أشرف الملاحمي
New member
- إنضم
- 27/02/2009
- المشاركات
- 35
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
الحلقة الأولى - تعريف الحوار
لا شك أن للحوار في القرآن الكريم مكانة مميزة، ورغم ورود هذه الكلمة ومشتقاتها في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع فقط وهي، قوله تعالى:
1- {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً }[1]
2- {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً }[2]
3- {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }[3]
"إلا أن ذلك الاقتضاب في استعمال اللفظة في القرآن الكريم، لا ينصرف بحال إلى التقليل من أهمية أو محورية الحوار في القرآن الكريم، فقد كانت قضية الحوار حاضرة كنموذج تطبيقي باستمرار في المواقف القرآنية المُتعددة"[4] حيث شهدت الكثير من النصوص القرآنية حوارات تنوعت وتعددت في أشكالها وخصائصها، وسنأتي على ذكرها في معرض البحث لاحقاً، وإنما أردنا بيان أهمية لفظة الحوار التي يقع عليها جانباً مهماً من مدار بحثنا هذا، وللتعرف على المزيد مما اشتملت عليه لفظة ((حوار)) لا بد من ذكر تعريفها لغةً واصطلاحاً وهذا هو موضوع المطلب الأول من هذا الفصل.
الحوار لغةً: الحَور الرجوع عن الشيء وإلى شيء حارَ إلى الشيء وعنه حَوراً و مَحاراً و مَحارةً و حُؤوراً، رجع عنه وإليه وقول العجاج: في بئر لا حور سرى وما شعر، أراد في بئر لا حؤور فأسكن الواو الأولى وحذفها لسكونها وسكون الثانية بعدها قال الأزهري، ولا صلة في قوله قال الفرّاء لا قائمة في هذا البيت صحيحة، أراد في بئر ماء لا يحير عليه شيئاً، قال الجوهري حار يَحورُ حَوراً و حُؤورا رجع وفي الحديث "مَن دعا رجلاً بالكفرِ وليسَ كَذلِكَ حارَ عَليهِ"[5] أي رجع إليه ما نسب إليه... وكل شيء تغير من حال إلى حال فقد حارَ يحورُ حوراً... والحَور التحير والحَور الرجوع يقال: حار بعدما كار، والحور النقصان بعد الزيادة لأنه رجوع من حال إلى حال، وفي الحديث: (نعوذ بالله من.. "الحَور بَعد الكَور")[6] معناه من النقصان بعد الزيادة، وقيل معناه من فساد أمورنا بعد صلاحها"[7].
الحوار اصطلاحاً: لا يختلف المعنى الاصطلاحي للحوار كثيراً عن مدلولاته اللغوية حيث تعرض عدد من الباحثين والكتاب إلى الوصف الاصطلاحي لمعنى لفظة ((الحوار))، ولا بد لنا من التعرف على الاستعمالات القرآنية لهذه الكلمة باستفاضةٍ قد تعينُنا على فهم معناها بدقة قبل التعرض إلى آراء من وضعوا تعار يف للحوار، بُغية بيان الوضع الاصطلاحي لهذه المفردة.
فالحور هو في مبدئه الرجوع بتقرير القرآن الكريم "عن ابن عباس أن لن يحور، قال: أن لن يرجع وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد: أن لن يحور أن لن يرجع إلينا"[12]، والبعث كذلك هو الرجوع إلى الله يوم القيامة "وجملة إنه ظن أن لن يحور تعليل لكونه كان في الدنيا في أهله مسروراً والمعنى أن سبب ذلك السرور ظنه بأنه لا يرجع إلى الله ولا يبعث للحساب والعقاب لتكذيبه بالبعث وجحده للدار الآخرة"[13]. وقد وافقه سعيد حوى في تفسيره لهذه الآية بقوله: "أقول وهذا سرُ سروره في أهله، سروراً جعله لا يبالي بقيد ولا عمل"[14]، أي: لا يبالي في أنه سيحور إلى ربه يوم الحشر ويُحاسب على أفعاله وأقواله في هذه الحياة كما تقدم بيانه في التفاسير التي سبق ذكرها .
فالحوار هو: "مُراجعة الكلام بين متحاورين، وتقليب وجوهه للوصول إلى معنى ثابت يقطع الخلاف، ويرفع النزاع بينهما، ويحملهما على التسليم بأحد المعاني الخلافية - وهذا التعريف يرشدنا فقط إلى بعضٍ من وجوه الحوار فـ - المتأمل في بداية التعريف يلحظ ملائمته لمعنى الحوار، إلا أن التعريف اشتمل على حصر الغاية من الحوار في إقناع الطرف الآخر بالتسليم لمعنى معين، وهو أمر لا يتناسب والغاية من الحوار"[15]، ولا يتناسب كذلك مع مَدلولات الحوار وفق الاصطلاح القرآني لهذه اللفظة حيث تعددت نتائج الحوار في كل حادثة؛ بل وربما في الحادثة الواحدة، ولم تكن جميع نتائجه إلزام أحد الطرفين مُحاوِرَهُ الحجة، وكما سيتبين لنا إن شاء الله في المباحث القادمة من هذه الدراسة.
ويعرّف التويجري، الحوار بقوله: "فالأصل في الحوار في الثقافة العربية الإسلامية، هو المراجعة في الكلام، وهو التجاوب، بما يقتضي ذلك من رحابة الصدر، وسماحة النفس، ورجاحة العقل، وبما يتطلبه من ثقة ويقين وثبات، وبما يرمز إليه من القدرة على التكيف، والتجاوب، والتفاعل، والتعامل المتحضّر الراقي مع الأفكار والآراء جميعاً، وبهذا المعنى يتأكد لدينا، بما لا يرقى إليه الشك، أن الحوار أصلٌ من الأصول الثابتة للحضارة العربية الإسلامية، ينبع من رسالة الإسلام وهديه، ومن طبيعة ثقافته وجوهر حضارته"[16] ورغم شمولية هذا التعريف ودقته إلا إننا لا نستطيع عدَّهُ تعريفاً جامعاً مانعاً للحوار كونه يُعرّف الحوار من زاويةٍ مُعينة ونحن نروم وضع تعريفٍ عامٍ للحوار من منظور قرآني بوصف ماهيته، تمهيداً لوضع تعريف شامل لحوار الحضارات من منظور قرآني، لكننا يمكن أن نعد هذا التعريف متعلقاً بالحوار من منظور إسلامي عام ويُعبر عن حوار المسلمين فيما بينهم أو مع غيرهم من حيث رؤيتهم للحوار، كما يمكن فهم هذا الكلام على أنه شرح لمفهوم الحوار من منظور إسلامي وليس تعريفاً للحوار.
[1] سورة الكهف34
[2] سورة الكهف37
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref3 [3] سورة المجادلة1
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref4 [4] العلواني، د.رقية طـه جابر، فقه الحوار مع المخالف في ضوء السُنة النبوية، جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود، للسُنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، ط1، الدورة الأولى1426هـ-2005م ص 34.
[5] ونصُّ الحديث: عََنْ أَبِي ذَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ (( لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ وَمَنْ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ )) رواه مسلم كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم ياكافر، (حديث صحيح).النووي، محي الدين يحيى بن شرف بن مرى بن حسن بن حسين بن حزام، صحيح مُسلم بشرح النووي. المطبعة المصرية بالأزهر، القاهرة، ط1، 1347هـ - 1929م ج2 ص49.
[6] ونصُّ الحديث: حدَّثنا شُعبةُ عَنْ عاصِم، عن عبد الله بن سَرْجسَ، أن رَسُول الله كان إذا سافَرَ قال: ((اللَّهُمَّ إني أَعوذُ بِكَ مِن وعثاءِ السَفَرِ، وكآبةِ المُنقَلب، والحَوْرِ بعد الكَوْرِ، ودعوةِ المَظلُوم، وَسوءِ المُنظَرِ في الأهلٍ والمالِ)) رواه ابن ماجة برقم(3888)،و أبي داود برقم(2338). والنسائي برقم(5498) (حديث صحيح) أبي عَبد الرَحمن أحمد بن شعَيب بن عَلي النسائي(215-303هـ)، كتاب الاستعاذة، -41 - باب الاستعاذة من الحَور بعد الَكور، سُنن النسائي، حكمَ على أحاديثهِ وآثارهِ وعلّق عَليَه العلاّمة المُحدِّث ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، د.ت. ص828.
[7] ابن منظور، العلاّمة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، لسان العرب، دار صادر للطباعة والنشر – دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1375هـ - 1956م. باب الراء فصل الحاء، مادّة حَوَر، ج4 ص217 .
[8] سورة الكهف الآية34
[9] سورة الانشقاق الآية 14
[11] تفسير القرطبي ج 19 ص 273.
[12] السيوطي، جلال الدين تـ 911هـ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت – لبنان، د.ت ج6 ص330.
[13] الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، ت 1250هـ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وشركاه – خلفاء مصر-القاهرة، ط2، 1383هـ - 1964م ج 5 ص 407.
[14] حوى، سعيد، الأساس في التفسير، تـ 1409هـ الموافق 1989م. دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، بيروت؛ القاهرة، ط4، 1414هـ - 1993م، ج11 ص 6440.
[15] فقه الحوار مع المخالف في ضوء السُنة النبوية ص36 . وقد نَسَبت المؤلفة التعريف المذكور إلى أبو شنب، أحمد إسماعيل، مشكلات الحوار وأثرها على النهوض الثقافي، دراسة نقدية، حولية، كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية قطر، العدد الحادي والعشرون 1424هـ - 2003م ص127.
[16] التويجري، د. عبد العزيز بن عثمان، الحوار من اجل التعايش، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1419هـ - 1998م ص13.
المصدر رسالة دكتوراه للدكتور أشرف محمد زيدان جامعة مالايا - ماليزيا
لا شك أن للحوار في القرآن الكريم مكانة مميزة، ورغم ورود هذه الكلمة ومشتقاتها في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع فقط وهي، قوله تعالى:
1- {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً }[1]
2- {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً }[2]
3- {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }[3]
"إلا أن ذلك الاقتضاب في استعمال اللفظة في القرآن الكريم، لا ينصرف بحال إلى التقليل من أهمية أو محورية الحوار في القرآن الكريم، فقد كانت قضية الحوار حاضرة كنموذج تطبيقي باستمرار في المواقف القرآنية المُتعددة"[4] حيث شهدت الكثير من النصوص القرآنية حوارات تنوعت وتعددت في أشكالها وخصائصها، وسنأتي على ذكرها في معرض البحث لاحقاً، وإنما أردنا بيان أهمية لفظة الحوار التي يقع عليها جانباً مهماً من مدار بحثنا هذا، وللتعرف على المزيد مما اشتملت عليه لفظة ((حوار)) لا بد من ذكر تعريفها لغةً واصطلاحاً وهذا هو موضوع المطلب الأول من هذا الفصل.
الحوار لغةً: الحَور الرجوع عن الشيء وإلى شيء حارَ إلى الشيء وعنه حَوراً و مَحاراً و مَحارةً و حُؤوراً، رجع عنه وإليه وقول العجاج: في بئر لا حور سرى وما شعر، أراد في بئر لا حؤور فأسكن الواو الأولى وحذفها لسكونها وسكون الثانية بعدها قال الأزهري، ولا صلة في قوله قال الفرّاء لا قائمة في هذا البيت صحيحة، أراد في بئر ماء لا يحير عليه شيئاً، قال الجوهري حار يَحورُ حَوراً و حُؤورا رجع وفي الحديث "مَن دعا رجلاً بالكفرِ وليسَ كَذلِكَ حارَ عَليهِ"[5] أي رجع إليه ما نسب إليه... وكل شيء تغير من حال إلى حال فقد حارَ يحورُ حوراً... والحَور التحير والحَور الرجوع يقال: حار بعدما كار، والحور النقصان بعد الزيادة لأنه رجوع من حال إلى حال، وفي الحديث: (نعوذ بالله من.. "الحَور بَعد الكَور")[6] معناه من النقصان بعد الزيادة، وقيل معناه من فساد أمورنا بعد صلاحها"[7].
الحوار اصطلاحاً: لا يختلف المعنى الاصطلاحي للحوار كثيراً عن مدلولاته اللغوية حيث تعرض عدد من الباحثين والكتاب إلى الوصف الاصطلاحي لمعنى لفظة ((الحوار))، ولا بد لنا من التعرف على الاستعمالات القرآنية لهذه الكلمة باستفاضةٍ قد تعينُنا على فهم معناها بدقة قبل التعرض إلى آراء من وضعوا تعار يف للحوار، بُغية بيان الوضع الاصطلاحي لهذه المفردة.
قال تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً}[8]
الاصطلاح القرآني: الحوار وبمختلف استعمالاته دار حول الرجوع ومنه مراجعة الكلام بين طرفين أو أكثر، قال تعالى:{إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ }[9]، "وصف الله أهل الجنة بالمخافة والحزن والبكاء والشفقة في الدنيا، فأعقبهم به النعيم والسرور في الآخرة.. ووصف أهل النار بالسرور في الدنيا والضحك فيها والتفكه فقال {إنه كان في أهله مسروراً * إنه ظن أن لن يحور}[10] أي: لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب ثم يثاب أو يعاقب"[11] .فالحور هو في مبدئه الرجوع بتقرير القرآن الكريم "عن ابن عباس أن لن يحور، قال: أن لن يرجع وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد: أن لن يحور أن لن يرجع إلينا"[12]، والبعث كذلك هو الرجوع إلى الله يوم القيامة "وجملة إنه ظن أن لن يحور تعليل لكونه كان في الدنيا في أهله مسروراً والمعنى أن سبب ذلك السرور ظنه بأنه لا يرجع إلى الله ولا يبعث للحساب والعقاب لتكذيبه بالبعث وجحده للدار الآخرة"[13]. وقد وافقه سعيد حوى في تفسيره لهذه الآية بقوله: "أقول وهذا سرُ سروره في أهله، سروراً جعله لا يبالي بقيد ولا عمل"[14]، أي: لا يبالي في أنه سيحور إلى ربه يوم الحشر ويُحاسب على أفعاله وأقواله في هذه الحياة كما تقدم بيانه في التفاسير التي سبق ذكرها .
فالحوار هو: "مُراجعة الكلام بين متحاورين، وتقليب وجوهه للوصول إلى معنى ثابت يقطع الخلاف، ويرفع النزاع بينهما، ويحملهما على التسليم بأحد المعاني الخلافية - وهذا التعريف يرشدنا فقط إلى بعضٍ من وجوه الحوار فـ - المتأمل في بداية التعريف يلحظ ملائمته لمعنى الحوار، إلا أن التعريف اشتمل على حصر الغاية من الحوار في إقناع الطرف الآخر بالتسليم لمعنى معين، وهو أمر لا يتناسب والغاية من الحوار"[15]، ولا يتناسب كذلك مع مَدلولات الحوار وفق الاصطلاح القرآني لهذه اللفظة حيث تعددت نتائج الحوار في كل حادثة؛ بل وربما في الحادثة الواحدة، ولم تكن جميع نتائجه إلزام أحد الطرفين مُحاوِرَهُ الحجة، وكما سيتبين لنا إن شاء الله في المباحث القادمة من هذه الدراسة.
ويعرّف التويجري، الحوار بقوله: "فالأصل في الحوار في الثقافة العربية الإسلامية، هو المراجعة في الكلام، وهو التجاوب، بما يقتضي ذلك من رحابة الصدر، وسماحة النفس، ورجاحة العقل، وبما يتطلبه من ثقة ويقين وثبات، وبما يرمز إليه من القدرة على التكيف، والتجاوب، والتفاعل، والتعامل المتحضّر الراقي مع الأفكار والآراء جميعاً، وبهذا المعنى يتأكد لدينا، بما لا يرقى إليه الشك، أن الحوار أصلٌ من الأصول الثابتة للحضارة العربية الإسلامية، ينبع من رسالة الإسلام وهديه، ومن طبيعة ثقافته وجوهر حضارته"[16] ورغم شمولية هذا التعريف ودقته إلا إننا لا نستطيع عدَّهُ تعريفاً جامعاً مانعاً للحوار كونه يُعرّف الحوار من زاويةٍ مُعينة ونحن نروم وضع تعريفٍ عامٍ للحوار من منظور قرآني بوصف ماهيته، تمهيداً لوضع تعريف شامل لحوار الحضارات من منظور قرآني، لكننا يمكن أن نعد هذا التعريف متعلقاً بالحوار من منظور إسلامي عام ويُعبر عن حوار المسلمين فيما بينهم أو مع غيرهم من حيث رؤيتهم للحوار، كما يمكن فهم هذا الكلام على أنه شرح لمفهوم الحوار من منظور إسلامي وليس تعريفاً للحوار.
وهنا فقط نستطيع القول بأن الحوار من منظور القرآن الكريم، هو مراجعة الكلام برويةٍ ولطفٍ وحسن اختيارٍ للألفاظ بما يتناسب مع موضوع الحوار ومقام المُتحاورين وحالهم، بين طرفين أو أكثر لإثبات أمرٍ أو نفيهِ، أو الوصول إلى مشترك يرفع أصل الخلاف بين المُتَحاوِرين أو إلزام الحجة بعرض الحقائق والآراء.
عنوان الحلقة القادمة بمشيئة الله (مكانة الحوار في القرآن الكريم والحضارة الإسلامية)
عنوان الحلقة القادمة بمشيئة الله (مكانة الحوار في القرآن الكريم والحضارة الإسلامية)
[1] سورة الكهف34
[2] سورة الكهف37
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref3 [3] سورة المجادلة1
http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref4 [4] العلواني، د.رقية طـه جابر، فقه الحوار مع المخالف في ضوء السُنة النبوية، جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود، للسُنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، ط1، الدورة الأولى1426هـ-2005م ص 34.
[5] ونصُّ الحديث: عََنْ أَبِي ذَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ (( لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ وَمَنْ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ )) رواه مسلم كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم ياكافر، (حديث صحيح).النووي، محي الدين يحيى بن شرف بن مرى بن حسن بن حسين بن حزام، صحيح مُسلم بشرح النووي. المطبعة المصرية بالأزهر، القاهرة، ط1، 1347هـ - 1929م ج2 ص49.
[6] ونصُّ الحديث: حدَّثنا شُعبةُ عَنْ عاصِم، عن عبد الله بن سَرْجسَ، أن رَسُول الله كان إذا سافَرَ قال: ((اللَّهُمَّ إني أَعوذُ بِكَ مِن وعثاءِ السَفَرِ، وكآبةِ المُنقَلب، والحَوْرِ بعد الكَوْرِ، ودعوةِ المَظلُوم، وَسوءِ المُنظَرِ في الأهلٍ والمالِ)) رواه ابن ماجة برقم(3888)،و أبي داود برقم(2338). والنسائي برقم(5498) (حديث صحيح) أبي عَبد الرَحمن أحمد بن شعَيب بن عَلي النسائي(215-303هـ)، كتاب الاستعاذة، -41 - باب الاستعاذة من الحَور بعد الَكور، سُنن النسائي، حكمَ على أحاديثهِ وآثارهِ وعلّق عَليَه العلاّمة المُحدِّث ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، د.ت. ص828.
[7] ابن منظور، العلاّمة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، لسان العرب، دار صادر للطباعة والنشر – دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1375هـ - 1956م. باب الراء فصل الحاء، مادّة حَوَر، ج4 ص217 .
[8] سورة الكهف الآية34
[9] سورة الانشقاق الآية 14
[11] تفسير القرطبي ج 19 ص 273.
[12] السيوطي، جلال الدين تـ 911هـ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت – لبنان، د.ت ج6 ص330.
[13] الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، ت 1250هـ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وشركاه – خلفاء مصر-القاهرة، ط2، 1383هـ - 1964م ج 5 ص 407.
[14] حوى، سعيد، الأساس في التفسير، تـ 1409هـ الموافق 1989م. دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، بيروت؛ القاهرة، ط4، 1414هـ - 1993م، ج11 ص 6440.
[15] فقه الحوار مع المخالف في ضوء السُنة النبوية ص36 . وقد نَسَبت المؤلفة التعريف المذكور إلى أبو شنب، أحمد إسماعيل، مشكلات الحوار وأثرها على النهوض الثقافي، دراسة نقدية، حولية، كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية قطر، العدد الحادي والعشرون 1424هـ - 2003م ص127.
[16] التويجري، د. عبد العزيز بن عثمان، الحوار من اجل التعايش، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1419هـ - 1998م ص13.
المصدر رسالة دكتوراه للدكتور أشرف محمد زيدان جامعة مالايا - ماليزيا