حتى أحدث لك منه ذكرا..!

محمد سهلي

New member
إنضم
11/05/2010
المشاركات
10
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
المغرب - الجديدة
بسم الله الرحمن الرحيم
وأنا أقرأ سورة الكهف وتحديدا قصة موسى والعبد الصالح، انقدحت في ذهني بعض الأسئلة التي أحببت أن أشارك فيها إخواني من المشايخ وطلبة العلم:
- هل كان تصرف الخضر وفق شرعة معينة أم إنه من عباد الله من لا ينضبط تعبده ومحياه إلا بوحي مباشر من الله؟ وإن كان الأمر كذلك، فكيف يستقيم ميزان لمن يعايشونه في القيام بفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ و هل كان موسى على خطإ فيما أنكر وهو منكَر في ظاهر الأمر وشريعة الله، أم إن الطالب أو المريد عليه أن لا يضع فعل شيخه وقوله موضع الشك وإن رأى صريح المخالفة حتى يحدث له من ذلك ذكرا؟
أطرح هذه الأسئلة وأنا أستحضر المزالق العديدة التي وقع فيها بعض المتصوفة أو التي أوقعوا فيها أتباعهم باشتراطهم الاستسلام على نحو من شرط العبد الصالح على موسى، أو تكبيلهم عن إنكار صريح المنكر الذي يأتونه باستدلال ماكر بهذه الآيات.
و الله المستعان.
 
حياك الله أخي محمد
والجواب على سؤالك راجع إلى مسألة نبوة الخضر عليه السلام , والراجح أنه نبي . ومن ثم فما فعله فعن وحي من الله {وما فعلته عن أمري} , ولا هداية في هذه الحياة , ولا نجاة عند الله إلا باتباع وحيه إلى أنبياءه , ولا يُسلِمُ المسلم قياده لغير ذلك .
وما أنكره موسى عليه السلام على الخضر فهو صواب بحسب ما انتهى إليه علمه , وما فعله الخضر فصواب في منتهى علمه .
وليس في إنكار موسى على الخضر دلالة على ترك إنكار ما أنكرته الشريعة ؛ بل الواجب إنكار المنكر (الذي هو منكر) ممّن جاء به , وبالتي هي أحسن لتغييره , كما فعله موسى , وكما جاءت به شريعة محمد صل1 ؛ {وانه عن المنكر} , (من رأى منكم منكراً فليغيره ..) .
 
هذه المسألة - كما ذكر الأخ الفاضل نايف الزهراني - مبنية على نبوة الخضر ، وقد نوقشت في هذا الملتقى في مواضيع مختلفة .
ومن أهم ما ينبغي التنبيه عليه في هذه المسألة ما يأتي :
1 - الخضر عليه الصلاة والسلام نبي ؛ فما يفعله هو بوحي من الله تعالى ، وشريعته تختلف عن شريعة موسى عليه الصلاة والسلام .
2 - موسى عليه الصلاة والسلام - كسائر الأنبياء غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - لم يكن رسولا إلى جميع الإنس ؛ وبالتالي فلا مشكلة في أن يختلف مع نبي آخر في عصره أو قبله أو بعده .
3 - موسى عليه الصلاة والسلام أفضل من الخضر .
4 - كل من الخضر وموسى عليهما الصلاة والسلام مصيب فيما فعل ؛ فالخضر مصيب فيما فعل ، وموسى مصيب في إنكاره على حسب شريعته ، وإن كان الخضر اشترط عليه عدم الإنكار حتى يحدث له ذكرا ؛ فكان ينبغي بظاهر الشرط أن ينتظر ، لكن النسيان مرة والالتزام بالشريعة المأمور باتباعها مرة منعه من التقيد بالشرط.
5 - لا حجة في القصة على ما يذهب إليه المتصوفة من بدعهم وقولهم بأن للشريعة ظاهرا وباطنا ؛ وقد نص أهل العلم على أن من قال إنه يجوز لأحد الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى فهو كافر ، والعياذ بالله تعالى .
6 - ركوب الصوفية لما جاء في هذه القصة ليغرسوا في تلاميذهم الطاعة العمياء لشياطينهم هو من الحيل الشيطانية ؛ ولن يعدم أهل الباطل شبها وشهوات يصلون من خلالها لمبتغاهم .
 
شكر الله لكم وفتح لنا ولكم من نور الفهم مايتوضح به ما أشكل
لقد انتفعت بما ورد في ردود الإخوة من إفادات، و لكن اسمحوا لي أن أدفع بالمناقشة خطوة أخرى: إن الواقعة الثانية (قتل الغلام) هي التي تطرح الإشكال حقيقة، لأن الأولى والثالثة ظاهرهما منكر وغايتهما المعروف (نصرة الضعيف والمستضعف). ولكن الثانية منكرة في كل الشرائع إلا بأمر علوي موحى يعلو على الشرائع الخاصة ولا ينتظم بها أو يقاس عليه، إذ قتل النفس محرم إلا بالحق، والغلام لم يكن بعد بلغ مبلغ التحمل واستحقاق القصاص أو الحد بدليل أن موسى برر استنكاره بأنها "نفس زكية"
من هنا فالدفع بنبوة الخضر يحتاج إلى تفصيل، إذ الأنبياء وإن صدرت أفعالهم و تصرفاتهم كلها عن وحي، فإن منها ما يشرِّع و تنتظم به شريعتهم، ومنها ما يكون مخصوصا مختصا بواقعة أو شخوص أو زمان أو مكان يتم بأمر الله ولا يقاس عليه أو ينتظم في الشريعة،
و هل يقاس على ما فعل يوسف من الكيد لأخذ أحيه مع ما في ذلك من رمي بريء بما لم يقترف و إحراج إخوته والإضرار بأبيه؟
إلا أن هذا قد كان بوحي وإذن من الله لحكمة أرادها وقدرها، ولم يكن كيدا من خالص فعل يوسف ، والله تعالى عقب عليه {وكَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ }يوسف76-، و لو قيس عليه لسقطنا في مزلق الغاية التي تبرر الوسيلة، ولاستساغ كل ذي غاية فضيلة أن يحتال لها بما يعن له مما لا يقره شرع
ما يثير التساؤل ويستدعي التأمل هو أن الواقعة الثانية موضع النقاش قد نسبت لإرادة الخضر{فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً }الكهف81- مع أنها منكر في الشرائع لا تصدر من نبي إلا بإذن خاص، والواقعة الثالثة نسبت لإرادة الله{ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }الكهف82- ، إلا أن يكون التعقيب الأخير شاملا للوقائع الثلاث وأن إرادة الخضر إنما كانت على سبيل الطلب الذي استجيب له وأذن له تبعا لذلك بقتل الغلام... أنتظر من الفضلاء التصويب والتعقيب- جزاكم الله بكل خير
 
كلا الأمرين المذكورين - عن يوسف والخضر عليهما السلام - راجعٌ إلى مسألة شرع من قبلنا .. متى يكون شرعاً لنا ؟ والقاعدة فيه أنه شرعٌ لنا ما لم يأت شرعنا بخلافه .
وكل استنباط فالشرط فيه : صحته في نفسه ؛ وذلك لا يكون فيما خالف الشريعة . فهذه الاستنباطات وغيرها محكومة بهذا القيد المهم الذي يصون كتاب الله تعالى عن أن ينسب إليه ما ليس بحق معنىً أو استنباطاً .
 
الحقيقة أخي الكريم أن الأنبياء يوحى إليهم ؛ ويعملون بما أوحى الله تعالى إليهم ..
وقد نص القرآن الكريم على أن الخضر عليه الصلاة والسلام ما فعل كل ما فعله إلا بوحي من الله تعالى "وما فعلته عن أمري" أي إنما فعلته بأمر الله تعالى ..
وما فعله الخضر لا يختلف عن كل الأوامر التي تلقاها الأنبياء بالامتثال ؛ فإذا كان قتل غلاما لا ذنب له فقد فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذلك قبله وليس بغلام فقط ، وإنما بابنه ؛ نعم نجاه الله تعالى من ذلك ، ولكن إبراهيم فعل كل ما يؤدي إلى قتله بأمر من الله تعالى ..
فلا فرق بين فعل الخضر وفعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؛ بل فعل إبراهيم أشد لأن الغلام الذي أمر بقتله نبي مطيع ؛ أما الخضر فقد قتل غلاما أوحى إليه الله تعالى بأنه سيكون كافرا ..
وأما بالنسبة لشريعتنا فلا شك أن هذا منسوخ ؛ ولا يدخل في خلاف أهل العلم في قضية "شرع من قبلنا" ..
 
شكر الله لكم وفتح لنا ولكم من نور الفهم مايتوضح به ما أشكل
لقد انتفعت بما ورد في ردود الإخوة من إفادات، و لكن اسمحوا لي أن أدفع بالمناقشة خطوة أخرى: إن الواقعة الثانية (قتل الغلام) هي التي تطرح الإشكال حقيقة، لأن الأولى والثالثة ظاهرهما منكر وغايتهما المعروف (نصرة الضعيف والمستضعف). ولكن الثانية منكرة في كل الشرائع إلا بأمر علوي موحى يعلو على الشرائع الخاصة ولا ينتظم بها أو يقاس عليه، إذ قتل النفس محرم إلا بالحق، والغلام لم يكن بعد بلغ مبلغ التحمل واستحقاق القصاص أو الحد بدليل أن موسى برر استنكاره بأنها "نفس زكية"
من هنا فالدفع بنبوة الخضر يحتاج إلى تفصيل، إذ الأنبياء وإن صدرت أفعالهم و تصرفاتهم كلها عن وحي، فإن منها ما يشرِّع و تنتظم به شريعتهم، ومنها ما يكون مخصوصا مختصا بواقعة أو شخوص أو زمان أو مكان يتم بأمر الله ولا يقاس عليه أو ينتظم في الشريعة،
ليس هناك إشكال أيها الحبيب
والأمر حسمته الشريعة الخاتمة
والوقائع التي قصها الله تعالى علينا إنما هي تساعدنا حتى نستوعب الحِكم الخفية في أقدار الله التي تجري علينا. وهذا هو الغرض الرئيس من قص هذه الوقائع.


 
عودة
أعلى