقع في دائرةِ عين اليقين والمشاهدات التي لايستطيع ان ينكرها عاقل بادنى درجات العقل الانساني . وأما عن حق اليقين فان بامكاننا ان نسال عنه من اكتووا بناره من جنود الإحتلال وقادته الميدانيين الذي تتعالى صرخاتهم يوما بعد آخر عن ظرورة الانسحاب من العراق وافغانستان ومايرووه عن ان الحرب هناك خاسرة ولاطائل من اعطاء المزيد من الخسائر قبل الاضطرارالى (سحب جنودنا من على اسطح المباني في المناطق الخضراء) على حد تعبيرهم وان المعارك هناك لن تحسم عسكرياً ولابدمن حل سياسي ولابد من حوار مع المقاومة (التي انكروا وجودها بادئ الامر) وان خسائر حلف الناتو في افغانستان والامريكان والبريطانيين في العراق اصبحت الناطق الرسمي بأسم هزيمتهم التي لاحت بوادرها في الافق للأحمق قبل العاقل ، وان تقهقر الكيان الصهيوني ومغازلته لرموز العمالة في فلسطين المحتلة ليس الاتعبيراً خجولاً عن حق اليقين الذي لمسوه على يد المقاومة الاسلامية الباسلة على اختلاف عناوينها ورموزها .
وهكذا يمكن للباحث عن الحقيقة ان يصل اليها اذا ما عرف أولاً كيف يميز بين السراب والحقيقة ومن ثم يرتب حقيقة القين على مراتبها الصحيحة ووفق مفهومها القرآني المعجِز ، ان يتوصل الى اليقين على اعلى صوره ومراتبهِ وبأخصر الطرق واسلمها بعيداً عن الضنون والانفعالات والاوهام والعواطف المبالغ بها احياناً والتي تحمل صاحبها على تلقي اشارات خاطئة تبتعد به عن الحقيقة.
كما ان مفهوم اليقين قد ارتبط بالايمان بالله عز وجل ارتباطا لم يدع جراء الاقتصار عليه من قبل الكثير من الدعاة الى الله ، مجالا لاستعماله في ابواب اخرى كالباب الذي اشرنا اليه اليوم ولاشك أن مكمن الترابط قائمٌ ايظاً في ان اليقين بالحقيقة سواءَ كانت حقيقة الايمان او حقيقة الخبر، يريح المتيقن راحة لايشعر بها سواه .
نسال الله تعالى ان يرزقنا الهداية واليقين لايحرمنا بفضله شفاعة سيد المرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).
وآخردعوانا ان الحمد لله رب العالمين
أشرف الملاحمي – العراق
14- ربيع الأول-1430هـ
الموافق11-3-209م
 
مرحبا بكم يا أخانا الفاضل أشرف وأهلا وسهلا بك بين إخوانك في الملتقى ، وهذه مشاركتك الأولى يعقبها مشاركات كلها نفع وعلم

بسم الله الرحمن الرحيم
، (أنظر الى قوة تصور الخليل ان هجم به الظن على اليقين) وذلك في قصة ابراهيم الخليل عندما بحث عن الحقيقة وارد التخلص من آثارالشك باليقين فقال(... ربي أرني كيف تحيي الموتى...)

الحقيقة أنك تفضلت بما ينزّل الآيات وتفسيرها على الواقع وقد وفقت باستشهادك بحسي الأمثلة من خلال الشيخ الإمام محمد متولى الشعراوي .

ولكن ثمت مدارسة علمية تخص موضوع الظن أو الشك عند خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ، والشك عندما يصدر من مؤمن عادي ويكون في حق الله تعالى وقدرته يكفر به فما بالنا عندما يثبته البعض في حق الأنبياء ومنهم الخليل عليه السلام
والمقام مقام العلماء وأهل التفسير الذين سبقونا بالعلم والإيمان أقتبس من نورهم لتجلية هذه القضية التي وضعتها في أعلى المشاركة مقتبسة من كلامك ـ يرحمني الله وإياك ـ
يقول العلماء ومنهم القرطبي الذي ناقش فيها الطبري واستعان في مناقشته بقول ابن عطيه وجمل كل ذلك وكمله بما صدر من بنيات فكره .

"اختلف الناس في هذا السؤال هل صدر من إبراهيم عن شك أم لا ؟

فقال الجمهور: لم يكن إبراهيم عليه السلام شاكا في إحياء الله الموتى قط وإنما طلب المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به ولهذا قال عليه السلام ليس الخبر كالمعاينة رواه بن عباس لم يروه غيره قاله أبو عمر

قال الاخفش: لم يرد رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين.

وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير والربيع: سأل ليزداد يقينا إلى يقينه.

قال ابن عطية: وترجم الطبري في تفسيره فقال: وقال آخرون سأل ذلك ربه، لانه شك في قدرة الله تعالى.

وأدخل تحت الترجمة عن ابن عباس قال: ما في القرآن آية أرجى عندي منها.

وذكر عن عطاء بن أبى رباح أنه قال: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال: رب أرنى كيف تحيى الموتى.
وذكر حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نحن أحق بالشك من إبراهيم) الحديث، ثم رجح الطبري هذا القول.

قلت: حديث أبى هريرة خرجه البخاري ومسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال ر ب أرنى كيف تحيى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى ويرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن
ما لبث يوسف لاجبت الداعي).

قال ابن عطية: وما ترجم به الطبري عندي مردود، وما أدخل تحت الترجمة متأول، فأما قول ابن عباس: (هي أرجى آية) فمن حيث فيها الادلال على الله تعالى وسؤال الإحياء في الدنيا وليست مظنة ذلك.

ويجوز أن يقول: هي أرجى آية لقوله " أو لم تؤمن " أي إن الإيمان كاف لا يحتاج معه إلى تنقير وبحث.

وأما قول عطاء: " دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس " فمعناه من حيث المعاينة على ما تقدم.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بالشك من إبراهيم) فمعناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق به ونحن لا نشك فإبراهيم عليه السلام أحرى ألا يشك.

فالحديث مبنى على نفى الشك عن إبراهيم.

والذى روى فيه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (ذلك محض الإيمان) إنما هو في الخواطر التى لا تثبت، وأما الشك فهو توقف بين أمرين لامزية لاحدهما على الآخر، وذلك هو المنفى عن الخليل عليه السلام.

وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع وقد كان إبراهيم عليه السلام أعلم به، يدلك على ذلك قوله: " ربى الذى يحيى ويميت "

فالشك يبعد على من تثبت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوة والخلة، والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا.

يقول القرطبي: وإذا تأملت سؤاله عليه السلام وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شئ موجود متقرر الوجود عند السائل والمسئول، نحو قولك: كيف علم زيد ؟ وكيف نسج الثوب ؟ ونحو هذا.
ومتى قلت: كيف ثوبك ؟ وكيف زيد ؟ فإنما السؤال عن حال من أحواله.

وقد تكون " كيف " خبرا عن شئ شأنه أن يستفهم عنه بكيف، نحو قولك: كيف شئت فكن، ونحو قول البخاري: كيف كان بدء الوحى.
و " كيف " في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء، والإحياء متقرر، ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شئ قد يعبرون عن إنكاره بالاستفهام عن حالة لذلك الشئ يعلم أنها لا تصح، فيلزم من ذلك أن الشئ في نفسه لا يصح،
قلت: هذا ما ذكره ابن عطية وهو بالغ، ولايجوز على الانبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشك فإنه كفر، والانبياء متفقون على الايمان بالبعث.


وقد أخبر الله تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " وقال اللعين: إلا عبادك منهم المخلصين، وإذا لم يكن له عليهم سلطنة فكيف يشككهم، وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها وإيصال الاعصاب والجلود بعد تمزيقها، فأراد أن يترقى من علم اليقين إلى علم اليقين، فقوله: " أرنى كيف " طلب مشاهدة الكيفية.
 
الفرق بين إبراهيم عليه الصلاة والسلام وصاحب القرية:

نجد أن صاحب القرية كان شاكاً في القدرة فقال: "أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا".

بينما سؤال إبراهيم عليه السلام عن الكيفية: "أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى".

الجواب لصحاب القرية جاء مفصلاً حيث أره مراحل الإحياء :" وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا"

الجواب لإبراهيم عليه السلام جاء مجملاً:"ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا"

النتيجة عند صاحب القرية:" قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"

النتيجة عند ابراهيم:" وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"

إن الصورتين في الآيتين والفروق بينهما جديرة بالتأمل والدراسة ومن ثم استخراج العبرة.
فأرجو من الدكتور خضر وبقية الأخوة مشاركتي الموضوع .

وفق الله الجميع لما فيه الخير.
 
جزى الله أخانا محب القرآن خيراً فقد كفانا في جوابه المختصر مؤنة البحث الطويل خصوصاً ونحن في مراحل الإنتهاء من رسالة الدكتوراه إنشاء الله وأرجو تعليق أخي د. خضر على الجواب لأنني مهتم بتقييمه العلمي لجواب مختصر من هذا النوع.
 
مساهمة

مساهمة

اليقين في اللغة:
قال في اللسان : الـيَقِـينُ: العِلْـم وإِزاحة الشك وتـحقـيقُ الأَمر، وقد أَيْقَنَ يُوقِنُ إِيقاناً، فهو مُوقِنٌ، و يَقِنَ يَـيْقَنُ يَقَناً، فهو يَقِنٌ. و الـيَقِـين: نَقـيض الشك، والعلـم نقـيضُ الـجهل، تقول عَلِـمْتُه يَقِـيناً. وفـي التنزيل العزيز: وإِنَّه لَـحَقُّ الـيَقِـين أَضاف الـحق إِلـى الـيقـين ولـيس هو من إِضافة الشيء إِلـى نفسه، لأَن الـحق هو غير الـيقـين، إِنما هو خالصُه وأَصَحُّه، فجرى مـجرى إِضافة البعض إِلـى الكل. وقوله تعالـى: واعْبُدْ ربَّك حتـى يأْتـيك الـيَقِـينُ أَي حتـى يأْتـيك الـموتُ، كما قال عيسى بن مريم، علـى نبـينا وعلـيه الصلاة والسلام: وأَوْصانِـي بالصَّلاة والزكاةِ ما دُمْتُ حَيَّاً ، وقال: ما دُمْتُ حَيَّاً وإِن لـم تكن عبَادةٌ لغير حَيَ، لأَن معناه اعْبُدْ ربَّك أَبداً واعْبُدْه إِلـى الـمـمات، وإِذا أَمر بذلك فقد أَمر بالإِقامة علـى العبادة. و يَقِنْتُ الأَمْرَ، بالكسر؛ قال ابن سيده: يَقِنَ الأَمر يَقْناً و يَقَناً و أَيْقَنَه و أَيْقَنَ به و تَـيَقَّنه و اسْتَـيْقَنَه و اسْتَـيْقَن به و تَـيَقَّنْت بالأَمر و اسْتَـيْقَنْت به كله بمعنى واحد، وأَنا علـى يَقِـين منه، وإِنما صارت الـياء واواً فـي قولك مُوقِنٌ للضمة قبلها، وإِذا صَغَّرْته رددتَه إِلـى الأَصل وقلتَ مُيَـيْقِنٌ، وربما عبروا بالظن عن الـيقِـين وبالـيقِـين عن الظن , قال أَبو سِدْرَة الأَسدِيّ، ويقال الهُجَيْمِيُّ:
تَـحَسَّبَ هَوَّاسٌ وأَيْقَنَ أَنَّنـي___ بها مُفْتَدٍ من واحدٍ لا أُغامِرُه
يقول: تَشَمَّـمَ الأَسدُ ناقتـي يظن أَننـي أَفتدي بها منه وأَسْتَـحْمي نفسي فأَتركها له ولا أَقتـحم الـمهالك بمقاتلته، وإِنما سمي الأَسدُ هَوَّاساً لأَنه يَهُوس الفَريسة أَي يَدُقُّها. ورجل يَقِنٌ ويَقَنٌ: لا يسمع شيئاً إِلا أَيْقَنَه، كقولهم: رجل أُذُنٌ. ورجل يَقَنَةٌ، بفتـح الـياء والقاف وبالهاء: كيَقُنٍ؛ عن كراع، ورجل مِيقَانٌ كذلك؛ عن اللـحيانـي، والأُنثى مِيقَانةٌ، بالهاء، وهو أَحد ما شذ من هذا الضرب. وقال أَبو زيد: رجل ذو يَقَنٍ لا يسمع شيئاً إِلاَّ أَيْقَنَ به. أَبو زيد: رجل أُذُنٌ يَقَنٌ، وهما واحد، وهو الذي لا يسمع بشيء إِلا أَيْقَنَ به. ورجل يَقَنٌ ويَقَنَةٌ: مثل أُذُنٍ فـي الـمعنى أَي إِذا سمع شيئاً أَيْقَنَ به ولـم يُكَذِّبه. اللـيث: الـيَقَنُ الـيَقِـينُ؛ وأَنشد قول الأَعشى: وما بالَّذِي أَبْصَرَتْه العُيُــــــو___ نُ مِنْ قَطْعِ يَأْسٍ، ولا مِنْ يَقَنْ .
 
اليقين عند العلماء :
قال الإمام البغوي في تفسيره : ( هُمْ يُوقِنُونَ)، أي: يستيقنون أنها كائنة، من الإيقان وهو العلم . وقيل: الإيقان واليقين علمٌ عن استدلال، ولذلك لا يُسمّى الله موقناً ولا علمه يقيناً إذْ ليس علمه عن استدلال. وقال القرطبي : ( واليقين: العلم دون الشك) وقال البيضاوي : (واليقين: إتقان العلم بنفي الشك والشبهة عنه نظراً واستدلالاً، ولذلك لا يوصف به علم البارىء، ولا العلوم الضرورية). وقد ذكر البخاري عن ابن مسعود أنه قال : (اليقين الإيمان كله) .
 
جزى الله أخانا محب القرآن خيراً فقد كفانا في جوابه المختصر مؤنة البحث الطويل خصوصاً ونحن في مراحل الإنتهاء من رسالة الدكتوراه إنشاء الله وأرجو تعليق أخي د. خضر على الجواب لأنني مهتم بتقييمه العلمي لجواب مختصر من هذا النوع.

أبشر يا محب القرآن أحبك الله أنت والشيخ . اشرف ودونكم ما تيسر في هذه القضية

ذهب الطبري والبيضاوي وابن عاشور وجماعة من المفسرين إلى أن الذي مر على قرية كان شاكا في قدرة الله.

*****************
وذهب ابن عطية وجماعة إلى أنه كان متلهفا على معرفة المزيد عن قدرة الله .

ولكل أدلته وتبقي هذه الأدلة عرضة للأخذ والرد ما لم يرد نقل، ودونكم مختصراً لما اطلعت عليه

قال القرطبي:
وقد حكى الطبري عن بعضهم أنه قال: كان هذا القول شكا في قدرة الله تعالى على الإحياء، فلذلك ضرب له المثل في نفسه.
قال ابن عطية: وليس يدخل شك في قدرة الله تعالى على إحياء قرية بجلب العمارة إليها وإنما يتصور الشك من جاهل في الوجه الآخر، والصواب ألا يتأول في الآية شك
قال الطبري: المعنى في قوله " فلما تبين له " أي لما اتضح له عيانا ماكان مستنكرا في قدرة الله عنده قبل عيانه قال: أعلم.
قال ابن عطية: وهذا خطأ، لأنه ألزم مالا يقتضيه اللفظ، وفسر على القول الشاذ والاحتمال الضعيف، وهذا عندي ليس بإقرار بما كان قبل ينكره كما زعم الطبري، بل هو قول بعثه الاعتبار، كما يقول الإنسان المؤمن إذا رأى شيئا غريبا من قدرة الله تعالى: لا إله إلا الله ونحو هذا.

ابن عاشور: وقوله : { أنّى يحيي هذه الله بعد موتها } استفهامُ إنكار واستبعاد
فقوله : { ولنجعلك آية } معطوف على مقدر دل عليه قوله { فانظر إلى طعامك } وانظر إلى حمارك؛ فإن الأمر فيه للاعتبار لأنّه ناظر إلى ذلك لا محالة ، والمقصود اعتباره في استبعاده أن يُحيي الله القرية بعد موتها

***********************
البيضاوي { أَوْ كالذي مَرَّ على قَرْيَةٍ } تخصيصه بحرف التشبيه لأن المنكر للإِحياء كثير والجاهل بكيفيته أكثر من أن يحصى ، بخلاف مدعي الربوبية
، وقيل الكاف مزيدة وتقدير الكلام ألم تر إلى الذي حاج أو الذي مر . وقيل إنه عطف محمول على المعنى كأنه قيل : ألم تر كالذي حاج ، أو كالذي مر . وهو عزير بن شرحيا . أو الخضر ، أو كافر بالبعث . ويؤيده نظمه مع نمروذ

************************************

ومعنى الآية:
أو هل رأيت -أيها الرسول- مثل الذي مرَّ على قرية قد تهدَّمت دورها، وخَوَتْ على عروشها، فقال: كيف يحيي الله هذه القرية بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام، ثم ردَّ إليه روحه، وقال له: كم قدر الزمان الذي لبثت ميتًا؟ قال: بقيت يومًا أو بعض يوم، فأخبره بأنه بقي ميتًا مائة عام، وأمره أن ينظر إلى طعامه وشرابه، وكيف حفظهما الله من التغيُّر هذه المدة الطويلة، وأمره أن ينظر إلى حماره كيف أحياه الله بعد أن كان عظامًا متفرقة؟ وقال له: ولنجعلك آية للناس، أي: دلالة ظاهرة على قدرة الله على البعث بعد الموت، وأمره أن ينظر إلى العظام كيف يرفع الله بعضها على بعض، ويصل بعضها ببعض، ثم يكسوها بعد الالتئام لحمًا، ثم يعيد فيها الحياة؟ فلما اتضح له ذلك عِيانًا اعترف بعظمة الله، وأنه على كل شيء قدير، وصار آية للناس.{الميسر}
 
وإحياء الموتى إنما يثبت بالسمع وقد كان إبراهيم عليه السلام أعلم به، يدلك على ذلك قوله: " ربى الذى يحيى ويميت "

.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ الدكتور خضر حفظه الله تعالى
أشار فضيلتكم بأن إبراهيم عليه السلام أعلم بإحياء الموتى فهل سؤاله في قوله تعالى : ( {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)
ليطمئن بأن الذي يكلمه هو الله سبحانه تعالى ؟
وجزاكم الله خيرا
 
قوله تعالى : ( {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)
هل سؤال إبراهيم ـ عليه السلام ـ ليطمئن بأن الذي يكلمه هو الله سبحانه تعالى ؟
وجزاكم الله خيرا
حياكم الله أخي الفاضل وأجيبكم فأقول:
إبراهيم عليه السلام كان عالما بأن الذي يكلمه هو الله رب العالمين بدلالة خطابه المباشر " رب ...أرني ....رده سبحانه عليه " قال" أي الله أولم تؤمن...ورد الخليل بـ "بلى" .... كل ذلك يؤكد بأن السؤال وقع لمعرفة الكيفية ـ كيفية الإحياء ـ لينضم الى المعرفة الإيمانية المجردة المعرفة اليقينية المشاهدة . والله الموفق
 
السلام عليكم ورحمة اله وبركاته
سيدي فضيلة الدكتور عبد الفتاح محمد خضـــــــــرأستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم ... المحترم ... تحية طيبة
بالنسبة للعبارة التي نصّصتها لي والتي وردت في مقالتي حقيقة اليقين والتي أسأل الله أن يفتح علينا جميعاً بافكار مشابه في توقيع القرآن توقيعاً معاصرأي ربطه بواقعنا اليوم وهي عبارة (أنظر الى قوة تصور الخليل ان هجم به الظن على اليقين) وذلك في قصة ابراهيم الخليل عندما بحث عن الحقيقة وارد التخلص من آثارالشك باليقين فقال(... ربي أرني كيف تحيي الموتى...) فأنني لم أتسرع بالجواب للإستفادة من تعليقاتكم الكريمة وتعليقات بقية الأخوة وكذلك لإزدحام وقتي هذه الأيام . والظن هو غير الشك وقد ورد كلاهما في القرآن والقرآن منزهٌ عن الترادف لأن الترادف من الخلل والله تعالى يقول {قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الزمر28وكما تعلمون فالظن في أصله الشُح قالت العرب
يجود بالنفس إن ظن الجوادبها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
إلا أن يجي في سياق المعنى بما يلحقه بعض الناس بالشك وهو ليس الشك إنما هو شحةُ المعلومة أو التثبت القاطع من وجه من وجوهها ... وهكذا يكون ظن إبراهيم عليه السلام في موضوع طريقة الأحياء وكيفيتها وإلا لما كان جوابه حين سأله المولى عز وجل (أولم تؤمن .. بـ.. بلى ولكن ليطمئن قلبي) ونحن نعلم أن أنبياء الله لايجوز في حقهم الكذب وليس الشك في قدرة الله تعالى على الإحياء والله أعلم
جزاك الله ومن شارك في نقاش المقال خيراً فقد حفزتنا هذه المشاركات التي إن دلت فأنها تدل على تعلق أهل القرأن بكتاب الله جزانا الله جميعاً شفاعته يوم القيامة
 
الشيخ الفاضل الدكتور خضر
جزاك الله خيرا وأحسن إليك وبارك في الجميع
 
عودة
أعلى