د محمد الجبالي
Well-known member
" حجرا محجورا "
ورد هذا التعبير مرتين في القرآن في سورة واحدة (الفرقان)
وجاء استعمالها ومقصودها في الأولى مختلفا كليا عن المعنى في الثانية.
حجرا محجورا في الفرقان 22
قال الله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}
الحِجْر: هو المانع ، لذلك يقال للعقل حِجْرلأنه يمنع صاحبه من اتباع الهوى والشهوات ، قال تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ } [الفجر: 5] أي لذي عقل
وحِجْر الكعية: أي المانع من المرور فيه أثناء الطواف.
محجور: أي ممنوع ، تقول محجور عليه أي ممنوع من التصرف في ممتلكاته ، وتقول محجور في بيته أي محجوز فيه ممنوع من الخروج منه وممنوع على الآخرين الدخول عليه.
قال المفسرون:
إن {حِجْرًا مَحْجُورًا} عند الكافرين كانت بمثابة الاستعاذة يقولونها عند خوف الأذى والضرر وخوف العدو
ومعناها (حراما محرما) أو (عوذا معوذا) وهم بها يسألون الله أن يمنع عنهم المكروه
وقد طلب مشركو مكة من محمد صلى الله عليه وسلم أن يروا الله جهرة أو ينزل ملائكة من السماء قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا } [الفرقان: 21]
فجاءت الآية {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] ردا عليهم
فالكلام فيها عن الآخرة وقد التقى الكافرون ملائكة العذاب فأصابهم الفزع فقالوا قولتهم واستعاذتهم التي تعودوها في الدنيا (حِجْرًا مَحْجُورًا). أي حراما عليكم محرما إيذاؤنا. وهيهات.
أما {حِجْرًا مَحْجُورًا} في آية الفرقان 53
قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا}
فإن (حجرا محجورا) معناها مختلف تماما وإن يكاد يكون المعنى اللفظي واحدا إلا أن استعمالها في الأولى غير استعمالها هنا
فالكلام في هذه الآية عن حقيقة علمية لم يقف عليها العلم إلا منذ سنوات قليلة
فالكلام عن التقاء النهر بالبحر ، التقاء الماء العذب بالماء المالح
إن القرآن يخبرنا أن ماء النهر لا يختلط بماء البحر ، وماء البحر لا يختلط بماء النهر ، وأنه يوجد بين الماءين حاجز يمنع هذا الاختلاط.
ولنتأمل قول الله عز وجل:
{وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا}
البرزخ : هو الحاجز
الحِجْر : المانع
المَحْجُور: أي الممنوع
يخبرنا القرآن أن هناك منطقة (برزخ) حاجزة بين ماء البحر وماء النهر تمنع اختلاط هذا بذاك
وهذه المنطقة هي أيصا (حِجْرٌ مَحْجُورٌ) أي لا يدخلها شيء ولا يخرج منها شيء ؛ حيث إن ماءها مختلف عن ماء البحر وعن ماء النهر في الكثافة ، وفي الطعم ، وفي الكائنات التي تعيش فيها.
(حِجْرٌ مَحْجُورٌ) أي أن الكائنات التي تعيش في هذه المنطقة لا تستطيع الخروج منها إلى النهر أو إلى البحر وإن خرجت منها ماتت.
كذلك كائنات البحر وكائنات النهر لا تستطيع أن تدخل منطقة البرزخ وإن دخلت ماتت.
هذه الحقائق تتجلى في قول الله تعالى :
{وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا}
هذه الحقائق لم يقف عليها العلم الحديث إلا منذ سنوات قليلة.
أخوكم د. محمد الجبالي