حتى نجد للقرآن حلاوة كما وجدها الجيل الأول-رضي الله عنهم-

الاثر

New member
إنضم
14/06/2003
المشاركات
2
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
هذه كلمات للاستاذ سيد قطب رحمه الله- تتضمن جوابا لمن اراد ان يعرف الطريقة المثلى لتدبر القرآن والاستفادة من علومه وكيفية ايجاد حلاوته عند التلاوة,واعلم اخي الكريم ان من تمسك بهذه الطريقة فقد انفتح له الباب الاعظم في علم التفسير وقويت معرفته وازدادت بصيرته واستغنى بهذه الطريقة عن كثرة التكلفات,وعن البحوث الخارجية,وخصوصا اذا كان قد اخذ من علوم العربية جانبا قويا ,وكان له المام واهتمام بسيرة النبي صلى الله عيه وسلم وأحوله مع اولياءئه واعدائه,فإن ذلك أكبر عون على هذا المطلب.
ومتى علم العبد أن القرآن فيه تبيان كل شئ,انه كفيل بجميع المصالح ,مبين لها,حاث عليها ,زاجر عن المضار كلها,وجعل هذه القاعدة نصب عينيه ,ونزلها على كل واقع وحادث سابق أو لاحق ,ظهر له عظم موقعها وكثرة فوائدها وثمراتها والله اعلم .
قال سيد قطب -رحمه الله-:(إن النصوص القرآنية لاتدرك حق ادراكها بالتعامل مع مدلولاتها البيانية واللغوية فحسب إنما تدرك وقبل كل شئ بالحياة في جوها التاريخي الحركي وفي واقعيتها الايجابية وتعاملها مع الواقع الحي وهي ان كانت أبعد مدى وابقى أثرا من الواقع التاريخي الذي جاءت تواحهه لاتنكشف عن هذا المدى البعيد الا في ضؤ ذلك الواقع التاريخي ثم يبقى لها إيحاؤها الائم وفاعليتها المستمرة ولكن بالنسبة للذين يتحركون بهذا الدين وحدهم ويزاولون منه شبه ماكان يزاوله الذين نزلت هذه النصوص عليهم أول مرة ويواجهون ماكان هؤلاء يواجهون )3\1453 الظلال
وقال سيد:(ولكن الناس بعدوا عن القرآن، وعن أسلوبه الخاص، وعن الحياة في ظلاله، عن ملابسة الأحداث والمقوّمات التي يشابه جوُّها الجوُّ الذي تنزّل فيه القرآن .. وملابسةُ هذه الأحداث والمقوّمات، وتَنسُّمُ جوها الواقعي، هو وحده الذي يجعل هذا القرآن مُدرَكاً وموحياً كذلك. فالقرآن لا يدركه حق إدراكه من يعيش خالي البال من مكان الجهد والجهاد لاستئناف حياة إسلامية حقيقة، ومن معاناة هذا الأمر العسير وجرائره وتضحياته وآلامه، ومعاناة المشاعر المختلفة التي تصاحب تلك المكابدة في عالم الواقع، في مواجهة الجاهلية في أي زمان!
إن المسألة-في إدراك مدلولات هذا القرآن وإيحاءاته- ليست هي فهم ألفاظه وعباراته، ليست هي "تفسير" القرآن- كما اعتدنا أن نقول! المسألة ليست هذه. إنما هي استعداد النفس برصيد من المشاعر والمدركات والتجارب، تشابه المشاعر والمدركات والتجارب التي صاحبت نزوله، وصاحبت حياة الجماعة المسلمة وهي تتلقاه في خضم المعترك .. معترك الجهاد .. جهاد النفس وجهاد الناس. جهاد الشهوات وجهاد الأعداء. والبذل والتضحية. والخوف والرجاء. والضعف والقوة. والعثرة والنهوض.. جو مكة، والدعوة الناشئة، والقلة والضعف، والغربة بين الناس .. جو الشَّعب والحصار، والجوع والخوف، والاضطهاد والمطاردة، والانقطاع إلا عن الله.. ثم جو المدينة: جو النشأة الأولى للمجتمع المسلم، بين الكيد والنفاق، والتنظيم والكفاح .. جو "بدر" و "أحد" و "الخندق" و "الحديبية". وجو "الفتح"، و "حنين" و "تبوك". وجو نشأة الأمة المسلمة ونشأة نظامها الاجتماعي والاحتكاك الحي بين المشاعر والمصالح والمبادئ في ثنايا النشأة وفي خلال التنظيم.
في هذا الجو الذي تنزلت فيه آيات القرآن حية نابضة واقعية.. كان للكلمات وللعبارات دلالاتها وإيحاءاتها. وفي مثل هذا الجو الذي يصاحب محاولة استئناف الحياة الإسلامية من جديد يفتح القرآن كنوزه للقلوب، ويمنح أسراره، ويشيع عطره، ويكون فيه هدى ونور ..
لقد كانوا يومئذ يدركون حقيقة قول الله لهم:
"يَمنُّون عليك أن أسلموا. قل: لا تمنّوا عليّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين"..
(الحجرات: 17)
وحقيقة قول الله لهم:
"يا أيها الذين آمنوا استجيبوا الله وللرسول إذا دعاكم لما يحيكم. واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه، وأنه إليه تحشرون. واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذي ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب. واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض، تخافون أن يتخطفكم الناس. فآواكم وأيدكم بنصره، ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون".
(الأنفال: 24-26)
وحقيقة قول الله لهم:
"ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون"..
(آل عمران: 123)
وحقيقة قول الله لهم:
"ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلَون إن كنتم مؤمنين. إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله. وتلك الأيام نداولها بين الناس. وليعلم الله الذين آمنوا، ويتخذ منكم شهداء. والله لا يحب الظالمين. وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين. ولقد كنتم تَمَنَّون الموت من قبل أن تلقوه، فقد رأيتموه وأنتم تنظرون" …
(آل عمران: 139-143)
وحقيقة قول الله لهم:
"لقد نصركم الله في مواطن كثيرة. ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت، ثم وَليتم مدبرين. ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنوداً لم تروها، وعذب الذين كفروا. وذلك جزاء الكافرين" ..
(التوبة: 25، 26).
وحقيقة قول الله لهم:
"لتبلَوُن في أموالكم وأنفسكم، ولتسمعُنّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً. وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور"..
(آل عمران: 186)
كانوا يدركون حقيقة قول الله لهم في هذا كله، لأنه كان يحدثهم عن واقعيات في حياتهم عاشوها، وعن ذكريات في نفوسهم لم تغب معالمها، وعن ملابسات لم يبعد بها الزمن، فهي تعيش في ذات الجيل..
والذين يعانون اليوم وغداً مثل هذه الملابسات، هم الذين يدركون معاني القرآن وإيحاءاته. وهم الذين يتذوقون حقائق التصور الإسلامي كما جاء بها القرآن. لأن لها رصيداً حاضراً في مشاعرهم وفي تجاربهم، يتلقونها به، ويدركونها على ضوئه.. وهم قليل..)
وقال سيد ايضا:
((إن الذي نعنيه بالحياة في جو القرآن هو أن يعيش الإنسان في جو وفي ظروف وفي حركة وفي معاناة وفي صراع وفي اهتمامات كالتي كان يتنزل فيها هذا القرآن أن يعيش الإنسان في مواجهة هذه الجاهلية التي تعم وجه الأرض اليوم وفي قلبه وفي همه وفي حركته أن ينشى ء الإسلام في نفسه وفي نفوس الناس وفي حياته وفي حياة الناس مرة أخرى في مواجهة هذه الجاهلية بكل تصوراتها وكل اهتماماتها وكل تقاليدها وكل واقعها العملي ; وكل ضغطها كذلك عليه وحربها له ومناهضتها لعقيدتها الربانية ومنهجه الرباني ; وكل استجاباتها كذلك لهذا المنهج ولهذه العقيدة ; بعد الكفاح والجهاد والإصرار هذا هو الجو القرآني الذي يمكن أن يعيش فيه الإنسان ; فيتذوق هذا القرآن فهو في مثل هذا الجو نزل وفي مثل هذا الخضم عمل والذين لا يعيشون في مثل هذا الجو معزولون عن القرآن مهما استغرقوا في مدارسته وقراءته والاطلاع على علومه والمحاولة التي نبذلها لإقامة القنطرة بين المخلصين من هؤلاء وبين القرآن ليست بالغة شيئا إلا بعد أن يجتاز هؤلاء القنطرة ; ويصلوا إلى المنطقة الأخرى ; ويحاولوا أن يعيشوا في جو القرآن حقا بالعمل والحركة وعندئذ فقط سيتذوقون هذا القرآن)) مقدمة سورة الانعام
وقال ايضا:((ولكي نحصل نحن من القرآن على قوته الفاعلة وندرك حقيقة ما فيه من الحيوية الكامنة ونتلقى منه التوجيه المدخر للجماعة المسلمة في كل جيل ينبغي أن نستحضر في تصورنا كينونة الجماعة المسلمة الأولى التي خوطبت بهذا القرآن أول مرة كينونتها وهي تتحرك في واقع الحياة وتواجه الأحداث في المدينة وفي الجزيرة العربية كلها ; وتتعامل مع أعدائها وأصدقائها ; وتتصارع مع شهواتها وأهوائها ; ويتنزل القرآن
حينئذ ليواجه هذا كله ويوجه خطاها في أرض المعركة الكبيرة مع نفسها التي بين جنبيها ومع أعدائها المتربصين بها في المدينة وفي مكة وفيما حولهما وفيما وراءهما كذلك أجل يجب أن نعيش مع تلك الجماعة الأولى ; ونتمثلها في بشريتها الحقيقية وفي حياتها الواقعية وفي مشكلاتها الإنسانية ; ونتأمل قيادة القرآن لها قيادة مباشرة في شؤونها اليومية وفي أهدافها الكلية على السواء ; ونرى كيف يأخذ القرآن بيدها خطوة خطوة وهي تعثر وتنهض وتحيد وتستقيم وتضعف وتقاوم وتتألم وتحتمل وترقى الدرج الصاعد في بطء ومشقة وفي صبر ومجاهدة تتجلى فيها كل خصائص الإنسان وكل ضعف الإنسان وكل طاقات الإنسان ومن ثم نشعر أننا نحن أيضا مخاطبون بالقرآن في مثل ما خوطبت به الجماعة الأولى وأن بشريتنا التي نراها ونعرفها ونحسها بكل خصائصها تملك الاستجابة للقرآن والانتفاع بقيادته في ذات الطريق إننا بهذه النظرة سنرى القرآن حيا يعمل في حياة الجماعة المسلمة الأولى ; ويملك أن يعمل في حياتنا نحن أيضا وسنحس أنه معنا اليوم وغدا ))مقد مة سورة آل عمران
 
عودة
أعلى