جواب على سؤال:"حول تكفير الشهاب العراقي لمن اعتقد أن هاروت وماروت ملكان يعذبان ؟؟":

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
جواب على سؤال:"حول تكفير الشهاب العراقي لمن اعتقد أن هاروت وماروت ملكان يعذبان ؟؟":

بسم1

جواب على سؤال:"حول تكفير الشهاب العراقي لمن اعتقد أن هاروت وماروت ملكان يعذبان ؟؟":


نص السؤال: " نص الشهاب العراقي على أن من اعتقد في هاروت وماروت أنهما ملكان يعذبان على خطيئتهما مع الزهرة فهو كافر بالله تعالى العظيم ، ولكن الم يثبت هذا عن بعض الصحابة كابن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس فضلا عن التابعين باسانيد صحيحة كما نص عليه ابن كثير في تفسيره ، فعلي هذا يكون القرافي قد كفر بعض الصحابة والتابعين ، فارجو من الإخوة الإفادة حول هذا الموضوع"اهـــ.

أقول وبالله التوفيق:كل ما ورد في بعض كتب التفسير حول قصة هاروت وماروت من الإسرائليات الباطلة التي تخالف العقل والشرع، فمعلوم أن أقسام الإسرائليات ثلاثة:
- قسم موافق لشرعنا فهذا نقبله ونصدقه.
- وقسم مخالف لشرعنا مناقض له فهذا نرده ونبطله.
- وقسم مسكوت عنه لا دليل على موافقته أو مخالفته لشريعتنا فهذا يصدق عليه قوله صلى الله عليه وسلم:
"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا : (آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم )[1]. ومن ذلك ما يتعلق بسفينة نوح عليه السلام والجزء من البقرة الذي ضرب به قتيل بني إسرائيل وغيرها كثير.

وكل ما روي في شأن هاروت وماروت يندرج في القسم الباطل المردود، لكونه من وضع زنادقة اليهود الذين ما سلم أحد من سخريتهم، فاستهزؤوا وتنقصوا من رب الأرض والسموات ووضعوا في ذلك كثيرا من باطل الحكايات، يستحيي المسلم العاقل من ذكرها عليهم لعائن الله تعالى في الحياة وبعد الممات، واستهزؤوا بالرسل الكرام مختلقين في ذلك كثيرا من الأحاديث الباطلة عند أهل الحديث والإتقان، كما ألفوا كثيرا من الموضوعات للتنقيص من قدر الملائكة الأطهار الأبرار...
ومن ذلك ما نقل عنهم بخصوص الملكين هاورت وماروت وأنهم وقعوا في أعظم الذنوب والمنكرات من الشرك والزنا وشرب الخمر والقتل.
فهل يصدق عاقل بشيء من هذا؟
كيف تصدر هذه المخالفات العظيمة ممن قال الله فيهم:
"بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) "-الأنبياء-.
"لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ "-التحريم-.
"وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)"-الأنبياء-...

وقد افتتح الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى الأحاديث المروية في قصة هاروت وماروت بحديث ابن عمر رضي الله عنهما قائلا:" ذكر الحديث الوارد في ذلك -إن صح سنده ورفعه-وبيان الكلام عليه:
عن عبد الله بن عمر: أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن آدم -عليه السلام-لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 30] ، قالوا: ربنا، نحن أطوع لك من بني آدم. قال الله تعالى للملائكة: هَلُموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض، فننظر كيف يعملان؟ قالوا: برَبِّنا، هاروتَ وماروتَ. فأهبطا إلى الأرض ومثُلت لهما الزُّهَرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما، فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك. فقالا والله لا نشرك بالله شيئًا أبدًا. فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي. فقالا لا والله لا نقتله أبدًا. ثم ذهبت فرجعت بقَدَح خَمْر تحمله، فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر. فشربا فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي. فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئًا أبيتماه عليّ إلا قد فعلتماه حين سكرتما. فخيرَا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا".
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وابن حبان.
وقول الحافظ :" إن صح سنده ورفعه" يفيد عدم اطمئنانه له، بل قد صرح بذلك معلقا:"هذا حديث غريب من هذا الوجه..."
وبعد أن أورد حديثين آخرين في معنى الأول قال:" وهذان -أيضاً-غريبان جدًّا. وأقرب ما في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر، عن كعب الأحبار، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال عبد الرزاق في تفسيره، عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب قال:
" ذكرت الملائكة أعمال بني آدم، وما يأتون من الذنوب، فقيل لهم: اختاروا منكم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت. فقال لهما: إني أرسل إلى بني آدم رسلا وليس بيني وبينكم رسول، انزلا لا تشركا بي شيئًا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر. قال كعب: فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استكملا جميع ما نهيا عنه."
رواه عبد الرزاق في مصنفه وكذا ابن جرير في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره كلهم بأسانيدهم عن كعب الأحبار.
قال الحافظ ابن كثير:" فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع. فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار، عن كتب بني إسرائيل، والله أعلم."اهــ.
فهذا اعتراف من الحافظ ابن كثير أن الحديث من الإسرائيليات خاصة إذا علمنا أن كعب الأحبار كان يهوديا فأسلم كما قال ابن سعد في الطبقات.

ثم ذكر الحافظ بعض الآثار الواردة في ذلك عن الصحابة والتابعين وطفق يعلق على كل واحد منها:
فقال عن بعضها:" وهو غريب جداً."
وفي الآخر:"وهذا لا يثبت من هذا الوجه."
وفي ثالث:"هو منكر جدًا.".
وفي رابع:"هذا السياق فيه زيادات كثيرة وإغراب ونكارة، والله أعلم بالصواب.".
ومما قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:" قد روى في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين، كمجاهد والسدي والحسن [البصري] وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال.". اهـــــ.

وقد حكم أئمة الحديث على حديث ابن عمر المرفوع بالضعف الشديد منهم العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى حيث قال في مختصره لتفسير ابن كثير:" وأشرنا إلى مخالفته الواضحة للعقل لا من جهة عصمة الملائكة القطعية..."اهـــ.-عمدة التفسير-.
ومنهم العلامة شعيب الأرنؤوط حيث قال معلقا عليه:"إسناده ضعيف ومتنه باطل.".
ومنهم العلامة الألباني الذي ذهب إلى بطلانه.

وقد أورد رحمه الله تعالى في السلسة الضعيفة كثيرا من الأحاديث الواردة في قصة هاروت وماروت، وكان حكمه عليها يدور بين الوضع والنكارة والبطلان وعدم وجود أصل للحديث.
ومن ذلك قوله عن حديث:" لعن الله الزهرة فإنها هي التي فتنت الملكين هاروت وماروت": باطل مرفوعا .
" وعلق عليه[2]الشيخ رشيد رضا رحمه الله بقوله:
من المحقق أن هذه القصة لم تذكر في كتبهم المقدسة، فإن لم تكن وضعت في زمن روايتها فهي في كتبهم الخرافية ، ورحم الله ابن كثير الذي بين لنا أن الحكاية خرافة إسرائيلية وأن الحديث المرفوع لا يثبت .
قلت[3] : وقد استنكره جماعة من الأئمة المتقدمين ، فقد روى حنبل الحديث من طريق أحمد ثم قال : قال أبو عبد الله ( يعني الإمام أحمد ) : هذا منكر ، وإنما يروى عن كعب ، ذكره في " منتخب ابن قدامة " ( 11 / 213 ) ، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " ( 2 / 69 - 70 ) : سألت أبي عن هذا الحديث ؟ فقال : هذا حديث منكر ."[4].-اهـــ .
وممن أنكر القصة وأبطلها من أسها الإمام الرازي رحمه الله تعالى وذلك من عدة وجوه[5].
ومما قاله في بعض المواضع من تفسيره:"وأيضاً لما ثبت بهذه الآية وجوب عصمة الملائكة، ثبت أن القصة الخبيثة التي يذكرونها في حق هاروت وماروت كلام باطل ، فإن الله تعالى وهو أصدق القائلين لما شهد في هذه الآية على عصمة الملائكة وبراءتهم عن كل ذنب ، وجب القطع بأن تلك القصة كاذبة باطلة والله أعلم"[6].اهـــ.

وخلاصة القول أن الصحابة الذين نسبت إليهم هذه القصة الباطلة براء منها، وأنها من الإسرائليات أخذت عن كعب الأحبار وغيره، وألصقها زنادقة أهل الكتاب بالإسلام زورا وبهتانا.

والذي تطمئن له النفس في تفسير الآية هو ما ذكره إمام المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى:
" فغير منكر أن يكون جل ثناؤه علمه الملكين اللذين سماهما في تنزيله، وجعلهما فتنة لعباده من بني آدم - كما أخبر عنهما أنهما يقولان لمن يتعلم ذلك منهما:(إنما نحن فتنة فلا تكفر) - ليختبر بهما عباده الذين نهاهم عن التفريق بين المرء وزوجه، وعن السحر، فيمحص المؤمن بتركه التعلم منهما، ويخزي الكافر بتعلمه السحر والكفر منهما. ويكون الملكان في تعليمهما من علما ذلك - لله مطيعين، إذْ كانا = عن إذن الله لهما بتعليم ذلك من علماه = يعلمان."[7].اهـــ.

أما بالنسبة لما ذكره الشهاب العراقي رحمه الله تعالى وحكمه بالكفر على من اعتقد هذه القصة المنكرة في حق الملكين هاروت وماروت[8]، فلا جرم ولا ريب في صحته، وذلك لأن هذا الشخص يكون بهذا الاعتقاد مكذبا بكل النصوص التي وردت في عصمة الملائكة عليهم السلام، ومعلوم أن من كذب أو أنكر ولو حرفا واحدا من القرآن الكريم يكفر.

والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله ذي الجلال والإكرام.




[1] أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة.

[2] أي على حديث ابن عمر المرفوع.

[3] القائل هو العلامة الألباني رحمه الله تعالى.

[4] من سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة:1/318-.

[5] فلتنظر في تفسيره.

[6] مفاتيح الغيب:20/37.

[7] جامع البيان: 2/426.

[8] يقول الإمام الألوسي:"ونص الشهاب العراقي على أن من إعتقد في هاروت وماروت أنهما ملكان يعذبان على خطيئتهما مع الزهرة فهو كافر بالله تعالى العظيم فإن الملائكة معصومون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون..."-روح المعاني:1/341-.




 
بارك الله فيك أستاذ ناصرعبد عبد الغفور.
ولو أن الدراسات المتعلقة بالتفسير وعلوم القرآن نحت منحى الإهتمام بتمحيص "الآثار" و" الأخبار" التي تزخر بها كتب التفسير خاصة , لو أن الدراسات فعلت ذلك لقدمت لجمهور المسلمين خدمات علمية جليلة , تساهم في توضيح كثير من الإشكالات , والضلالات, والتناقضات , التي هي نتاج حشر هذه " الآثار" ومنها " الإسرائليات" في كتب التفسير !!!.
- التصورات الخاطئة حتى في العقيدة.
- التوسع في القول بتكرر نزول القرآن, حتى يخيل اليك أنه نزل مرات عديدة.
- التفاسير القرآنية - الدخيلة - للمعاني والألفاظ.
- القصص الباطل الذي يتولى فك " مبهمات" و " مجملات " القصص القرآني.
- الأقوال - المنحرفة عقديا , والمتعلقة بذات الله تعالى , وعصمة الملائكة , والأنبياء, وطهارة الصالحين.
كل هذه القضايا وغيرها, لن يتبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود في كتب التفسير , حتى تبذل جهود علمية جادة في تصفية الموروث التفسيري من كل شوائب " الدخيل "!!!
 
بارك الله فيك أستاذ ناصر ورزقك سعادة الدارين
 
عودة
أعلى