حقيقة الموت في القرآن

إنضم
22/12/2016
المشاركات
36
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
العمر
44
الإقامة
مصر
الموت هو خروج الروح من الجسد ، وقد قال الله عز وجل في كتابة العزيز عن الروح " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا " ( الإسراء 85) .


وقد اختلف الأطباء في التعريف الطبي للموت أو الدليل على موت الإنسان . فيقول أحدهم أن الموت هو توقف الوظائف الحيوية لجسم الإنسان ، ويعجز عن تحديد هذة الوظائف .

وقد أنزل الله تعالي القرآن الكريم علي رسوله تبياناً لكل شيء مصداقاً لقوله تعالي " ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ... " ( النحل 89 ) . وقد اكتشف العلماء حديثاً أن العديد من الحقائق العلمية موجودة في القرآن . فلا يوجد حقيقة علمية , إلا ولها أصل في القرآن .

ولا يعقل أن ينزل القرآن وهو تبياناً لكل شيء , ولا يوجد فيه تعريفاً طبياً للموت أو ما يمكن أن نعتبره دليلاً على موت الإنسان , فالدليل على الموت موجود في القرآن . و يأتي الدليل على الموت صريحاً ، وذلك في أول ذكر لكلمة الموت في القرآن وذلك في الآيات التالية من سورة البقرة : " مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ( البقرة 17 – 20 ) .

هذه الآيات تتحدث عن المنافقين الذين يعيشون في الظلام , وكلما استوقدوا ناراً ليضيئوا ما حولهم , أطفأ الله هذه النار ليبقوا في الظلام . وهؤلاء المنافقين يخشون صوت الرعد في الظلام الذي يعيشون فيه , فهم يضعون أصابعهم في آذانهم حذر الموت , فهم إن فقدوا السمع في هذا الظلام سيموتون حتماً . فيصفهم الله بأنهم صم بكم عمي لا يعرفون طريق الحق . ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم .

وهنا يتضح الدليل على الموت وهو " ذهاب كل من حاستي السمع والبصر " , فلو أن ذهاب حاسة السمع لا علاقة له بالموت فلماذا يضع المنافقون اصابعهم في آذانهم حذر الموت ؟! ، ولماذا يبقيهم الله في الظلام كلما أضاءوا ناراً ليضيئوا ما حولهم ؟ . الإجابة تكمن في الدليل على الموت .

ونعود إلي الآيات ونتوقف عند قول الله تعالي " ... وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " . فما وجه القدرة في ذهاب السمع والبصر ؟ ألا يستطيع أي إنسان أن يسلب اي من حاستي السمع أو البصر من اي إنسان آخر أو حيوان فيه الروح . ونجيب بأن هذه القدرة تتمثل في خروج الروح من الجسد , فلو أن إي إنسان أو حيوان فيه الروح فقد كل من حاستي السمع والبصر بأي طريقة فهو ميت لا محالة .

ويتأكد هذا المعني أيضاً في قوله تعالي " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ " ( الأنعام 46 ) . فلو أخذ الله كل من السمع والبصر فلا يستطيع أحد أن يرد قضاء الله وهو الموت .

وكلنا نعيش مع بعض الأشخاص , قدر الله لهم أن يفقدوا حاسة السمع أو حاسة البصر . فهل نجد ممن نعيش معهم من يفقدوا كل من حاستي السمع والبصر مجتمعتين ؟ . الإجابة بالقطع لا , لأن من يفقد كل من السمع والبصر ميت لا محالة .

ونحن نعلم أن هناك أشخاصاً فقدوا حاسة السمع , ثم رد الله لهم السمع . وأشخاص فقدوا حاسة البصر ثم ردها الله لهم . لكن إذا فقد أي شخص كل من حاستي السمع والبصر مجتمعتين فلا راد لقضاء الله , فهذا الشخص ميت لا محالة .

أما عن الشخصية الشهيرة " هيلين كيلر " ، التي يدعي البعض أنها فاقدة لكل من السمع والبصر ، فهذه الشخصية لا أصل لها إلا في الصحف وليس في الكتب العلمية ، وأتسأل كيف كانت هذه الشخصية تتواصل مع العالم الخارجي ؟! .

وللمؤمنين بالتجربة العلمية ، أقول لو جاز لأي كائن به الروح أن يعيش بدون كل من السمع والبصر ، فهل تستطيعوا أن تأتوا بحيوان تجارب وتسلبوا منه كل من السمع والبصر ثم يبقى على قيد الحياة بعدها ؟! .
ولنتأمل هذه الآيات التي تؤكد ارتباط كل من السمع والبصر بالحياة والموت :
• " قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ " (يونس 31)
• " وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " (النحل 78)
• " ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " (السجدة 9)
• " قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " ( الملك 23 )
• " إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا " ( الإنسان 2 )
ومما سبق يتضح أنه طبقاُ للآيات السابقة , فإن علامة وجود الروح في الجنين في بطن أمه هو اكتمال حاستي السمع والبصر فالقلب موجود في الجنين منذ الأسابيع الأولي ويتم تصوير النبض بالأجهزة الحديثة . فوجود قلب ينبض ليس علامة علي وجود الروح , وتوقف القلب عن النبض ليس علامة علي خروج الروح , فكم توقف القلب عند مريض واستطاع الأطباء إعادته للنبض .

فالسمع والبصر من أكثر النعم التي تستحق شكر الله وكل إنسان مسئول عنهما مصداقاً لقوله تعالي " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " ( الإسراء 36) .
وحتي نستكمل الموضوع , فقد وصف الله الكفار المجرمين بأنهم صم بكم عمي في أكثر من آية , فهم كالموتى . وفيما يلي بعض من هذه الآيات :
• " خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " ( البقرة 7 ) .
• " وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ " ( البقرة 171) .
• " وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ " ( المائدة 71 ) .
• " وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ( الأنعام 39 ) .
• " قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ " ( الأنعام 50 ) .
• " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ " ( الأعراف 179 ) .
• " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ " (يونس 42 .. 43) .
• " أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ " ( هود 20 ) .
• " مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " ( هود 24 ) .
• " وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا " ( الإسراء 97 .. 98 ) .
• " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ " ( الحج 46 ) .
• " وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا " ( الفرقان 73 ) .
• " إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ " ( النمل 80 .. 81 ) .
• " فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ " ( الروم 52 .. 53 ) .
• " وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ " ( السجدة 12 ) .
• " وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ " ( فاطر 19 .. 22 ) .
• " أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " ( الزخرف 40 ) .

ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .
هذا وبالله التوفيق .

محمد عبد الرحيم الغزالي
 
المهندس الفاضل محمد عبد الرحيم الغزالي وفقه الله،
بداية نحمد الله تعالى على منّته سبحانه بأن يسر لنا كافة العلوم والتخصصات، ومنها تخصصكم الهندسي المبارك، ونسأل الله أن يجعل هذه العلوم والمهارات حجة لنا، لا علينا .
ثم بالإشارة إلى تفضلتم به من نظريات حول فقدان السمع والبصر في هذه المشاركة، ثم الكائنات الفضائية في مشاركة ثانية، واجتهادكم في التفسير بشان الآيات الكريمة المعنية ببيت الله الحرام، فليتكم تتكرمون بالنظر في بعض المعلومات التي أسردها لكم تاليا، لعلنا كمهندسين نتوصل إلى ما به إثراء للمحتوى البحثي والعلمي للملتقى، وصيانة لمحتواه ومكانته.
من هذا المنطلق، فلعلك تتكرم بإلقاء المزيد من الضوء على النظرية التي تكرمتم بعرضها في هذه المشاركة، والتي تربط تفسير القرآن الكريم بفاقد السمع والبصر، والاستنتاج الذي توصلتم إليه أن فاقد السمع والبصر هو "ميت لا محالة"، فإن هذا الاستنتاج لم يتضح تماما، حيث أنه هناك المئات ممن ابتلوا بفقدان هاتين الحاستين، وهم لا يزالون على قيد الحياة، وهناك شهود وقيود وسجلات مدنية وطبية لتثبت ذلك، والعشرات من الجمعيات الخيرية حول العالم، بما فيها في بلدي وبلدك الكريم، لرعايتهم وخدمتهم.
أما قولكم أن هيلين كيلر هي شخصية لا أصل لها، فهذا أمر غير مفهوم، حيث أنها شخصية أمريكية حديثة، ولدت في مجتمعها المعروف، والتحقت بالجامعة، وقابلت المئات من الشخصيات حول العالم، وتم توثيق ذلك بالصور، ولها المؤلفات، وقامت بزيارة بلدي وبلدكم، وسوريا، ولبنان، وإندونيسيا، وعشرات البلاد حول العالم، وقابلت رؤساء الدول، وتم تكريمها لجهودها في نشر الوعي لفاقدي السمع والبصر، وذلك كله موثق، بالسجلات الرسمية لهذه الدول، وبالصور، وهي كذلك فاقدة للسمع والبصر، وظلت على هذه الحالة طوال سنوات عمرها الثمانين وماتت وهي كذلك قبل حوالي 50 سنة.
ولعل أمّتنا بأمس الحاجة للخبرات التقنية التي يمتلكها أمثال حضراتكم، وليتها يتم تسخيرها في مجال تخصصها، فإنكم، وحسب سيرتكم الذاتية في الملتقى، تسعون "لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة"، وليت ذلك يكون في مجال تخصصكم الدقيق، فإننا وأنتم، كمهندسين، نرجو أن يكون لنا دور في التصدي للخرافات التي شاعت بين المسلمين، كتلك التي تتعلق بالطاقة الكونية، والقفزات التي تربط العلوم التجريبة بعالم الغيب، ونظريات العوالم والمخلوقات والكائنات الفضائية، فكما نحن نرجو أن يبارك الله تعالى لنا في مجال تخصصنا، وأن يعيننا على التفرغ لبرمجة التطبيقات النافعة، والبرامج الحاسوبية التي تخدم المسلمين، بما فيهم أولئك الذين ذكرتم في مقالتكم ممن ابتلوا بفقدان حواسهم، فإننا نسأل الله أن ييسر لنا ما هو أهم، وهو تسخير مهارتنا في تصميم البرامج التي تساهم في نشر علوم المتخصصين في تفسير القرآن العظيم من أهله الكرام، وذلك لرفع الجهل عن الناس، ونشر العلم النافع، ودفع الخرافات والبدع، من باب إنزال أهل العلم منازلهم، ولزوم التقوى بعدم الخوض فيما هو ليس من علمنا ولا معرفتنا ولا تخصصنا، خوفا من أن يؤتى الإسلام من قبلنا، وأن يصبح جهلنا سببا لفتنة الذين كفروا.
نفع الله بكم المسلمين.
 
مداخلة رائعة أختنا الأستاذة مها؛ لكن أختلف معك في هذه الجملة: (.. تسعون "لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة"، وليت ذلك يكون في مجال تخصصكم الدقيق ..) إذ تحمل مغالطة منطقية واضحة، ويكذّبها الواقع، فقد يتفرّغ المرء لحفظ متون اللغويات والشرعيات ليتقنها في سنة أو سنتين ثم يخرج يتشدّق بالنحو والإملاء وقال الله وقيل قال رسول الله، ويعنعن هنا وهناك، ويذكّرنا بمقالات أحمد والشافعي.. لكن هذا لا يضمن له التمتع بالقدرات والمهارات التحليلية التي نعرفها عن مصطفى محمود على سبيل المثال لا الحصر، فالأمة بحاجة إلى الحافظ والخطيب والشيخ حاجتها إلى الأديب والمتكلم والمحلل وحاجتها إلى المربي المزكي والواعظ.. إنما المشكل الحقيقي يكمن في عدم التواصل والتكامل ثم المشكل الأكبر في غياب التناصح، وإني أرى أن التقنيات الحديثة تسهل أمر التواصل. وشخصيا لا أعرف من اعترض على بعض ما جاء في الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي بحجة التخصص إلا من ينطبق عليه "من جهل شيئا عاداه" أو حسود (حقود) مثل محمد أركون؛ ومالك رحمه الله أبدع في باب دلائل النبوة فنا جديدا وعظيما لم يسبق إليه من هم من الكبار في الشرعيات، وقد إعترض المرحوم محمد محمود شاكر على شيء قاله إبن نبي في الشعر الجاهلي لكن لم يستند في ذلك على مغالطة الاحتكام إلى السلطة (المعنوية: التخصص)، وكذلك فعل المرحوم عبدالله دراز عند إعتراضه على شيء قال به مالك في مدة إعتكاف النبي عليه السلام في غار حراء. ما يقال هنا في الظاهرة يقال في أسلمة بعض الجوانب من علم إجتماع الدين عند المرحوم علي شريعتي.

فالجرح والتعديل في نقل الخبر لا في فهم هذا الخبر ولتفهم كما تشاء إذ المهم ما تستدل به على صحة فهمك؛ ليس إلا. والله من وراء القصد.
 
عودة
أعلى