حقيقة التوحيد عند أبي محمد المقدسي (عرض ونقض) / المشاركة في المجالس النيابية نموذجاً

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

محمد براء

New member
إنضم
12/03/2006
المشاركات
375
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقةُ التَّوحيدِ عند أبي مُحمَّد المقدسي
عرضٌ ونقضٌ
( المشاركةُ في المجالِس النيابيةِ نموذجاً )​
الحمد لله رب العالمين وأصلى وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين .
فإن الغلط في تفسير التوحيد ، هو أكثر أنواع الأغلاط آثاراً ، فهو يؤثر في صحة الاعتقاد ، ويؤثر في الحكم على المخالف والموالاة والمعادة ، ويؤثر في فهم واقع المسلمين وحالهم إذ به يقاس قربهم أوبعدهم مما أراد الله عز وجل منهم .
شهدت ساحة المجادلات العقدية تفسيرات مشوهة للتوحيد ، فالجهمية لما فسروا التوحيد بنفي التركيب عن الله تعالى جعلوا نفي صفات الله تعالى توحيداً ، والجبرية جعلوا إثبات الحكم والأسباب منافياً لتوحيد الله تعالى في أفعاله ، وأهل الحلول والاتحاد فسروا التوحيد بعدم التفريق بين الخالق والمخلوق والمحدث والقديم .
ولما كان قضاء الله عز وجل قد أبرم بحفظ دينه ، فإنه هيأ أئمة ربانيين حفظوا التفسير الصحيح لتوحيده جل وعلا ، التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به الكتب وشرع من أجله الجهاد وجعله طريق النجاة عنده يوم القيامة ، فلم يزل هؤلاء الأئمة في كل عصر يبينون التوحيد الذي أمر الله به ، ويصونونه عن أن يدخل فيه ما ليس منه ، أو أن يبدل بالكلية فيجعل الشرك والضلال توحيداً .
ولله در القائل :
الحمد لله الذي قد ردعا = بالحق من رام الهوى وابتدعا
أحكم في توحيده الأساسا = فقال للإشراك لا مساسا
أنشأ سقف العقد باباً موصداً = بأنجم العلم شهاباً رصداً
فكلما دبَّ لشرك قاصدُ = هبَّ له في الأفق نجم راصدُ
أولئك الشمُّ الهداة الكبرا = كانوا دعاة ينكرون المنكرا​
وفي العصور المتأخرة كان في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية امتدادٌ لأولئك الأئمة الذين حفظوا مفهوم التوحيد وذبوا عنه وبلغوه للناس ، وبذل أئمة هذه الدعوة جهودهم في إحياء تراث أئمة السلف ، ومحققي العلماء الذين اعتنوا بتحرير مقالات السلف أعني شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى .
وعم النفع بهذه الدعوة المباركة في هذا العصر ، فانتشر المفهوم الصحيح لتوحيد الله تعالى ، وساهم في ذلك علماء كبار ، رفع الله ذكرهم بما رفعوه من نشرهم لتوحيد الله تعالى ودينه .
ومما يؤسَفُ له أن نبغت طائفة من المنتسبين إلى السلفية – لا يخالفونها في أبواب الصفات والقدر والصحابة – غير أنهم شوهوا مفهوم توحيد العبادة بأن أدخلوا في حقيقته ولوازمه أقوالاً باطلة ، فأورثهم ذلك أحكاماً مغالية على مخالفيهم ، وعادت الدنيا مظلمة في أذهان أتباعهم ومقلدتهم لا يعرفون من أهل التوحيد الخالص إلا من يحمل التوحيد الذي عليه هؤلاء ، وصار أولئك العلماء الذين نصروا التوحيد والسنة ؛ جهمية مرجئة .
وكان من تلك الأقوال الباطلة التي أدخلوها في حقيقة التوحيد : قولهم في الاشتراك في المجالس النيابية والوزارات ، إذ هذه المجالس معاقل للشرك وصروح للوثنية، والنواب المشاركون فيها هم طواغيت وأرباب مشرعون مع الله تعالى في زعم هؤلاء .
واعلم أن هذه الطائفة ، لم تعتمد في جعلها هذه المسألة من حقيقة التوحيد وأصل الدين على مقدمات طويلة مركبة ، كشأن المقدمات التي تستند إليها الفرق الكلامية ، وإنما هي مقدمات ساذجة ، وأردت من التنبيه على هذا أمرين :
الأمر الأول : أن يعلم أنه لا يحتاج معهم إلى كثير نقاش ولا كبير عناء ، وهذا ما سيتضح لك في هذا المقال .
الأمر الثاني : أن يعلم سبب سهولة التصدر في هذه الطائفة ، فمقدمات مذهبهم سهلة يسيرة ، لا تحتاج لإحاطة بشيء كبير من العلوم ، ففي مسألتنا هذه : يكفي أن تعلم أن التشريع مع الله شرك وأن وظيفة النائب هي التشريع ، لتقضي بعد ذلك بشرك النواب وأنهم طواغيت وأرباب ينازعون الله تعالى حقه ؛ هذا شيء لا يحتاج إلى درس طويل ولا إلى مكابدة ليتعلمه المرء وينشره بين الناس ويصبح رأساً في التوحيد وإماماً في العقيدة .
ولما كانت هذه الطائفة مضيَّقٌ عليها تتعرض للأذى ؛ ظن بعضُ طلبة الحق أن الحق معهم ، إذ بعض النفوس تفهم من غربة الدين أن القول الغريب الأخفى الذي يؤذى أهله هو الحق ، وليس قصدي هنا مناقشة هذا القول ، وإنما أن أمهد للسبب الذي جعلني أكتب هذا المقال ، إذ أردت إبراز إحدى مقالات هؤلاء التي جعلوها من أصل الدين وحقيقة التوحيد ، ليطلع طالب الحق عليها بنفسه ويعلم مقدار هذه الطائفة في العلم والدين ، إذ بعض الأقوال يكون إظهارها كافياً في إبطالها .
ومن أبرز منظري هذه الطائفة الشيخ أبو محمد المقدسي ، الذي بذل جهده في التأصيل لكون ترك هذه المجالس من حقيقة التوحيد ، وبذل جهده أيضاً في تحطيم صورة المشايخ الذين خالفوه في توحيده هذا تارة بالتكفير وتارة بالتضليل .
وسأعتمد في نقض كلامه على ما كتبه في رسالتيه : الديمقراطية دين ، والإشراقة في سؤالات سواقة ([1]) .
والله تعالى هو الموفق لما يحبه ويرضاه .

المشاركة في المجالس النيابية
من النوازل السياسية المعاصرة التي احتاج أهل العلم في هذا الزمان إلى بيان حكم الله تعالى فيها : حكم المشاركة في المجالس النيابية ، وقد ذهبت طائفة من أهل العلم إلى جواز ذلك بشروط ، ومنهم من أجازها في حالات دون حالات وفقاً للموزانة بين المصلحة والمفسدة ، وذهبت طائفة من أهل العلم إلى منع ذلك ، فشأن هذه المسألة كشأن غيرها من النوازل الفقهية الاجتهادية .
وليس مقصودي هنا أن أُفصِّل ذلك ([2]) ، وإنما مقصودي أن أبين أن جميع المختلفين من أهل العلم في هذه المسألة يقدرونها قدرها ، ولا يرفعونها إلى مصاف القواطع واليقينات التي يكفر المخالف فيها ، أما تلك الطائفة فإنهم يجعلونها كذلك ، فهي عندهم من أصول الدين وثوابت الملة ، وهذا هو محل الإبطال في هذا المقال .

عرض قول أبي محمد المقدسي في المشاركة في المجالس النيابية
يمكن عرض قوله إجمالاً في هذه البنود ، وكلها كالفروع عن البند الأول :
أولاً : المجالس النيابية صروح للشرك ومعاقل للوثنية يجب اجتنابها لتحقيق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد والمسألة ليست مسألة اجتهادية :
قال : " .. الديمقراطية دين غير دين الله وملّة غير ملّة التوحيد ، وأنَّ مجالسها النيابية ليست إلا صروحاً للشرك ومعاقل للوثنية يجب اجتنابها لتحقيق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد بل والسعي لهدمها ومُعاداة أوليائها وبُغضهم وجهادهُم ، وأنَّ هذا ليس أمراً اجتهادياً كما يحلو لبعض الملبِّسين أن يجعلوه ، بل هو شركٌ واضحٌ مستبين وكفرٌ بواحٌ صراح قد حذر الله تعالى منه في محكم تنزيله، وحاربه المصطفى صلى الله عليه وسلم طيلة حياته " ([3]) .
ومن ثم فإن المقدسي يرى أن مصلحة التوحيد لا تفوّت بإزاء أي مصلحة أخرى يدعيها هؤلاء الذين يجوزون هذا الشرك يقول المقدسي : " فلو عقل المتكلم أو الكاتب وفهم أن أعظم مصلحة في الوجود هي التوحيد لما قدّم عليها أي مصلحة مرجوحة مزعومة أخرى " ([4]) .
ثم قال في الحاشية : " انظر ص (88) من كتاب حكم المشاركة في الوزارة والبرلمانات التشريعية لعمر الأشقر وفيه الاستدلال بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في باب تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما. مع الغفلة عن أن أعظم مصلحة في الوجود هي تحقيق التوحيد والكفر بالطواغيت " ([5]) .
ثانياً : المترشح للمجالس النيابية طاغوت كافر يسعى إلى مشاركة الله تعالى في حق التشريع :
قال : " حقيقة المترشح فيها أنه طاغوت يسعى إلى أن يشارك الله تعالى بالتشريع فهذه هي الوظيفة الأولى والرئيسية ، التي يسعى للفوز بها في الانتخابات : ( التشريع المطلق ) من خلال نصوص الدستور ، فهو بمعنى آخر يطلب من الناس أن يُنيطوا به سلطة التشريع وأن يصرفوا له هذه العبادة ، فيختاروه كي يشرّع لهم وفقاً لنصوص الدستور " ([6]) .
قال : " فهو مشرك كافر عندنا ، ولو لم يفز بالانتخابات ، ولو لم يباشر التشريع فعلاً ما دام قد ارتضى بهذه الوظيفة الكفرية ، وسعى إليها ودان بهذا الدين الشركي الذي ينيط التشريع بغير الله ودعا إليه ، وحشد الناس والطاقات جاهداً ليحرز مقعداً في مجلسه فهو حين لم يحرزه ، وخاب في انتخاباته ، لم يتركه كفراً بهذا الدين ولا براءة من الدستور ولا اجتناباً للطاغوت أو تحقيقاً للتوحيد ، بل أضلّ من تابعوه وناصروه وأعانوه، وحرضهم على الشرك، ودعاهم إلى اختياره رباً ومشرعاً وكان حريصاً على ذلك .. فخاب وخسر في الدنيا والآخرة ، إلا أن يبادر بالتوبة وتجريد التوحيد ، بالبراءة من الشرك والتنديد ، ولا يخرجه من الكفر إلا ذلك .. " ([7]) .
ثالثاً : ليس هناك مانع من موانع التكفير يمنع من تكفير المترشح للمجالس النيابية :
قال : " لا نرى مانعاً من موانع التكفير المعتبرة يمنع من تكفير هؤلاء الطواغيت المباشرين للتشريع " ([8]) .
ثم ذكر أنه لا يعذر لا بالجهل ولا بالتأويل ولا بانتفاء القصد ولا بالإكراه .
ثالثاً : المنتخِب كافرٌ إلا إذا كان مكرهاً أو مغرراً به :
قال : " أما المنتخِب ( بكسر الخاء ) : فقد علمت أن حقيقة ما يقوم به حين يدين بهذا الدين الشركي ، أنه يختار مشرّعاً ( رَبّاً ) من أولئك الأرباب المتفرقين !! لينيط به التشريع، وينيبه عنه في هذه الوظيفة الشركية " ([9]) .
وقال : " نحن نقول أن من تواطأ واصطلح أو اتفق واجتمع مع هؤلاء النواب أو هذه الحكومات على هذا الدين المحدث الكفري الذي ينيط التشريع بغير الله تعالى ، ويجعله وفقاً للدساتير و القوانين الوضعية ، فقد اتخذهم أرباباً من دون الله وقد ابتغى غير الإسلام ديناً " ([10]) .
ثم قال : " لا نكفر معدوم الإرادة أو المكره على المشاركة في هذه الانتخابات إن وجد وكذلك لا نكفر من غُرّر به، فشارك فيها ظناً منه أنها مجالس وظيفتها تقديم الخدمات للناس ، كما هو في ظن كثير من العوام الذين يختارون أقاربهم أو معارفهم لأجل ذلك ،ونحن هنا لم نعذر بالجهل في باب الشرك الأكبر ، وإنما بالجهل بحقيقة هذا المجلس ، ومن ثم فهذه المسألة عندنا من باب ( الخطأ ) أو انتفاء القصد ".
رابعاً : وجوب معاداة النواب وبغضهم وجهادهم والسعي لهدم المجالس النيابية :
تقدم قوله في المجالس النيابية أنها : " يجب اجتنابها لتحقيق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد بل والسعي لهدمها ومُعاداة أوليائها وبُغضهم وجهادهُم " .
وقال : " نحن وإن كنا نكره اللجوء إلى هؤلاء المشركين ، ونحب وندعوا دوماً إلى قطع العلائق معهم ، وإظهار البراءة الكاملة منهم ومن مناصبهم الكفرية والتشريعية ، وإبداء بُغضهم ومباينتهم ، وننهى عن الإستعانة بهم إلا لضرورة، فالضرورات تبيح المحظورات ، إلا إننا لا نكفر من استعان بهم أو لجأ إليهم في شيء من أمور الدنيا ، دون أن يُقرهم على باطلهم أو يُنيبهم و يتواطأ معهم على شركهم، أو يقع في شيء من كفرهم " ([11]) .
خامساً : النواب الإسلاميون الذين يدعون لتحكيم شرع الله يتحرز من تسميتهم بهذا الاسم والأجدر أن يسموا بالملتحين :
قال في الهامش بعد أن سمى النواب الإسلاميين بالملتحين : " هذا تحرزاً من نسبتهم إلى الإسلام ، في قول من ينعتهم بالنواب الإسلاميين " ([12]) .
وقال : " كثير من الجهال والعوام يغرر بهم بعض النواب المشرعين الملتحين !! حين يلبسون الحق بالباطل ، فينادون بتحكيم شرع الله ، وأن هذه غايتهم من دخول البرلمان .. ويكتبون في إعلاناتهم الإنتخابية عبارات تلبيسية ، وشعارات براقة خداعة ( كالإسلام هو الحل ) ونحوها ، مما يغررون به العوام " ([13]) .
وقال في وصفهم : " أما طول اللحية وقصر الثياب ، فما هذه من موانع التكفير في شيء ، فهي وكل عمل من الأعمال ، سيكون يوم القيامة هباءً منثوراً ، إن لم يتب صاحبه من هذا الشرك .
فقد قال تعالى : ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون " ([14]) .
سادساً : تكالب الناس على الانتخابات هو سبب انتكاس الأمة وضياع أمجادها وتسلط الأعداء عليها :
قال : " ومن تأمل أحوال الناس اليوم ، وكيف تكالبوا على هذا الشرك البواح وحداناً وزرافات ، عرف سبب انتكاس الأمة وضياع أمجادها وتسلط أعدائها عليها ، فإن ذنب الشرك هو أعظم ذنب عصي الله به " ([15]) .

نقض استدلال الشيخ أبي محمد المقدسي على ما ادعاه
من ينظر في هذه النتائج الهائلة التي توصل إليها المقدسي يخيل إليه أنه بناها على مقدمات قاطعة محكمة ، كشأن مقدمات العقائد القطعية ، كإثبات الصفات والقدر واليوم الآخر والإيمان بالرسل .
وحقيقة الأمر أن توحيده هذا إنما هو مبني على شبهة واهية .
فقد بنى مذهبه في تصوير المسألة على مقدمتين :
المقدمة الأولى : أن وظيفة المجالس النيابية هي التشريع وفق الدستور .
وقد دلل على هذه المقدمة بالإتيان بنصوص من بعض الدساتير تبين هذه الوظيفة .
المقدمة الثانية : أن التشريع وفق الدستور هو من التشريع من دون الله تعالى .
وقد دلل على ذلك بشرحه لآلية التشريع وفق الدستور ، بأن ساق نصوصاً منه ومن بعض كتب القانون .
وأنتجت هاتان المقدمتان عنده أن : " حقيقة المترشح في المجالس النيابية أنه طاغوت يسعى إلى أن يشارك الله تعالى بالتشريع ، فهذه هي الوظيفة الأولى والرئيسية، التي يسعى للفوز بها في الانتخابات: ( التشريع المطلق ) من خلال نصوص الدستور، فهو بمعنى آخر يطلب من الناس أن يُنيطوا به سلطة التشريع وأن يصرفوا له هذه العبادة ، فيختاروه كي يشرّع لهم وفقاً لنصوص الدستور " .
ثم أخذ هذه النتيجة وبنى عليها حكمه : " ومعلوم حكم الطاغوت في دين الله ، فهو في الكفر كفرعون ، وعمرو بن لحي الخزاعي، وكعب بن الأشرف ، وأحبار اليهود والنصارى ورهبانهم، والكهان الذين كان يتحاكم إليهم الناس في الجاهلية، ونحوهم من المشرّعين " .
ثم فرع على ذلك سائر الأحكام التي تقدم ذكرها في عرض قوله ، من وجوب الجهاد والمعادة وهدم تلك الصروح !
قال مقيده عفا الله عنه : أما المقدمة الأولى فهي مقدمة لا ينازعه أحد فيها .
وإنما الشأن في المقدمة الثانية ، وفي النتيجة ، وفي الأحكام التي فرعها عليها .
ولا بد من نظر دقيق في مفهوم " التشريع وفق الدستور " ، يكشف ما يعتري هذا اللفظ من إجمال ، وقد قال ابن القيم رحمه الله :
فعليك بالتفصيل والتمييز فالإطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الأذهان والآراء كل زمان
وإذا نظرت في الحجة التي احتج بها الخوراج على تكفير علي رضي الله عنه ، وجدت أنهم احتجوا بمقدمة مجملة ، حين قالوا في مناظرتهم لابن عباس رضي الله عنهما: " إنه حكَّم الرجال في أمر الله ، وقال الله : " إن الحكم إلا لله " ما شأن الرجال والحكم ؟ " .
فكانت طريقة ابن عباس رضي الله عنهما في جوابهم ، هو كشف الإجمال الواقع في قولهم : " حكَّم الرجال في أمر الله " ، بأن يبين لهم أن تحكيم الرجال في أمر الله فيه تفصيل ، فلا يكون في جميع حالته مناقضاً لقوله تعالى : " إن الحكم إلا لله " ، قال : " أما قولكم حكم الرجال في أمر الله فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه ، أرأيت قول الله تبارك وتعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم " .
وكان من حكم الله أنه صيره إلى رجال يحكمون فيه ، ولو شاء يحكم فيه فجاز من حكم الرجال ، أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب ؟
قالوا : بلى ، هذا أفضل .
وفي المرأة وزوجها : " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " ، فنشدتكم بالله حكَّم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة ؟
خرجتُ من هذه ؟
قالوا : نعم " ([16]) .
وإذا سلكنا هذا المسلك تبيَّن فساد هذه المقدمة ، والنظر في ذلك يكون من جهتين: النظر في آلية التشريع وفق الدستور ، والنظر في نتائج ذلك التشريع ، وهو لا يخلو من حالتين :
فإن كانت نتائج ذلك التشريع قوانين مناقضة للدين ، فهذه هي مسألة تشريع القانون الوضعي التي تكلم فيها أهل العلم ([17]) ، وقد علم من حال الإسلاميين - الذي هم محل البحث بالدرجة الأولى - أنهم يدخلون لمنع مثل هذا ، ومنهم من يصرح بكفر من يقع في مثل هذا .
وكل الأدلة التي ذكرها المقدسي في تقرير توحيد الله عز وجل في الحكم والتشريع ، غاية ما تدل عليه هو كفر هذا النوع ، وما فعله المقدسي هو أنه أتى ببعض استدلالات الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى وركبها في حجته على تكفير النواب ([18]).
والحالة الثانية : أن تكون نتائج ذلك التشريع موافقة لشريعة الرب جل وعلا أو غير مخالفة لها ، فعدُّ تشريع موافق لدين الله يُقصد منه تعبيد الناس لله ؛ تشريعاً من دون الله؛ جمع بين النقيضين .
وكذلك التشريعات المتعلقة بشؤون الدنيا ، والتي يسميها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى : " التشريعات الإدارية " ، فمثل هذا لا يكون تشريعاً من دون الله تعالى .
وبهذا يعلم أن تلك المقدمة المجملة التي أسسها المقدسي : " التشريع وفق الدستور هو من التشريع من دون الله تعالى " ، هي من جنس المقدمة المجملة التي استدل بها الخوراج في تكفيرهم علياً رضي الله عنه حين قالوا : " إنه حكم الرجال في أمر الله " .
حينئذ ينحصر النظر في الآلية التي من خلالها حصل هذا التشريع ، ومهما يكن حال تلك الدساتير موافقة أو مخالفة للشريعة الإسلامية ؛ فإن الاحتجاج بنصوصها عند سن القوانين الموافقة للشريعة ، هو في أحطِّ أحواله من جنس الاحتجاج على المقلدة بنصوص أئمتهم الموافقة للحق ، إذ لا يقتضي ذلك إقراراً بأنها حجة مستقلة في ذاتها ، وهذا يسلكه أئمة كبار كما سلكه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في محاججته للأشعرية والمتصوفة وغيرهم .
وحجة المقدسي لا تقوم إلا بادعاء التلازم بين الأمرين ، أعني بين الاحتجاج بالدستور وبين اعتقاد أنه حجة في نفس الأمر منزلته كمنزلة الوحي المنزل من عند الله ، وهذا التلازم لا يمكن تقريره بحال ، وهو معلوم الفساد بالاضطرار .
ولا يمكنه أن يجعل مجرد ذكر نصوص من الدستور لسن قانون غير مخالف للشريعة كفراً مجرداً ، فإنه بذلك يسوم نفسه خطة خسف .
هذا كله على التسليم بأن الدساتير التي يشارك الإسلاميون تحت مظلتها ، دساتير مناقضة للشريعة من كل وجه ، وإلا فقد علم أنها تنص على أن الإسلام دين الدولة ، أو أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ، وهذا له اعتبار في حكم الفقيه .
ومن نظر في تقرير المقدسي لهذه المقدمة ، يجد أنه قد حاد عن محل البحث ، فمحل البحث في حكم النواب ، وهو قد صب كلامه في الحديث عن أصل النظام الديمقراطي، الذي يصدح الإسلاميون بأنهم لا يقرون جميع مكوناته ، ويردُّ على من يزعم الاتفاق بين الديمقراطية والشورى ، وكل هذا لا يغني فتيلاً في إثبات هذه المقدمة .
وإذا أبطلنا هذه المقدمة ، بطلت النتيجة التي بناها عليها ، وسائر الفروع التي فرعها، إلا أنني أنبه إلى فرع واحد من تلك الفروع ، وهو أنه لما كان دخول المجالس النيابية مُناقضاً لأصل الدين وحقيقة التوحيد ، فرع على ذلك عدم الإعذار بالجهل ، لأنه عنده من الأمور الظاهرة التي لا يعذر الجاهل بها ، واعلم أن هذا الفرع مع فساد الأصل الذي ركبه عليه كما تبين لك ، هو فرع باطل ، وأكتفي هنا بالإحالة إلى مقال للشيخ سلطان العميري في هذه المسألة بعنوان : نقد نسبة التفريق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية إلى ابن تيمية (مسألة الاستغاثة أنموذجاً) ([19]) ، والله الموفق .

مسلك آخر لنقض مذهب المقدسي
تبين لك مما مضى بعد إيضاح حجة المقدسي ، موضعُ التلبيس منها ، إذ جعل تلازماً بين دخول المجالس النيابية وبين الوقوع في شرك التشريع من دون الله تعالى .
وأزيد تقرير نفي هذا التلازم ، بتقرير مسلك آخر ، يدركه من يعرف سمة بارزة من سمات أهل السنة والجماعة ، قد بينها الإمام أبو القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني رحمه الله تعالى بقوله : " ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق ، أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم ، قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم ، وتباعد ما بينهم في الديار ، وسكون كل واحد منهم قُطراً من الأقطار ، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ، ونمطٍ واحد يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها ، ولا يميلون فيها ، قولهم في ذلك واحد ونقلهم واحد ، لا ترى بينهم اختلافاً ، ولا تفرقاً في شيء ما وإن قل ، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ، ونقلوه عن سلفهم ، وجدته كأنه جاء من قلب واحد ، وجرى على لسان واحد ، وهل على الحق دليل أبين من هذا ؟
قال الله تعالى: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا . وقال تعالى: ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ﴾ .
وأما إذا نظرت إلى أهل الأهواء والبدع ، رأيتهم متفرقين مختلفين أو شيعاً وأحزاباً ، لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد ، يبدِّعُ بعضهم بعضاً ، بل يرتقون إلى التكفير ، يكفِّر الابن أباه والرجل أخاه ، والجار جاره ، تراهم أبداً في تنازع وتباغض ، واختلاف ، تنقضي أعمارهم ولما تتفق كلماتهم ﴿ تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ﴾ .
أو ما سمعت أنَّ المعتزلة مع اجتماعهم في هذا اللقب يكفر البغداديون منهم البصريين، والبصريون منهم البغداديين ، ويكفر أصحاب أبي علي الجبائي ابنه أبا هاشم، وأصحاب أبي هاشم يكفرون أباه أبا علي، وكذلك سائر رؤوسهم وأرباب المقالات منهم ، إذا تدبرت أقوالهم رأيتهم متفرقين يكفر بعضهم بعضاً ، ويتبرأ بعضهم من بعض، كذلك الخوارج والروافض فيما بينهم وسائر المبتدعة بمثابتهم .
وهل على الباطل دليل أظهر من هذا؟
قال الله تعالى: ﴿ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ﴾ " ([20]) .
وإذا فرعنا مسألتنا هذه على هذا الأصل ؛ نجد أن المقدسي بمفهوم التوحيد الذي اخترعه الذي جعل من حقيقته اجتناب المجالس النيابية ، قد وافق طريقة المبتدعة في الاختلاف في أصول الدين ، وبيان ذلك في مثالين :
المثال الأول : إن من أشهر العلماء الذين بادروا بالتصدي للتغريب بالدعوة إلى تحكيم الشريعة ، وبيان خطورة القوانين الوضعية الشيخ العلامة المحدث أبو الأشبال أحمد محمد شاكر المتوفى سنة 1377 هـ = 1958 م رحمه الله تعالى ، وكلامه في ذلك مشهور متداول ، والمقدسي يستند إليه في عدة مواطن ، ويسميه بالعلامة السلفي، حتى يخيل للقارىء أن الشيخ أحمد شاكر موافق للمقدسي في توحيده الذي جعل دخول المجالس النيابية مما يناقضه .
إن الشيخ أحمد شاكر كغيره من أهل العلم والفقه ؛ مع دعوته لتحكيم الشريعة ، وتحذيره من القوانين الوضعية - بل الشيخ ينص أنها من الكفر البواح - فإنهم لا يعدون ذلك ملازماً لاجتناب المجالس النيابية ، إذ هذا التلازم لا وجود له في عقول أحد خلا المقدسي ومن معه .
والسبل الدستورية التي يعدها المقدسي سبلاً شركيةً طاغوتيةً ، ويعدُّ التشريع وفق الدستور تشريعاً من دون الله تعالى ؛ سبل مشروعة عند الشيخ أحمد شاكر وغيره من أهل العلم .
قال رحمه الله : " ... و إذ ذاك سيكون السبيل إلى ما نبغي من نصر الشريعة: السبيل الدستوري السلمي ؛ أن نبث في الأمة دعوتنا و نجاهد فيها ونجاهر بها ثم نصاولكم عليها في الانتخاب ، و نحتكم فيها إلى الأمة ولئن فشلنا مرة فسنفوز مراراً ، بل سنجعل من إخفاقنا إن أخفقنا في أول أمرنا مقدمة لنجاحنا بما سيحفز من الهمم ، و يوقظ من العزم ، وبأنه سيكون مبصِّراً لنا مواقعَ خطونا ، ومواضع خطئنا ، وبأن عملنا سيكون خالصاً لله وفي سبيل الله .
فإذا وثقت الأمة بنا ، ورضيت عن دعوتنا ، واختارت أن تحكم بشريعتها ، طاعةً لربها ، وأرسلت منا نُوَّابها إلى البرلمان ؛ فسيكون سبيلُنا وإياكم أن نرضى وأن ترضَوا بما يقضي به الدستور ، فتلقوا إلينا مقاليد الحكم ، كما تفعل الأحزاب ، إذا فاز أحدُها في الانتخاب ، ثم نفي لقومنا - إن شاء الله - بما وعدنا ، من جعل القوانين كلها مستمدةً من الكتاب والسنَّة " ([21]) .
قال مقيده عفا الله عنه : فهل يكون الشيخ أحمد شاكر مجوزاً للشرك والتنديد ؟! هل يقترح الشيخ أن يرسل من العلماء نواباً يطلبون من الناس أن يعبدُوهم وينيطوا بهم حق التشريع ويجعلونهم طواغيت وأرباباً من دون الله ؟!
لا أدري بعد هذا كيف تتسع عقول هؤلاء ، إلى اجتماع وصف (العلامة السلفي)([22]) ، مع رجل يبيح الشرك والتنديد جهاراً !
وحينئذ فالمقدسي ملزم بأحد أمرين :
إما أن يُلحِق أحمد شاكر بغيره من العلماء الذين بدعهم وجعلهم من أهل التجهم والإرجاء .
أو أن يقر بأن قوله في المجالس النيابية قول باطل .
وقد اخترت كلام الشيخ أحمد شاكر ؛ لألزمه به ، لأن غيره من العلماء المعاصرين الذين أجازوا الدخول في البرلمانات هم عند المقدسي من علماء الحكومات ومن أهل التجهم والإرجاء ، مثل الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد الصالح العثيمين رحمهما الله تعالى .
المثال الثاني : الشيخ الدكتور عمر الأشقر حفظه الله تعالى ممن له جهود في الدعوة إلى تحكيم الشريعة وكفر القوانين الوضعية ، إذ صنف في ذلك كتاباً قديماً سماه : الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية ، لكنه – أيضاً - كسائر أهل العلم لا يرى تلازماً بين الإشراك بالله في الحكم والتشريع ، وبين دخول المجالس النيابية ، فكتب كتاباً في حكم المشاركة في المجالس النيابية والوزارات ، اختار فيه القول بالجواز ، وكان من الأدلة التي استدل بها على ذلك دليل ركبه من أصلين ، الأول : أن النجاشي كان مسلماً ، والأصل الثاني : أنه كان يقوم على نظام يحكم بغير شريعة الله ، ثم استدل لكل من هذين الأصلين بأدلة من السير .
ولما كان هذا الاستدلال يهدم على المقدسي توحيده ، إذ لا يتصور في عقلية هذه الطائفة وجود مثل هذه الحالة ( حاكم مسلم ولا يحكم بالشريعة ) ؛ فإن المقدسي خالفه في الأصل الثاني فقال : " ومع هذا فقد تهوّر عمر الأشقر فجزم في كتابه المذكور أنَّ النجاشي لم يحكم بشريعة الله وهذا كما عرفتَ كذبٌ وافتراءٌ على ذلك الموحِّد ، بل الحق أن يُقال إنه حكم بما بلغه مما أنزل الله آنذاك ، ومن زعم خلافه فلا يُصدَّقُ إلا ببرهانٍ صحيحٍ قطعيّ الدلالة ، وإلا كان من الكاذبين : " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " وهو لم يأتِ على دعواه هذه بدليلٍ صحيحٍ صريح ، لكن تتبع واحتطب من كتب التاريخ بليلٍ أموراً ظنها أدلة .. والتواريخ معروفٌ حالها ... " ([23]) .
قال مقيده عفا الله عنه : قد هان على المقدسي أن يصف الشيخ بالتهور والكذب والافتراء وأنه يحتطب بليل ، وهذه طريقة معروفة للمقدسي مع مخالفيه المعاصرين ، وطالبه بدليل قطعي ، ولا يخفى عليك من معرفتك لتوحيد المقدسي أن مطالبته بالدليل القطعي جارية على أصله ، إذ قوله في المجالس النيابية من أصل الدين وحقيقة التوحيد ، فلا " يُناطح " ([24]) أصل الدين بتلك الأمور التي يظنها عمر الأشقر أدلة !
ولا يخفى عليك أيضاً بعد أن علمت بطلان المقدمة التي بنى عليها توحيده ، أن هذه مسألة فقهية لا يطالب المستدل فيها بأكثر من دليل يعطي ظناً راجحاً كسائر المسائل الفقهية .
ومقصدي هنا ليس البحث في تلك الأدلة ، وإنما أن أبين أن التقرير الذي عده المقدسي كذباً وافتراءً على النجاشي ، قد قرره من هو أجل منه ، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إذ يقول : " وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام ، بل إنما دخل معه نفر منهم ، ولهذا لما مات لم يكن هناك أحد يصلي عليه ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ؛ خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفَّهم صفوفاً وصلى عليه ، وأخبرهم بموته يوم مات ، وقال : إن أخاً لكم صالحاً من أهل الحبشة مات.
وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك ، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت ، بل قد رُوي أنه لم يصل الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدِّ الزكاة الشرعية ، لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يُمكنه مخالفتهم .
ونحن نعلم قطعاً أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن ، والله قد فرض على نبيِّه بالمدينة أنه إذا جاءه أهلُ الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه ، وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه ، وهذا مثل الحكم في الزنا للمحصن بحد الرجم ، وفي الديات بالعدل ، والتسوية في الدماء بين الشريف والوضيع ؛ النفس بالنفس والعين بالعين وغير ذلك .
والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن ؛ فإن قومه لا يقرونه على ذلك"([25]).
قال مقيده عفا الله عنه : هذا شيخ الإسلام ابن تيمية ، يقرر ما قرره الدكتور عمر الأشقر من أن النجاشي لم يكن يمكنه أن يحكم بحكم القرآن ، بل يقول إن ذلك معلوم قطعاً ، فهل تهور شيخ الإسلام وكذب وافترى على هذا الموحد ، كما تهور الأشقر وكذب وافترى على هذا الموحد ، وهل يكون قد ناطح بكلامه هذا أصل الدين وحقيقة التوحيد ؟!
وبهذا يعلمُ المنصف موقعَ المقدسي من عالمين يقر هو بمنزلتهما - لم أره نال منهما كما نال من غيرهما من مخالفيه - : شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ أحمد شاكر ، وأن كلامهما هذا " يناطح " توحيدَه وأصل دينه .
والله الهادي إلى سواء السبيل .

خاتمة
أعلم أنني قد أتيت بنقد مفهوم التوحيد عند أبي محمد المقدسي ذنباً عظيماً ، وأن هذه الطائفة لا يتورعون عن تبديع مخالفيهم ورميهم بالتجهم والإرجاء وذمهم بأشياء أقل مما فعلته ، وأن من الطرق المقترحة في التعامل مع المخالف عند هؤلاء أن " يضرب بالنعال على أُمِّ رأسه " ([26]) ، إلا أنني - إن شاء الله – " لا آتي ما آتي إلا وأنا واثقٌ بعاقبته ، ولا أدع ما أدع إلا وأنا حاسم طمع النفس والهوى من خيره " ([27]) !
والله الهادي إلى سواء السبيل .

وكتب محمد براء ياسين
الدوحة – قطر
ليلة الجمعة 26/ صفر /1433 هـ
20/1/2012 م​

تعليق الشيخ محمد بن شاكر الشريف على المقال
راسلت الشيخ الفاضل محمد بن شاكر الشريف حفظه الله تعالى وطلبت منه الاطلاع على المقال وإبداء ملاحظاته ، فأجابني جزاه الله خيراً – مشكوراً - :
" جزاكم الله خيراً
فقد اطلعت على مقالكم ، وهو من حيث الإجمال مقبول .
لكنني لا أحب استخدام لفظ المبتدعة أو اتباع الخوارج أو نحو ذلك من الألفاظ لأن ذلك يفرق ولا يجمع حتى لو استخدم مخالفونا هذه الألفاظ تجاهنا " .
وأقول : استجابة لرغبة الشيخ فقد حاولت حذف ما لم يخل بنظام المقال من هذه الألفاظ ، والله الموفق .

_________________
([1]) والعزو للنسخة الموجودة في موقع المقدسي ( منبر التوحيد والجهاد ) ، وكلامه في المجالس النيابية في الإشراقة في سؤالات سواقة ، منشور في موقعه مفرداً بعنوان : الجواب المفيد بأن المشاركة في البرلمان وانتخاباته مناقضة للتوحيد ، وجزء منه بعنوان : حكم الانتخابات ، وهذا الكتابان صنفهما قبل أكثر من خمس عشرة سنة ، لكنه ما زال يحيل عليهما إذ يقول في مقال كتبه قبل سنتين فقط سماه أما آن للسذج أن ينضجوا ! : " أنظر كتابنا ( الديمقراطية دين ) فقد رددنا فيه على كافة شبهات القوم وألقيناها وراء ظهورنا من سنين ولله الحمد " ! ، ومثل هذه الكتب تعد مراجع أصلية عند مقلدته ، حيث يحشون أبحاثهم بكلامه وينشرونها ويقدم هو لها كما فعل صاحب عون الحكيم الخبير .
([2]) انظر في ذلك كتاب : الأحكام الشرعية للنوازل السياسية للدكتور عطية عدلان (ص303 -339 ) ففيه إحالة على كثير من كتابات المعاصرين .
([3]) الديمقراطية دين (ص3) .
([4]) القول النفيس في التحذير من خديعة إبليس (ص23) .
([5]) القول النفيس في التحذير من خديعة إبليس (ص23) .
([6]) الإشراقة في سؤالات سواقة (ص26) .
([7]) الإشراقة في سؤالات سواقة (ص29) .
([8]) الإشراقة في سؤالات سواقة (ص29) .
([9]) الإشراقة في سؤالات سواقة (ص32) .
([10]) الإشراقة في سؤالات سواقة (ص34) .
([11]) الإشراقة في سؤالات سواقة (ص38) .
([12]) الإشراقة في سؤالات سواقة (ص17) .
([13]) الإشراقة في سؤالات سواقة (ص36) .
([14]) الإشراقة في سؤالات سواقة (ص29) .
([15]) الإشراقة في سؤالات سواقة (ص34) .
([16]) أخرجه النسائي في خصائص علي رضي الله عنه (ص200) .
([17]) وأشهر هؤلاء وأقدمهم كلاماً في هذه المسألة ثلاثة : الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى : فكلامه موجود في مواضع عمدة التفسير ، وتعليقه على مسند الإمام أحمد وتفسير الطبري ، وقد جمعت هذه المواضع في كتاب صدر عن مكتبة السنة في مصر بعنوان (( حكم الجاهلية )).
والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى : وله في ذلك رسالته الشهيرة : تحكيم القوانين ، وقد طبعت مفردة ، وطبعت في مجموع رسائله ، وله أيضاً رسائل وخطابات أخرى موجودة في كتاب القضاء من المجلد الثاني عشر من مجموع رسائله ، وللدكتور عبد العزيز بن محمد آلا عبد اللطيف رسالة بعنوان (( جهود الشيخ محمد بن إبراهيم في مسألة الحاكمية )) .
والشيخ محمد الأمين رحمه الله تعالى ، وكلامه موجود في مواضع من أضواء البيان ، في عدة مواضع وهي : (2/104) ، (3/436-441) ، (4/82-85) ، (7/162-173) ، (7/181) ، (7/590) .
وله أيضاً كلام كثر في دروس التفسير التي كان يلقيها في المسجد النبوي ، وقد طبع المسجل منها الدكتور الفاضل خالد السبت جزاه الله خيراً في خمس مجلدات بعنوان (( العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير )) ، وقد استقصيت تلك المواضع وها هي : (1/315-323) ، (1/433-436) ، (2/518-521) ، (2/637-645) ، (3/971-978) ، (3/1131-1132) ، (4/1621-1626) ، (4/2239-2241) ، (4/2266-2272) .
([18]) مثل الاستدلال بقوله تعالى : " وإن أطعتموهم إنكم لمشركون " ، فالاستدلال بهذه الآية يكرره الشيخ الشنقيطي كثيراً كلما تعرض لهذه المسألة .
([19]) منشور في موقع الإسلام اليوم ، وقد بلغني أنه سيصدر كتاباً مفرداً في هذه المسألة .
([20]) الحجة في بيان المحجة (2/239-240) .
([21]) الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر (ص40-41) .
([22]) بهذا نعته المقدسي في كتابه تبصير العقلاء بتلبيسات أهل التجهم والإرجاء .
([23]) الديمقراطية دين (ص29) .
([24]) هذا تعبير المقدسي في هذا الموضع .
([25]) مجموع الفتاوى (19/218) .
([26]) انظر ما قاله المقدسي في تقديمه لكتاب بعض مقلدته المسمى بعون الحكيم الخبير ..
([27]) من مقدمة الشيخ عبد العزيز الطريفي حفظه الله لكتابه العقلية الليبرالية (ص17) .

لتحميل المقال على ملف ورد ، من المرفقات :
 
ما يجري في البرلمان المصري من تخاذل الأعضاء الإسلاميين الإخوان والسلفيين خير دليل على تهافت تلك المجالس ، تخيلوا رئيس مجلس الشعب المصري من الإخوان ينكر ويهدد على عضو أذن لصلاة العصر ولا يتكلم أحد من السلفيين علما بأن وكيل المجلس من حزب النور السلفي ( زعموا )
 
أخي محمد
سدّد الله قلمك
ونفع بك خلقه
=
كلام الأخ محمد هنا عن حكم المسألة وليس عن " تصرفات النواب " كتجميل أنوفهم !
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
عودة
أعلى