محمد فهد الحمود
New member
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد :
فالمتأمل في سورة مريم يظهر له بجلاء تكرار ما يدل على صفة الرحمة لله تعالى وقد نوه عن هذا المعنى الإمام ابن عاشور رحمه الله في تفسيره المعروف بـ ( التحرير والتنوير ) حيث قال : " وقد تكرر في هذه السورة صفة الرحمن ست عشرة مرة وذكر اسم الرحمه أربع مرات فأنبأ بأن من مقاصدها تحقيق وصف الله تعالى بصفة الرحمن والرد على المشركين الذين تقعروا بإنكار هذا الوصف كما حكى الله تعالى عنهم بقوله في سورة الفرقان { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } لذا أحببت أن أقف مع جوانب الرحمة التي تحدثت عنها هذه السورة وإبرازها على النحو الآتي :
أولاً : إجابة الدعاء
حيث استهلت هذه السورة بذكر قصة زكريا حينما نادى ربه نداء خفيا يرجو من الله أن يهب له من رحمته غلاماً زكيا فصعدت تلك الدعوات إلى السماوات دون أن تخطئ فجاءت الرحمات ونزلت الهبات من الرحيم الكريم الوهاب على عبده زكريا فإذا بالملائكة تناديه كما قال الله تعالى : ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين ) سورة آل عمران آية (39) إنها رحمة الله التي لا منتهى لها ولا حدود عندها تطل بنسماتها وتفوح بشذاها ونداها حينما يطرح عبدٌ من عباده على أعتاب أبوابه يدعوه ويرجوه ، ويناديه ، ويناجيه ، يسأله إجابة دعواته وتفريج كرباته فإذا برحمة الله تفجؤه وعطية الله تفرحه ، ومما يجدر التنبيه إليه أن إجابة الدعاء ليست خاصة بالأنبياء ولا حتى بالصالحين بل إن ربنا جل في علاه يجيب دعاء المضطر حتى ولو كان مشركا قال تعالى : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون * ليكفروا بما أتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ) سورة العنكبوت آية (65-66) وقد عرجت هذه السورة على قصة إبراهيم عليه السلام وأن الله وهب له من رحمته إسحاق ويعقوب وجعلهما نبيين من الصالحين وهل صلاح ذريته عليه السلام إلا ثمرة من ثمرات دعواته ؟ فقد حكى الله عز وجل عنه في مواضع أخرى من القرآن أنه دعاه فقال : ( وجنبني وبني أني نعبد الأصنام ) سورة إبراهيم آية(35) وأنه قال : ( ربِ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ) سورة إبراهيم آية (40) وقال : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) سورة البقرة آية (128) وقال الله تعالى عنه : ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) سورة البقرة آية (124) كما ذكر الله تبارك وتعالى في سورة مريم هبته ورحمته لموسى حينما أرسل معه أخاه هارون عليهما السلام استجابة لدعائه حينما كلمه كفاحاً من غير واسطة فقال (وجعل لي وزيراً من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا * قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ) سورة طه آية (29-36) فيا لله ما أعظم رحمته وما أوسع جوده على عبده ونبيه موسى عليه السلام وما أعظم وجاهة كريم الرحمن عند ربه حتى كلمه وقبل شفاته لأخيه ولذلك لا تجد في التاريخ أبداً أخاً له فضل على أخيه كما لموسى على هارون عليهما السلام والدعاء يا إخواني مفتاح من مفاتيح رحمة الله كم فرجت به من هموم وكم نفست به من كربات وكم صلحت به من حال وكم استقامت به من معيشة وأذكر أني سمعت من بعض مشايخنا الفضلاء أن رجلاً صالحاً كان له أبناء عليهم مظاهر الغفلة فقال ذات يوم لمن حوله : لا أملك لهم إلا الدعاء في ظلمات الليالي بأن يصلحهم الله فلم يخيب الله ظنه فصلحت أحوال أبنائه وسلكوا طريق الاستقامة نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً حتى أصبحوا جميعاً طلبة للعلم .
ثانياً : صلاح الأسرة
ذكر الله جل وعلا في هذه السورة نماذج رائعة من الأسر المؤمنة التي كانت ولا زالت منارة ومعلم هدى لمن بعدهم وقد نوعت في ذكر أطراف الأسرة سواء كان الأب مع ابنه كزكريا ويحيى عليهما السلام أو الأم مع ابنها كمريم وعيسى عليهما السلام أو الأخ وأخيه كموسى وهارون عليهما السلام . ثم تمضي السورة وتتحدث عن إسماعيل عليه السلام وعن حرصه على هداية أهله وأمرهم بالصلاة والزكاة واستمراره على ذلك دون انقطاع أو كلل أو ملل وهذا المعنى مستفاد من قوله جل جلاله ( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ) سورة مريم آية (55) إذ إن من قواعد التفسير المقررة أن " صيغة المضارع بعد لفظة كان تدل على كثرة التكرار والمداومة على هذا الفعل " والله سبحانه أمر نبيه أن يتذكر ذلك وأن يسير على هدي هذا النبي الكريم وغيره من الأنبياء قال تعالى بعد ذكره لعدد من الأنبياء ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) سورة الأنعام آية (90) ونحن مأمورون بأن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نقتفي أثار هؤلاء الأنبياء الكرام فنأمر أهلنا بالخير على وجه الحكمة والموعظة الحسنة مستصحبين الرفق والحلم والأناة والصبر في نصحنا قال تعالى : ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصو بالحق وتواصوا بالصبر ) سورة العصر وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ومالا يعطي على ما سواه ) رواه مسلم وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ) رواه مسلم وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق ) رواه أحمد وصححه الألباني وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم ولا منعوه إلا ضرهم ) رواه الطبراني وصححه الألباني ومن الحكم الموروثة عن الأمة الفرنسية قولهم : ( الصبر والوقت الطويل يفعلان ما لا تفعله القوة والغضب ) . وأختم هذا الجانب بالقول بأن مما يعين على صلاح الأسرة الدعاء بصلاح الأهل والذرية وقد أثنى الله على عباد الرحمن بأنهم يدعونه ويقولون ( ربنا هبا لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) سورة الفرقان آية (74) وتأمل قوله (يقولون) ومجيؤها بصيغة الفعل المضارع مما يشير إلى مواظبتهم على هذا الدعاء واستمرارهم عليه . كما أن اختيار الزوجة الصالحة سبيل لصلاح الذرية وقد أرشدنا ديننا الحنيف إلى اختيار الزوجة ذات الدين فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) متفق عليه . إن الزوجة عنصر مهم لصلاح الأسرة فكم من أب شغل بلقمة العيش أو بطلب العلم أو بواجب الدعوة إلى الله عز وجل وعنده في البيت امرأة تعادل مئات الرجال تحرص على تربية أولادها على الصراط المستقيم ومن ذلك ما سمعناه وما رأيناه من وسائل الاعلام عن الشيخ عبد العزيز الوهيبي رحمه الله وأسرته المباركة الصالحة نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدا والتي بني أساسها على اختيار زوجين من أهل الصلاح تغمدهما الله بواسع رحمته فكان ثمرة ذلك تلك البنت الصالحة ميمونة رحمها الله والتي عرف عنها سمو الأخلاق وقيام الليل وطلب العلم لاسيما ما يتعلق بعلوم القرآن .
ثالثاً : إكرام الله تعالى لأوليائه
ومن ذلك أنهم يحشرون إلى موقف القيامة مكرمين مبجلين معظمين قال تعالى : ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) سورة مريم آية (85) حتى إنهم من وجاتهم عند الله عز وجل يشفعون عنده ويدخل الجنة بسببهم أمم من الخلق قال تعالى : ( لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) سورة مريم آية (87) أي عهداً بالإيمان والتقوى ومن كان كذلك فحقيق به أن يكون من جملة الشافعين فقد روى الإمام أحمد بسنده عن أبي أمامه رضي الله عنه : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين أو مثل أحد الحيين ربيعه ومضر ) فقال رجل: يا رسول الله أو ما ربيعه من مضر فقال : ( إنما أقول ما أقول ) وقد ذكر الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في كتاب الشفاعة ( ص185) أن للحديث شاهدين كافيين في ثبوت الحديث كما روى الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن شقيق قال : جلست إلى رهط أنا رابعهم بإيلياء فقال أحدهم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم ) قلنا : سواك يا رسول الله ؟ قال (سواي) قلت : أنت سمعته ؟ قال : نعم . فلما قام قلت : من هذا ؟ قالوا : ابن ابي الجدعاء . والحديث قال عنه الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في كتاب الشفاعة (ص187): والحديث على شرط مسلم .
رابعاً : وضع القبول في الأرض
قال تعالى : ( إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) سورة مريم آية (96) وقد علق الشيخ السعدي رحمه الله على هذه الآية الكريمة بقوله : " وإذا كان لهم في القلوب ود تيسير لهم كثيرٌ من أمورهم وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل " . ثم استدل الشيخ بحديث إبي هريرة رضي الله عنه قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل أن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ) متفق عليه .
وختاماً أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن شملته الرحمة الخاصة بأوليائه وأن ينفع بهذه الكلمات كاتبها وقارئها ومبلغها وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
فالمتأمل في سورة مريم يظهر له بجلاء تكرار ما يدل على صفة الرحمة لله تعالى وقد نوه عن هذا المعنى الإمام ابن عاشور رحمه الله في تفسيره المعروف بـ ( التحرير والتنوير ) حيث قال : " وقد تكرر في هذه السورة صفة الرحمن ست عشرة مرة وذكر اسم الرحمه أربع مرات فأنبأ بأن من مقاصدها تحقيق وصف الله تعالى بصفة الرحمن والرد على المشركين الذين تقعروا بإنكار هذا الوصف كما حكى الله تعالى عنهم بقوله في سورة الفرقان { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } لذا أحببت أن أقف مع جوانب الرحمة التي تحدثت عنها هذه السورة وإبرازها على النحو الآتي :
أولاً : إجابة الدعاء
حيث استهلت هذه السورة بذكر قصة زكريا حينما نادى ربه نداء خفيا يرجو من الله أن يهب له من رحمته غلاماً زكيا فصعدت تلك الدعوات إلى السماوات دون أن تخطئ فجاءت الرحمات ونزلت الهبات من الرحيم الكريم الوهاب على عبده زكريا فإذا بالملائكة تناديه كما قال الله تعالى : ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين ) سورة آل عمران آية (39) إنها رحمة الله التي لا منتهى لها ولا حدود عندها تطل بنسماتها وتفوح بشذاها ونداها حينما يطرح عبدٌ من عباده على أعتاب أبوابه يدعوه ويرجوه ، ويناديه ، ويناجيه ، يسأله إجابة دعواته وتفريج كرباته فإذا برحمة الله تفجؤه وعطية الله تفرحه ، ومما يجدر التنبيه إليه أن إجابة الدعاء ليست خاصة بالأنبياء ولا حتى بالصالحين بل إن ربنا جل في علاه يجيب دعاء المضطر حتى ولو كان مشركا قال تعالى : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون * ليكفروا بما أتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ) سورة العنكبوت آية (65-66) وقد عرجت هذه السورة على قصة إبراهيم عليه السلام وأن الله وهب له من رحمته إسحاق ويعقوب وجعلهما نبيين من الصالحين وهل صلاح ذريته عليه السلام إلا ثمرة من ثمرات دعواته ؟ فقد حكى الله عز وجل عنه في مواضع أخرى من القرآن أنه دعاه فقال : ( وجنبني وبني أني نعبد الأصنام ) سورة إبراهيم آية(35) وأنه قال : ( ربِ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ) سورة إبراهيم آية (40) وقال : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) سورة البقرة آية (128) وقال الله تعالى عنه : ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) سورة البقرة آية (124) كما ذكر الله تبارك وتعالى في سورة مريم هبته ورحمته لموسى حينما أرسل معه أخاه هارون عليهما السلام استجابة لدعائه حينما كلمه كفاحاً من غير واسطة فقال (وجعل لي وزيراً من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا * إنك كنت بنا بصيرا * قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ) سورة طه آية (29-36) فيا لله ما أعظم رحمته وما أوسع جوده على عبده ونبيه موسى عليه السلام وما أعظم وجاهة كريم الرحمن عند ربه حتى كلمه وقبل شفاته لأخيه ولذلك لا تجد في التاريخ أبداً أخاً له فضل على أخيه كما لموسى على هارون عليهما السلام والدعاء يا إخواني مفتاح من مفاتيح رحمة الله كم فرجت به من هموم وكم نفست به من كربات وكم صلحت به من حال وكم استقامت به من معيشة وأذكر أني سمعت من بعض مشايخنا الفضلاء أن رجلاً صالحاً كان له أبناء عليهم مظاهر الغفلة فقال ذات يوم لمن حوله : لا أملك لهم إلا الدعاء في ظلمات الليالي بأن يصلحهم الله فلم يخيب الله ظنه فصلحت أحوال أبنائه وسلكوا طريق الاستقامة نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً حتى أصبحوا جميعاً طلبة للعلم .
ثانياً : صلاح الأسرة
ذكر الله جل وعلا في هذه السورة نماذج رائعة من الأسر المؤمنة التي كانت ولا زالت منارة ومعلم هدى لمن بعدهم وقد نوعت في ذكر أطراف الأسرة سواء كان الأب مع ابنه كزكريا ويحيى عليهما السلام أو الأم مع ابنها كمريم وعيسى عليهما السلام أو الأخ وأخيه كموسى وهارون عليهما السلام . ثم تمضي السورة وتتحدث عن إسماعيل عليه السلام وعن حرصه على هداية أهله وأمرهم بالصلاة والزكاة واستمراره على ذلك دون انقطاع أو كلل أو ملل وهذا المعنى مستفاد من قوله جل جلاله ( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ) سورة مريم آية (55) إذ إن من قواعد التفسير المقررة أن " صيغة المضارع بعد لفظة كان تدل على كثرة التكرار والمداومة على هذا الفعل " والله سبحانه أمر نبيه أن يتذكر ذلك وأن يسير على هدي هذا النبي الكريم وغيره من الأنبياء قال تعالى بعد ذكره لعدد من الأنبياء ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) سورة الأنعام آية (90) ونحن مأمورون بأن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نقتفي أثار هؤلاء الأنبياء الكرام فنأمر أهلنا بالخير على وجه الحكمة والموعظة الحسنة مستصحبين الرفق والحلم والأناة والصبر في نصحنا قال تعالى : ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصو بالحق وتواصوا بالصبر ) سورة العصر وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ومالا يعطي على ما سواه ) رواه مسلم وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ) رواه مسلم وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ) رواه مسلم وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق ) رواه أحمد وصححه الألباني وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم ولا منعوه إلا ضرهم ) رواه الطبراني وصححه الألباني ومن الحكم الموروثة عن الأمة الفرنسية قولهم : ( الصبر والوقت الطويل يفعلان ما لا تفعله القوة والغضب ) . وأختم هذا الجانب بالقول بأن مما يعين على صلاح الأسرة الدعاء بصلاح الأهل والذرية وقد أثنى الله على عباد الرحمن بأنهم يدعونه ويقولون ( ربنا هبا لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) سورة الفرقان آية (74) وتأمل قوله (يقولون) ومجيؤها بصيغة الفعل المضارع مما يشير إلى مواظبتهم على هذا الدعاء واستمرارهم عليه . كما أن اختيار الزوجة الصالحة سبيل لصلاح الذرية وقد أرشدنا ديننا الحنيف إلى اختيار الزوجة ذات الدين فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) متفق عليه . إن الزوجة عنصر مهم لصلاح الأسرة فكم من أب شغل بلقمة العيش أو بطلب العلم أو بواجب الدعوة إلى الله عز وجل وعنده في البيت امرأة تعادل مئات الرجال تحرص على تربية أولادها على الصراط المستقيم ومن ذلك ما سمعناه وما رأيناه من وسائل الاعلام عن الشيخ عبد العزيز الوهيبي رحمه الله وأسرته المباركة الصالحة نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدا والتي بني أساسها على اختيار زوجين من أهل الصلاح تغمدهما الله بواسع رحمته فكان ثمرة ذلك تلك البنت الصالحة ميمونة رحمها الله والتي عرف عنها سمو الأخلاق وقيام الليل وطلب العلم لاسيما ما يتعلق بعلوم القرآن .
ثالثاً : إكرام الله تعالى لأوليائه
ومن ذلك أنهم يحشرون إلى موقف القيامة مكرمين مبجلين معظمين قال تعالى : ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) سورة مريم آية (85) حتى إنهم من وجاتهم عند الله عز وجل يشفعون عنده ويدخل الجنة بسببهم أمم من الخلق قال تعالى : ( لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) سورة مريم آية (87) أي عهداً بالإيمان والتقوى ومن كان كذلك فحقيق به أن يكون من جملة الشافعين فقد روى الإمام أحمد بسنده عن أبي أمامه رضي الله عنه : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين أو مثل أحد الحيين ربيعه ومضر ) فقال رجل: يا رسول الله أو ما ربيعه من مضر فقال : ( إنما أقول ما أقول ) وقد ذكر الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في كتاب الشفاعة ( ص185) أن للحديث شاهدين كافيين في ثبوت الحديث كما روى الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن شقيق قال : جلست إلى رهط أنا رابعهم بإيلياء فقال أحدهم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم ) قلنا : سواك يا رسول الله ؟ قال (سواي) قلت : أنت سمعته ؟ قال : نعم . فلما قام قلت : من هذا ؟ قالوا : ابن ابي الجدعاء . والحديث قال عنه الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في كتاب الشفاعة (ص187): والحديث على شرط مسلم .
رابعاً : وضع القبول في الأرض
قال تعالى : ( إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) سورة مريم آية (96) وقد علق الشيخ السعدي رحمه الله على هذه الآية الكريمة بقوله : " وإذا كان لهم في القلوب ود تيسير لهم كثيرٌ من أمورهم وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل " . ثم استدل الشيخ بحديث إبي هريرة رضي الله عنه قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل أن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ) متفق عليه .
وختاماً أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن شملته الرحمة الخاصة بأوليائه وأن ينفع بهذه الكلمات كاتبها وقارئها ومبلغها وصلى الله وسلم على نبينا محمد .