حجية القياس

حمدي كوكب

New member
إنضم
28/05/2006
المشاركات
6
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
حجية القياس

القياس
هو المصدر الرابع من مصادر التشريع الإسلامي
تعريفه :
في اللغة : التقدير ، يقال : قاس الثوب بالذراع ـ إذا قدره به.
أما في اصطلاح الأصوليين : فقد تعددت التعريفات ، وقد اختلفت وجهات العلماء في
بيان مفهومه.
1ـ قال الماوردي الشافعي : هو : رد الفرع إلى الأصل في الحكم بعلة تجمعهما ، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام : قياس علة ، وقياس دلالة ، وقياس شبهة .
2ـ وقال الغزالي : هو حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من إثبات حكم أو صفة أو نفيهما .
3ـ وقال البيضاوي : هو إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت .
4ـ وقيل : هو مشاركة مسكوت عنه لمنصوص على حكمه الشرعي في علة هذا الحكم ، وإلحاقه به فيه .
5ـ وقال ابن الحاجب : هو مساواة فرع الأصل في علة حكمه .
6ـ وقيل : هو إلحاق واقعة لا نص على حكمها بواقعة ورد نص بحكمها ، في الحكم الذي ورد فيه النص ، لتساوي الواقعتين في علة هذا الحكم .
فإذا دل نص على حكم في واقعة ، وعرفت علة هذا الحكم بطريق من الطرق التي تعرف بها علل الأحكام ثم وجدت واقعة أخرى تساوي في واقعة النص في علة تحقق الحكم فيها فإنها تستوي بواقعة النص في حكمها بناء على تساويهما في علته ، لأن الحكم يوجد حيث توجد علته .

أمثلة توضح ذلك :
1ـ ورد نص بحرمة الخمر ـ وهي ما اشتد من عصير العنب ـ في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) المائدة آية (90) .
فالخمر أصل منصوص على حكمه وهو الحرمة ، لعلة وهي الإسكار ، ونبيذ التمر أو الشعير فرع لم ينص على حكمه ، فإذا وجدنا العلة التي بني عليها الحكم في الأصل متحققة فيه لزم ـ بطريق القياس ـ أن يكون مثله في الحكم .
2ـ ورد النص بحرمة ابتياع المؤمن على بيع أخيه في قوله (  ) " المؤمن أخو المؤمن ، ولا يحل للمؤمن أن يخطب على خطبة أخيه أو يبتاع على بيع أخيه حتى يذر " .
فالابتياع على بيع الأخ أصل محكوم عليه في النص بالحرمة ، لعلة هي أنه مبادلة تؤدي إلى قطيعته وعداوته ، والاستئجار على استئجار الأخ فرع ، وقد تحققت فيه علة حكم الأصل ، فلزم أن يكون مثله في الحكم .
3ـ البيع وقت النداء للصلاة من يوم الجمعة واقعة ثبت بالنص حكمها وهو الكراهة التي دل عليها قوله سبحانه وتعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " الجمعة آية (9) .
لعلة هي شغله عن الصلاة ، والإجارة والرهن أو أية معاملة وقت النداء إلى الصلاة من يوم الجمعة توجد فيها هذه العلة وهي شغلها عن الصلاة ، فتقاس بالبيع في حكمه وتكره وقت النداء للصلاة .

حجية القياس :
مذهب الجماهير من علماء الإسلام على أن القياس حجة شرعية على الأحكام العملية، وعلى أنه في المرتبة الرابعة من الحجج الشرعية ، وعلى العمل والتعبد به شرعاً ، فقد قاس الصحابة والتابعون ومن بعدهم علماء الأمصار ، وهناك بعض فرق الشيعة التي ذهبت إلى أن القياس ليس بحجة شرعية على الأحكام .

وقد استدل المثبتون للقياس بالكتاب والسنة والمعقول :

أولاً : الكتاب :
قال تعالى : " فاعتبروا يا أولي الأبصار " الحشر ـ آية (2) ، والاعتبار قياس الشيء بالشيء ، وقال تعالى : " أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون " الواقعة ـ الآيات 58 ـ 62 .
فهذه الآية وقع فيها الاحتجاج على الكفار في إنكارهم البعث بالقياس على النشأة الأولى ، وهو قياس في الأصول المعتقدة التي يطلب فيها القطع ، ففي الفقه الذي يكتفي فيه بالظن من باب أولى .
وقال تعالى : " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم "
أمرهم أن يردوا ما أشكل عليهم إلى الرسول (  ) فإن لم يكن موجوداً فإلى أولي الأمر منهم العلماء وخص المجتهدين وهم أهل الاستنباط ، وأول باب في الاستنباط وأعلاها هو القياس .
وقال الإمام الشافعي : لا يجوز لأحد أن يقيس حتى يكون عالماً بما مضى من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلاف العلماء ولسان العرب .

ثانياً : السنة :
فمنها ما يدل على ربط الأحكام بأوصاف في الأفعال مناسبة لتلك الأحكام كقوله () في الهرة : " أنها ليست بنجسة أنها من الطوافين عليكم والطوافات " .
ومنه حديث معاذ بن جبل أن رسول الله (  ) ، لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال له : كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بكتاب الله ، فإن لم أجد بسنة رسول الله ، فإن لم أجد أجتهد رأيي ولا آلو ، فضرب رسول الله (  ) على صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله (  ) ، لما يرضى رسوله " .
ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن رسول الله (  ) أقر معاذاً على أن يجتهد إذا لم يجد نصاً يقضي به في الكتاب والسنة ، والاجتهاد بذل الجهد للوصول إلى الحكم ، وهو يشمل القياس لأنه نوع من الاجتهاد والاستدلال والرسول (  ) لم يقره على نوع من الاستدلال دون نوع .
ومنها ما روى عن عمر ( رضى الله عنه ) أنه قال : يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً ، قبلت وأنا صائم . فقال رسول الله (  ) : أرأيت لو مضمضت بالماء ؟ قلت : لا بأس . قال : فمه ، أي ما وقع منك أمر هين سهل لا بأس به كالمضمضة ، فقد قاس الرسول (  ) ، القبلة على المضمضمة ، لاشتراكهما في عدم إيصال شيء إلى الجوف ، وألحقها بها في الحكم ، وهو عدم إفساد الصوم .
وقد اجتهد الصحابة في الوقائع التي لا يوجد فيها نص من القرآن والسنة وأخذوا يقيسون ما لا نص فيه على ما فيه نص ويعتبرون النظير بنظيره ، فقد قاسوا خلافة أبي بكر على إمامة الصلاة ، وبايعوا أبا بكر بها وأظهروا أن القياس هو : رضية رسول (  ) لديننا ، أفلا نرضاه لدنيانا . وحارب أبو بكر مانعي الزكاة ، استناداً إلى أنها كان يأخذها الرسول (  ) لأن صلاته سكن لهم لقوله تعالى : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم " .

ثالثاً : المعقول :
أما من ناحية المعقول فنجد أن الله سبحانه وتعالى عندما شرع الأحكام فلم يشرعها إلا لمصالح العباد، وأن صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان تقتضي فتح باب الاجتهاد بل وجوبه ، فيما يستجد من الأحداث والوقائع التي لا نص فيها ، وأول ما تقتضيه إلحاق ما لم ينص عليه بما ورد فيه نص ، متى تحققت فيه علة حكمه أو شمله ضابطه العام ، وهذا هو القياس .
ومنها أن نصوص القرآن والسنة محدودة ومتناهية ، ووقائع الناس واقضينهم غير محدودة ولا متناهية ، فلا يمكن أن تكون النصوص المتناهية وحدها هي المصدر التشريعي لما لا يتناهى ، فالقياس هو المصدر التشريعي الذي يساير الوقائع المتجددة ، وقد فطر الله سبحانه وتعالى العقول البشرية على التسوية بين المتماثلين ، وعدم التفرقة بينهما على أساس هذه الفطرة في كثير من آيات الكتاب الكريم ، ومنه أن سبحانه يبين أن عقوبته تحل بالمجرمين ، وأن جنته أعدت للمتقين ثم قال : " أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون " سورة القلم ـ آية (35 ـ36) .
فأنكر سبحانه وتعالى أن يساوي المسلمين بالمجرمين في الحكم وقد اختلفوا في علته.
 
جزاكم الله خيرا

ومن أقوى الأدلة على صحة العمل بالقياس قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي يختلس النظر: (( لو أعلم أنه ينظرني لطعنت بالمدرى في عينه، وهل جعل الاستئذان إلا من أجل البصر ))؟ فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستئذان إنما شرع لعلة، ومع أن هذه العلة غير منصوصة إلا أنها واضحة من سياق الآيات، فغَضَبُ النبي صلى الله عليه وسلم ممن فعل ذلك يَدُلُّ على أن النظر في علل الأحكام والقياس عليها مشروع بل واجب.
وأما حديث معاذ فهو حديث لا يصح من جهة الصناعة الحديثية وإن كان جماهير الأصوليين يذكرونه في كتبهم.
والأحاديث في صحة القياس عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا زادت على ثلاثمائة في مصنف لأحد علماء الحنابلة.
وأما الآثار عن الصحابة في القياس فأكثر من أن تحصى، ومن أشهرها رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري، وقد تلقاها أهل العلم بالقبول، ولا يضرها طعن ابن حزم في سندها.
وأيضا من الأدلة على صحة القياس إجماع أهل العلم على صحته، فقد ذكر غيرُ واحد من أهل العلم أن إنكار القياس لم يظهر إلا في القرن الرابع على يد داود الظاهري ومن تبعه، ولم يعرف لهم سلف في هذا القول.
وأما ما ذكره ابن حزم وغيره من الآثار عن الصحابة في ذم القياس، فاحتجاج غريب حقا؛ لأنه إن ثبت عنهم العمل بالقياس أحيانا وذمه أحيانا دل ذلك على أن المذموم إنما هو بعضُ القياس لا كله.
وقد أجمع الصحابة - إلا ابن عباس - على مسألة العول التي مبناها على القياس أصلا، فمن العجيب أن يزعم بعض الظاهرية إجماع الصحابة على بطلان القياس!

وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
 
عودة
أعلى