محمد محمود إبراهيم عطية
Member
كان سلفنا الصالح حريصين على مجالسة الأخيار ، الذين ينتقون أطايب الكلام ، روى ابن المبارك في ( الجهاد ) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لولا ثلاث : لولا أن أسير في سبيل الله عز وجل ، أو يُغبر جبيني في السجود ، أو أقاعد قومًا ينتقون طيب الكلام كما يُنتقى طيب الثمر ، لأحببت أن أكون قد لحقت بالله تعالى [1] .
روى ابن المبارك في ( الزهد ) ، وأبو نعيم في ( حلية الأولياء ) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : لولا ثلاث ما أحببت أن أعيش يومًا واحدًا : الظمأ لله بالهواجر ، والسجود في جوف الليل ، ومجالسة قوم ينتقون من خيار الكلام كما يُنتقى أطايب الثمر [2] .
وكان مما أوصى أبو بكر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه حين أمَّره : .. ولا تجالس العباثين ، وجالس أهل الصدق والوفاء [3] .
دخل أبو مسلم الخولاني ذات يوم المسجد ، فنظر إلى نفر قد اجتمعوا ، فَرَجَا أن يكونوا على ذكرِ خيرٍ ، فجلس إليهم ؛ فإذا بعضهم يقول : قدم غلامي ، فأصاب كذا وكذا ، وقال آخر : جهزت غلامي ؛ فنظر إليهم ، فقال : سبحان الله ! أتدرون ما مَثَلي ومثلُكم ؟ كرجل أصابه مطرٌ غزيرٌ وابلٌ ، فالتفت فإذا هو بمصراعين عظيمين ، فقال : لو دخلت هذا البيت حتى يذهب عني هذا المطر ، فدخل فإذا البيت لا سقف له ؛ جلست إليكم وأنا أرجو أن تكونوا على ذكرٍ وخيرٍ ، فإذا أنتم أصحاب الدنيا ؛ فقام عنهم [4] .
وفي صحيح البخاري عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : قَدِمْتُ الشَّامَ ، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ قُلْتُ : اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ، فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي ، قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : أَبُو الدَّرْدَاءِ ، فَقُلْتُ : إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ، فَيَسَّرَكَ لِي ؛ قَالَ : مِمَّنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، قَالَ : أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمْ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ ، صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ ؟ وَفِيكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ ؟ ( يَعْنِي عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ) أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ ... الحديث [5] .
وروى الترمذي والنسائي عَن حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ، قَالَ : فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَقُلْتُ : إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا ... الحديث [6] .
وروى الترمذي والنسائي عَن خَيْثَمَةَ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ قَالَ : أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ ، فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ، فَيَسَّرَ لِي أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ، فَوُفِّقْتَ لِي ، فَقَالَ لِي : مِمَّنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، جِئْتُ أَلْتَمِسُ الْخَيْرَ وَأَطْلُبُهُ ، قَالَ : أَلَيْسَ فِيكُمْ سعد بن مَالِكٍ مُجَابُ الدَّعْوَةِ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ صَاحِبُ طَهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَعْلَيْهِ ، وَحُذَيْفَةُ صَاحِبُ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَعَمَّارٌ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ، وَسَلْمَانُ صَاحِبُ الْكِتَابَيْنِ ؛ قَالَ قَتَادَةُ : وَالْكِتَابَانِ : الْإِنْجِيلُ ، وَالْفُرْقَانُ [7] .
فانظر كيف اتفق دعاؤهم : ( اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ) ، مما يدل على حرصهم على مجالسة الأخيار ؛ وكان من وصايا لقمان لابنه : يا بني ، جالس الصالحين من عباد الله ، فإنك تصيب من محاسنهم خيرًا ، ولعله أن يكون آخر ذلك أن تنزل عليهم الرحمة ، فتصيبك معهم ؛ يا بني ، لا تجالس الأشرار ، فإنك لا تصيب من مجالستهم خيرًا ، ولعله أن يكون في آخر ذلك أن تنزل عليهم عقوبة ، فتصيبك معهم [8] .
وكان من وصية عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده : عَلِّمْهُمُ الصِّدْقَ ، كَمَا تُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ ، وَجَنِّبْهُمُ السفلة ؛ فإنهم أسوأ النَّاسِ دِعَةً وَأَقَلُّهُمْ أَدَبًا [9] .
-----------------------------------------
[1] الجهاد لابن المبارك ( 222 ) .
[2] الزهد لابن المبارك ( 277 ) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) : 1 / 212 .
[3] انظر ( الكامل في التاريخ ) لابن الأثير : 2 / 65 .
[4] رواه ابن المبارك في الزهد ( 953 ) ، والمروزي في الورع ( 598 ) .
[5] البخاري ( 3532 ، 3533 ) .
[6] الترمذي ( 413 ) وحسنه ، والنسائي ( 465 ) ، وصححه الألباني .
[7] الترمذي ( 3811 ) وصححه ، وصححه الألباني ، ورواه أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) : 4 / 120 .
[8] انظر ( الزهد ) لابن حنبل ، ص 106 .
[9] رواه الدينوري في ( المجالسة وجواهر العلم ) : 4 / 516 ؛ وذكره ابن كثير في ( البداية والنهاية ) : 9 / 66 .
روى ابن المبارك في ( الزهد ) ، وأبو نعيم في ( حلية الأولياء ) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : لولا ثلاث ما أحببت أن أعيش يومًا واحدًا : الظمأ لله بالهواجر ، والسجود في جوف الليل ، ومجالسة قوم ينتقون من خيار الكلام كما يُنتقى أطايب الثمر [2] .
وكان مما أوصى أبو بكر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه حين أمَّره : .. ولا تجالس العباثين ، وجالس أهل الصدق والوفاء [3] .
دخل أبو مسلم الخولاني ذات يوم المسجد ، فنظر إلى نفر قد اجتمعوا ، فَرَجَا أن يكونوا على ذكرِ خيرٍ ، فجلس إليهم ؛ فإذا بعضهم يقول : قدم غلامي ، فأصاب كذا وكذا ، وقال آخر : جهزت غلامي ؛ فنظر إليهم ، فقال : سبحان الله ! أتدرون ما مَثَلي ومثلُكم ؟ كرجل أصابه مطرٌ غزيرٌ وابلٌ ، فالتفت فإذا هو بمصراعين عظيمين ، فقال : لو دخلت هذا البيت حتى يذهب عني هذا المطر ، فدخل فإذا البيت لا سقف له ؛ جلست إليكم وأنا أرجو أن تكونوا على ذكرٍ وخيرٍ ، فإذا أنتم أصحاب الدنيا ؛ فقام عنهم [4] .
وفي صحيح البخاري عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : قَدِمْتُ الشَّامَ ، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ قُلْتُ : اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ، فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي ، قُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : أَبُو الدَّرْدَاءِ ، فَقُلْتُ : إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ، فَيَسَّرَكَ لِي ؛ قَالَ : مِمَّنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، قَالَ : أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمْ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ ، صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ ؟ وَفِيكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ ؟ ( يَعْنِي عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ) أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ ... الحديث [5] .
وروى الترمذي والنسائي عَن حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ : قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ، قَالَ : فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَقُلْتُ : إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِي جَلِيسًا صَالِحًا ... الحديث [6] .
وروى الترمذي والنسائي عَن خَيْثَمَةَ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ قَالَ : أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ ، فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ، فَيَسَّرَ لِي أَبَا هُرَيْرَةَ ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ، فَوُفِّقْتَ لِي ، فَقَالَ لِي : مِمَّنْ أَنْتَ ؟ قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، جِئْتُ أَلْتَمِسُ الْخَيْرَ وَأَطْلُبُهُ ، قَالَ : أَلَيْسَ فِيكُمْ سعد بن مَالِكٍ مُجَابُ الدَّعْوَةِ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ صَاحِبُ طَهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَعْلَيْهِ ، وَحُذَيْفَةُ صَاحِبُ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَعَمَّارٌ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ، وَسَلْمَانُ صَاحِبُ الْكِتَابَيْنِ ؛ قَالَ قَتَادَةُ : وَالْكِتَابَانِ : الْإِنْجِيلُ ، وَالْفُرْقَانُ [7] .
فانظر كيف اتفق دعاؤهم : ( اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا ) ، مما يدل على حرصهم على مجالسة الأخيار ؛ وكان من وصايا لقمان لابنه : يا بني ، جالس الصالحين من عباد الله ، فإنك تصيب من محاسنهم خيرًا ، ولعله أن يكون آخر ذلك أن تنزل عليهم الرحمة ، فتصيبك معهم ؛ يا بني ، لا تجالس الأشرار ، فإنك لا تصيب من مجالستهم خيرًا ، ولعله أن يكون في آخر ذلك أن تنزل عليهم عقوبة ، فتصيبك معهم [8] .
وكان من وصية عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده : عَلِّمْهُمُ الصِّدْقَ ، كَمَا تُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ ، وَجَنِّبْهُمُ السفلة ؛ فإنهم أسوأ النَّاسِ دِعَةً وَأَقَلُّهُمْ أَدَبًا [9] .
-----------------------------------------
[1] الجهاد لابن المبارك ( 222 ) .
[2] الزهد لابن المبارك ( 277 ) ، وأبو نعيم في ( الحلية ) : 1 / 212 .
[3] انظر ( الكامل في التاريخ ) لابن الأثير : 2 / 65 .
[4] رواه ابن المبارك في الزهد ( 953 ) ، والمروزي في الورع ( 598 ) .
[5] البخاري ( 3532 ، 3533 ) .
[6] الترمذي ( 413 ) وحسنه ، والنسائي ( 465 ) ، وصححه الألباني .
[7] الترمذي ( 3811 ) وصححه ، وصححه الألباني ، ورواه أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) : 4 / 120 .
[8] انظر ( الزهد ) لابن حنبل ، ص 106 .
[9] رواه الدينوري في ( المجالسة وجواهر العلم ) : 4 / 516 ؛ وذكره ابن كثير في ( البداية والنهاية ) : 9 / 66 .