لاشك أن السرقات العلمية قبيحة جداً، وبخاصة في الدراسات الشرعية. وقد ذكر ابن حجر أنَّ قوله صل1: (((من ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار ))) يعمُّ ما عُرف في عصرنا بالسرقة العلمية. وفي ذلك يقول :(يؤخذ من رواية مسلم تحريمُ الدعوى بشئٍ ليس هو للمدعي، فيدخل فيه الدعاوى الباطلة كلها مالاً وعلماً وتعلماً ونسباً وحالاً وصلاحاً ونعمة وولاء وغير ذلك) . انتهى كلامه رحمه الله . فعلى الباحثين أن يحذروا هذا الوعيد الشديد ويراعوا قواعد البحث العلمي في العزو والتوثيق، ولاشك أن الالتزام بهذا المنهج دليلٌ على أمانة الباحث وديانتهِ، وهو يعود على الباحث قبل غيره فيُبارَكُ في علمه ويحظى بثقة القراء والباحثين والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
أحسنت - وفقك الله ورعاك يا دكتور عيسى - بإبراز هذا الدليل، فإن بعض الباحثين يتأولون في هذا الباب تأويلات بعيدة، ويسرقون أفكار الآخرين بتمحلات غريبة، ولا تزال هذه المشكلة بحاجة إلى الكثير من التنبيه والتوعية للباحثين الذين يقدمون على هذا وهم مطمئنون بجواز عملهم .
أتعجب : كيف يسعد السارق ويبتهج بكلمات الثناء وعبارات المديح وهو يعلم أن كل ذلك منصب على الكاتب الأصلي وليس له (أي السارق) منه نصيب!!
وطبعا يعتريه من خوف الفضيحة ما يعتري أصدقاءه لصوص المنازل والخزائن ، أليس عنده وازع من عقل إن لم يكن عنده زاجر من دين؟؟ إنه عجز عن الإبداع ، وأقفر عقله من الفهم ، فسولت له نفسه سرقة جهد أخيه.
ودور القضاء تعج بقضايا الانتحال والتعدي على ثمرة فكر الآخرين ، وترى قرارًا بنقل الدكتورة فلانة إلى وظيفة أمين مكتبة لضلوعها في سرقات علمية!!
وأحد أساتذتي تعرض لسرقة رسالته قبل أن يناقشها ، فأقام دعوي قضائية على السارق ، ولكن الأمر احتاج إلى سنوات طويلة حتى صدر الحكم ضد السارق ،
وللوهلة الأولى قد يظن البعض أن هذا التأخر في إجراءات التقاضي لعقاب الجاني كان شرًا ، ولكنه كان الخير كل الخير ، فكتب الباحث (الذي هو أستاذي) رسالة غيرها ، وتدرج في مناصب الجامعة ، أما السارق فقد تدرج معه وعلا شأنه قبل أن يسقط من علٍ!! ويخرج بفضيحة في نفسه وأهله وحساده ، فسبحان من يعز من أطاعه ويذل من عصاه ولو آتاه وآتاه.
وللأسف فإننا نرى مثل هذه السرقات منتشرة في تحقيقات الكتب العلمية
فيقدم بعض المحققين على سرقة تحقيقات بعض من غير استحياء ولا خوف من الله
فليت هؤلاء اللصوص يرتدعون وينتبهون أن الله مطلع على أعمالهم ومحاسبهم عليها .
نسأل الله الهداية لنا ولهم
جزاكم الله خيرا يا د. عيسى على هذا الفائدة الجليلة، وفوائدكم لا حصر لها، وكم والله أستفيد _ أنا وغيري _ من علمكم وأدبكم الجم، أسأل الله أن ينفع بعلمكم .
لا شك أن السرقات العلمية وَصْمة عارٍ لدى أي باحث، ولا تنمُّ عن صِدْق نيَّة بل فساد طويَّة _ أعاذنا الله منها _، والصادقون من باحثين وكتَّاب يتلظَّون بنارهاً بسبب مَنْ ضعفت لديه التقوى وقلَّ ورعه، فسَرَق جهْدَ غيره. فنجد أن باحثاً جاداً بذل جهداً كبيراً في تحقيق مخطوط أو طرح فكرة قوية أو وضع خطة بحث وتعب عليها،فيأتي رقيق الديانة فيسرق جهده وينسبه لنفسه، فيتشبع بما لم يعط.
ولدي استفسار لفضيلتكم :
ما الفارق بين السرقات العلمية بوصفها الأكاديمي الحالي وبين استفادة بعض الكتاب من غيرهم دون العزو لهم، ومع اعتبار نهج الأئمة العلماء من متقدمين ومتأخرين ؟ فإن بعض أهل العلم ممن لا يُشك في صِدْقهم _ فيما نحسبهم والله حسيبهم _ قد نَقَل مِن غيره دون إشارة مِن اللاحق بعمل السابق، ودون كبير حاجة. وللتوضيح أقول:
لدينا في العصر الحاضر بعض القواعد الأكاديمية في البحث العلمي _ كالعزو في كل كلمة لقائلها _ فلو طُبقتْ بحذافيرها على بعض العلماء المتقدمين ألا تتجه التهمة لهم ؟ مع اعترافي بأهمية القواعد البحثية الحالية وحفظها للكثير من الحقوق .
ألا ترون شيخنا أن مفهوم السرقة العلمية بحاجة لتحديد وتوضيح ؟ مع تبيين معايير تطبيقات هذا المفهوم ؟ أم أن مفهوم السرقة العلمية يختلف بعدة اعتبارات فما كان معتاداً عليه في السابق قد يُذم الآن ؟
أشكر فضيلة الشيخ حاتم القرشي على حسن ظنه بأخيه وعلى متابعته الدائبه لما يطرح من موضوعات وبخصوص ماذكره فضيلته فلدي حوله الكلمات الآتية :-
1- السرقة العلمية تعني ادعاء جهد الآخرين إما كله أوجله أوبعضه ، وهي مذمومة فيما أعلم عند العلماء المتقدمين والمتأخرين وهذا أصل شرعي كلي .
2- من القواعد الشرعية المقررة أن العادة محكمة وأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا وحينئذ فالالتزام بقواعد البحث العلمي الحديث مطلب شرعي كما هو مطلب أكاديمي .
3- هناك فرق كبير ومؤلم بين مقصد المتقدمين في التأليف وبين مقصدنا نحن ، فالباعث الغالب علينا إلا مارحم ربك كتابة مانكتبه ابتغاء عرض من الدنيا والباعث الغالب على الأولين كتابة مايكتبونه ابتغاء وجه الله والدار الآخرة والرغبة الصادقة في نشر العلم ، ولهذا يترخص بعضهم في النقل عن الآخرين دون عزو ؛ إذ مقصود الجميع نشر العلم وتبليغ دين الله . وهذا لاشك خلاف الأولى الذي يقر به حتى هؤلاء العلماء وقد رأيت واحدا من أفضلهم يؤكد على أن من بركة العلم عزوه لأهله ثم رأيته في مواضع كثيرة ينقل عن غيره الصفحات تلو الصفحات دون عزو !! فهذا الضرب من العلماء يعتذر له لحسن قصده ولايحتج بفعله ! وقد تكون حجة بعضهم أنه اشار إلى مراجعه في المقدمة وحينئذ يكون في حل من التوثيق الجزئي كما فعل البغدادي في خزانة الأدب ! وقد يكون اهمال العزو ليروج الكتاب كما فعل ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية ، فلو عزا لابن تيمية وابن القيم لما راج الكتاب في تلك الظروف !
4- من القواعد المقررة عند العلماء أن القواعد الكلية لاتقدح فيها قضايا الأعيان لأن لكل قضية ماقد يبررها أويفسرها فإذا وجدنا من له لسان صدق في الأمة ينقل دون عزو فقد يكون لتأويل يخصه قد يكون فيه مصيبا له أجران وقد يكون مخطئا له أجر واحد ! وعلى كلا التقديرين يبقى الأصل كليا مطردا فسرقة الأفكار مذمومة وانتحال الكتب أشد ذما !!
5- الغالب على العلماء الراسخين الذين يسر الله لهم ظروف التوثيق أنهم يلتزمون بالتوثيق الجزئي كما فعل ابن حجر في فتح الباري فلا أذكر أنه أهمل عزو قول أوفكرة لأحد إما قال فلان أوقال بعضهم ولعل هذا من أسباب وضع القبول لكتابه .
6- تكاد تكون أعمالنا العلمية إلا مارحم ربك وسيلة لنيل عرض من الدنيا وحينئذ يتأكد الالتزام بالأعراف الجامعية ، لأن نيل مارتب عليها مشروط بموافقتها لقواعد البحث العلمي في التوثيق والجدة والابتكار . والمعروف عرفا كالمشروط شرطا (((ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود))) (((ومن نكث فإنما ينكث على نفسه))) لأنه إنما يأكل بما سرق من غيره سحتا وكل جسم نبت من سحت فالنار أولى به هذا فضلا عن تأثير الحرام في تعسير الأمور وتعطيل سلاح المؤمن الفعال وهو الدعاء !
فالباعث الغالب علينا إلا مارحم ربك كتابة مانكتبه ابتغاء عرض من الدنيا والباعث الغالب على الأولين كتابة مايكتبونه ابتغاء وجه الله والدار الآخرة والرغبة الصادقة في نشر العلم
ما أروع هذا الكلام وأصدقه ! جزاك الله خيراً شيخنا الفاضل .
وإن المتأمل في الرسائل الجامعية والأبحاث في الأوساط الأكاديمية وما سواها يجد أن الباعث الأول عليها في الغالب هو الحصول على أمر دنيوي فمن خرج منها كفافاً فهو سعيد، ومن حسنت نيته وتعاهدها فهو خير على خير. والله المستعان .
وبخصوص النقاط التي دونتَها تعليقاً على استفساراتي فأسأل الله أن يجعلها في موازين حسناتك شيخنا الكريم، وإنها بحق لمن الكلام المحرر النفيس، فلقد كفيت ووفيت .
لا حرمنا الله من فوائدك وتوجيهاتك المؤثرة .