موقع الدكتور عمر المقبل
New member
حتى نستفيد من مؤتمراتنا العلمية
قضيتُ في نهاية الأسبوع الماضي ومطلع هذا الأسبوع ثلاثة أيامٍ في رحاب المؤتمر العالمي الثاني للباحثين في السيرة النبوية، الذي نظّمته مؤسسةُ البحوث والدراسات العلمية (مبدع) في مدينة فاس المغربية من يوم الخميس حتى السبت 26-28/ 1 / 1436هـ، الموافق 20-22 /11 / 2014م.
والذي أعتقد أنه يُهمّ القارئ الكريم الإشارة ـ فقط إشارة ـ إلى ما يتصل بالمضمون العلمي لأوراق المؤتمر، ومَحاورِه المتميزة، والذي يمكن مطالعتُها من خلال الرابط:
http://www.mobdii.com/p/index.php?p=main&id=36
لقد انتقل المؤتمر بعددٍ غير قليل من أوراقه إلى آفاقَ مهمّة، من شأنها أن تُتيح فُرَصاً للباحثين في السنة وعلومها؛ ذلك أن غالب الأوراق العلمية التي تُطرح في هذه المؤتمرات، إنما هي إشارات إلى مسائل جزئية، ذات صلةٍ بإشكالات علمية أكبر منها، أو هي فرعٌ عن أصل كبير، يتعلّق بالبحث الذي يناسب هذه التظاهرات العلمية.
ومن صور الاستفادة من تلكم الأوراق والبحوث العلمية: ممارسةُ بعض مهاراتِ التعديل على عناوين البحوث ـ من التقديم والتأخير، أو الحذف والإضافة، وغيرها ـ، لتخرج من حقل الدراسات المتعلقة بالسيرة النبوية إلى علوم السنة الخاصة بها.
وسأضرب على ذلك مثلاً يتضح به المراد، وهو بحث علمي مميز في فكرته، والذي كان عنوانه: "السيرة النبوية في كتب الحرَمين، القيْمة العلمية، والإضافة المنهجية" للأستاذ/ طارق الفاطمي ـ وفقه الله ـ، والذي لفت النظرَ إلى أهمية الإفادة من النصوص التي اشتملت عليها الكتبُ المسندة في تاريخ الحرمين الشريفين، والبلدين المقدَّسين في توثيق السيرة، خاصة في بعض المواضع التي لا يجدها الباحثُ في الكتب المصنّفة في السيرة خاصةً.
هذا البحث يمكن أن يفتح للباحثين باباً يولج منه إلى أكثر من بحثٍ في الدراسات العليا (ماجستير أو دكتوراه) في تخصص السنة وعلومها، تنطلق من هذا النوع من الكتب، مثل:
1. زوائد الأحاديث الواردة في تواريخ الحرمين الشريفين على الكتب الستّة.
2. زوائد الأحاديث الواردة في تواريخ الحرمين الشريفين على كتب: المسند، والموطأ، والدارمي.
3. زوائد الآثار الموقوفة في كتب الحرمين على الكتب التسعة.
4. زوائد الآثار الموقوفة في كتب الحرمين على مصنَّفي عبدالرزاق، وابن أبي شيبة.
هذا مثالٌ عابر لتوسيع دائرة الاستفادة من أمثال هذه البحوث التي تُطرح في هذه المؤتمرات ـ كما أسلفت ـ، ولا يعني أنني حين أطرح أمثالَ هذه العناوين أراها جاهزة للبحث ـ مثلاً ـ، أو أنها أولى من غيرها، لكنني قصدتُ من ذلك: لفتَ النظر إلى هذه الفكرة في تقليب العناوين.
إن اطلاع طلاب الدراسات العليا على عناوين تلك البحوث، سواء في هذا المؤتمر أو غيره من خلال المواقع على الشبكة العالمية، أو الحصول عليها مطبوعةً ـ إن أمكن ـ أو مصوّرة في تلك المواقع، مع استشارة أساتذتهم في المناسِب، وما لم يُطرَق من قبل، وكيفية الاستفادة من تلكم المؤتمرات لتطوير الدراسات الحديثية، التي يعاني كثيرٌ من الطلاب من شُحّ الموضوعات فيها؛ إن اطلاعَهم سيفتح لهم موضوعات كثيرة، لم تكن في حسبانهم، فيها إضافات علمية ومتميزة.
ومع يقيني أن هناك شُحّاً في بعض المسارات، إلا أنني أيضاً لديّ يقينٌ مقارِب بوجود عشرات الموضوعات التي يمكن للباحثين الكتابة فيها، في ضوء المهارات التي أشرتُ إليها.
والذي ظهر لي ـ كسبب كبير من أسباب اتساع دعوى الشّح ـ أن كثيراً من طلاب الدراسات العليا يَطلبُ موضوعاتٍ جاهزة، وليس لديه الاستعداد ـ مع وجود القدرة على خوض غمار ذلك الموضوع ـ أن يُتعب نفسَه بالجرد الطويل للكتب ذات الصلة بالموضوع الذي يريد طَرْقه، بل ربما تمنى بعضُهم وجودَ مشروعٍ جاهزٍ ليَدخل فيه!
والتجربةُ شاهدةٌ بأن البحث إذا عاناه الإنسانُ، وتعب فيه، بدايةً من الجرد، والقراءة الواسعة في الموضوع، وانتهاءً بالبحث والمدارسة؛ فإن العاقبةَ حميدةٌ، على الباحث بالدرجة الأولى، ثم على ما يضيفه البحثُ علمياً للحقل الذي ينتمي إليه، وسيُكسبه ذلك الجِدُّ ملكةً بحثية قوية، تجعله لا يحتفي ولا يقبل إلا بالبحوث العلمية الجادة.
لدينا كمّ كبير من المؤتمرات والملتقيات العلمية، والأهم ـ في نظري ـ يتلخص في أمور، أهمها أمران:
- حسن الاختيار لمحاورِ وآفاق المؤتمر أو الملتقى، بحيث يُلاقي حاجة الدراسات العلمية التي تتصل بالتخصص.
- الانتقال بتلك البحوث إلى مرحلة تالية، يُستفاد منها علمياً وعملياً، والانتقال من حيّز التنظير إلى التطبيق. والله الموفق.