حدود التفسير على المعنى وعلاقته بالاستنباط في التفسير بالمأثور

إنضم
16/11/2009
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
العمر
72
الإقامة
تارودانت-المغرب
يقول الشيخ الدكتور خالد السبت :
روى الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسنده عن أبي سعيد بن المعلى -رضي الله تعالى عنه- قال: "كنت أصلي فدعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم أجبه حتى صليت، قال: فأتيته فقال: ((ما منعك أن تأتيني؟)) قال: قلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، قال: ((ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [(24) سورة الأنفال])) .
هناك فائدة خارجة عن موطن الاستشهاد من هذا الحديث وهي أن هذا الحديث يستدل به في أصول التفسير، وقواعده على أن الآية قد ترد لمعنى، ولكن تحتمل في ظاهرها وعمومها معانِيَ أخر، وإن لم يكن ذلك المعنى الذي وردت فيه من قبيل سبب النزول، لكنه معنى متبادر، فتحمل على هذه المعاني جميعاً إن لم يوجد معارض، فالذي يدل على هذا من السنة هذا الحديث، فالأصل المتبادر من قوله تعالى: {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [(24) سورة الأنفال] أن يستدل بها على أنها تدعو إلى طاعة الله -عز وجل- وعبادته وطاعة رسوله –عليه الصلاة والسلام- وهنا استدل بها النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنه إذا ناداك باسمك فإن عمومها يشمل هذا.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [(54) سورة الكهف]، وذلك أنه لما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم- لعلي وفاطمة، ووجدهما نائمين، فقال: ((ألا تصليان؟)) فقال علي -رضي الله عنه-: إن أرواحنا بيد الله متى شاء أن يبعثها بعثها، فخرج –عليه الصلاة والسلام- ورجع وهو يلطخ فخذه ويقول: ((وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً)) مع أن الآية إنما نزلت لبيان حال جدل الكافر بالبعث.
ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله تعالى: {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} [(108) سورة التوبة]، {أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}، فقد وقع الخلاف بين الرجل الخدري والآخر الذي من بني عمرو بن عوف، فقال العوفي: إنه مسجد قباء، وقال الخدري: إنه مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إنه مسجدي هذا.
كذلك في قوله صلى الله عليه سلم: ((يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً))، ثم قال: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [(104) سورة الأنبياء])).
فالآية سيقت في الاستدلال بالنشأة الأولى على البعث، فالذي خلق الخلق قادرٌ على أن يعيدهم ثانياً، فساقها النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا المقام ليبين أنهم يبعثون كما ولدتهم أمهاتهم، فتعود إليهم أجزاؤهم التي فقدوها فقال: ((غرلاً))، وبين أيضاً أنه لا يكون معهم شيء من اللباس والنعل، وما أشبه ذلك. انتهى

ويقول ابن كثير في تفسيره :
*وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي عن إسحاق بن سليمان عن أبي سنان عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن سعد (( يضل به كثيرا )) يعني الخوارج . وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال : سألت أبي فقلت : قوله تعالى : (( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه )) إلى آخر الآية ، فقال : هم الحرورية . وهذا الإسناد وإن صح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو تفسير على المعنى لأن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على علي بالنهروان . فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية وإنما داخلون بوصفهم فيها مع من دخل لأنهم سموا خوارج لخروجهم على طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام *

إذا كان الأمر كذلك فما هي حدود التفسير على المعنى وعلاقته بالاستنباط في التفسير بالمأثور
 
الأخ الكريم عبد الكريم
يبدو أنه وقع سبق قلم احتاج إلى تصويب ؛ لأنه يغير المعنى : ( فهو تفسير على المعنى لأن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج) .
الصواب : ( لا أن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج ) ... وتقبلوا تحياتي .
 
أخي أحمد جزاك الله خيرا وأحسن إليك ، إني أكن لك محبة وتقديرا خالصين ، فقد سبق أن ناقشنا مواضع سابقة أبنت فيها عن دفء شعورك الأخوي ، وحرصك على تحري النصح ما أمكن .
أخي بتصويبك للخطأ السابق تكون الجملة الأصلية هي : " قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ: فَقَالَ: هم الحرورية ، وهذا الإسناد وإن صَحَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ تَفْسِيرٌ عَلَى الْمَعْنَى لَا أَنَّ الْآيَةَ أُرِيدَ مِنْهَا التَّنْصِيصُ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بِالنَّهْرَوَانِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا حَالَ نُزُولِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا هُمْ دَاخِلُونَ بِوَصْفِهِمْ فِيهَا مَعَ مَنْ دَخَلَ لِأَنَّهُمْ سموا خوارج لخروجهم عن طاعة الْإِمَامِ وَالْقِيَامِ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ "
مع فائق التقدير والاحترام
 
يقول الشيخ الدكتور خالد السبت :
روى الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في مسنده عن أبي سعيد بن المعلى -رضي الله تعالى عنه- قال: "كنت أصلي فدعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم أجبه حتى صليت، قال: فأتيته فقال: ((ما منعك أن تأتيني؟)) قال: قلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، قال: ((ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [(24) سورة الأنفال])) .
هناك فائدة خارجة عن موطن الاستشهاد من هذا الحديث وهي أن هذا الحديث يستدل به في أصول التفسير، وقواعده على أن الآية قد ترد لمعنى، ولكن تحتمل في ظاهرها وعمومها معانِيَ أخر، وإن لم يكن ذلك المعنى الذي وردت فيه من قبيل سبب النزول، لكنه معنى متبادر، فتحمل على هذه المعاني جميعاً إن لم يوجد معارض، فالذي يدل على هذا من السنة هذا الحديث، فالأصل المتبادر من قوله تعالى: {اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [(24) سورة الأنفال] أن يستدل بها على أنها تدعو إلى طاعة الله -عز وجل- وعبادته وطاعة رسوله –عليه الصلاة والسلام- وهنا استدل بها النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنه إذا ناداك باسمك فإن عمومها يشمل هذا.
....
إذا كان الأمر كذلك فما هي حدود التفسير على المعنى وعلاقته بالاستنباط في التفسير بالمأثور

ما يُستفاد من الحديث الشريف من واجب الاستجابة لكلام النبي صلى الله عليه وسلم هو ظاهرُ الآية الكريمة ؛ فقد قال مجاهد والجمهور - في تفسيرها - : المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي . [ تفسير القرطبي ] ، و واجب تلك الاستجابة الواردة بالحديث هو من ( ظاهر ) الآية ؛ لأنه لم يكن المقصود أصالةًً من سياق الآية .
و تلك الاستجابة هي من ( عموم ) لفظ الآية أيضا ؛ إذ تدخل في عموم طاعة الرسول ، و يشملها ظاهر لفظ { استجيبوا لله و للرسول } ؛ قال القرطبي : والصحيح العموم كما قال الجمهور . اهـ

و حدود تفسير النصوص و الألفاظ الشرعية من حيث الدلالة و من حيث العموم و الخصوص ، قررتها قواعد علم أصول الفقه ، و منها ( الظاهر ) ، و ( العام ) ، و غيرهما
 
الفاضل الدكتور أبو خليل جزاكم الله خيرا على هذا التوضيح .
لكن مازال في المسألة نظر . فإذا كان الأمر يستقيم مع المثال الأول ، الذي فيه شخص الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويُحمل فيه الخطاب على العموم ، فماذا نقول مع المثال الأخير الذي يتناول كل الأصناف الداخلة في الوصف المذكور .

مع فائق التقدير والاحترام
 
يقول الشيخ الدكتور خالد السبت :
... هذا الحديث يستدل به في أصول التفسير، وقواعده على أن الآية قد ترد لمعنى، ولكن تحتمل في ظاهرها وعمومها معانِيَ أخر، وإن لم يكن ذلك المعنى الذي وردت فيه من قبيل سبب النزول، لكنه معنى متبادر، فتحمل على هذه المعاني جميعاً إن لم يوجد معارض،
......
ويقول ابن كثير في تفسيره :
*وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي عن إسحاق بن سليمان عن أبي سنان عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن سعد (( يضل به كثيرا )) يعني الخوارج . وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال : سألت أبي فقلت : قوله تعالى : (( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه )) إلى آخر الآية ، فقال : هم الحرورية . وهذا الإسناد وإن صح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو تفسير على المعنى لا أن الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على علي بالنهروان . فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الآية وإنما داخلون بوصفهم فيها مع من دخل لأنهم سموا خوارج لخروجهم على طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام *

إذا كان الأمر كذلك فما هي حدود التفسير على المعنى وعلاقته بالاستنباط في التفسير بالمأثور

... إذا كان الأمر يستقيم مع المثال الأول ، الذي فيه شخص الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويُحمل فيه الخطاب على العموم ، فماذا نقول مع المثال الأخير الذي يتناول كل الأصناف الداخلة في الوصف المذكور .

مع فائق التقدير والاحترام

الأخ الفاضل الأستاذ عبد الكريم عزيز
الأصناف المذكورة داخلةٌ في عموم الآية ، إِمّا بعموم الصفة ( الوصف ) مثل الخوارج ، كما ذكر و بَيَّن د . خالد السبت - في قوله تعالى : { يضل به كثيرا } ، و إِمّا بعموم اللفظ ، مثل الحرورية - في قوله تعالى : { الذين ينقضون عهد الله } ، و الأسماء الموصولة من ألفاظ العموم . و الحرورية طائفةٌ من الخوارج .
و العام ( في اصطلاح الأصوليين ) - كما تعلمون أخي - هو اللفظ الذي يدل بحسب وضعه اللغوي على شموله واستغراقه لجميع الأفراد، التي يصدق عليها معناه من غير حصر في كمية معينة منها .
هذا ما فهمته من سؤالكم ، و لعل من الإخوة مَن يكون أكثر إيضاحاً مِنِّي
 
يقول الدكتور نايف الزهراني : " فإن الناظر في موضوعات كتب التفسير يجدها قائمة على ثلاثة أنحاء: بيان الألفاظ والمعاني – وهذا صلب التفسير وحَدُّه -, وبيان معاني المعاني – وهذا مجال الاستنباط -, ولا يخرج حديث مفسر ما عن هذه الأنحاء "

يقول ابن عاشور (ت:1393هـ) في المقدمة الرابعة : "... وَإِمَّا اسْتِنْبَاطُ مَعَانٍ مِنْ وَرَاءِ الظَّاهِرِ تَقْتَضِيهَا دَلَالَةُ اللَّفْظِ أَوِ الْمَقَامِ وَلَا يُجَافِيهَا الِاسْتِعْمَالُ وَلَا مَقْصِدُ الْقُرْآنِ، وَتِلْكَ هِيَ مُسْتَتْبَعَاتُ التَّرَاكِيبِ وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَبْحُوثِ فِيهَا فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ كَكَوْنِ التَّأْكِيدِ يَدُلُّ عَلَى إِنْكَارِ الْمُخَاطَبِ أَوْ تَرَدُّدِهِ، وَكَفَحْوَى الْخِطَابِ وَدَلَالَةِ الْإِشَارَةِ وَاحْتِمَالِ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَجْلِبَ الْمَسَائِلَ وَيَبْسُطَهَا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعْنَى، أَوْ لِأَنَّ زِيَادَةَ فَهْمِ الْمَعْنَى مُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْقُرْآنِيِّ وَبَيْنَ بَعْضِ الْعُلُومِ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَقْصِدٍ مِنْ مَقَاصِدِ التَّشْرِيعِ لِزِيَادَةِ تَنْبِيهٍ إِلَيْهِ، أَوْ لِرَدِّ مَطَاعِنِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُنَافِيهِ لَا عَلَى أَنَّهَا مِمَّا هُوَ مُرَادُ اللَّهِ مِنْ تِلْكَ الْآيَةِ بَلْ لِقَصْدِ التَّوَسُّعِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ. "
 
من خلال الاستنباط في التفسير بالمأثور ، يتبين أن التفسير على المعنى لا حدود له أثناء عملية تنزيل القرآن الكريم على الواقع الراهن الذي تعيشه الأمة الإسلامية .
بينما له ضوابط متعددة ذكرها العلماء أثناء الحديث عن الاستنباط .
وهذه النظرية التفسيرية ، تفتح لنا المجال الواسع في مواكبة حركة الأمة وتوجيهها بالقرآن الكريم في كل الميادين المختلفة . عوض أن تبقى عملية التفسير بعيدة عن هذه المواكبة التي تكون الأمة في أشد الحاجة إليها من أي وقت مضى .

والله أعلم وأحكم
 
عودة
أعلى