حسن المقال في أنَّ دية النساء على النصف من دية الرجال

إنضم
08/04/2006
المشاركات
18
مستوى التفاعل
0
النقاط
1


حسن المقال في أنَّ دية النساء على النصف من دية الرجال
بقلم
سيف بن علي العصري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آلة وصحبه ومن والاه ... أما بعد
فإن من رحمة الله تعالى أن أنزل كتابه وبعث رسوله صلى الله عليه وسلم وشرع من الأحكام ما فيه مصلحة العباد عاجلاً وآجلاً ، والمسلم مُسَلِّم لأمر الله تعالى شعاره (سمعنا وأطعنا) لأنه يعلم أن الله تعالى هو الخالق العليم بمصالح عباده قال تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
ومسائل الشرع على قسمين :
القسم الأول: ما هو محل اتفاق بين علماء المسلمين، فهذا القسم ليس مسْرَحاً للاجتهاد، ومحلاً للقيل والقال.
القسم الثاني: ما هو محل خلاف بينهم، فيعرضُ كلٌ حجته بأدب وسعة صدر وفق المنهج الإسلامي، والأدب النبوي.
وإن من المسائل المتفق عليها، والتي لا ينبغي الخلاف فيها مسألة دية المرأة، وأنها على النصف من دية الرجل، ولمَّا أن ظهر من ينادي بالمساواة بين دية الرجل والمرأة ندبني شيخنا العلامة عبد المجيد الزنداني حفظه الله ورعاه إلى كتابة بحث في المسألة، يُجَلِّي غامضها، ويبين حجتها، فما كان لي أن أتأخر بعد توجيه فضيلته، فكان هذا الجزء الموسوم بــ(حسن المقال في أن دية النساء على النصف من دية الرجال)، كتبته في جلستين، أرجو الله تعالى أن يكون عملي هذا لوجه الله خالصاً، وللحق مبيِّناً.

كتبه / سيف بن علي العصري
صنعاء 1/جمادى الآخرة/ 1426هـ


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وآله وصحبه والتابعين.
أما بعد.. فإن دية المرأة على النصف من دية الرجل وقد دلّ على ذلك دلالتان:
الدلالة الأولى: الأثر.
والدلالة الثانية: الإجماع .
أما الأثر: فما رواه الإمام البيهقي عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دية المرأة على النصف من دية الرجل) .
إلا أن هذا الحديث ضعفه جمع من المحدثين ومنهم الإمام البيهقي فقال : وروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت مثله.
وقال : وروى ذلك من وجه آخر عن عبادة بن نسي وفيه ضعف .اهـ
وقد وردت في ذلك آثارٌ عن الصحابة والتابعين ومثل هذا الأمر ليس مجالاً للاجتهاد فلتلك الآثار حكم الرفع ومن ذلك الآثار التالية :

• أثر عمر رضي الله عنه.
أخرجه ابن أبي شيبة قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن شريح قال أتاني عروة البارقي من عند عمر أن جراحات الرجال والنساء تستوي في السن والموضحة وما فوق ذلك فدية المرأة على النصف من دية الرجل.

• أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
أخرجه البيهقي في سننه الكبرى قال أخبرنا أبو حازم الحافظ أنبأنا أبو الفضل بن خميرويه أنبأنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم عن الشيباني وبن أبي ليلى وزكريا عن الشعبي أن عليا رضي الله عنه كان يقول جراحات النساء على النصف من دية الرجل فيما قل وكثر.

• أثر ابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهما.
أخرجهما ابن أبي شيبة قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن الشعبي عن شريح أن هشام بن هبيرة كتب إليه يسأله فكتب إليه أن دية المرأة على النصف من دية الرجل فيما دق وجل، وكان بن مسعود يقول في دية المرأة في الخطأ على النصف من دية الرجل إلا السن والموضحة فهما فيه سواء، وكان زيد بن ثابت يقول دية المرأة في الخطأ مثل دية الرجل، حتى تبلغ ثلث الدية فما زاد فهو على النصف.

• أثر الحسن البصري رحمه الله.
أخرجه ابن أبي شيبة قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا معتمر عن ابن عون عن الحسن قال يستوي جراحات الرجال والنساء على النصف، فإذا بلغت النصف فهي على النصف.

• أثر شريح رحمه الله.
أخرجه ابن أبي شيبة قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا معتمر عن أبن عون عن الحسن قال يستوي جراحات الرجال والنساء على النصف فإذا بلغت النصف فهي على النصف


وأما الإجماع فحكاه جماعات من الأئمة ومن أولئك:
1- الإمام الشافعي رحمه الله.
قال في الأم 6/115 :لم أعلم مخالفا من أهل العلم قديماً ولا حديثاً في أن دية المرأة نصف دية الرجل، وذلك خمسون من الإبل فإذا قضى في المرأة بدية فهي خمسون من الإبل، وإذا قتلت عمداً فاختار أهلها ديتها فديتها خمسون من الإبل، أسنانها أسنان دية عمد وسواء قتلها رجل أو نفر أو امرأة لا يزاد في ديتها على خمسين من الإبل، وجراح المرأة في ديتها كجراح الرجل في ديته لا تختلف، ففي موضحتها نصف ما في موضحة الرجل وفي جميع جراحها بهذا الحساب، فإن قال قائل فهل في دية المرأة سوى ما وصفت من الإجماع أمر متقدم ؟
فنعم أخبرنا مسلم بن خالد عن عبد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب وعن مكحول وعطاء قالوا أدركنا الناس على أن (دية الحر المسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل) فقوَّم عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم، ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمسمائة دينار أو ستة آلاف درهم، فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل، ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل، وأخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلا أوطأ امرأة بمكة فقضى فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه بثمانمائة ألف درهم وثلث.اهـ

2- الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله.
قال في تفسيره 5/209: لأن دية المؤمنة لا خلاف بين الجميع إلا من لا يُعَد خلافاً أنها على النصف من دية المؤمن. اهـ
3- الإمام ابن المنذر رحمه الله ( 242-318هـ )
قال الإجماع ص116: وأجمعوا على أن دية المرأة نصفَ دية الرجل.اهـ
4- الإمام أبو بكر الجصاص رحمه الله.
قال في الفصول في الأصول 3/280: وأجمعوا أيضا على تأجيل امرأة العنين، وليس فيه توقيف، والأغلب من أمره: أنه عن اجتهاد، وكذلك اتفاقهم : على أن عدة الأمة على نصف من عدة الحرة، ... وأن دية المرأة على النصف من دية الرجل.اهـ


5- أبو عمر بن عبد البر رحمه الله.
قال في التمهيد 17/358 : وقد أجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل.اهـ

6- الإمام الكاساني رحمه الله.
قال في دائع الصنائع 7/255 : وإن كان أنثى فدية المرأة على النصف من دية الرجل لإجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روي عن سيدنا عمر ، وسيدنا علي ، وابن مسعود، وزيد بن ثابت رضوان الله تعالى عليهم أنهم قالوا في دية المرأة : إنها على النصف من دية الرجل ، ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد فيكون إجماعا ، ولأن المرأة في ميراثها، وشهادتها على النصف من الرجل فكذلك في ديتها.اهـ

7- الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله.
قال في المغني 8/315 : ( ودية الحرة المسلمة ، نصف دية الحر المسلم ) قال ابن المنذر، وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل. وحكى غيرهما عن ابن علية، والأصم، أنهما قالا: ديتها كدية الرجل، لقوله عليه السلام : (في نفس المؤمنة مائة من الإبل). وهذا قولٌ شاذٌ ، يخالف إجماع الصحابة ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن في كتاب عمرو بن حزم : (دية المرأة على النصف من دية الرجل). وهي أخص مما ذكروه، وهما في كتاب واحد، فيكون ما ذكرنا مفسراً لما ذكروه، مخصصاً له، ودية نساء كل أهل دين على النصف من دية رجالهم، على ما قدمناه في موضعه.اهـ

8- الإمام القرطبي رحمه الله.
قال في تفسيره جامع أحكام القرآن 5/325 : وأجمع العلماء على أن دية المرأة على النصف من دية الرجل قال أبو عمر إنما صارت ديتها والله أعلم على النصف من دية الرجل من أجل أن لها نصف ميراث الرجل وشهادة امرأتين بشهادة رجل وهذا إنما هو في دية الخطأ، وأما العمد ففيه القصاص بين الرجال والنساء.اهـ

9- الإمام علاء الدين السمرقندي المتوفى سنة ( 539هـ)
قال في تحفة الفقهاء 3/113 : وأما حكم النساء فنقول إن دية المرأة على النصف من دية الرجل بإجماع الصحابة مثل عمر.اهـ



10- ابن رشد الحفيد رحمه الله.
قال في بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/310 : وأما دية المرأة فإنهم اتفقوا على أنها على النصف من دية الرجل في النفس فقط، واختلفوا فيما دون النفس من الشجاج والأعضاء.اهـ

11- إبراهيم بن مفلح الحنبلي رحمه الله.
قال في المبدع 8/350 : ( ودية المرأة نصف دية الرجل ) إجماعاً حكاه ابن المنذر وابن عبد البر لما روى عمرو بن حزم أن النبي  قال في كتابه دية المرأة نصف دية الرجل، لكن حكي عن ابن علية والأصم أن ديتها كدية الرجل لقوله عليه السلام في النفس المؤمنة مائة من الإبل وهو قول شاذ يخالف إجماع الصحابة مع أنهما في كتاب واحد فيكون الأول مفسراً ومخصصا له.اهـ

12- الإمام تقي الدين الحصني الشافعي رحمه الله.
قال في كفاية الأخيار ص463 : ( ودية المرأة على النصف من دية الرجل) لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دية المرأة نصف دية الرجل. ويروى ذلك عن عمر وعثمان وعلي وعن العبادلة رضي الله عنهم ولم يخالفهم أحد مع اشتهاره فصار إجماعاً.اهـ

13- الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله.
قال في التلخيص الحبير 4/ 66 : اشتهر عن عمر وعثمان وعلي والعبادلة : ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس: أن دية المرأة على النصف من دية الرجل، ولم يخالفوا. فصار إجماعاً.اهـ

14- شمس الدين الرملي رحمه الله.
قال في نهاية المحتاج 7/320 : ( والمرأة ) الحرة ( والخنثى ) المشكل ( كنصف رجل نفساً وجرحاً) وأطرافاً إجماعاً في نفس المرأة وقياسا في غيرها. اهـ

15- محمد بن الأمير الصنعاني رحمه الله.
قال سبل السلام 2/367: دية المرأة على النصف من دية الرجل لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ { دية المرأة على النصف من دية الرجل }، وهو إجماع .اهـ

المخالفون للإجماع
وقد خالف هذا الإجماع رجلان عرفا بالمخالفة والشذوذ وهما الأصم وابن علية.
وقد نص على كثرة مخالفتهما للعلماء الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني فقال في فتح الباري 2/217: إبراهيم بن علية وأبي بكر الأصم ومخالفتهما للجمهور كثيرة.اهـ

ونعرف بهما فنقول:
أما الأصم فهو عبد الرحمن الأصم قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات 2/572: ابن كيسان الذي ذكره في أول كتاب الإجارة من الوسيط عنه أنه أبطل الإجارة، اسمه عبد الرحمن الأصم ذكره الرافعي وكنيته أبو بكر وقوله – أي الغزالي - في الوسيط: لا مبالاة بالقاشاني وابن كيسان معناه لا يعتد بهما في الإجماع، ولا يجرحه خلافهما، وهذا موافق لقول ابن الباقلاني وإمام الحرمين فإنهما قالا لا يعتد بالأصم في الإجماع والخلاف.اهـ

وقال الإمام بدر الدين الزركشي في البحر المحيط 7/303: وقال الأستاذ أبو منصور : ذهب قوم من أهل البدع إلى اعتبار المشابهة في الصورة، وهو قول الأصم، ولهذا زعم أن ترك الجلسة الأخيرة من الصلاة لا يضر، كالجلسة الأولى . ولا يعتد بخلافه .اهـ

وقال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء 9/402 : الأصم شيخ المعتزلة أبو بكر الأصم كان ثمامة بن أشرس يتغالى فيه ويطنب في وصفه، وكان ديناً وقوراً صبوراً على الفقر منقبضاً عن الدولة، إلا أنه كان فيه ميل عن الإمام علي رضي الله عنه، مات سنة إحدى ومئتين.اهـ

وقال عنه إمام الحرمين الجويني في غياث الأمم : وهذا الرجل هَجُومٌ على شق العصا ومقابلة الحقوق بالعقوق لا يَهَابُ.اهـ أي: لا يهاب شق الإجماع.

وأما ابن علية فهو إبراهيم بن إسماعيل بن علية.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 9/352: قال النووي شذ بعض أهل الظاهر فقال إذا طلق الحائض لم يقع الطلاق لأنه غير مأذون فيه فأشبه طلاق الأجنبية وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض، وقال بن عبد البر: لا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال، يعني الآن، قال وروى مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ، وحكاه بن العربي وغيره عن بن علية يعني إبراهيم بن إسماعيل بن علية، الذي قال الشافعي في حقه: إبراهيم ضالٌ جلس في باب الضوال، يُضلُّ الناس، وكان بمصر وله مسائل ينفرد بها وكان من فقهاء المعتزلة، وقد غلط فيه من ظن أن المنقول عنه المسائل الشاذة أبوه وحاشاه فإنه من كبار أهل السنة.اهـ

وقال الإمام البيهقي في الاعتقاد ص96: ذكر الشافعي إبراهيم بن إسماعيل بن علية فقال: أنا مخالف له في كل شيء، وفي قوله لا إله إلا الله، لست أقول كما يقول أنا أقول لا إله إلا الله الذي كلم موسى من وراء حجاب، وذاك يقول لا إله إلا الله الذي خلق كلاماً أسمعه موسى من وراء حجاب .اهـ


تنبيه : حيث ثبت الإجماع وجب قبوله ولو خالف نصا صحيحا فكيف لو وافق نصا ولو ضعيفا
قال الإمام بدر الدين الزركشي رحمه الله تعالى في البحر المحيط 6/409: مسألة [إذا أجمعوا على خلاف الخبر] إذا ذكر واحد من المجمعين خبرا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يشهد بضد الحكم الذي انعقد عليه الإجماع، قال ابن برهان في الوجيز: يجب عليه ترك العمل بالحديث، والإصرار على الإجماع.
وقال قوم من الأصوليين: بل يجب عليه الرجوع إلى موجب الحديث.
وقال قوم : إن ذلك يستحيل، وهو الأصح من المذاهب. فإن الله تعالى عصم الأمة عن نسيان حديث في الحادثة، ولولا ذلك خرج الإجماع عن أن يكون قطعيا …والجمهور على الأول، لأنه يتطرق إلى الحديث احتمالات من النسخ والتخصيص ما لا يتطرق إلى الإجماع، بل لو قطعنا بالإجماع في صورة، ثم وجدنا على خلافه نصاً قاطعا من كتاب أو سنة متواترة، لكان الإجماع أولى، لأنه لا يقبل النسخ بخلاف النص، فإنه يقبله.
وفي مثل هذه الصورة يستدل بالإجماع على ناسخ بلغهم، أو موجب لتركه.
ولهذا قدم الشافعي الإجماع على النص لمَّا رتب الأدلة.
قلت: وقال في موضع آخر: الإجماع أكثر من الخبر المنفرد، وعلى هذا، فيجب على الراوي للخبر أن يترك العمل بمقتضى خبره، ويتمسك بالإجماع، وكذا قال الإمام في باب التراجيح من البرهان : إذا أجمعوا على خلاف الخبر تطرق الوهن إلى رواية الخبر، لأنه إن كان آحادا فذاك ، وإن كان متواتراً فالتعلق بالإجماع لأنه معصوم، وأما الخبر فيتطرق إليه إمكان النسخ، فيحمل الإجماع على القطع لأنه لا ينعقد إلا على قطع، ويحمل الخبر على مقتضى النسخ استنادا وتبيانا، لا على طريق البناء.اهـ

الحكمة من كون دية المرأة على النصف دية الرجل
الواجب على المسلم التسليم والقبول لحكم الله عز وجل سواء عرف حكمته أو لم يعرفها، لقول الله تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}(الأحزاب:36).
وقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65).
ولا بأس أن يبحث المؤمن عن الحكمة لأن معرفتها تزيده يقينا واطمئناناً، ولكن إذا لم يعرفها فليعلم أن الله تعالى يبتلي عباده بعدم معرفة ذلك ليختبرهم ويمحصهم هل يسلمون لحكمه ويذعنون له لمجرد أمره؟ أم لا يستسلمون إلا لِمَا أدركوا حكمته، وقد ذكر بعض العلماء الحكمة من جعل دية المرأة على النصف من دية الرجل، ومن أولئك الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين قال في إعلام الموقعين 2/168: وأما الدية فلما كانت المرأة أنقص من الرجل، والرجل أنفع منها، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية والولايات وحفظ الثغور والجهاد وعمارة الأرض وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها، والذب عن الدنيا والدين لم تكن قيمتهما مع ذلك متساوية وهي الدية، فإن دية الحر جارية مجرى قيمة العبد وغيره من الأموال، فاقتضت حكمة الشارع أن يجعل قيمتها على النصف من قيمته لتفاوت ما بينهما. ا.هـ والله أعلم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
 
عودة
أعلى