حديث مشكل في نزول قول الله تعالى : (لا يستوي القاعدون من المؤمنين )

إنضم
08/02/2009
المشاركات
174
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
روى البخاري في صحيحه بكتاب الجهاد والسير في باب قول الله تعالى (لا يستوي القاعدون من المؤمنين ):
عن مروان بن الحكم:أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله" .
قال فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي فقال يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان رجلا أعمى فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله عز و جل (غير أولي الضرر)

والمعنى : أن الآية قد نزلت بشكل معين وهو : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين {...} والمجاهدون في سبيل الله"فلما شكا ابن أم مكتوم تم تعديلها فزيدت فيها عبارة "غير أولي الضرر".

وقد ذهب بعض أعداء الإسلام إلى أن هذا التعديل "المحمدي" يدل على أن القرآن ليس من عند الله بل هو من عند محمد الذي يعدّل لأصحابه آيات القرآن حسب الظروف والمواقف .
وهذا قول باطل متهافت جاء باعتباره رد فعل على اعتقاد المسلمين بتحريف التوراة والإنجيل ، ولسنا هنا بصدد مناقشة هذه الفرية ، ومعلوم أن أكاذيب هولاء - مهما بذل فيها من جهود - من الضعف بحيث يسهل الرد عليها جدا ، ولكننا بصدد مناقشة هذا الحديث المشكل حقا
 
وقد كان قولي من قبل في هذا الحديث هو : أن التعديل لم يقع من محمد صلى الله عليه وسلم وإنما من الله الذي يبدل آية مكان آية حسب ما يشاء ومتى ما شاء ، ومحمد صلى الله عليه وسلم لا يملك هذا الحق أبدا ؛ قال تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ويفهم من قوله (مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي) أن الله تعالى يبدل منه ما شاء بما شاء. فالذي له الحق في التبديل هو الله وحده لا غيره ، ولو فعل محمد ذلك – وحاشاه- لانتقم الله منه ؛ قال تعالى : (ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) وهذا القول رغم وجاهته الظاهرية إلا أنه فطير جدا . وإذا كان هذا الحديث الصحيح قد ضبطه رواته - وهم ثقات - كل الضبط كما وقع تماما فإنه لا يبقى إلا قولي هذا الذي كنت أقول به من قبل ؛ رغم أني أشك في وجاهته شكا عظيما.
وإذا كان ابن مكتوم قد شكا قبل نزول الآية فلا إشكال
وإذا كان قد شكا بعد نزول الآية كاملة فلا إشكال أيضا
وإذا كان قد شكا أثناء نزول الآية قبل أن يتم إنزالها كاملة فلا إشكال أيضا
وإذا كان قد شكا أثناء إملاء النبي صلى الله عليه وسلم إياها لزيد بعد نزولها كاملة فلا إشكال أيضا
أما إذا كان ابن مكتوم قد شكا بعد نزولها بشكل معين ثم تعدلت لأجل شكواه كما يفيده ظاهر الحديث السابق فالإشكال قائم
 
وقد تبين لي عند مقارنة روايات الحديث الصحيحة ببعضها أنه ليس هنالك من تعديل قد وقع في القرآن أصلا لا بسبب ابن أم مكتوم رضي الله عنه ولا بسبب غيره. ثم إن قوله تعالى (ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي) لا تعني بحال أن الله يبدل بعض القرآن أو يغيره وإنما المعنى الذي تحكيه الآية هو أن المشركين قد سألوا النبي صلى الله عليه وسلم - لكي يرضوا عنه- أن يأت بقرآن آخر من الله ليس فيه سب آلهتهم ، وإذا لم يفعل ذلك فليبدل تلك الآيات التي فيها السب على الأقل ؛ فأمر الله نبيه أن يقول : إن ذلك لا يمكن أن يكون منه إطلاقا وإنما هو يتبع وحي الله لا غيره ، ولا تعني الآية إطلاقا أن الله قد يغير شيئا في القرآن بعد إنزاله .
ولكن قد يقول قائل : إن هذا التغيير والتبديل والتعديل من الله قد وقع فعلا ؛ ودليل ذلك قوله تعالى في سورة النحل : (وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) والآية تدل على النسخ والتغيير والتبديل والتعديل.
والإجابة على ذلك كالآتي :
 
- سياق قول الله تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) وسياق قوله (وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ) ليس واحدا ؛ فالآية الأولى تصور طلب المشركين بعدم سب آلهتهم والآية الثانية تصور تعجب هولاء الذين تحكي عنهم الآية من تغيير أوامر الله ونواهيه .
- الآية الثانية تحكي عن قوم بأعينهم فمن هم ؟ ذهب العلماء إلى أنهم هم المشركون وحكى القرطبي عن بعضهم أنهم اليهود وذكر الواحدي أنهم هم اليهود والمشركون معاً . وأنا أميل إلى هذا القول الأخير ميلاً شديدا ؛ وذلك لأن سورة النحل مكية وهذه الآية مع آيات معها في السياق تتعلق باليهود تعلقا كبيراً كما سيأتي
- آية النحل هذه فيها دليل واضح جدا على النسخ والتغيير والتبديل والتعديل ، ولكنه نسخ ماذا وتغيير ماذا وتبديل ماذا و تعديل ماذا؟
هل هو نسخ التلاوة في القرآن ؟ أم نسخ الأحكام في القرآن ؟ أم نسخ شريعة بشريعة؟
وأنا أميل ميلا شديدا إلى أنه نسخ شريعة بشريعة وتغيير شريعة بشريعة وتبديل شريعة بشريعة وتعديل شريعة بشريعة ؛ وذلك – ببساطة - لأن اليهود داخلون في هذا القول .
إذ إن المشركين واليهود لما رأوا أن القرآن يشابه التوراة والإنجيل في بعض الأمور قالوا كما حكت آيات سورة النحل: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) فأفحمهم الله بذكر بلاغة القرآن العالية فقال : (لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ)
ولكن سرعان ما اكتشف اليهود أن القرآن يخالف كتابهم في أحكامه ويحلل الأطعمة المحرمة عليهم فقالوا : كيف يختلف ذلك إذا كان الكل من عند الله؟! وبذلك أنكر اليهود النسخ ؛ فقالوا ( إنما أنت مفتر ) أي : كذاب ، وتشير الآية إلى نسخ شريعة موسى ؛ فرد الله تعالى بقوله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) ثم ذكر الله في سياق ذلك ما وقع من تحريم للطيبات عند اليهود بسبب ظلمهم فقال : (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ثم ذكر اعتداءهم في السبت فقال (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ)
وبهذا يبدو واضحا جدا أن الآية لا علاقة لها إطلاقا بتغيير آيات القرآن وتبديلها وتعديلها ، وإنما تعالج مسألة أخرى هي نسخ القرآن لشريعة موسى وتبديله لأحكامها
وإذا كان الأمر كذلك فإن الآية لا علاقة لها بموضوعنا . أما الحديث الذي هو موضوعنا فإنه عند فحص رواياته الصحيحة ومقارنتها ببعضها يتبين أنه ليس هنالك من تعديل قد وقع أصلا في آيات القرآن ، وتفصيل ذلك كالآتي :
 
صحة قصة ابن أم مكتوم في أصلها :
إن تضافر الروايات على قصة ابن أم مكتوم هذه ووردها في كافة كتب الحديث الصحيحة يؤكد وقوعها ، لكن أقوال الرواة فيها قد اختلفت اختلافا بينا مما يؤكد أن شيئا دقيقا لم يتم الضبط فيه
فقد ذهبت بعض الروايات إلى وجود ابن أم مكتوم مع النبي صلى الله عليه وسلم عند نزولها
وروايات أخر تذكر أنه جاء من الخارج
وروايات ثالثة تذكر أنه كان جالسا فقام
كما اختلف الرواة في العبارة التي قالها ابن أم مكتوم وهو يشكو اختلافا كبيرا ؛ وإن كانت تدور كلها حول معنى واحد
فقد جاء في البخاري ( أنا ضرير)
وفي البخاري أيضا (لو أستطيع الجهاد لجاهدت)
وجاء في البخاري أيضا وابن حبان : (بما تأمرني فإني رجل ضرير البصر ؟)
وفي ابن حبان ( إني أحب الجهاد في سبيل الله وبي من الزمانة ما ترى قد ذهب بصري)
وجاء في ابن حبان أيضا (ما ذنبنا؟)
وفي البيهقي (كَيْفَ بِمَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ؟)
وفي النسائي (فكيف وأنا أعمى)
وفي المعجم الكبير للطبراني ( إن بعيني ضررا)
وفي المعجم الكبير أيضا (أما لي رخصة ؟)
في المعجم الكبير أيضا (اللهم إني ضرير فرخص لي)
وفي البزار (فَاعْذُرْنَا)
وجاء في النسائي والبيهقي أن الشاكي لم يكن ابن أم مكتوم وحده بل معه عبد الله بن جحش.
وذكر مقاتل في تفسيره أن الذين شكوا كانوا ثلاثة
 
متى شكا ابن مكتوم؟
المهم في الأمر كله هو : متى شكا ابن مكتوم بالضبط ؟
هل قبل نزول أي جزء من الآية؟
أم في وسطها عند قوله تعالى "من المؤمنين " قبل أن يصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله "غير أولي الضرر"؟
أم بعد تمام الآية وهي خالية من قوله "غير أولي الضرر"؟ أم بعد نزولها تامة لا نقص فيها؟
وكل هذه الأسئلة فيها من الروايات ما يؤيد الإجابة وذلك كالآتي :
 
شكوى ابن أم مكتوم كانت قبل نزول أي جزء من الآية:
ما يدل على أن شكوى ابن أم مكتوم كانت قبل نزول أي جزء من الآية ما روى النسائي والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما : (قَالَ (لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ لَمَّا نَزَلَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ الأَسَدِىُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ أَوْ شُرَيْحُ بْنُ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ ضِبَابٍ هُوَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِنَّا أَعْمَيَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلْ لَنَا رُخْصَةٌ فَنَزَلَتْ (لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِى الضَّرَرِ)
وسورة النساء التي فيها الآية قد نزلت بعد بدر – أي بعد الشكوى - بزمان طويل
 
شكوى ابن أم مكتوم كانت بعد تمام تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للآية وهي خالية من قوله "غير أولي الضرر":
ما يدل على أن شكوى ابن أم مكتوم كانت بعد تمام الآية وهي خالية من قوله "غير أولي الضرر" - وهي الروايات التي يكمن فيها لب هذه المشكلة- ما روي مسلم وأحمد (عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ "لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَيْدًا فَجَاءَ بِكَتِفٍ يَكْتُبُهَا فَشَكَا إِلَيْهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ فَنَزَلَتْ (لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِى الضَّرَرِ))
وروى البيهقي (عن البراء ، قال : لما نزلت : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ) أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا ، فكتبها ، فجاء ابن أم مكتوم ، فشكا ضرارته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : ( غير أولي الضرر)
وإذا افترضنا أن الآية قد كتبت من بواسطة زيد دون قوله "غير أولي الضرر" فذلك لا يعني بالضرورة أنها لم تنزل ؛ إذ أن زيدا كان عندما يكتب ينسى بعض العبارات - كما هي عادة البشر – فيأمره النبي بقراءة ما كتب ، ثم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم بالعبارة التي نسيها فيلحقها زيد في موضعها ؛ وذليل ذلك ما روى الطبراني في المعجم الكبير أن زيد بن ثابت قال : كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يشتد نفسه ويعرق عرقا شديدا مثل الجمان ثم يسري عنه فأكتب وهو يملي علي فما أفرغ حتى يثقل فإذا فرغت قال : اقرأ فأقرؤه فإن كان فيه سقط أقامه
وفي البخاري والنسائي روايات للحديث - الذي هو موضوعنا - ليست فيها عبارة "غير أولي الضرر" لكن فيها أن ابن مكتوم جاء وهي تملى على زيد
ففي البخاري عن زيد (فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي)
وفي البيهقي (فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَنَا أَكْتُبَهَا)
وفي البيهقي أيضا (قَالَ فَمَا قَضَى ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ كَلاَمَهُ)
وتتفق هذه الروايات على أن الآية قد نزلت كاملة بدون قوله ( غير أولي الضرر) ثم شكا ابن أم مكتوم ، ولكن الخلاف في أن إحدى الروايتين قد ذكرت أن الآية كتبت هكذا " أي بدون تلك العبارة" ، وتذكر الرواية الأخرى أنها لم تكتب بشكلها الأول بعد عندما شكا ابن أم مكتوم
لكن الملاحظ في رواية البخاري النسائي قول زيد :(وهو يملها علي)
وقوله في البيهقي (وَأَنَا أَكْتُبَهَا)
وذلك يؤكد أن شكوى ابن أم مكتوم كانت قبل تمام تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للآية
 
شكوى ابن مكتوم كانت قبل اكتمال تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للآية" وهو الأرجح":
هنالك روايات كثيرة تؤكد بصورة صريحة أن ابن مكتوم شكا قبل اكتمال تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للآية فقد جاء في النسائي عن البراء قال : (لما أنزلت "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" جاء بن أم مكتوم وكان أعمى فقال يا رسول الله فكيف وأنا أعمى قال فما برح حتى نزلت غير أولي الضرر)
وجاء في الترمذي (عن البراء بن عازب قال : لما نزلت : "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" جاء عمرو بن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال وكان ضرير البصر فقال يا رسول الله ما تأمرني ؟ إني ضرير البصر ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية "غير أولي الضرر" الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة
وفي الدارمي وابن حبان قريبا من ذلك
وفي البخاري (عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله عنه يقول : لما نزلت "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فجاء بكتف فكتبها وشكا ابن أم مكتوم ضرارته فنزلت "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر" )
وفي مسلم عن أَُبي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ (لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) كَلَّمَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَنَزَلَتْ (غَيْرُ أُولِى الضَّرَرِ)
وفي مسند أبي عوانة ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) أتى ابن أم مكتوم النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت ( غير أولي الضرر)
ومما يؤكد أيضا أن الشكوى كانت قبل اكتمال الآية ما في النسائي (فما برح حتى نزلت)
وفي البيهقي (فما قضى ابن أم مكتوم كلامه )
وفي مسند أحمد (قال زيد فوالله ما مضى كلامه )
وفي مسند أبي عوانة أنه جاء فحسب دون أن يتكلم
وكل ذلك يؤكد أن ابن مكتوم سمع الجزء الأول من الآية فشكا فنزل باقيها وهو في مكانه وليس معنى ذلك أنها نزلت لأجل شكواه ، وعبد الله بن أم مكتوم رجل قرشي فصيح بليغ أعمى يعتمد على السمع ويعرف كيف يكون نظم الكلام البليغ المتماسك فإذا سمع قائلا يقول (ليس واحدا القاعدون.......) عرف أن تمام الكلام (وغير القاعدين) وهذا يسير على من هو مثله ومن هو أدنى منه بكثير .
ويقع من الصحابة مثل ما وقع لابن أم مكتوم من توقع المعنى ؛ بل وأكثر من ذلك ؛ إذ أتم عمر بن الخطاب جزءا من آية بلفظها قبل تمامها وذلك لجودة سبك القرآن ؛ إذ روي عنه أنه لما سمع صدر الآية (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) إلى قوله : (خَلْقًا آخَرَ) قال عمر : (فتبارك الله أحسن الخالقين) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا أنزلت
وهذه الرواية رغم أنها تذكر عن عمر وغيره إلا أنها تدل على معرفة الصحابة بانسجام القرآن وتماسكه ، وعبارة : (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) شديدة الارتباط بما ذكر قبلها من مراحل تطور الجنين ، ويسمى ذلك في البلاغة بالتوشيح ؛ وهو أن يكون أول الكلام نفسه يدل على آخره ويعلم هذا الآخر قبل ذكره ؛ فينزل المعنى عندئذ منزلة الوشاح ، ويسمى أيضاً بالمطمع.
ولهذا فإن عبد الله بن أم مكتوم قد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع قوله تعالى :
(لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
فعلم أن تمام المعنى :
"وغير القاعدين من المؤمنين"
فشكا فمضى النبي صلى الله عليه وسلم في تلاوته فقال (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) أي أنه لم يكمل الآية عندما شكا ابن أم مكتوم
ولهذا جاءت رواية البراء في مسند ابن الجعد وفيها بقية الآية قبل الشكوى بشكل غير يقيني عنده : (فقال اكتب "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" أحسبه قال "والمجاهدون" قال فقال بن أم مكتوم .......... )
ألا ترى أن الراوي قد قال : "أحسبه قال "والمجاهدون" . وموقع عبارة "والمجاهدون" في الآية بعد قوله تعالى " غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ". أي أن الراوي لا يعلم إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد وصل قوله (لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بقوله (وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ) متجاوزا قوله (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) أم لا؟ وهذا ما يجعل الباحث يعول على عدم ضبط ألفاظ الحديث في حل هذا المشكل .
ومما يقوي أن النزول لم يتأثر بشكوى ابن مكتوم أنه حين شكا همس إليه الصحابة رضوان الله عليهم بأن يكف فخاف ؛ إذ جاء في ابن حبان (فقام الأعمى فقال : رسول الله ما ذنبنا؟ فأنزل عليه فقلنا للأعمى إنه ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم فخاف أن ينزل عليه شيء من أمره فبقي قائما ويقول أعوذ بغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم )
وفي مسند أبي يعلى أن ابن مكتوم شكا لحظة النزول فنزلت الآية كاملة بما فيها عبارة (غير أولي الضرر ) ثم لما ذهب الوحي قال النبي صلى الله عليه وسلم مؤكدا للكاتب : اكتب (غير أولي الضرر ) ليجبر خاطر ابن مكتوم وقد خاف ، وهو الذي عاتبه فيه ربه من قبل
ورواية أبي يعلى هي : (قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه وكان إذا أنزل عليه دام بصره مفتوحة عيناه وفرغ سمعه وقلبه لما يأتيه من الله قال : فكنا نعرف ذلك منه فقال للكاتب : اكتب : " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله" قال : فقام الأعمى فقال : يا رسول الله ما ذنبنا ؟ فأنزل الله فقلنا للأعمى : إنه ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم فخاف أن يكون ينزل على شيء من أمره فبقي قائما يقول : أعوذ بغضب رسول الله : قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب : اكتب : (غير أولي الضرر )
ومن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه القرآن فيسمعه ويحفظه ثم يذهب الوحي فيدعو النبي صلى الله عليه وسلم من يكتبه فيكتبونه من حفظ النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ودليل حفظه أنه كان في بداية الوحي يحرك شفتيه مع الوحي ليحفظه فنهي عن ذلك ووعده الله بتحفيظه كما جاء في القرآن ، ولكن كثيرا من الروايات السابقة التي تذكر قصة ابن أم مكتوم بخلاف ذلك ؛ إذ تجعل النزول والكتابة في لحظة واحدة ، وإذا كانت هذه الآية قد نزلت كاملة ثم كتبت فإن هذا يؤكد ما ذكر سابقا من أن ابن مكتوم شكا عند نزولها قبل تمامها ثم لما نزل العذر في تمامها – أكد النبي للكاتب ذلك ؛ ليطمئن ابن مكتوم وتقر عينه ، ومعلوم أن لابن مكتوم رضي الله عنه مكانة وتقديراً كبيرًا عند النبي صلى الله عليه وسلم منذ أن عاتبه الله فيه بمكة ، وقد كانت عائشة رضي الله عنها تقطع له الأترج و تطعمه إياه بالعسل إكراما له كما روى الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان والطبراني في المعجم الأوسط
ومن العجيب أن الروايات التي تذكر الآية كاملة مع قوله "غير أولي الضرر " في المرة الأولى تذكر نزول قوله "غير أولي الضرر " في المرة الثانية كأنما تتكرر عبارة"غير أولي الضرر "
ففي رواية الحاكم وأبي داود وابن حبان عن زيد بن ثابت (فقال : اكتب فكتبت في كتف : "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله" إلى آخر الآية فقام ابن أم مكتوم........ فقال " أي النبي صلى الله عليه وسلم ": اقرأ يا زيد فقرأت "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غير أولي الضرر" الآية كلها) مما يدل على أنه قالها تأكيدا قبل أن يتم زيد قراءتها ، وجاء في بعض الروايات "اكتب" بدلا عن "فنزل" مما يدل على تأكيدها عند الكتابة . وقد يدل هذا الحديث أيضا على أن زيد عندما قرأ الآية تجاوز قوله تعالى " غير أولي الضرر" فصححه النبي صلى الله عليه وسلم فأعاد زيد كتابتها من جديد ؛ فإن كان هذا المعنى صحيحا فإنه يحل المعضلة الآتية وهي قول زيد عن الآية "فألحقتها و الذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف" هذا وإن كنت أرى أن المعنى الأول أقوى وأولى وهو : أن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى " غير أولي الضرر" كانت تأكيدا لا تصحيحاً لزيد
 
معضلة رواية الحاكم وأبي داود وأحمد والبيهقي والطبراني وسعيد بن منصور:
جاءت في المستدرك وسنن أبي داود وسنن سعيد بن منصور ومسند الإمام أحمد بن حنبل وسنن البيهقي الكبرى والمعجم الكبير للطبراني عبارة ملحقة بآخر هذا الحديث وهي شديدة الإشكال وهي ( قال زيد : أنزلها الله وحدها فألحقتها و الذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف)
وهذه العبارة الزائدة - سواء عند الحاكم أو أبي داود – هي عن سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد ،أي أن الحاكم و أبا داود قد أخذا الرواية عن سعيد بن منصور وسعيد أخذها من عبد الرحمن بن أبي الزناد
ورواية الطبراني عن يحيى الحماني ورواية أحمد عن سليمان بن داود ، ورواية البيهقي عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم ، وكلهم عن عبد الرحمن بن أبي الزناد أيضا
أي أن هذه الروايات جميعها تجتمع في رجل واحد هو عبد الرحمن بن أبي الزناد الذي قال عنه علي بن المديني (ما حدث عبد الرحمن بن أبي الزناد بالمدينة فهو صحيح وما حدث ببغداد فأفسده العراقيون لقنوه وهو ضعيف فيه) ، وقال أحمد بن حنبل (مضطرب الحديث) وقال النسائي (ضعيف) وقال يحيى والرازي (لا يحتج به) وقال عنه ابن حبان (كان ممن ينفرد بالمقلوبات عن الأثبات، وكان ذلك من سوء حفظه وكثرة خطئه، فلا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، فأما فيما وافق الثقات فهو صادق في الروايات يحتج به) وهذا الزيادة في الحديث لم يروها أحد غيره قط ؛ وإنما انفرد بها دون سواه ؛ ولهذا لا يجوز الاحتجاج بها حسب كلام ابن حبان السابق .
ومن الممكن أن يكون زيد قد ألحق عبارة " غير أولي الضرر" بعد أن نسيها وصححه صلى الله عليه وسلم ، فكتبها عند الشق الذي في كتف البعير أو الشاة الذي كتب عليه . ولكن الذي يجعلنا نعول على كلام ابن حبان في عبد الرحمن بن أبي الزناد ما قاله زيد "أنزلها الله وحدها"
وقد يعني قوله "أنزلها الله وحدها" أن الله تعالى قد أنزل هذه العبارة بعد نزول قوله (لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وانقطاع الوحي قليلا ، لكن سياق قول زيد "أنزلها الله وحدها" مع ذكره لإلحاق العبارة الأخرى عند الصدع الذي في الكتف يجعلنا نستبعد هذا المعنى الذي يقدح فيه سياق الكلام.
 
لم يتقيد ابن أم مكتوم بالعذر الذي أنزل لأجله :
ابن أم مكتوم لم يمثل في الآية شيئا غير أنه كان نموذجا من نماذج "أولي الضرر" الذين عناهم الله في الآية ومثل ذلك كثير في أسباب النزول عند الصحابة ؛ إذ يجعلون المثال -كما ذكر ابن تيمية - سبباً للنزول أي يجعلون بعض المواقف التي تتناولها الآية سببا لنزول الآية لتوضيح معناها ؛ ولا يعني ذلك أن الآية قد نزلت بسبب ذلك الموقف الذي ذكروه بصورة مباشرة ، وقوله تعالى : (لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ..........) ذو معنى عام لا يقتصر على حالة واحدة ؛ وهو كقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) ، وابن أم مكتوم كان من الصحابة العظام فرغم أنه كان أعمى قد عُذر إلا أنه لم يقف عند العذر بل كان يخرج في الغزوات قال أنس بن مالك كما روى أحمد وأبو يعلى : (ولقد رأيته يوم القادسية معه راية سوداء ) وقيل أنه استشهد بهذه المعركة كما ذكر ابن حجر في الإصابة وليس ذلك فحسب بل شهد ابن مكتوم رضي الله عنه مواطن كثيرة وكان يحمل فيها لواء المسلمين
 
ما يستفاد من الحديث :
لا يصلح هذا الحديث كدليل لدعوى "التاريخانية " عند أهل القراءات المعاصرة ؛ فما يستفاد من الحديث ليس تعديل القرآن لأجل أحد ؛ إذ إن هذا ما لا يمكن أن يحدث أبدا ، ولكن ما يستفاد من الحديث هو تثبيت أن أولي الضرر هم أمثال ابن مكتوم الأعمى ونحوه وبيان مناقب هذا الصحابي الجليل وحرصه على تطبيق أمر الله والتمسك بمنهجه وبيان جبر النبي صلى الله عليه وسلم لخواطر أصحابه رضي الله عنهم أجمعين .
 
المراجع والمصادر :-
1-البخاري: محمد بن إسماعيل:صحيح البخاري "الجامع الصحيح المختصر" ، تحقيق مصطفى ديب البغا ط/ ط/3 دار ابن كثير ، بيروت، سنة 1407هـ - 1987م.
2- البوصيري: أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل: إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ، ط/1 دار الوطن ، الرياض1420 هـ
3- البيهقي : أحمد بن الحسين :
(أ) سنن البيهقي الكبرى ، تحقيق محمد عبد القادر عطا ، ط/ مكتبة دار الباز ، مكة المكرمة ،سنة 1414 هـ - 1994م.
(ب) شعب الإيمان ، تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول ، ط/1 دار الكتب العلمية ، بيروت، سنة 1410هـ.
4- الترمذي: محمد بن عيسى : الجامع الصحيح "سنن الترمذي" ، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون ، ط/ دار إحياء التراث العربي ، بيروت، (د.ت).
5- ابن الجعد : علي بن الجعد : مسند ابن الجعد، تحقيق عامر أحمد حيدر ، ط/ مؤسسة نادر ، بيروت 1410 – 1990م
6- الجوزجاني: إبراهيم بن يعقوب: أحوال الرجال، تحقيق صبحي البدري السامرائي، ط/ مؤسسة الرسالة ،بيروت ، سنة 1405هـ .
-7الحاكم النيسابوري : المستدرك على الصحيحين ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، ط/ دار الكتب العلمية ، بيروت، سنة 1990م .
8- ابن حبان : محمد بن حبان بن أحمد:
(أ) ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ، تحقيق شعيب الأرنؤوط ، ط/ 2 مؤسسة الرسالة ، بيروت، سنة 1414 – 1993م.
(ب) المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ، تحقيق محمود ابراهيم زايد (د.ت).
9- ابن حنبل: مسند الإمام أحمد بن حنبل ، تحقيق شعيب الأرنؤوط ، ط/ مؤسسة قرطبة ، القاهرة، (د.ت).
10- ابن خزيمة: محمد بن إسحاق : صحيح ابن خزيمة ، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي ، ط/ المكتب الإسلامي ، بيروت ،سنة 1390 هـ - 1970م .
11- الدارقطني : علي بن عمر : سنن الدارقطني ، تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني ، ط/ دار المعرفة - بيروت ، 1386هـ - 1966م.
12- أبو داود : سليمان بن الأشعث السجستاني: سنن أبي داود ، ط/ دار الكتاب العربي (د.ت)
13- الزركشي :بدر الدين محمد بن عبد الله : البرهان في علوم القرآن ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ،ط/1 دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي ، عام 1957م .
14- الزمخشري : محمود بن عمر : الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، تحقيق : عبد الرزاق المهدي ، ط/ دار إحياء التراث العربي ، بيروت، (د.ت).
15- سعيد بن منصور بن شعبة:سنن سعيد بن منصور ، تحقيق سعد بن عبد الله ، ط/1دار العصيمي الرياض 1414هـ
16- الطبراني: سليمان بن أحمد :
(أ) مسند الشاميين ، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي ، ط/1 مؤسسة الرسالة ، بيروت، سنة 1405هـ - 1984م.
(ب) المعجم الأوسط ، تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد ,‏عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني ، ط/ دار الحرمين ، القاهرة ، 1415هـ.
(ب) المعجم الكبير ، تحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي ، ط/2 مكتبة العلوم والحكم ، الموصل ، سنة 1404هـ - 1983م.
17- الطبري : محمد بن جرير بن: جامع البيان في تأويل القرآن ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، ط/ 1مؤسسة الرسالة ، عام 2000م .
18- الطيالسي: سليمان بن داود: مسند أبي داود الطيالسي، ط/ دار المعرفة ، بيروت
19- ابن عاشور: محمد الطاهر: التحرير والتنوير ، ط/ دار سحنون للنشر والتوزيع ، تونس ، سنة 1997 م.
20- ابن حجر العسقلاني: أحمد بن علي : الإصابة في تمييز الصحابة ، تحقيق علي محمد البجاوي، ط/1دار الجيل، بيروت، سنة 1412م.
21- القرطبي : محمد بن أحمد بن أبي بكر : الجامع لأحكام القرآن ، تحقيق هشام سمير البخاري ، ط/ دار عالم الكتب ، الرياض ، سنة 1423 هـ/ 2003 م.
22- ابن كثير : إسماعيل بن عمر : تفسير القرآن العظيم ، تحقيق سامي بن محمد سلامة ، ط/2 دار طيبة للنشر والتوزيع سنة 1420هـ - 1999 م.
23- مسلم بن الحجاج القشيري : صحيح مسلم "الجامع الصحيح" ، ط/ دار الجيل (د.ت).
24- مقاتل بن سليمان : تفسير مقاتل ، ط/ دار الكتب العلمية ، بيروت ، سنة 1424 هـ - 2003 م.
25- النسائي : أحمد بن على بن شعيب :
(ا) سنن النسائي الكبرى ، تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن، ط/1دار الكتب العلمية ، بيروت، سنة 1411هـ - 1991م.
(ب) الضعفاء والمتروكين ، تحقيق محمود ابراهيم زايد ، ط/ دار المعرفة ، بيروت ، سنة 1986م .
26-الواحدي النيسابوري : علي بن أحمد : أسباب النزول ، ط / مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع ، سنة 1968 م .
27- أبو يعلى: أحمد بن علي بن المثنى : مسند أبي يعلى ، تحقيق حسين سليم أسد ، ط/1 دار المأمون للتراث ، دمشق ، سنة 1404هـ - 1984م.
 
وقد كان قولي من قبل في هذا الحديث هو : أن التعديل لم يقع من محمد صلى الله عليه وسلم وإنما من الله الذي يبدل آية مكان آية حسب ما يشاء ومتى ما شاء ، ومحمد صلى الله عليه وسلم لا يملك هذا الحق أبدا ؛ قال تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ويفهم من قوله (مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي) أن الله تعالى يبدل منه ما شاء بما شاء. فالذي له الحق في التبديل هو الله وحده لا غيره ، ولو فعل محمد ذلك – وحاشاه- لانتقم الله منه ؛ قال تعالى : (ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) وهذا القول رغم وجاهته الظاهرية إلا أنه فطير جدا . وإذا كان هذا الحديث الصحيح قد ضبطه رواته - وهم ثقات - كل الضبط كما وقع تماما فإنه لا يبقى إلا قولي هذا الذي كنت أقول به من قبل ؛ رغم أني أشك في وجاهته شكا عظيما.
وإذا كان ابن مكتوم قد شكا قبل نزول الآية فلا إشكال
وإذا كان قد شكا بعد نزول الآية كاملة فلا إشكال أيضا
وإذا كان قد شكا أثناء نزول الآية قبل أن يتم إنزالها كاملة فلا إشكال أيضا
وإذا كان قد شكا أثناء إملاء النبي صلى الله عليه وسلم إياها لزيد بعد نزولها كاملة فلا إشكال أيضا
أما إذا كان ابن مكتوم قد شكا بعد نزولها بشكل معين ثم تعدلت لأجل شكواه كما يفيده ظاهر الحديث السابق فالإشكال قائم

أين الإشكال هنا يا دكتور جمال؟
 
حياك الله أخي الغامدي محب القرآن حجازي الهوى وشكر لك تعليقاتك القيمة دوما وجعلنا جميعا محبين للقرآن حجازيي الهوى .

إذا قلت إن ابن مكتوم قد شكا بعد نزول الآية بشكل معين ثم تعدلت لأجل شكواه فلك الحق في ذلك ، ولك من الأدلة ما يؤيد دعواك كالحديث نفسه (موضع النزاع ) والآية التي ذكرت كما يمكن أن يؤيد دعواك القول بنسخ التلاوة وأدلته ؛ إذ أنه أيضا شكل من أشكال التعديل.
- وإذا قلت إن ابن مكتوم قد شكا قبل نزول الآية فلك من الأدلة ما يؤيد دعواك أيضا
- وإذا قلت إنه قد شكا بعد نزول الآية كاملة فلك من الأدلة ما يؤيد دعواك أيضا
- وإذا قلت إنه قد شكا أثناء نزول الآية قبل أن يتم إنزالها كاملة فلك من الأدلة ما يؤيد دعواك أيضا
- وإذا قلت إنه قد شكا أثناء إملاء النبي صلى الله عليه وسلم إياها لزيد بعد نزولها كاملة فلك من الأدلة ما يؤيد دعواك أيضا
فهذه خمسة أشكال لهذه الحادثة وكل واحدة منهن لها أدلتها ، ولا شك أن الحادثة قد وقعت بشكل معين واحد ولم تكرر فلا يمكن إطلاقا نقبل فيها شكلين أو ثلاث ؛ وإنما هي وقعت بشكل واحد ؛ ولهذا لا يمكن يقول قائل بغير شكل واحد فحسب ، وإذا صح أي شكل من هذه الأشكال سقطت معه الأشكال الأخرى بداهة
ولهذا يمكن أن نقول: إن هذه الروايات في ذلك متعارضة .
ومعلوم أن الأحاديث إذا تعارضت - عند علماء الحديث - فإنه ينبغي الجمع إن أمكن أو اعتبار الناسخ والمنسوخ وإلا فالترجيح أولى .
وقد بَيَّنَ ابن القَيِّم أنَّ الأحاديث التي يقع فيها التعارض لا تخرج عن أحد ثلاث حالات هي :
- فإما أن يكون أحد الحديثين ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم، وقد غلط فيه بعض الرواة مع كونه ثقة ثبتاً، والثقة يغلط.
- أو يكون أحد الحديثين ناسخاً للآخر إذا كان مما يقبل النسخ.
- أو يكون التعارض في فهم السامع، لا في نفس كلامه صلى الله عليه وسلم.
فلابد من وجه من هذه الوجوه الثلاثة.
وحديث البخاري السابق معارض (لسرده الواقعة بشكل معين) بالروايات الأخرى ومنها روايات للبخاري نفسه ولهذا لزم الجمع والتوفيق بين هذه الروايات وإلا فالترجيح أولى . ولا مدخل للنسخ فيما نحن بصدده كما هو واضح ، وهنالك احتمال آخر وهو أنني لم أفهم الحديث ولا أظن هذا صحيحا لأن الحديث واضح كل الوضوح .



أما قولك : أين الإشكال ؟ فهو يعني أنك ارتضيت الشكل الأول ولك الحق ولك الأدلة التي تسند دعواك ، وقد يؤيدك الكثيرون ، وهو قولي الذي كنت أقول به زمنا ، لكنه لا يلزمني الآن بعد أن وجدت أدلة أعمق وأحسن تخرجني من مسألة "التعديل" هذه ، وإذا كان نسخ التلاوة قد أخذ الشكل نفسه فإن نسخ التلاوة ليس مسلّما به عندي وإنما هو مجرد نظرية أخذت أدلتها الشكل التالي :
- أحاديث صحيحة فهمت بشكل معين (ونماذج هذا الشكل قليلة جدا)
- روايات واهية ضعيفة لا ثبوت لها عند أهل العلم
- روايات تسربت من قبل الروافض الذين يقولون بنسخ القرآن الذي بأيدي المسلمين كله .
أما آية سورة النحل فقد تبين لي أنها لا علاقة لها بالتعديل والتغييير "الذي نقصده" ولا علاقة لها بنسخ التلاوة أيضا ، وإنما تدل – حسب أقوال العلماء - على أمرين :
- تبديل أحكام القرآن لأحكام التوراة والإنجيل كما يفيد السياق وأنا أميل إلى هذا الرأي
- تبديل آيات القرآن ببعضها وهنا اختلفت الأقوال فقيل هو نسخ التلاوة وهذا قول ضعيف جدا وقيل هو نسخ الأحكام فحسب وهذا القول أكثر قوة من القول الأول ؛ ولهذا ذهب ابن عاشور إلى أن المراد بالآية هنا حكم ؛ لأن المقصود بيان حكمة إبطال الأحكام لا إزالة ألفاظ القرآن . أما أحسن الأقوال - في القول بتبديل آيات القرآن ببعضها – فهو تبديل مقامات الآيات ؛ وذلك لأن قريشا تعمدت الاختلاق والتّمويه لما رأت اختلاف المقتضى والمقام والمغايرة باللين والشدّة واختلاف الأغراض والأحوال التي يتعلّق بها - اتخذوا ذلك مغامز يتشدّقون بها ؛ فقد روي عن ابن عباس أنه قال : ( كان إذا نزلت آية فيها شدّة ثم نزلت آية ألين منها يقول كفار قريش : والله ما محمد إلا يسخر بأصحابه ، اليوم يأمر بأمرٍ وغداً ينهى عنه ، وأنه لا يقول هذه الأشياء إلا من عند نفسه . ولهذا قال ابن عاشور (هذه الكلمة أحسن ما قالهُ المفسّرون في حاصل معنى هذه الآية . فالمراد من التبديل في قوله تعالى " بدلنا" مطلقُ التغاير بين الأغراض والمقامات ، أو التغاير في المعاني واختلافها باختلاف المقاصد والمقامات)
ولسنا هنا بصدد مناقشة أمر نسخ التلاوة . وإنما أردنا أن ننفي أن الآية قد دلت على تعديل القرآن.
أما ما يتعلق بالحديث الذي هو موضوعنا : فإذا كان لديّ مخرج - لا بالعقل المجرد - بل بالروايات الصحيحة فلماذا أقول بالتعديل والتغيير مع إنه بإمكاني أن لا أقول بذلك أصلا ؟
وفي قصة ابن مكتوم السابقة لديّ أربعة مخارج أخرى لي أن اختار منها ما شئت حسب الأدلة فلماذا ألزم نفسي بالرواية التي هي محل الإشكال مع أن الروايات الأخرى ليست بمشكلة إطلاقا. ووجه الإشكال عندي في التعديل.
والآن أمامك أخي الروايات فاجمع بينها ووفق وإلا فرجح .
 
عودة
أعلى