محمد بن مزهر
New member
- إنضم
- 31/05/2006
- المشاركات
- 107
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
ماكنتُ أظنُّ أنَّ الدنيا لم تزلْ تحتفظ بمثل هؤلاء القوم الذين عزَّ وجودهم وأصبحوا أخبارا كما قال الذهبي في تذكرة الحفاظ : " فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب" .
عرفته أول قدومي إلى الرياض عام 1425هـ وكان جارا لنا في حي الروضة , كنت أراه أول الداخلين إلى المسجد تزينه هيبة وسكينة ليست من التكلف في شيء فرأيت من أمره عجبا ,ولما سألت قيل لي هذا الشيخ : عبدالله بن عثمان البشر
من أحفاد ابن بشر صاحب التاريخ "عنوان المجد في تاريخ نجد" , كان قاضيا بمحكمة التمييز ثم مستشارا بالديوان الملكي حتى ضعف وطلب الإعفاء .
تعرفت على الشيخ فرحب بي وغمرني بخلقه وتواضعه , واستأذنته في القراءة عليه فوافق وقال لي :"والله ياولدي أنا ودي أنفع نفسي وأنفعكم ولكن البضاعة قليلة ولكني لا أرد أحدا حسن ظنه بي" فكانت هذه بداية الرابطة التي كانت بيني وبينه حفظه الله, وفي هذا الحديث لن أترجم للشيخ أو أفصل في سيرته وإنما هي بعض النتف التي بقيت آثارها في نفسي إلى اليوم , فمن ذلك :
* حاله مع الصلاة : فهو يأتي إلى المسجد قبل الصلاة بثلث ساعة على الأقل وله مكانه المعروف خلف الإمام الذي لم أر أحدا سبقه إليه ,وقد حدثت مؤذن المسجد بهذا مستغربا فقال لي : هذا حاله منذ عرفته فلي الآن ثلاث سنوات مؤذنا وقد كان والدي مؤذنا قبلي قرابة ثلاث عشرة سنة ولم ندخل المسجد مرة قبل الشيخ , بل نعلم يقينا أننا إن دخلنا ولم نره أنه مسافر أو مريض لايستطيع الحضور إلى المسجد .
*حاله مع القرآن : لاتكاد ترى الشيخ في المسجد إلا وهو يقرأ من حفظه ولا يكلم أحدا في المسجد إلا لحاجة وله حفظ عجيب جعله يختم كل أسبوع من حفظه وأحيانا يختم كل ثلاث ,وأحيانا يلتفت إلي بعد الصلاة ويقول :الآيات التي قرأها الإمام عظيمة لو صادفت منا قلوبا حية ثم يحدثني عن بعض مافيها من عجائب وفوائد ,وهذه الأحاديث السريعة التي كان يحدثني بها عادة بعد الصلاة ألذ عندي من بعض الدروس المعدة لما فيها من التبسط والفائدة الحاضرة.
*أخلاق الشيخ وبعض صفاته:رأيت فيه حفظه الله زهدا في الدنيا وفيما يتنافسه فيه أهلها من جاه أو مال أو سمعة حتى لقد سمعت غير واحد من جماعة المسجد يقولون : هذا الرجل في وادٍ والناس في وادٍ آخر ,وذلك لما يرونه من تعبده وزهده وحرصه على خاصة شأنه ,ومن أبرز ما رأيت فيه حفظه الله انعدام الفضول في النظر والكلام ولقد تابعته أكثر من مرة في خروجه من المسجد حتى وصوله إلى بيته –وهو قريب من المسجد- فلم أره ينظر يمنة أو يسرة إلى عند عبوره الطريق وكذلك في حديثه في مع الناس أو في درسه , ومما هو معروف عند كل من عرفه حفظه الله شدة تواضعه وقربه من الناس صغيرهم وكبيرهم وتتبعه لأحوال جيرانه فلا يفقد أحدا من الجماعة إلا سأل عنه ,وكثير من الأخبار في الحي من عيادة مريض أو مجلس عزاء لا أعرفها إلا منه حتى أحبه الناس لما يرونه من اهتمامه بأمورهم ووقوفه معهم في مصائبهم.
*بعض من أحواله العلمية : الشيخ ممن إذا رأيته حسبته ممن يخشى الله –ولانزكي على الله أحدا- وهذه حقيقة العلم كما روي عن ابن مسعود وغيره أنه قال :"إنما العلم الخشية" وهو مع ذلك فقيه متميز ويحب هذا العلم كما أخبرني بذلك ,وله مشاركة في كثير من علوم الشريعة والعربية ,فقد درس على جلة من العلماء في القصيم والرياض كالشيخ عبدالله بن حميد والشيخ صالح الخريصي والشيخ محمد بن إبراهيم وغيرهم ,وما أعلم أن أحدا جاء إلى الشيخ يطلب القراءة عليه فرده فترى عنده أساتذة الجامعات وطلاب الثانوية سواء ,وبعضهم يحضر مرتين أو ثلاثا ثم ينقطع فيجعل الشيخ في وقته غيره ثم يعود فيجد غيره يقرأ في وقته ,ومع ذلك لايزجره الشيخ أو يرفض تدريسه وإنما يحاول أن يجعل له وقتا آخر حتى إنه وقع في حرج كبير في بعض المواقف وأنا موجود فاستأذنته في أن أضع له جدولا يرتب فيه أوقات دروسه ويعرف الوقت الذي ليس فيه درس لأحد من الطلاب إذا جاءه من يريد القراءة عليه فشكرني وحلت المشكلة بعض الشيء.
ودرس الشيخ -في أي فن – تعليقات يحل بها المتن ويوضحه بطريقة سهلة دون إطالة ,ومن متع درسه وفقه الله أنه لايكاد يخلو درس من مواقف علمية يحكيها لنا عن نفسه أو عن بعض شيوخه وفيها فوائد وطرائف حرصت على تقييدها فاجتمع عندي منها قدر لابأس به أرجع إليها باستمرار فأجد فيها متعة , ومما يميز الشيخ حفظه , أنه أوتي حسن التعليم بربط كل درس بما قبله وبإسئلته التي يستثير بها أذهان الطلاب ثم لايجيبهم عنها إلا في درس آخر ليبحث المجد عنها ,وهو حريص على طلابه يسأل عن أخبارهم ودراستهم وما أذكر أني سافرت ورجعت إلا ويجلس معي بعد الصلاة يسألني عن والديَّ وأهلي وجماعتي وأخبار المنطقة ويسأل عن دراستي ثم يمضي,ومن تواضعه الشديد أنه ربما يسأل عن مسألة فيقول :الله أعلم ثم يقول :هل تعرف فيها شيئا يا أبا أحمد ؟فينتابي ذهول من قتله لكل معنى يحمل الترفع أو الكبر في نفسه ليسأل بعض من لايدري شماله من يمينه في العلم من أمثالي ,ومن ذلك أنني ربما سألته عن مسألة فيفكر فيها ثم يقول :ياولدي هذه تحتاج إلى بحث ,ثم يأتيني في اليوم التالي بملخص القول فيها مكتوبا بخط يده ,وقد فعل هذا أكثر من مرة ومازلت أحتفظ بالأوراق التي يعطيني إياها مكتوبة ,وقد سألته عن مسألة في الزاد فذكر لي فيها تفصيلا فسألته عن رأيه فقال :مثلي ليس له رأي ,وأخباره في هذا الشأن كثيرة مليئة بالعبر والدروس ولكن المقام لايحتمل أن يقال هنا كل شيء.
كان الشيخ أنسا لنا في المسجد واجتماع الحي ومناسباتنا ولكن الحال كما قال الأول :
لايلبث القرناء أن يتفرقوا
ليل يكر عليهمُ ونهارُ
فقد أصيب الشيخ بمرض أدخل لأجله المستشفى أكثر من مرة ,وغاب عن مسجدنا الآن قرابة السنة فلم يعد يصلي معنا لمرضه ,وكنا نزوره في بيته إذا استقرت حالته فيفرح بزيارتنا ويسأل عنا ويقول :اشتقت والله للقائكم وللصلاة في المسجد معكم وكلما سمعتك يا أبا صالح-هو إمام المسجد- تصلي بالناس أقول :يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما , ثم انقطت الزيارة عن الشيخ لسوء حالته الصحية فلم يعد لنا إلا التذكر والدعاء له بحسن الخاتمة وأن يجزيه عنا خيرا .
هذه بعض الخواطر التي حثني على كتابتها حسن ظن الشيخ فهد بي للكتابة في حديث الجمعة فأسأل الله أن يكتب أجره وينفعنا به في هذا الملتقى المبارك.
محمد بن أحمد آل مزهر الشهري
تنومة الزهراء
11-7-1433 هـ
عرفته أول قدومي إلى الرياض عام 1425هـ وكان جارا لنا في حي الروضة , كنت أراه أول الداخلين إلى المسجد تزينه هيبة وسكينة ليست من التكلف في شيء فرأيت من أمره عجبا ,ولما سألت قيل لي هذا الشيخ : عبدالله بن عثمان البشر
من أحفاد ابن بشر صاحب التاريخ "عنوان المجد في تاريخ نجد" , كان قاضيا بمحكمة التمييز ثم مستشارا بالديوان الملكي حتى ضعف وطلب الإعفاء .
تعرفت على الشيخ فرحب بي وغمرني بخلقه وتواضعه , واستأذنته في القراءة عليه فوافق وقال لي :"والله ياولدي أنا ودي أنفع نفسي وأنفعكم ولكن البضاعة قليلة ولكني لا أرد أحدا حسن ظنه بي" فكانت هذه بداية الرابطة التي كانت بيني وبينه حفظه الله, وفي هذا الحديث لن أترجم للشيخ أو أفصل في سيرته وإنما هي بعض النتف التي بقيت آثارها في نفسي إلى اليوم , فمن ذلك :
* حاله مع الصلاة : فهو يأتي إلى المسجد قبل الصلاة بثلث ساعة على الأقل وله مكانه المعروف خلف الإمام الذي لم أر أحدا سبقه إليه ,وقد حدثت مؤذن المسجد بهذا مستغربا فقال لي : هذا حاله منذ عرفته فلي الآن ثلاث سنوات مؤذنا وقد كان والدي مؤذنا قبلي قرابة ثلاث عشرة سنة ولم ندخل المسجد مرة قبل الشيخ , بل نعلم يقينا أننا إن دخلنا ولم نره أنه مسافر أو مريض لايستطيع الحضور إلى المسجد .
*حاله مع القرآن : لاتكاد ترى الشيخ في المسجد إلا وهو يقرأ من حفظه ولا يكلم أحدا في المسجد إلا لحاجة وله حفظ عجيب جعله يختم كل أسبوع من حفظه وأحيانا يختم كل ثلاث ,وأحيانا يلتفت إلي بعد الصلاة ويقول :الآيات التي قرأها الإمام عظيمة لو صادفت منا قلوبا حية ثم يحدثني عن بعض مافيها من عجائب وفوائد ,وهذه الأحاديث السريعة التي كان يحدثني بها عادة بعد الصلاة ألذ عندي من بعض الدروس المعدة لما فيها من التبسط والفائدة الحاضرة.
*أخلاق الشيخ وبعض صفاته:رأيت فيه حفظه الله زهدا في الدنيا وفيما يتنافسه فيه أهلها من جاه أو مال أو سمعة حتى لقد سمعت غير واحد من جماعة المسجد يقولون : هذا الرجل في وادٍ والناس في وادٍ آخر ,وذلك لما يرونه من تعبده وزهده وحرصه على خاصة شأنه ,ومن أبرز ما رأيت فيه حفظه الله انعدام الفضول في النظر والكلام ولقد تابعته أكثر من مرة في خروجه من المسجد حتى وصوله إلى بيته –وهو قريب من المسجد- فلم أره ينظر يمنة أو يسرة إلى عند عبوره الطريق وكذلك في حديثه في مع الناس أو في درسه , ومما هو معروف عند كل من عرفه حفظه الله شدة تواضعه وقربه من الناس صغيرهم وكبيرهم وتتبعه لأحوال جيرانه فلا يفقد أحدا من الجماعة إلا سأل عنه ,وكثير من الأخبار في الحي من عيادة مريض أو مجلس عزاء لا أعرفها إلا منه حتى أحبه الناس لما يرونه من اهتمامه بأمورهم ووقوفه معهم في مصائبهم.
*بعض من أحواله العلمية : الشيخ ممن إذا رأيته حسبته ممن يخشى الله –ولانزكي على الله أحدا- وهذه حقيقة العلم كما روي عن ابن مسعود وغيره أنه قال :"إنما العلم الخشية" وهو مع ذلك فقيه متميز ويحب هذا العلم كما أخبرني بذلك ,وله مشاركة في كثير من علوم الشريعة والعربية ,فقد درس على جلة من العلماء في القصيم والرياض كالشيخ عبدالله بن حميد والشيخ صالح الخريصي والشيخ محمد بن إبراهيم وغيرهم ,وما أعلم أن أحدا جاء إلى الشيخ يطلب القراءة عليه فرده فترى عنده أساتذة الجامعات وطلاب الثانوية سواء ,وبعضهم يحضر مرتين أو ثلاثا ثم ينقطع فيجعل الشيخ في وقته غيره ثم يعود فيجد غيره يقرأ في وقته ,ومع ذلك لايزجره الشيخ أو يرفض تدريسه وإنما يحاول أن يجعل له وقتا آخر حتى إنه وقع في حرج كبير في بعض المواقف وأنا موجود فاستأذنته في أن أضع له جدولا يرتب فيه أوقات دروسه ويعرف الوقت الذي ليس فيه درس لأحد من الطلاب إذا جاءه من يريد القراءة عليه فشكرني وحلت المشكلة بعض الشيء.
ودرس الشيخ -في أي فن – تعليقات يحل بها المتن ويوضحه بطريقة سهلة دون إطالة ,ومن متع درسه وفقه الله أنه لايكاد يخلو درس من مواقف علمية يحكيها لنا عن نفسه أو عن بعض شيوخه وفيها فوائد وطرائف حرصت على تقييدها فاجتمع عندي منها قدر لابأس به أرجع إليها باستمرار فأجد فيها متعة , ومما يميز الشيخ حفظه , أنه أوتي حسن التعليم بربط كل درس بما قبله وبإسئلته التي يستثير بها أذهان الطلاب ثم لايجيبهم عنها إلا في درس آخر ليبحث المجد عنها ,وهو حريص على طلابه يسأل عن أخبارهم ودراستهم وما أذكر أني سافرت ورجعت إلا ويجلس معي بعد الصلاة يسألني عن والديَّ وأهلي وجماعتي وأخبار المنطقة ويسأل عن دراستي ثم يمضي,ومن تواضعه الشديد أنه ربما يسأل عن مسألة فيقول :الله أعلم ثم يقول :هل تعرف فيها شيئا يا أبا أحمد ؟فينتابي ذهول من قتله لكل معنى يحمل الترفع أو الكبر في نفسه ليسأل بعض من لايدري شماله من يمينه في العلم من أمثالي ,ومن ذلك أنني ربما سألته عن مسألة فيفكر فيها ثم يقول :ياولدي هذه تحتاج إلى بحث ,ثم يأتيني في اليوم التالي بملخص القول فيها مكتوبا بخط يده ,وقد فعل هذا أكثر من مرة ومازلت أحتفظ بالأوراق التي يعطيني إياها مكتوبة ,وقد سألته عن مسألة في الزاد فذكر لي فيها تفصيلا فسألته عن رأيه فقال :مثلي ليس له رأي ,وأخباره في هذا الشأن كثيرة مليئة بالعبر والدروس ولكن المقام لايحتمل أن يقال هنا كل شيء.
كان الشيخ أنسا لنا في المسجد واجتماع الحي ومناسباتنا ولكن الحال كما قال الأول :
لايلبث القرناء أن يتفرقوا
ليل يكر عليهمُ ونهارُ
فقد أصيب الشيخ بمرض أدخل لأجله المستشفى أكثر من مرة ,وغاب عن مسجدنا الآن قرابة السنة فلم يعد يصلي معنا لمرضه ,وكنا نزوره في بيته إذا استقرت حالته فيفرح بزيارتنا ويسأل عنا ويقول :اشتقت والله للقائكم وللصلاة في المسجد معكم وكلما سمعتك يا أبا صالح-هو إمام المسجد- تصلي بالناس أقول :يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما , ثم انقطت الزيارة عن الشيخ لسوء حالته الصحية فلم يعد لنا إلا التذكر والدعاء له بحسن الخاتمة وأن يجزيه عنا خيرا .
هذه بعض الخواطر التي حثني على كتابتها حسن ظن الشيخ فهد بي للكتابة في حديث الجمعة فأسأل الله أن يكتب أجره وينفعنا به في هذا الملتقى المبارك.
محمد بن أحمد آل مزهر الشهري
تنومة الزهراء
11-7-1433 هـ