الكلمة الحادية عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
حذف وإثبات ألف قاسية
وردت قاسية ثلاث مرات؛ حذفت ألفها في موضعين؛ بسم الله الرحمن الرحيم
حذف وإثبات ألف قاسية
في قوله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَـاـقَهُمْ لَعَنَّـاـهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَـاـسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(13) المائدة.
فهؤلاء القاسية قلوبهم هم من لعنهم الله عز وجل من بني إسرائيل؛ فلن يدخلها بعد ذلك ما يليها من ذكر الله، فهم من شدة قساوة قلوبهم يحرفون كلامه تعالى بلا خوف منه سبحانه. فلأجل ذلك حذفت ألفها.
وحذفت في قوله تعالى: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلـاـمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقـاـسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلـاـلٍ مُبِينٍ(22) الزمر.
فويل لهؤلاء القاسية قلوبهم؛ فحال هؤلاء الذين كفروا بالإسلام كحال من كفر من أهل الكتاب من قبل؛ وقلوبهم مقفلة أمام ما يلينها من الإيمان وذكر الله تعالى؛ فعلى ذلك كان حذف ألفها.
وثبتت في قوله تعالى: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَـاـنُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّـاـلِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(53) الحج.
فهؤلاء القاسية قلوبهم هم من كفار مكة قبل إلقاء الشيطان فيها، وامتدت قساوتها بعد الإسلام، ولكنهم لم يلعنوا، ولم يهددوا بالويل لهم، والأمر ما زال ممدودًا لهم؛ فمنهم من مات أو قتل على الكفر، ومنهم من أصبح من حماة الإسلام والمدافعين عنه، والمجاهدين في سبيله، فثبتت ألفها؛ لأن منهم من دامت قساوة قلوبهم، ومنهم من لانت بعد ذلك بذكر الله.
الكلمة الثانية عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
حذف وإثبات ألف كاذب
الكذب صفة قبيحة مذمومة؛ وقد ورد ذكر الكاذب مرتين بالرفع، ومرتين بالنصب؛ بسم الله الرحمن الرحيم
حذف وإثبات ألف كاذب
في قوله تعالى: (وَيَـاـقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَـاـذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ(93) هود
وفي قوله تعالى: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَـاـذِبٌ كَفَّارٌ(3) الزمر
وفي قوله تعالى: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَـاـنَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَـاـتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَـاـذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ(28) غافر
وفي قوله تعالى: (أَسْبَـاـبَ السَّمَـاـوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَـاـذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنْ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ(37) غافر
سقطت ألف "كاذب" لأنه يحمل صفة نقص؛ لما يقوم به من زيادة في الحديث لا أساس ولا واقع لها؛ مما ينشئه ويعده من القول الكاذب المخالف للحقيقة، ويعرف ذلك عندما ينكشف أمره ويظهر زيف قوله، وعلى ذلك كان حذف ألفه.
بينما ثبتت ألف صادقًا لأنه صدقه يدوم ولا يسقط.
أما "كاذبة" فقد وردت مرتين؛ واحدة بالإثبات؛
في قوله تعالى: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ(2) الواقعة.
فثباتها راجع إلى نفي امتداد الكذب بالآخرة، وقد عاينوا صدق وقوعها بأعينهم، فالنفي لامتداد ما كان قائمًا من قبل، وليس النفي لما هو منفي، وعلى ذلك ثبتت ألفها.
بينما ثبتت ألف الواقعة لأن وقوعها دائم مستمر متى وقعت.
وأما حذفها في قوله تعالى: (كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَـاـذِبَةٍ خَاطِئَةٍ(16) العلق.
فلأن كذبها في الآخرة قد انتهى وانقطع،
بينما ثبتت ألف "ناصية"؛ لأن الناصية باقية لما سفع بها، وباقية من حيث بقاء قدرة التفكير فيها، فهي الموصوفة بخلق الكذب؛ فصاحبها يجادل الله تعالى يوم القيامة؛ فيقال لهم اخسؤوا ولا تكلمون، ويخاطبون أهل الجنة للإفاضة عليهم من الماء أو مما رزقهم الله، وغير ذلك مما يصدر منهم في سعيهم للخروج من النار، أو تخفيف العذاب عنهم.
بينما سقطت ألف نواصي بالجمع؛
في قوله تعالى: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَـاـهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ(41) الرحمن.
فلأجل أن النواصي؛ وهي مقدمة شعر الرأس الواقعة فوق مركز التفكير والتدبير من الدماغ، تذهب مع أول لفحة من نار جهنم وتبقى الأقدام التي ثبتت ألفها.
وأما ثبات ألف "خاطئة" فلأن خطأها ملازم لها، وعليه تعاقب، وتتحسر على فعله، ولن يكون هناك عمل يكفر عنه، وقد انقطع العمل يوم القيامة.
أما "كاذبون" جمع "كاذب" المرفوعة؛ فقد وردت ثلاث عشرة مرة، وحذفت ألفها على قاعدة في تساوي مفردات الجمع، وعدم تمايز بعضهم عن بعض إلا بقرينة؛
كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآَيَـاـتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَـاـذِبُونَ (105) النحل.
ومثلها في الحكم "كاذبين" بالنصب أو الجر، والتي وردت ثلاث عشرة مرة كذلك؛
كما في قوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَـاـذِبِينَ (43) التوبة.
وفي قوله تعالى: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَـاـذِبِينَ (27) النمل.
وقد ورد كاذب بصيغة المبالغة "كذَّاب" في خمسة مواضع ثبتت فيها الألف؛
في قوله تعالى: (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَـاـفِرُونَ هَذَا سَـاـحِرٌ كَذَّابٌ (4) ص.
وفي قوله تعالى: (إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَـاـمَـاـنَ وَقَـاـرُونَ فَقَالُوا سَـاـحِرٌ كَذَّابٌ (24) غافر.
وفي قوله تعالى: (وَإِنْ يَكُ كَـاـذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) غافر.
وفي قوله تعالى: (أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) القمر.
وفي قوله تعالى: (سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ (26) القمر.
وثبات ألف كذَّاب راجع أن صيغة المبالغة دالة على كثرة الفعل من الكاذب واستمراره عليه.
وكذلك ثبتت ألف "كذَّابًا" لمواصلة التكذيب لآيات الله تعالى؛
في قوله تعالى: (وَكَذَّبُوا بِآَيَـاـتِنَا كِذَّابًا (28) النبأ.
وسقطت ألف "كذَّابًا" لسقوط الكذب عند أهل الجنة كما تركوه في الدنيا؛
في قوله تعالى: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا (35) النبأ.
والله تعالى أعلم.
الكلمة الثالثة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
حذف وإثبات ألف كافر
ورد "كافر" بلفظ المذكر خمس مرات؛بسم الله الرحمن الرحيم
حذف وإثبات ألف كافر
في قوله تعالى: (وَءامِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَـاـتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّـاـيَ فَاتَّقُونِ(41) البقرة.
وفي قوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـاـلُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَـاـبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـاـلِدُونَ(217) البقرة.
وفي قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا(55) الفرقان.
وفي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(2) التغابن.
وفي قوله تعالى: (إِنَّا أَنذَرْنَـاـكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَـاـهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَـاـلَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40) النبأ.
الكافر هو الذي استمر في إنكار نعمة الله عليه، وعبد غير الله عز وجل، ودام عليها؛ فثبتت ألفه لأجل ذلك.
وجاء لفظ "كافرة" بالتأنيث مرة واحدة؛
في قوله تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَـاـتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَـاـرِ (13) آل عمران.
وهي فئة قائمة تقاتل فئة المؤمنين، وعلى ذلك كان ثبات ألفها.
وجاء اسم الفاعل: "كفَّار"؛ بصيغة المبالغة في خمسة مواضع؛
في قوله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَوا وَيُرْبِي الصَّدَقَـاـتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276) البقرة.
وفي قوله تعالى: (وَءاتَـاـكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَـاـنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) إبراهيم.
وفي قوله تعالى: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَـاـذِبٌ كَفَّارٌ(3) الزمر.
وفي قوله تعالى: (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ(24) ق.
وفي قوله تعالى: (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا(27) نوح
فصيغة المبالغة دالة على كثرة الأخذ بالكفر والاستمرار عليه، حتى يلاقي الله تعالى بكفره، فثبتت ألفه لأجل ذلك.
و"فاجرًا" مثل كفار في ثبات ألفه؛ فهو باق على فجوره ومندفع فيه، ومستمر عليه.
أما "الكافرون" بصيغة جمع المذكر السالم المرفوع فقد ورد في ستة وثلاثين موضعًا؛
كما في قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَـاـفِرُونَ (44) المائدة
و"الكافرين" بصيغة جمع المذكر السالم المنصوب أو المجرور في ثلاثة وتسعين موضعًا؛
كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَـاـفِرِينَ (67) المائدة.
وفي قوله تعالى: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَـاـفِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـاـفِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) البقرة.
وحذف الألف فيهما جارٍ على قاعدة تساوي أفراد الجمع، وعدم تميز بعضهم عن بعض يستوجب ثبات الألف إلا بقرينة تدل على ذلك، لأن الجمع يوحد بين أفراده، ويساوي بينهم.
وقد ذكر "كُفَّار" بصيغة جمع التكسير؛ في واحد وعشرين موضعًا؛ تسعة عشر بالرفع؛
كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَـاـئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(161) البقرة.
ومرة في حال النصب؛
في قوله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـاـبِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَـاـنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ (109) البقرة.
ومرة في استفهام تقريعي؛
في قوله تعالى: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ(43) القمر
الكُفَّار في كل المواضع التي ذكروا فيها؛ هم الذين داموا على كفرهم في الحياة الدنيا، أو ماتوا عليه، أو بعثوا لحسابهم على الكفر الذي كان منهم. وعلى ذلك ثبتت الألف فيها.
وحذفت ألف " الكُفَّار" في موضع واحد في حالة الرفع؛
في قوله تعالى: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّـاـرُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ(42) الرعد.
سيعلم الكفار ذلك بعد انتهاء كفرهم، وسقوط أعمالهم وبطلانها؛ فلا أحد يكفر يوم القيامة، وقد عاينوا بأعينهم ما كفروا به من قبل، وعلى ذلك حذفت الألف في هذا الموضع الوحيد.
وردت "الكوافر" بصيغة جمع التكسير لكافرة مرة واحدة؛
في قوله تعالى: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ (10) الممتحنة
الكوافر؛ هن القائمات على الكفر، المستمرات عليه، فجاء النهي عن التمسك بهن؛ فثبتت ألفها لأجل هذا الاستمرار منهن.
أما "كفَّارة" بالتأنيث فقد وردت أربع مرات؛ ثبتت الألف في واحدة منها؛
في قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ (45) المائدة.
وذلك أن الآخذ بالقصاص يخرج منه لا مأجورًا ولا مأزورًا، ومن يعف ويتصدق فإن عمله يمتد له بما يكفر الله تعالى عنه بهذه الصدقة من الذنوب، ويكتب له من الأجر الممتد؛ وعلى ذلك ثبتت ألفها.
وحذفت ألف "كفارة" في موضعين؛
في قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَـاـنِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَـاـنَ فَكَفَّـاـرَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـاـكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلـاـثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّـاـرَةُ أَيْمَـاـنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ (89) المائدة.
وذلك أن هذه الكفارة تسقط إثم عدم الوفاء بالأيمان، أو تعمد تركها إن حالت بين الخير وفعله، فسقطت ألفها؛ لأجل أن الكفارة لا تبقي الإثم يدوم على صاحبها.
وحذفت في قوله تعالى: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَـاـلِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّـاـرَةٌ طَعَامُ مَسَـاـكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ (95) المائدة
وكان حذفها لنفس السبب السابق في إسقاط الكفارة لإثم المحرم المرتكب للصيد الذي حرم عليه، بعد إحرامه لأداء مناسك الحج أو العمرة.
الكلمة الرابعة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
حذف وإثبات ألف هادٍ
الهادي هو من يقدم ويدل على ما فيه ثبات، وبقاء، وحفظ، واستمرار من قدم إليه هدايته، فعلى ذلك تثبت ألفه، وقد تكرر اسم "هادي" عشر مرات؛ ثبتت ألفه في ثمانية مواضع؛ بسم الله الرحمن الرحيم
حذف وإثبات ألف هادٍ
في قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7) الرعد.
وفي قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا(31) الفرقان.
وفي قوله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(54) الحج.
هذه المواضع الثلاثة في الإثبات؛ فلكل قوم هاد يهديهم ويثبتهم، والله تعالى هو المثبت لمن ينصره، وهو الهادي إلى صراط مستقيم.
والصراط وردت في القرآن خمسًا وأربعين مرة، وكلها بحذف الألف؛ لأن الألف هي للتفصيل، وصراط الله واحد فقط ليس معه ما يحتاج الأمر إلى التفريق بينها، وعلى ذلك سقطت ألفه.
وبقية المواضع في نفي الهادي والمثبت لمن يضلل الله عز وجل؛ لأن الضال هو من خرج عن الطريق المثبت له؛
في قوله تعالى: (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنْ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(33) الرعد.
وفي قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(36) الزمر.
وفي قوله تعالى: (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(33) غافر.
وفي قوله تعالى: (مَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَـاـنِهِمْ يَعْمَهُونَ(186) الأعراف.
وفي قوله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَـاـبًا مُتَشَـاـبِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23) الزمر.
وطغيان وردت في القرآن تسع مرات؛ وقد حذفت الألف في الجميع؛ لأن الطغيان صفة نكس ونقص، وموجبة لغضب الله وسخطه، وليست امتدادًا لصاحبها وزيادة له، وعلى ذلك كان حذفها.
والمتشابه ذكر في القرآن في ستة مواضع، وقد حذفت ألف فيها جميعًا؛ لأن التشابه يقتضي التساوي فيما يوصف به المتشابهون، وعلى ذلك تسقط ألفه.
وحذفت ألف هادي في موضعين؛
في قوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِهَـاـدِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَـاـلَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَـاـتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ(53) الروم.
وفي قوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِهَـاـدِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَـاـلَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَـاـتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ(81) النمل.
وذلك أن الضالين وُصِفوا بالعمى، والأعمى يقاد ولا يهدى؛ لأنه لا يبصر، فكيف تشير إليه، وتبين له الطريق، وتثبته عليه؟! وعلى ذلك كان حذف ألفه منه.
وقد ذكر "الضلال" في القرآن -الذي عرض في هذه الآيات- سبعًا وأربعين مرة؛ سقطت الألف فيها جميعًا؛ وذلك أن الضلال خروج عن طريق الحق والهدى والثبات، فهو صفة نقص ونكس لا زيادة وامتداد، وعلى ذلك كان حذف الألف منه.
وكذلك ذكرت "الآيات" في القرآن مائتان وخمسًا وتسعين مرة؛ سقطت الألف فيها جميعًا إلا في موضعين فقط من سورة يونس:
في قوله تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَـاـتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ (15) يونس.
وفي قوله تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي ءَايَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) يونس.
وذلك أن الآيات جمع، والجمع تسقط ألف على قاعدة أن الجمع يتساوى أفراده فيه، وعدم تميز بعضهم عن بعض إلا إذا وجدت قرينة تبين خلاف ذلك.
وكذلك فإن الجمع يدل على أشياء ثابتة ومستقرة ومعلومة، فتسقط ألفه لذلك.
فثبات ألف آيات في الموضع الأول؛ لأن الحديث عن آيات مستمرة، ودائمة، وممتدة، ويتواصل نزولها، وتلاوتها؛ فطلب الكافرون تبديل الآيات أو تغييرها بغيرها مما يتلى ويلحق بها؛ فعلى ذلك كان ثبات الألف.
وفي الموضع الثاني؛ جاء في آية كان سبب نزولها؛ أن القحط سلط على أهل مكة سبع سنين، فلما نزلت عليهم رحمة من الله تعالى فيها حياة لهم؛ سخروا واستهزؤوا، فنزول المطر من آيات الله، ويستمر نزوله على فترات، فلا حياة للناس دونه، وإن تأخر عنهم أو أصابهم القحط سنوات عديدة؛ فعلى ذلك كان ثبات ألف آيات في هذا الموضع أيضًا.
الكلمة الخامسة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
حذف وإثبات ألف واقع
ورد اسم الفاعل "واقع" بالتذكير ست مرات؛ ثبتت ألفه في ثلاث منها، وحذفت في ثلاث؛ بسم الله الرحمن الرحيم
حذف وإثبات ألف واقع
في قوله تعالى: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا ءاتَيْنَـاـكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(171) الأعراف.
وفي قوله تعالى: (تَرَى الظَّـاـلِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـاـلِحَـاـتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ(22) الشورى.
وفي قوله تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ(1) لِلْكَـاـفِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) المعارج.
وظنوا انه واقع بهم، وهو واقع بهم؛ علامة على قيامه وامتداده؛ فكان إثبات الألف على ذلك.
وعلى ذلك أيضًا كان ثبات الألف؛
في قوله تعالى: (وَرَءَا الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) الكهف.
وثبتت الألف في؛ سأل سائل بعذاب واقع؛ أي دعا بالعذاب الذي يُتَوَعَد به؛
كقوله تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (47) الحج،
وقوله تعالى: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّـاـدِقِينَ (29) العنكبوت، فالعذاب قادم لا محالة، وهو يسأل الاستعجال به.
وحذفت ألف "واقع" في ثلاثة مواضع مؤكدة بلام التوكيد؛
في قوله تعالى: (وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ(6) الذاريات.
وفي قوله تعالى: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ(7) الطور.
وفي قوله تعالى: (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ(7) المرسلات.
وذلك أن الذي يحتاج إلى توكيد هو ما كان مشكوكًا فيه، وأن زمن العذاب والحساب في علم الغيب، وغير قائمين، ويتوعد بهما في زمن قادم؛ وعلى ذلك كان حذف الألف.
وحذفت الألف مع القسم؛
في قوله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) الواقعة.
وذلك أن القسم هو لتوكيد ما هو مشكوك فيه، والله تعالى لا يقسم بلفظ القسم؛ لأن القسم دال على قِسْمَين مختلف فيهما، والتبس الحق فيهما، فيُحتاج القاضي إلى القسم من المتنازعين لتقوية أحدهما، والأشياء عند الله تعالى على حال واحدة لأنه سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة، فقسم الله جاء في ثمانية مواضع بالنفي بلا، وعلى ذلك كان حذف الألف بالمقسوم به.
والقسم من الناس كان في ثمانية مواضع، وكانوا فيها من الكاذبين.
وقد تبين لنا بعد تقدم العلم، أن مواقع النجوم التي نراها هي مواقع قديمة قد تمتد إلى زمن مضى منذ ملايين السنين، وغير قائمة في الوقت الذي نراه في أيامنا هذه. فكان الحذف موافق لما عليه واقع النجوم التي نراها.
وثبتت الألف مع تأنيث "الواقعة"، حيث وردت مرتين؛
في قوله تعالى: (إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ(1) الواقعة.
وفي قوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ(15) الحاقة.
لأن الحديث في الآية عند تحقق وقوع الواقعة، أو وقت تحققها، وعند ذلك يثبت قدومها، ولا زوال لها، ولا انقطاع لها، أو انتهاء استمرارها؛ فثبتت لذلك ألف فيها.
ووردت في هذه الآيات؛ الظـاـلمين، والكـاـفرين، والصـاـدقين؛ وهي جموع مذكر سالم، والقاعدة فيها، أن الجموع تحذف ألفاتها على قاعدة دخول الفرد في الجمع وتساويه مع أفراده، وعدم تميزه عن غيره إلا بقرينة.
ومثل ذلك" الصـاـلحـاـت؛ فالألف الأولى حذفت على نفس القاعدة؛ لدخول الفرد وتساويه مع أفراد الجمع، وحذفت الألف الثانية علامة الجمع لتساوي أفراد الجمع وعدم تميز بعضها عن بعض.
وتحذف ألف ضمير الجمع للمتكلم "نا"؛ إذا اتصل به ضمير المخاطب؛ كما في: ءاتَيْنَـاـكُمْ ؛ لأن الضمير المتكلم هو فاعل، وما بعده مفعول به، ولا يقع فعل الفاعل على المفعول به إلا إذا كان بينما اتصال، وإثبات الألف قطع للاتصال، وحذفها يوصل بينهما، في صورة الكلمة، وما فعله الفاعل انقطع عن الفاعل، ووصل إلى المفعول به، وعلى ذلك كان حذف ألف الفاعل أينما وجدت في القرآن.
أما ثبات ألفي "روضات الجنات" فيرجع إلى الإضافة؛ فكل روضة مستقلة في ذاتها عن الروضات لأنها ملحقة بإحدى الجنات، وكل جنة لها الروضة الخاصة بها، وعلى ذلك ثبتت ألف كل منهما؛ لتميز كل روضة عن بقية الروضات، وكل جنة عن بقية الجنات.
وثبتت ألف "عذاب" أينما جاءت في القرآن؛ لأن العذاب أشكال وأنواع كثيرة ومتفاوتة.
وثبتت ألف "دافع"؛ لأنه في وضع النفي؛ والنفي هو نفي لقيامه، وعلى ذلك ثبتت ألفه.
والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة السادسة عشرة
حذف وإثبات ألف مبارك ومباركة
ورد لفظ "مبارك" في أربعة مواضع؛ ثبتت ألفه في الثلاثة الأولى، وحذفت في الرابعة؛الكلمة السادسة عشرة
حذف وإثبات ألف مبارك ومباركة
في قوله تعالى: (وَهَذَا كِتَـاـبٌ أَنزَلْنَـاـهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(92) الأنعام.
وصف الكتاب بأنه مبارك دلالة على ثراء هذا الكتاب بالإقامة عليه، والاستغناء عن البحث عن الخير في غيره، فهذا الوصف خاص بالقرآن الكريم، ولم يوصف كتاب في القرآن بأنه مبارك غير القرآن الكريم.
وكذلك الأرض المبارك؛ هي الأرض الكثيرة الخيرات التي يستقر فيها أهلها، ولا يرحلون عنها، استغناء عن الحاجة وطلب الخير في غيرها،
ومن ذلك البركة التي استقر الماء فيها بعد ذهاب السيل وانقطاع مائه.
وبروك الناقة هو قعودها عن الذهاب إلى المرعى، وملازمتها مكانها عن شبع فيها، فهو قعود لها مقيد بالشبع، وكانوا يقيمونها لحلبها، لتبرك في محلها بعد ذلك.
فوصف الكتاب بأن مصدق لما بين يديه، بإعادة ذكر ما ورد من السير والقصص في الكتب السابقة؛ ما أغنى عن الرجوع إليها، فمد بقاء هذه القصص،
وإنذاره لأم القرى هو إحياء لها، ومدها لتأخذ بالإيمان، والأعمال الصالحة وعلى رأسها الصلاة؛ فعلى ذلك كان ثبات ألف مبارك في الرسم.
وثبتت ألفه في قوله تعالى: (وَهَذَا كِتَـاـبٌ أَنزَلْنَـاـهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(155) الأنعام.
الطلب باتباع الكتاب المبارك بما نزل فيه من الأحكام في آيات يتوالى نزولها؛ هو رحمة وثبات واستمرار للمتبعين له، وحفظ واتقاء لهم، وعلى ذلك كان ثبات ألفه.
وثبتت ألفه في قوله تعالى: (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَـاـهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(50) الأنبياء.
وصف الكتاب بأنه ذكر مبارك؛ لأن التذكير هو حفظ للمذكر مما يلحقه بسبب الغفلة والنسيان، وعلى ذلك ثبتت ألفه، وقد كانت هذه الأمة هي الأطول عمرًا في تاريخ الأمم بسب بركة هذا الكتاب، ومده لها بأسباب القوة والحفظ، والتأييد بالنصر من الله عز وجل.
وحذفت ألفه في قوله تعالى: (كِتَـاـبٌ أَنزَلْنَـاـهُ إِلَيْكَ مُبَـاـرَكٌ لِيَدَّبَّرُوا ءَايَـاـتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَـاـبِ(29) ص.
في الآيات السابقة كان الخطاب مباشرة لمن نزل عليهم الكتاب؛ (ولتنذر) ، (فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون)، (وهذا ذكر ... أفأنتم له منكرون)، وكان نزول الآيات يتتابع، والخير يتواصل بهذا التتابع.
أما في هذا الموضع؛ فإن التدبر للكتاب المبارك لم يقيد بزمن نزوله، والتدبر يكون فيما استقر وضعه وثبتت حدوده، وذلك بعد تمام نزوله.
ونزول هذا الكتاب لأجل تذكر أولي الألباب، وهذا لم تقيد أيضًا بزمن النزول، مما دل على أن ذلك بعد تمام النزول، ومعرفة حدود ما نزل، وعلى ذلك كان حذف الألف فيه.
ولفظ "مباركاً" بالنصب ورد أربع مرات؛ ثبتت ألف في ثلاث منها، وحذفت في الرابعة؛
في قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَـاـلَمِينَ(96) آل عمران.
البيت الحرام هو أول بيت وضع للناس وأقدمها، وأدومها بقاء، وما يزال الناس يتوافدون إليه من أول يوم وضع فيه، ولم ينقطعوا عنه، وعلى ذلك ثبتت ألفه.
وثبتت الألف في قوله تعالى: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَـاـنِي بِالصَّلَواةِ وَالزَّكَواةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31) مريم.
جعل الله تعالى عيسى عليه السلام مباركًا أين ما كان، وهذا القول منه وهو في المهد؛ فهي بركة قائمة ممتدة من يوم مولده ومستمرة معه في حياته، وعلى ذلك كان ثبات ألف "مباركًا" فيه.
وثبتت الألف في قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ(29) المؤمنون.
طلب لنوح عليه السلام من ربه بأن ينزله بعد الطوفان مكانًا مباركًا تمتد فيه البركة؛ بما سبق من إغراء قومه بفضائل الاستغفار، من إرسال السماء مدرارًا، ويجعل الله لهم جنات وأنهارًا؛ فعلى ذلك كان ثبات ألفه.
وحذفت الألف في قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَـاـرَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّـاـتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ(9) ق.
فأما حذف الألف في هذا الموضع؛ فلأن الجنات وحب الحصيد لا يكونان إلا بعد تام نزول الماء، واستقراره في الأرض، فعلى ذلك كان حذف ألفه منه؛ لأن وجوده بالقدر الكافي شرط سابق لتكون الجنات وحب الحصيد.
وردت "مباركة" أربع مرات، وقد حذفت الألف فيها جميعًا؛
في قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَواةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَـاـرَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَـاـلَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35) النور.
وفي قوله تعالى: (... فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَـاـرَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَـاـتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(61) النور.
وفي قوله تعالى: (فَلَمَّا أَتَـاـهَا نُودِي مِنْ شَـاـطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَـاـرَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَنْ يَـاـمُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَـاـلَمِينَ(30) القصص.
وفي قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَـاـهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَـاـرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3) الدخان.
سقطت الألف في المواضع الأربعة جميعًا لأجل قدم البركة في الشيء الموصوف بالبركة، وانقطاعه بعد ذلك؛
فالشجرة في الموضع الأول مباركة قبل أن يوقد منها، والنار كانت كامنة فيها، وبركتها هي في النار التي فيها، وهذه محدودة تزول بانتهاء ونفاد النار منها.
والسلام الذي في الموضع الثاني؛ هو لفظ محدد يقال عند دخول البيوت، أو عند الانقطاع إليه؛ فتكون منه البركة، وينتهي أمره بما يكون من كلام وحديث بعده.
والبقعة في الموضع الثالث؛ مباركة قبل قدوم موسى عليه السلام إليها، والمجيء عندها، وهذه البركة لأجل الأمر الذي حدث في تلك الليلة، وانقضت بانقضاء هذا الأمر، ولن يظهر منها شيء ثانٍ لغير موسى عليه السلام، وآلت الشجرة بعد زمن كبقية الشجر إلى زوال.
وإنزال القرآن في ليلة محددة في الموضع الرابع؛ هي الليلة المباركة، والليلة مدة من الزمن تنقضي، وتنتهي بطلوع فجر اليوم التالي لها.
فالأربعة المذكورة هن من المحدودات الثوابت، غير الدائمات؛ الشجرة، ولفظ السلام، والبقعة، والليلة؛ فسقطت لأجل ذلك منهن الألف.
وردت "بركات" جمع "بركة" في موضعين بغير الإضافة؛ وقد حذفت الألف فيهما؛
في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَـاـتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَـاـهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(96) الأعراف.
وفي قوله تعالى: (قِيلَ يَـاـنُوحُ اهْبِطْ بِسَلَـاـمٍ مِنَّا وَبَرَكَـاـتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(48) الأعراف.
سقطت ألف بركات لأنها علامة جمع لا قيام له، أو لأن قيامه لا يدوم.
وبركات متفرقة على الزمان، وبين الأمم، وهذه البركات في الأولى موعود بها،
وفي الثانية ليست ممتدة للجميع؛ فستنقطع هذه البركات عن الذي سيمتعون بها، ثم يمسهم العذاب، وهي في موضع الوعد بها أيضًا.
ووردت "بركاته" بالإضافة في موضع واحد، وقد حذفت ألفها؛
في قوله تعالى: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَـاـتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ(73) هود.
وسقوط ألفها كذلك؛ لأن هذه البركات خاصة بأهل بيت إبراهيم عليه السلام، وفي حياتهم، ولا تمتد إلى غيرهم. ولذلك كان القول في الصلاة: وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
ورد لفظ "بارك" بصيغة الفعل الماضي مرة واحدة؛
في قوله تعالى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَـاـرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ(10) فصلت.
جعل الله تعالى في الأرض الرواسي، وبارك فيها، وقدر الأقوات فيها، وكل ذلك في الأيام الأربعة الأولى من خلق السموات والأرض، وهي أيام محددة في زمن سابق قد مضى، وخلفتها أيام كثيرة، وعلى ذلك كان حذف ألف بارك منه.
وورد لفظ "باركنا" متصلا بضمير الجمع في ستة مواضع؛
في قوله تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـاـرِقَ الأَرْضِ وَمَغَـاـرِبَهَا الَّتِي بَـاـرَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَاءِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ(137) الأعراف.
وفي قوله تعالى: (سُبْحَـاـنَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَـاـرَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَـاـتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1) الإسراء.
وفي قوله تعالى: (وَنَجَّيْنَـاـهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَـاـرَكْنَا فِيهَا لِلْعَـاـلَمِينَ(71) الأنبياء.
وفي قوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَـاـنَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَـاـرَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَـاـلِمِينَ (81) الأنبياء.
وفي قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَـاـرَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَـاـهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ(18) سبأ.
وفي قوله تعالى: (وبَـاـرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَـاـقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ(113) الصافات.
البركة التي كانت من الله تعالى في المواضع الخمسة لأرض فلسطين وقراها، أو جزء من بلاد الشام أو عامته، أو وادي الأردن خاصة، والبركة حاصلة فيها قبل هجرة إبراهيم ولوط عليهم السلام إليها، وقبل توريث بني إسرائيل في فترة من الزمان لها، وقبل الارتحال إليها، وقبل تجارة أهل اليمن معها، ولم يكن المقصود بهذا الذكر لها بيان استمرار البركة فيها؛ فإن العلم السابق بالبركة الحاصلة فيها هو الدافع لاختيارها والمجيء إليها، وعلى ذلك كان حذف الألف من باركنا.
وأما المباركة على إبراهيم وإسحاق عليهما السلام فهي بركة عليهما خاصة، ولا تمتد لجميع ذريتهما، لأن منهم الذي يظلم نفسه، وعلى ذلك كان حذف الألف منه.
ورد لفظ "تبارك" تسع مرات؛ ثبتت ألفه في سبعة مواضع؛
في قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَـاـلَمِينَ(54) الأعراف.
كل ما سخر هو بركة مستمرة وعلى ذلك ثبتت الألف.
وفي قوله تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَـاـمًا فَكَسَوْنَا الْعِظَـاـمَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَـاـهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَـاـلِقِينَ(14) المؤمنون.
والبركة للمخلوق في رحم الأم تستمر بعد كسي العظام لحما، وبعد خروجه للحياة حتى يصير رجلا كاملاً، ولأجل ذلك جرى إثبات الألف.
وفي قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـاـلَمِينَ نَذِيرًا(1) الفرقان.
تنزيل الفرقان من الله تعالى ليكون بركة دائمة ومستمرة لكل من يخشى في عمله ما وصله من إنذار الله تعالى للناس عواقب أعمالهم، وعلى ذلك جرى تثبيت الألف.
وفي قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّـاـتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَـاـرُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا(10) الفرقان.
ومن بيده البركة السابقة بجعل جنات تجري من تحتها النهار والقصور للناس بيده البركة اللاحقة، وقادر على أن يخص النبي عليه الصلاة والسلام ببعضها؛ فيجعل له جنات وأنهار وقصور إن نشاء. وعلى ذلك جرى تثبيت الألف.
وفي قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا(61) الفرقان.
من صفات السماء أن ذاتها تشف عما فوقها، وما بعدها، وما يكون فيها، فيظهر من خلالها، وهي صفة دائمة مستمرة فيها، وبسبب هذه الصفة نرى النجوم والكواكب والشمس والقمر، ولو كانت السماء معتمة لما رأينا من ذلك شيء، وعلى ذلك كان ثبات تبارك فيها.
وفي قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَـاـتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَـاـلَمِينَ(64) غافر.
جعل الله تعالى الأرض قرارا، والسماء بناء، وتصوير ما خلق من الناس، والذي سيخلق منهم، ورزقه بالطيبات لمن كان منهم، والذي سيكون بعد ذلك، كل ذلك قائم ومستمر، فعلى ذلك كان ثبات الألف.
وفي قوله تعالى: (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) الزخرف.
مُلك الله تعالى للسموات والأرض وما بينهما هو ملك دائم ومستمر، وعليه كان ثبات الألف.
وحذفت ألف تبارك في موضعين آخرين؛
في قوله تعالى: (تَبَـاـرَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَـاـلِ وَالْإِكْرَامِ(78) الرحمن.
وفي قوله تعالى: (تَبَـاـرَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(1) الملك.
فأما إسقاط ألف تبارك في نهاية سورة الرحمن فقد كان بعد تمام تعداد نعم كثيرة لله تعالى لعلى خلقه، فكانت الخاتمة عن أمور مباركة سابقة الذكر، وعليه كان حذف الألف.
وأما إسقاطها ألفها في أول سورة الملك؛ فقد أشار الله تعالى على قدم ملكه مما عرف؛ بقوله تعالى: (وهو على كل شيء قدير) أي على تبديل ذلك وزواله وذهاب بركته، فعلم أن الحديث عن شيء سابق وبركة سابقة، وعليه كان حذف الألف.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة السابعة عشرة
حذف وإثبات ألف الأمثال
إن الله تعالى يضرب الأمثال للناس ليبين لهم أمورًا أخرى تفهم من ضرب هذه الأمثال، ولأخذ العبر منها، والاتعاظ بها، وقد نهي سبحانه وتعالى عن ضرب الأمثلة له؛ لأن الله عز وجل يعلم كل شيء على حقيقته، ولا يحتاج إلى من يبين له الأشياء حتى يعرفها ويعلمها، فالأمثال تضرب لتمد السامع بالفهم ولبيان وتوضيح أشياء أخرى غير الأمثال نفسها.وقد ردت "الأمثال" بغير إضافة عشر مرات؛ ثبتت الألف في خمس منها، وحذفت في الخمس الأخرى؛
فثبتت في قوله تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَـاـعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَـاـطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (17) الرعد.
هذه الأمثال المضروبة في تفصيل الأمور لبيان الحق من الباطل، وبيان ما فيه خير فيمكث في الأرض، وتمتد منفعته، وما هو زبد مآله إلى الزوال، فلأجل إرادة التفصيل بهذه الأمثال كان ثبات ألفها.
وفي قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) إبراهيم.
وهذه المثال في هذا الموضع لأجل التفصيل بين الحق والباطل، والطيب والخبيث، والنافع والضار، والثابت والزائل؛ وعلى ذلك كان ثبات ألف الأمثال لأجل هذا التفصيل والمقارنة.
وفي قوله تعالى: (وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاـكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) إبراهيم.
والأمثال في هذا الموضع في التذكير بالمساكن التي بقيت من بعد هلاك أهلها، فلا تكن مساكنهم شاهدة من بعدكم على ما يحل بكم من الهلاك، وعلى ذلك كان ثبات ألفها.
وفي قوله تعالى: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(74) النحل.
نهي دائم من الله عز وجل للناس بألا يضربوا له الأمثال؛ مما يخطر لهم ويستجد عندهم؛ فإن الله يعلم وهم لا يعلمون، فعلى هذا النهي الدائم المتعلق بالمستقبل كان ثبات ألفها.
وفي قوله تعالى: (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً(48) الإسراء.
وحذفت في مثلها: (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَـاـلَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً(9) الفرقان.
ويعود الحذف والإثبات في هذين الموضعين إلى معرفة تفاصيل الأمثال، فما سبق ذكره لا حاجة لإعادته، وما لم يذكر فالحاجة قائمة لمعرفته؛
فالأمثال في آيات الإسراء جاء بعد الآية؛
في قوله تعالى: (وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَـاـمًا وَرُفَـاـتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) ...
(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَـاـرَ خِلَـاـلَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَـاـئِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَـاـبًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً (93) الإسراء.
فكان لا بعد من معرفتها وتفصيلها بعد طلب للنظر فيها، وعلى ذلك ثبتت ألفها.
أما الأمثال التي طلب النظر فيها فقد جاءت قبل الآية؛
في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَـاـهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَـاـطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّـاـلِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُورًا (8)الفرقان.
فلا داعي لإعادتها وتكرارها فسقطت ألفها لأجل ذلك.
وحذفت الألف في قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَواةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَـاـرَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَـاـلَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35) النور.
ويضرب الله الأمثال للناس، ولا يضرب سبحانه وتعالى إلا حقًا وله وجود، فتمثيل نوره سبحانه وتعالى بشيء له وجود سابق مما انقطع علمنا به، وكان علمه عند الله تعالى، وإن كنا نعرف ما يشابهه، أو يقاس عليه، إلا أن الأمر أعظم من ذلك، فعلى ذلك كان حذف ألفها.
وحذفت في قوله تعالى: (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَـاـهُمْ وَجَعَلْنَـاـهُمْ لِلنَّاسِ ءَايَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّـاـلِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَـاـبَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَـاـلَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا(39) الفرقان.
ضربنا الله تعالى الأمثال لكل امة بمن هلك قبلها من الأمم السابقة، فلم يأخذوا العبرة بها؛ فتبرهم تتبيرا؛ فسقطت الألف لما كان في هذه الأمثال من الهلاك والانقطاع، وعدم الاعتبار.
وحذفت في قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الأَمْثَـاـلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَـاـلِمُونَ(43) العنكبوت.
وهن بيت العنكبوت من الأمثال التي ضربها الله تعالى لمن وهن أمرهم، ويدعون من دون الله ما لا قيام له، ولا يعد شيئًا يذكر، فسقطت لذلك ألفها.
وحذفت في قوله تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَـاـشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَـاـلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(21) الحشر.
هذا المثال المضروب راجع إلى مشيئة الله إن أراد فعله، فهو واقع بعد لو الشرطية، فضربه للتفكر في ما هم عليه من قساوة القلب وعدم الخشية من الله تعالى، فسقطت ألفها لذلك.
وسقطت ألف "أمثال" في موضع غير العشرة السابقة، وقد اتصلت بها كاف التشبيه؛
في قوله تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَـاـلِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ(23) الواقعة.
الحور العين ممثلات باللؤلؤ المحفوظ المصون الذي لا يدخل عليه شيء يغيره، فيبقى على حاله، وعلى ذلك كان حذف ألفها.
وردت [/color]"أمثالكم" بالإضافة إلى ضمير الجمع للمخاطبين أربع مرات؛ حذفت في موضعين، وثبتت في موضعين؛
في قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَـاـئر يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ(38) الأنعام
أمم أمثالكم في الامتداد والتكاثر والاجتماع؛ فثبت لذلك ألف المد فيها.
وفي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَـاـدِقِينَ (194) الأعراف.
أي أمثالكم في الاستمرار في العبودية لله ولا غنى لهم عن الله؛ فثبتت لذلك ألف المد فيها.
وحذفت في قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَـاـلَكُمْ(38) محمد.
أي لا يكونون أمثالكم في توليكم وعصيانكم إن عصيتم وتوليتم، فتسقط أعمالهم عند الله كما تسقط أعمالكم؛ فعلى ذلك كان سقوط ألف المد منها.
وفي قوله تعالى: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَـاـلَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ(61) الواقعة.
أي نبدل أمثالكم مكانكم، وهؤلاء الأمثال لا وجود لهم حتى يكون هناك إبدال؛ وعلى ذلك كان حذف الألف منها.
وردت "أمثالها" مضافة إلى ضمير المؤنث الغائب في موضعين؛ ثبتت ألفها في موضع، وحذفت في الموضع الثاني؛فثبتت في قوله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا(160) الأنعام.
فله عشر أمثالها في الآخرة؛ فهذا مدد وزيادة فيها، وعلى ذلك جرى إثبات ألفها.
وحذفت في قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاـقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَـاـفِرِينَ أَمْثَـاـلُهَا(10) محمد.
وللكافرين أمثالها من الدمار والهلاك، وقطع الاستمرار في الحياة، فوافق ذلك سقوط ألفها.
وردت "أمثالهم" بالإضافة إلى ضمير الجمع للغائبين في موضعين حذفت الألف فيهما؛
في قوله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَـاـلَهُمْ (1) وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـاـلِحَـاـتِ وءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَـاـطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـاـلَهُمْ (3) محمد.
كذلك يضرب للناس أمثالهم ممن تقرر مصيرهم في الآخرة، فما كان على الحق وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر عنه سيئاتهم، وما كان على الباطل أحبط أعمالهم، فعلى ثبات مصير كل من الطرفين بلا جديد يغير حالهم في الآخرة سقطت ألفها.
وحذفت في قوله تعالى: (نَحْنُ خَلَقْنَـاـهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَـاـلَهُمْ تَبْدِيلاً (28) الإنسان.
القول في سقوط الألف في (بدلنا أمثالهم) مثل القول في سقوط الألف؛
في قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَـاـلَكُمْ(38) محمد.
والذي قد أشرنا إليه في رقم (2) السالف الذكر.
وردت "المثلات" مرة واحدة محذوفة الألف؛
وفي قوله تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ الْمَثُلـاـتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ(6) الرعد.
المثلات العقوبات التي حلت بمن قبلهم فقطعت دابرهم وجعلتهم مثلا يذكر للعبرة؛ فسقطت لذلك ألفها.ا
وردت "التماثيل" في موضعين؛ الأول بإثبات الألف، والثاني بحذفها؛
فثبتت في قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَـاـكِفُونَ(52) الأنبياء.
سؤال عن تماثيل قائمة، قد استمر المشركون على عبادتها؛ فثبتت لذلك ألفها.
وحذفت في قوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَـاـنَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَـاـرِيبَ وَتَمَـاـثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَـاـتٍ اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ.
أما هذه التماثيل فهي من المصنوعات التي لم يحرمها الله تعالى، وحددها ماهيتها سليمان عليه السلام في طلبه منهم لصناعتها، وبعد الانتهاء من صناعة ما طلبه منهم، وانقطاع عملهم في صناعتها؛ أمر آل داوود بالشكر لله، وعلى ذلك كان حذف ألفها بالإضافة إلى كونها جمعًا لم يذكر اختلاف وتمايز بين أفراده.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الثامنة عشرة
حذف وإثبات ألف عظام
وردت "العظام" معرفة بالألف واللام في ثلاثة مواضع؛ ثبتت في موضع، وحذفت في موضعين؛ الكلمة الثامنة عشرة
حذف وإثبات ألف عظام
في قوله تعالى: (وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا (259) البقرة.
العظام في هذا الموضع هي عظام حمار الذي مر على القرية، وأماته الله مائة عام ثم بعثه؛ فصاحبها معروف، وطال عمرها بإعادة إحياء صاحبها؛ فعلى ذلك كان إثبات ألفها.
وأما الموضعان اللذان حذفت فيها الألف فهي عظام لم يحدد صاحبها، فهي مجهولة؛
في قوله تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَـاـمَ وَهِيَ رَمِيمٌ(78) يس.
وفي قوله تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَـاـمًا فَكَسَوْنَا الْعِظَـاـمَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَـاـهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَـاـلِقِينَ (14) المؤمنون.
فهي عظام مجهولة غير معروف صاحبها لتتميز عن بقية العظام، وعلى ذلك كان حذف ألفها.
وثبتت الألف في قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الإِنسَـاـنُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ(3) القيامة.
أي عظامه هو وليست عظام غيره، فهي معروفة لديه ومحددة بنسبتها إليه، وهي قائمة فيه وهو يخاطب بهذه الآية؛ والحديث عن جمعها كما هي مجموعة اليوم فيه؛ فثبتت لذلك ألفها.
وقد جاءت العظام منصوبة في تسعة مواضع؛
في قوله تعالى: (وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَـاـمًا وَرُفَـاـتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا(49) الإسراء.
وفي قوله تعالى: (ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَـاـتِنَا وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَـاـمًا وَرُفَـاـتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا(98) الإسراء
وفي قوله تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَـاـمًا فَكَسَوْنَا الْعِظَـاـمَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَـاـهُ خَلْقًا ءاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَـاـلِقِينَ(14) المؤمنون
وفي قوله تعالى: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَـاـمًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ(35) المؤمنون
في قوله تعالى: (قَالُوا أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـاـمًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(82)المؤمنون
وفي قوله تعالى: (أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـاـمًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(16) الصافات
وفي قوله تعالى: (أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـاـمًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ(53) الصافات
وفي قوله تعالى: (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـاـمًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(47) الواقعة
وفي قوله تعالى: (أَئِذَا كُنَّا عِظَـاـمًا نَخِرَةً(11) النازعات
والعظام في جميع هذه المواضع؛ إما عظامًا بالية ونخرة، والقائلين جمع وليس أفراد، أو لأحد النطف المجهولة التي لم يحدد من هو صاحبها، وإن كانت صورة تتكرر مع خلق كل إنسان؛ فسقطت الألف فيها لذلك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة التاسعة عشرة
حذف وإثبات ألف أعناب
وردت "أعناب" تسع مرات؛ ثبتت ألفها في موضعين؛ الكلمة التاسعة عشرة
حذف وإثبات ألف أعناب
في قوله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَـاـرُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَـاـتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) البقرة
مجيء الإعصار والجنة مثمرة، وهو ينتظر إطعام أولاده منها؛ أوجع وآلم لصاحبها،
وكذلك الحرمان من عنب متعدد الألوان والطعم أشد وآلم من فقد عنب من نوع واحد فقط، وعلى ذلك كان إثبات الألف علامة على تعدد أنواع العنب في أطعمتها وألوانها، وأن هذه الأعناب قائمة على شجرها لم تقطف بعد.
وثبتت في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنْ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّـاـتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَـاـبِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَـاـتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) الأنعام
طلب النظر إلى ثمر عنب وينعه وهو يتعدد في ألوانه وطعمه أعجب وأدل على قدرة الله من كونه نوعًا واحدًا وإن كثر عدده؛ فثبتت ألف علامة على تعدد وتنوعه بما يوافق طلب النظر إلى ثمر الأعناب وغيرها وهو قائم على شجره.
وحذفت ألف الأعناب في سبعة مواضع أخرى؛
في قوله تعالى (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَـاـوِرَاتٌ وَجَنَّـاـتٌ مِنْ أَعْنَـاـبٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَـاـتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) الرعد.
في قوله تعالى: (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَـاـبَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(11) النحل.
فقوله تعالى: ينبت لكم أي لأجل أكلكم، ولا منفعة منه إلا بعد الأكل.
وفي قوله تعالى: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَـاـبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(67) النحل.
وفي قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَـاـبٍ وَحَفَفْنَـاـهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا(32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ ءَاَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَـاـلَهُمَا نَهَرًا (33) الكهف.
وفي قوله تعالى: (فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّـاـتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَـاـبٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(19) المؤمنون
وفي قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّـاـتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَـاـبٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ(34) ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أًفَلا يَشْكُرُون(35) يس
ويرجع الحذف في هذا المواضع الست إلى ذكر الأكل لها، وتفضيل طعمها، وصنع المسكر منها؛ وهذا لا يكون إلا بعد قطفها عن شجرها؛ وعلى ذلك كان حذفها.
وحذفت في قوله تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَـاـبًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) النبأ.
ما أعده الله تعالى من النعيم هو ثمر الأعناب وغيرها، والتنعم بها لا يكون إلا بعد قطفها، وقطعها عن شجرها، وناسب ذلك ذكر المفاز للمتقين قبلها، وهو ذكر لتعدي النار والانقطاع عنها، قبل الوصول إلى الجنة ونعيمها؛ فعلى ذلك كان سقوط الألف منها.
والله تعالى أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة العشرون
حذف وإثبات ألف كتاب
ورد لفظ كتاب في القرآن: (255) مرة، ولم تثبت الألف إلا في أربعة مواضع منها فقط.الكلمة العشرون
حذف وإثبات ألف كتاب
ويقصد بالكتاب ما عند الله عز وجل، والتوراة والإنجيل اللذين نزلا على أهل الكتاب، والقرآن الكريم الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب يطلق على كامل الكتاب، وعلى الجزء من الكتاب، ففي الكتاب كتب، ولذلك يسمى كل من التوراة والإنجيل والقرآن الكتاب، وكتب الله كلها محدودة التنزيل، ولتمامها أجل ينتهي فيه نزول كل واحد منها، فمتى بدأ نزوله يستمر النزول حتى يكتمل نزوله؛ وعلى ذلك كان حذف ألف الكتاب.
كما في قوله تعالى: (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَـاـبُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة.
وأي كتاب يشار إليه إنما تكون الإشارة إلى كتاب محدود الكلمات والجمل، وإن لم يكن من عند الله سبحانه وتعالى، وعلى ذلك تحذف ألفه؛
كما في قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَـاـبَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ(78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَـاـبَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ(79) البقرة.
وكان إثبات الألف في المواضع الأربعة التالية؛
في قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ(38) الرعد.
فالكتاب مكتوب والأجل ممدود، حتى يتحقق ميعاده الذي ينزل فيه على رسول من رسل الله تعالى، فلا يعرف الكتاب حتى يأتي أجله، وعلى ذلك كان ثبات الألف.
وفي قوله تعالى: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) الحجر.
فكذلك لكل أمة هلكت كتاب لانتهاء أجلها، فيمتد زمنه حتى مجيء موعد إهلاكها؛ فلن تهلك أمة إلا في ميعاد هلاكها، ولا يعرف هذا الكتاب إلا بعد ذلك، وعلى ذلك كان ثبات ألف كتابها.
وفي قوله تعالى: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـاـتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا(27) الكهف.
فلا يتلو النبي عليه الصلاة والسلام تنفيذًا لأمر الله تعالى إلا ما نزل، والتنزيل مستمر وممتد؛ فما بقي لا يدري عنه شيئًا حتى ينزل، والأمر له أن يتلو ما نزل من الكتاب، ويتلو الذي سينزل مع امتداد الأيام المقبلة، وعلى ذلك كان ثبات الألف.
وفي قوله تعالى: (طس تِلْكَ ءَايَـتُ الْقُرْءانِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ(1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) النمل. وكتاب مبين، وهو القرآن الكريم، وبيانه لم يكتمل بعد، فسورة النمل سور مكية؛ وأكثر البيان كان بعد ذلك؛ أي بعد الهجرة في الفترة المدنية، فهذا الكتاب المبين ما زال نزوله ممتدًا لم ينته بعد؛ وعلى ذلك كان ثبات الألف.
أما قوله تعالى: (يَـاـأَهْلَ الْكِتَـاـبِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَـاـبِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَـاـبٌ مُبِينٌ (15) المائدة.
فأهل الكتاب هم أهل كتاب قد عرف، وعليه حذف الألف في الموضع الأول والثاني من الآية، أما الموضع الثالث فالمقصود به القرآن، والحديث عن بيان ما سبق معرفته من أهل الكتاب وما كانوا يخفونه؛ وعلى ذلك كان حذف الألف.
أما قوله تعالى: (الر تِلْكَ ءَايَـتُ الْكِتَـاــبِ وَقُرْءَانٍ مُبِينٍ(1) الحجر؛
بتقديم الكتاب وتعريفه، وتنكير القرآن، خلاف آية النمل؛ أي أن هذه الآيات هي آيات الكتاب الذي عند الله تعالى، أو آيات الكتاب الذي سيكتمل نزوله عليكم، فهو محدد بذلك، وإن لم يكتمل نزول بعد؛ فسقطت ألف المد فيه لذلك.
والمقصود في "كتاب مبين" في مواضع خمسة أخرى؛ هو اللوح المحفوظ؛
كما في قوله تعالى: (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَـاـبٍ مُبِينٍ (75) النمل.
أما من حيث دلالة الألف على التفصيل؛
فلكل رسول كتاب غير كتب بقية الرسل،
ولكل أمة كتاب هلاكها غير كتب من هلك من بقية الأمم،
وفي الأمر في التلاوة تفصيل؛ تلاوة لما نزل، وأمر بالتلاوة لما سينزل،
وفي "النمل" إشارة لما نزل من القرآن وعرف؛ وهو يعد قرآنًا، وما لم ينزل بعد. وما بينه الكتاب هو بعض التبيين، ويكون تمامه بعد تمام التنزيل.
والله تعالى أعلم.