حتى نلتقى إن شاء الله يا شهرَ رمضان

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
حتى نلتقى إن شاء الله يا شهرَ رمضان .........
هذا التقاطٌ لنقاطٍ عساها تنفع إن شاء الله :
أولا : رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا:
نداوم على الدعاء بأن يُتقبل منا رَمَضَانُ كما قال إبراهيم عليه السلام :{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}
وكما قالت أم مريم عليه السلام :{فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)}
فعسى الله أن يتقبلَ منا ما لم تبلغه أعمالُنا ببركة التذلل والدعاء ..
 
ثانيا : إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى :
الاستمرار في حسن الانتواء فيما نحن مُقدمون عليه :
جاء في سير أعلام النبلاء للذهبي :
عن عبد الله بن المبارك رحمه الله: قَالَ: رُبَّ عَمَلٍ صَغِيْرٍ تُكَثِّرُهُ النِّيَّةُ، وَرُبَّ عَمَلٍ كَثِيْرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّةُ.
جاء في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {نِيَّةُ الْمَرْءِ أَبْلَغُ مِنْ عَمَلِهِ} .
فَأَجَابَ:
هَذَا الْكَلَامُ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهُ مَرْفُوعًا وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: (أَحَدُهَا أَنَّ النِّيَّةَ الْمُجَرَّدَةَ مِنْ الْعَمَلِ يُثَابُ عَلَيْهَا وَالْعَمَلَ الْمُجَرَّدَ عَنْ النِّيَّةِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ مَنْ عَمِلَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ بِغَيْرِ إخْلَاصٍ لِلَّهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ} .
(الثَّانِي أَنَّ مَنْ نَوَى الْخَيْرَ وَعَمِلَ مِنْهُ مَقْدُورَهُ وَعَجَزَ عَنْ إكْمَالِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ عَامِلٍ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ} . وَقَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ أَبِي كَبْشَةَ الأنماري عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّهُ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا. فَقَالَ: لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ مَا لِفُلَانِ لَعَمِلْت فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ فُلَانٌ. قَالَ: فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَقَالَ: لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ مَا لِفُلَانِ لَعَمِلْت فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ فُلَانٌ قَالَ: فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ} . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ} وَشَوَاهِدُ هَذَا كَثِيرَةٌ.
الثَّالِثُ أَنَّ الْقَلْبَ مَلِكُ الْبَدَنِ وَالْأَعْضَاءَ جُنُودُهُ فَإِذَا طَابَ الْمَلِكُ طَابَتْ جُنُودُهُ وَإِذَا خَبُثَ الْمَلِكُ خَبُثَتْ جُنُودُهُ وَالنِّيَّةُ عَمَلُ الْمَلِكِ بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا عَمَلُ الْجُنُودِ. الرَّابِعُ أَنَّ تَوْبَةَ الْعَاجِزِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ تَصِحُّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ,كَتَوْبَةِ الْمَجْبُوبِ عَنْ الزِّنَا وَكَتَوْبَةِ الْمَقْطُوعِ اللِّسَانِ عَنْ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ. وَأَصْلُ التَّوْبَةِ عَزْمُ الْقَلْبِ وَهَذَا حَاصِلٌ مَعَ الْعَجْزِ. الْخَامِسُ أَنَّ النِّيَّةَ لَا يَدْخُلُهَا فَسَادٌ بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ أَصْلُهَا حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِرَادَةُ وَجْهِهِ وَهَذَا هُوَ بِنَفْسِهِ مَحْبُوبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَرْضِيٌّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ تَدْخُلُهَا آفَاتٌ كَثِيرَةٌ وَمَا لَمْ تَسْلَمْ مِنْهَا لَمْ تَكُنْ مَقْبُولَةً؛ وَلِهَذَا كَانَتْ أَعْمَالُ الْقَلْبِ الْمُجَرَّدَةِ أَفْضَلَ مِنْ أَعْمَالِ الْبَدَنِ الْمُجَرَّدَةِ. كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: قُوَّةُ الْمُؤْمِنِ فِي قَلْبِهِ وَضَعْفُهُ فِي جِسْمِهِ وَقُوَّةُ الْمُنَافِقِ فِي جِسْمِهِ وَضَعْفُهُ فِي قَلْبِهِ وَتَفْصِيلُ هَذَا يَطُولُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
 
ثالثا :لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ .
حقيقة الشكر كما يراها السابقون ..........
جاء في مدارج السالكين :
حَقِيقَةُ الشُّكْرِ :
وَمِنْ مَنَازِلِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الشُّكْرِ
وَهِيَ مِنْ أَعْلَى الْمَنَازِلِ. وَهِيَ فَوْقَ مَنْزِلَةِ الرِّضَا وَزِيَادَةٌ. فَالرِّضَا مُنْدَرِجٌ فِي الشُّكْرِ. إِذْ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ الشُّكْرِ بِدُونِهِ.
وَهُوَ نِصْفُ الْإِيمَانِ - - وَالْإِيمَانُ نِصْفَانِ: نِصْفٌ شُكْرٌ. وَنِصْفٌ صَبْرٌ.
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ. وَنَهَى عَنْ ضِدِّهِ، وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهِ. وَوَصَفَ بِهِ خَوَاصَّ خَلْقِهِ. وَجَعَلَهُ غَايَةَ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ. وَوَعَدَ أَهْلَهُ بِأَحْسَنِ جَزَائِهِ. وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ. وَحَارِسًا وَحَافِظًا لِنِعْمَتِهِ. وَأَخْبَرَ أَنَّ أَهْلَهُ هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِآيَاتِهِ. وَاشْتَقَّ لَهُمُ اسْمًا مِنْ أَسْمَائِهِ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الشَّكُورُ وَهُوَ يُوَصِلُ الشَّاكِرَ إِلَى مَشْكُورِهِ بَلْ يُعِيدُ الشَّاكِرَ مَشْكُورًا. وَهُوَ غَايَةُ الرَّبِّ مِنْ عَبْدِهِ. وَأَهْلُهُ هُمُ الْقَلِيلُ مِنْ عِبَادِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] وَقَالَ {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] وَقَالَ عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} [النحل: 120 - 121] وَقَالَ عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 17] وَقَالَ تَعَالَى: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5]
وَسَمَّى نَفْسَهُ شَاكِرًا وَشَكُورًا وَسَمَّى الشَّاكِرِينَ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ. فَأَعْطَاهُمْ مِنْ وَصْفِهِ. وَسَمَّاهُمْ بِاسْمِهِ. وَحَسْبُكَ بِهَذَا مَحَبَّةً لِلشَّاكِرِينَ وَفَضْلًا.
وَإِعَادَتُهُ لِلشَّاكِرِ مَشْكُورًا. كَقَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان: 22] وَرِضَا الرَّبِّ عَنْ عَبْدِهِ بِهِ. كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7] وَقِلَّةُ أَهْلِهِ فِي الْعَالَمِينَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ هُمْ خَوَاصُّهُ. كَقَوْلِهِ: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ قَامَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ. فَقِيلَ لَهُ: تَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟» .
«وَقَالَ لِمُعَاذٍ وَاللَّهِ يَا مُعَاذُ، إِنِّي لَأُحِبُّكَ. فَلَا تَنْسَ أَنْ تَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» .
وَفِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ. وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ. وَامَكْرُ لِي وَلَا تَمْكُرْ بِي. وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي. وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ. رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا لَكَ ذَكَّارًا لَكَ رَهَّابًا لَكَ مُطَاوِعًا لَكَ مُخْبِتًا إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا. رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي. وَاغْسِلْ حَوْبَتِي. وَأَجِبْ دَعْوَتِي. وَثَبِّتْ حُجَّتِي. وَاهْدِ قَلْبِي. وَسَدِّدْ لِسَانِي. وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي» .
فَصْلٍ أَصْلُ الشُّكْرِ فِي اللُّغَةِ :
فَصْلٍ وَأَصْلُ الشُّكْرِ فِي وَضْعِ اللِّسَانِ: ظُهُورُ أَثَرِ الْغِذَاءِ فِي أَبْدَانِ الْحَيَوَانِ ظُهُورًا بَيِّنًا. يُقَالُ: شَكِرَتِ الدَّابَّةُ تَشْكَرُ شَكَرًا عَلَى وَزْنِ سَمِنَتْ تَسْمَنُ سِمَنًا: إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا أَثَرُ الْعَلَفِ، وَدَابَّةٌ شَكُورٌ: إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا مِنَ السِّمَنِ فَوْقَ مَا تَأْكُلُ وَتُعْطَى مِنَ الْعَلَفِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَتَّى إِنَّ الدَّوَابَّ لَتَشْكَرُ مِنْ لُحُومِهِمْ أَيْ لَتَسَمَنُ مِنْ كَثْرَةِ مَا تَأْكُلُ مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ حَقِيقَتُهُ فِي الْعُبُودِيَّةِ. وَهُوَ ظُهُورُ أَثَرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ: ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا. وَعَلَى قَلْبِهِ: شُهُودًا وَمَحَبَّةً. وَعَلَى جَوَارِحِهِ: انْقِيَادًا وَطَاعَةً.
وَالشُّكْرُ مَبْنِيٌ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ: خُضُوعُ الشَّاكِرِ لِلْمَشْكُورِ. وَحُبُّهُ لَهُ. وَاعْتِرَافُهُ بِنِعْمَتِهِ. وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِهَا. وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهَا فِيمَا يَكْرَهُ.
فَهَذِهِ الْخَمْسُ: هِيَ أَسَاسُ الشُّكْرِ. وَبِنَاؤُهُ عَلَيْهَا. فَمَتَى عُدِمَ مِنْهَا وَاحِدَةً: اخْتَلَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشُّكْرِ قَاعِدَةٌ.
وَكُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الشُّكْرِ وَحْدَهُ، فَكَلَامُهُ إِلَيْهَا يَرْجِعُ. وَعَلَيْهَا يَدُورُ.
وَالشُّكْرُ مَعَهُ الْمَزِيدُ أَبَدًا. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] فَمَتَى لَمْ تَرَ حَالَكَ فِي مَزِيدٍ. فَاسْتَقْبِلِ الشُّكْرَ.
 
رابعا : الاستمرارية ولو على القليل من المسنون شرعا :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ». قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ.» (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَصِيرٌ وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّى فِيهِ فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ ». وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوهُ. رَوَاهُ مُسلم {ثابوا : اجتمعوا }.
والحاصل هو أن نستشعر فارقا في أنفسنا قولا وفعلا بعد رمضان , فلنتخير كتاب تفسير نبدأه وننوي ختامه بعد العون من الله –قبل رمضان القادم – حتى يكون رمضان القادم مختلفا تماما عن سابقه , حتى نستشعرَ علاماتِ قبول الشهر القائم ........
جاء في كتاب حلية الأولياء :
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ فَإِذَا رَأَيْتَهُ يَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ أَخَوَاتٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ تَدُلُّ عَلَى أَخَوَاتِهَا وَإِنَّ السَّيِّئَةَ تَدُلُّ عَلَى أَخَوَاتِهَا».
 
ومن يعتقدُ أن تغييرا سيجري دون المرور بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم – فهو واهمٌ أشد الوهم , وسيجد نفسَه مضطرا لأن يعود إلى النقطة التي لم يبدأ منها وسيملأه الندم على ما ضاع من وقت وطاقة , وربما تتعسر العودة وظل هناك فراغ حتمي في تاريخ التغيير .
فاعتقادُ أن التغيير والإصلاح يمكن أن يكونا بطرق عصرية غير خاضعة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم – هذا الاعتقاد هو طعنٌ صريحٌ في مقام الكتاب والسنة واتهامٌ لهما بالعجز والقصور- ومدحٌ وثناءٌ لغير منهج الله –وهل يتغير الكون إلا بمرادِ الله ؟ وهل مرادُ الله في غير منهجه ؟ ......نستغفر الله .
اسمع ماذا يقول ربنا :{ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)}
فهؤلاء هم المصلحون حقيقةً ....
قال صاحب التحرير والتنوير في قصة الإتيان بعرش بلقيس :
وَهَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ بَيْنَ الْعِفْرِيتِ مِنَ الْجِنِّ وَالَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ تَرْمُزُ إِلَى أَنَّهُ يَتَأَتَّى بِالْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ مَا لَا يَتَأَتَّى بِالْقُوَّةِ، وَأَنَّ الْحِكْمَةَ مُكْتَسَبَةٌ لِقَوْلِهِ: عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ، وَأَنَّ قُوَّةَ الْعَنَاصِرِ طَبِيعَةٌ فِيهَا، وَأَنَّ الِاكْتِسَابَ بِالْعِلْمِ طَرِيقٌ لِاسْتِخْدَامِ الْقُوَى الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ اسْتِخْدَامَ بَعْضِهَا بَعْضًا. فَذُكِرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مَثَلًا لِتَغَلُّبِ الْعِلْمِ عَلَى الْقُوَّةِ. وَلَمَّا كَانَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ مُسَخَّرَيْنِ لِسُلَيْمَانَ كَانَ مَا اخْتُصَّا بِهِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ مَزِيَّةً لَهُمَا تَرْجِعُ إِلَى فَضْلِ سُلَيْمَانَ وَكَرَامَتِهِ أَنْ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ هَذِهِ الْقُوَى. وَمَقَامُ نُبُوَّتِهِ يَتَرَفَّعُ عَنْ أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ الْإِتْيَانَ بِعَرْشِ بِلْقِيسَ.
 
في قوله تعالى :{ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)}
فإن كان الدعاء بمعنى العبادة فيكون المعنى واضحا – وهو طلب قبول العبادة , وأما إن كان الدعاء بمعناه الظاهر وهو الطلب – فنحتاج إلى أمرين :
الأول :طلبُ قبولِ العمل . ثانيا: طلبُ قبولِ الدعاء .
 
عودة
أعلى