محمد محمود إبراهيم عطية
Member
حقيقة الإنسان
فهذا الجسم الطيني غلاف لسر مكنون إن غاب عنا جوهره فقد دل عليه أثره ؛ ذلك السر هو معنى الإنسانية ، فبسكنى السر الإلهي ( الروح ) في ذلك الجسم المادي كان هذا الإنسان الذي كرمه الله تعالى وفضَّله على كثير من خلقه ، قال تعالى : ]وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً[ [ الإسراء : 70 ] .
ولنا أن نتأمل حديث القرآن عن النفس والبدن ، فعندما تحدث القرآن عن هذا الغلاف الخارجي للإنسان - الذي هو البدن والجسد والجسم - تحدث عنه في خمسة مواضع فقط بين دفتي المصحف ، فذُكر لفظ الجسد فيما يتعلق بالإنسان في موضعين ، ولفظ البدن في موضع واحد ، ولفظ الجسم بصيغة الإفراد في موضع ، وبصيغة الجمع في موضع آخر .
لكنه حين تحدث عن النفس تحدث في مائتين وخمسة وتسعين موضعًا ، ذلك ليلفت أنظار وعقول المتدبرين أن هذا الغلاف الخارجي على ما فيه من آيات الصنع ، وطلاقة القدرة ، وعظمة الحكمة ، وسعة العلم ، ليس شيئًا إذا لم تكن به نفس مؤمنة مطمئنة .. إذ الإنسان بنفسه لا بجسمه ؛ ولله در القائل :
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
والنفس بطاقاتها ، وما أودع الله فيها من أسباب الخير والشر ، وما جبلت عليه من شهوات وغرائز وإرادة واختيار وفطرة ؛ لم يقف أحد بعدُ على كنهها ، فهي سر من الأسرار الإلهية ، والتي يقر الإنسان أمامها بعظمة الخالق وحكمته وعلمه وقدرته ، فسبحان الذي خلق فسوى ، وتبارك الله أحسن الخالقين .