ضيف الله الشمراني
ملتقى القراءات والتجويد
قال الدكتور : محمد بن عبد العزيز الخضيري:
من الرجال من تهابه إذا قابلته، فإذا اقتربت منه وجدته سمحاً قريباً هيناً ليناً، وعرفت أن الهيبة رداء قد نزل عليه فزانه، ولم يكتس به ولا تكلفه.
وكانت هذه أول مرة عرفت بها أخي وحبيبي الشيخ أبا عبد الملك مساعد بن سليمان الطيار الشريف القرشي، وكان ذلك عام 1409 عندما تقدم للإعارة في قسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين، وكنت سبقتُه إليها ببضعة أشهر، لكني جئت من كلية الشريعة التي تعني بتخريج الفقهاء، وجاء من كلية أصول الدين من قسم القرآن وعلومه، وكان متشبعاً بعلمه، شغوفاً به، حريصاً على جمع الفرائد والفوائد، يفني جُلَّ وقته فيه، لا يدعه لغيره إلا قليلاً، فوجد مثلي ضالته في مثله، رجل يبذل علمه بلا حدود، ويفتح بابه بلا قيود، ولا يتعب من البحث، ولا يمل من كثرة الواردين والسائلين والمستفيدين، مع سماحة، وطيب نفس، وحسن خلق، وحلم تام، وعلم جم، وقلة تكلف.
ما أعظم فضل الله عليَّ به، فالأصحاب في كل زمان هم العملة الأعز، والمطلب النادر "والناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة".
تزاملنا في الدراسات العليا، فلم تشقّ علي الدراسة؛ لمصاحبتي هذا العلم الفذ، وكنت متخوفاً من دخول علم لا عهد لي به، ولكن الله سبحانه منّ علي بهذه التحفة.
وكنا نمضي الأوقات الطويلة نتدارس ونتجاذب أطراف الحديث، ونأنس بالعلم وتقليب المسائل والتفقد في الكتاب العزيز.
آه، ما أحلاها من ساعات في مكتبتك العامرة يا أبا عبد الملك، أسأل الله أن تكون شاهدة في موازين الحسنات.
أما في الكلية فلا تراه مع طلابه إلا كأخ أكبر، حنون شفيق، حريص على إفادة طلابه، لا يقهرهم، ويصبر على ثقل أفهامهم ؛ ولذا يحبونه ويألفونه، ويفضون إليه بأسرارهم ويفخرون بالتتلمذ عليه.
وأما مع زملائه في القسم فلا تراه إلا مُقَدَّراً مُحْتَرَماً، لكنه يأبى أن يظهر بأكثر مما هو عليه، وأن يتشبع بما لم يُعطَ، قد استوعب دقائق التخصص، وعرف الجديد، وكاد أن يحيط بالقديم من المؤلفات والمخطوطات، ولذا أول من يذهب إليه عند السؤال والبحث أبو عبد الملك.
من أكثر الأشياء التي أعجبتني فيه: تركيزه على تخصصه وتدقيقه فيه، والإقلال من الانشغال بغيره، وإذا كنتُ معه في رحلة أو مجلس فجاءه سؤال في الفقه أو الفرائض أحال السؤال عليّ وكأنه لم يسمعه، وإذا جاء السؤال عن القرآن وعلومه سكتنا جميعاً لنسمع التقرير والتحرير، وهذا الذي ذكرتُه نابعٌ من خصلة طبيعية فيه، وهي الإتقان والإحسان في كل أمر، حتى في صنع الطعام والشراب، فله شاي خاص، ويصنعه بأدوات خاصة مع تمام الأناقة والذوق، وينتقي أطايب التمر والطعام فلا يخطئ، ولا يقع إلا على الطيب.
وكذا هو في هندامه وسيارته ومجلسه ومكتبته عندما يكتب بحوثه يجوِّدها ويرقّمها ويضبطها بالشكل و (إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه). (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
يفكّك المسائل، ويحلل الألفاظ، وينقد ويقارن، ولا تمر عليه المعلومة مروراً عابراً، ولا يسلّم لها إلا بعد تمحيص وتدقيق، وغالب من تكون هذه من طبيعته؛ تجده منقبضاً حاداً عند النقاش، شديداً على الخصوم، يغضب عند الحوار، إلا ما كان من شيخنا الدكتور مساعد فإنه واسع الصدر في الدرس، حليم على المخالف، لا يكاد يحمل على من يخالفه، ويتيح الفرصة لمن يحاوره حتى يقضيَ حاجته، ثم يجيبه بلطف وتأن وحلم مع علم.
كنتُ حريصاً على أن يظهر في وسائل الإعلام، وكان حريصاً على ألا يظهر؛ خشية أن يسرق الناس منه وقته، ولكن الله قدَّر ويسّر فغلبتُه، ولما ظهر بدا للكثير ممن لا يعرفونه قدره ومنزلته فتجمّع عليه الطلاب وشداة العلم، وفتح لهم صدره، وبذل علمه، ولذا أصبحت الاتصالات لا تتوقف، والرسائل النصية تتوالى، والدورات وخصوصاً في الصيف لا تنقطع، وقد تستمر معظم الإجازة وهو قائم بها حريص عليها، ينتقل من بلدة إلى أخرى ومن مسجد إلى مسجد، يبذل علمه للسائلين لا يبغي به إلا الأجر من رب العالمين. نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً.
أما طلاب الدراسات العليا فهو من نعم الله عليهم، يجيب أسئلتهم، ويقرأ بحوثهم، وينقدها، ويقترح عليهم الموضوعات ويراجع لهم الخطط بلا منة ولا أذى، بل بكل انبساط وسرور، لا ينتظر من أحد شكراً ولا أجراً.
وما عرفتُه إلا باراً بوالديه وبأمه بشكل خاص، حَسن التعامل مع إخوانه وأخواته يقدّرهم ويقدّرونه، لا تراه معهم إلا كالأب الحنون الشفيق، يقضي حاجاتهم، ويسرع في تلبيتها.
ولشدة انقطاع الشيخ وملازمته للعلم الذي أحبه لم ينشغل بالخطابة، وإلقاء الكلمات والمحاضرات، بل ولا يرغب في إلقاء الدروس إلا بطريقة التعليم والمحاورة والإفهام، كما لم ينشغل بالكتابة في غير علوم القرآن، فقد وقف نفسه على هذا العلم وحطَّ رحاله عنده.
وقد فتح الله عليه مع أخيه الشيخ د/ عبد الرحمن الشهري، بموقع أهل التفسير الذي أقاماه وقاما عليه خير قيام، فلا نعرفُ حتى قيام هذه الساعة موقعاً متخصصاً في علم من العلوم الشرعية قد قام به وجَمَع الدارسين من أهله من أقطار الأرض، وبغير كلل ولا حيدة =غير هذا الموقع.
وهذه فرصة سانحة ساقها الله لأبي عبد الملك، فصار يطلّ على أهل التخصص في الأرض ببحوثه وإجاباته وحُكمه بين المخالفين من خلال هذا الموقع المبارك.
واليوم نفرح جميعاً بافتتاح هذا الموقع المبارك الذي يجمع علم هذا الشيخ القرشي الألمعي ويصله بمحبيه، ويتيح الفرصة للناس؛ لينهلوا من علمه ويستفيدوا من معارفه، فلله الحمد وله المنة والفضل.
وأخيراً وقبل أن أضع رحلي في هذه المقالة العجلى أعلم أن حديث المحب عن حبيبه قد يعتريه الإطراء والمبالغة لكني -والله يعلم- لم أذكر إلا ما علمتُ، وتركتُ الكثير مما لا يتسع له المقال ولم تسعف به الذاكرة، والله المستعان وعليه التكلان.
المصدر: موقع الدكتور مساعد بن سليمان الطيار
من الرجال من تهابه إذا قابلته، فإذا اقتربت منه وجدته سمحاً قريباً هيناً ليناً، وعرفت أن الهيبة رداء قد نزل عليه فزانه، ولم يكتس به ولا تكلفه.
وكانت هذه أول مرة عرفت بها أخي وحبيبي الشيخ أبا عبد الملك مساعد بن سليمان الطيار الشريف القرشي، وكان ذلك عام 1409 عندما تقدم للإعارة في قسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين، وكنت سبقتُه إليها ببضعة أشهر، لكني جئت من كلية الشريعة التي تعني بتخريج الفقهاء، وجاء من كلية أصول الدين من قسم القرآن وعلومه، وكان متشبعاً بعلمه، شغوفاً به، حريصاً على جمع الفرائد والفوائد، يفني جُلَّ وقته فيه، لا يدعه لغيره إلا قليلاً، فوجد مثلي ضالته في مثله، رجل يبذل علمه بلا حدود، ويفتح بابه بلا قيود، ولا يتعب من البحث، ولا يمل من كثرة الواردين والسائلين والمستفيدين، مع سماحة، وطيب نفس، وحسن خلق، وحلم تام، وعلم جم، وقلة تكلف.
ما أعظم فضل الله عليَّ به، فالأصحاب في كل زمان هم العملة الأعز، والمطلب النادر "والناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة".
تزاملنا في الدراسات العليا، فلم تشقّ علي الدراسة؛ لمصاحبتي هذا العلم الفذ، وكنت متخوفاً من دخول علم لا عهد لي به، ولكن الله سبحانه منّ علي بهذه التحفة.
وكنا نمضي الأوقات الطويلة نتدارس ونتجاذب أطراف الحديث، ونأنس بالعلم وتقليب المسائل والتفقد في الكتاب العزيز.
آه، ما أحلاها من ساعات في مكتبتك العامرة يا أبا عبد الملك، أسأل الله أن تكون شاهدة في موازين الحسنات.
أما في الكلية فلا تراه مع طلابه إلا كأخ أكبر، حنون شفيق، حريص على إفادة طلابه، لا يقهرهم، ويصبر على ثقل أفهامهم ؛ ولذا يحبونه ويألفونه، ويفضون إليه بأسرارهم ويفخرون بالتتلمذ عليه.
وأما مع زملائه في القسم فلا تراه إلا مُقَدَّراً مُحْتَرَماً، لكنه يأبى أن يظهر بأكثر مما هو عليه، وأن يتشبع بما لم يُعطَ، قد استوعب دقائق التخصص، وعرف الجديد، وكاد أن يحيط بالقديم من المؤلفات والمخطوطات، ولذا أول من يذهب إليه عند السؤال والبحث أبو عبد الملك.
من أكثر الأشياء التي أعجبتني فيه: تركيزه على تخصصه وتدقيقه فيه، والإقلال من الانشغال بغيره، وإذا كنتُ معه في رحلة أو مجلس فجاءه سؤال في الفقه أو الفرائض أحال السؤال عليّ وكأنه لم يسمعه، وإذا جاء السؤال عن القرآن وعلومه سكتنا جميعاً لنسمع التقرير والتحرير، وهذا الذي ذكرتُه نابعٌ من خصلة طبيعية فيه، وهي الإتقان والإحسان في كل أمر، حتى في صنع الطعام والشراب، فله شاي خاص، ويصنعه بأدوات خاصة مع تمام الأناقة والذوق، وينتقي أطايب التمر والطعام فلا يخطئ، ولا يقع إلا على الطيب.
وكذا هو في هندامه وسيارته ومجلسه ومكتبته عندما يكتب بحوثه يجوِّدها ويرقّمها ويضبطها بالشكل و (إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه). (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
يفكّك المسائل، ويحلل الألفاظ، وينقد ويقارن، ولا تمر عليه المعلومة مروراً عابراً، ولا يسلّم لها إلا بعد تمحيص وتدقيق، وغالب من تكون هذه من طبيعته؛ تجده منقبضاً حاداً عند النقاش، شديداً على الخصوم، يغضب عند الحوار، إلا ما كان من شيخنا الدكتور مساعد فإنه واسع الصدر في الدرس، حليم على المخالف، لا يكاد يحمل على من يخالفه، ويتيح الفرصة لمن يحاوره حتى يقضيَ حاجته، ثم يجيبه بلطف وتأن وحلم مع علم.
كنتُ حريصاً على أن يظهر في وسائل الإعلام، وكان حريصاً على ألا يظهر؛ خشية أن يسرق الناس منه وقته، ولكن الله قدَّر ويسّر فغلبتُه، ولما ظهر بدا للكثير ممن لا يعرفونه قدره ومنزلته فتجمّع عليه الطلاب وشداة العلم، وفتح لهم صدره، وبذل علمه، ولذا أصبحت الاتصالات لا تتوقف، والرسائل النصية تتوالى، والدورات وخصوصاً في الصيف لا تنقطع، وقد تستمر معظم الإجازة وهو قائم بها حريص عليها، ينتقل من بلدة إلى أخرى ومن مسجد إلى مسجد، يبذل علمه للسائلين لا يبغي به إلا الأجر من رب العالمين. نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً.
أما طلاب الدراسات العليا فهو من نعم الله عليهم، يجيب أسئلتهم، ويقرأ بحوثهم، وينقدها، ويقترح عليهم الموضوعات ويراجع لهم الخطط بلا منة ولا أذى، بل بكل انبساط وسرور، لا ينتظر من أحد شكراً ولا أجراً.
وما عرفتُه إلا باراً بوالديه وبأمه بشكل خاص، حَسن التعامل مع إخوانه وأخواته يقدّرهم ويقدّرونه، لا تراه معهم إلا كالأب الحنون الشفيق، يقضي حاجاتهم، ويسرع في تلبيتها.
ولشدة انقطاع الشيخ وملازمته للعلم الذي أحبه لم ينشغل بالخطابة، وإلقاء الكلمات والمحاضرات، بل ولا يرغب في إلقاء الدروس إلا بطريقة التعليم والمحاورة والإفهام، كما لم ينشغل بالكتابة في غير علوم القرآن، فقد وقف نفسه على هذا العلم وحطَّ رحاله عنده.
وقد فتح الله عليه مع أخيه الشيخ د/ عبد الرحمن الشهري، بموقع أهل التفسير الذي أقاماه وقاما عليه خير قيام، فلا نعرفُ حتى قيام هذه الساعة موقعاً متخصصاً في علم من العلوم الشرعية قد قام به وجَمَع الدارسين من أهله من أقطار الأرض، وبغير كلل ولا حيدة =غير هذا الموقع.
وهذه فرصة سانحة ساقها الله لأبي عبد الملك، فصار يطلّ على أهل التخصص في الأرض ببحوثه وإجاباته وحُكمه بين المخالفين من خلال هذا الموقع المبارك.
واليوم نفرح جميعاً بافتتاح هذا الموقع المبارك الذي يجمع علم هذا الشيخ القرشي الألمعي ويصله بمحبيه، ويتيح الفرصة للناس؛ لينهلوا من علمه ويستفيدوا من معارفه، فلله الحمد وله المنة والفضل.
وأخيراً وقبل أن أضع رحلي في هذه المقالة العجلى أعلم أن حديث المحب عن حبيبه قد يعتريه الإطراء والمبالغة لكني -والله يعلم- لم أذكر إلا ما علمتُ، وتركتُ الكثير مما لا يتسع له المقال ولم تسعف به الذاكرة، والله المستعان وعليه التكلان.
محمد بن عبد العزيز الخضيري،،،
المصدر: موقع الدكتور مساعد بن سليمان الطيار