وأنا أقرأ كتاب فضيلة الدكتور أحمد الطعان " العلمانيون والقرآن " ...
وهو قوي بحق في بابه ... وفريد في نقده ....
وقد أشكل علي فهم جملة ذكرها : فقال حفظه الله :
الخطأ الثاني : لم يقل أحد من الأشاعرة بأن الجزء القرآني المدون في اللوح المحفوظ أزلي قديم لأنه لا أحد من المسلمين يمكن أن يعتقد أن اللوح المحفوظ قديم فضلا عما يحتويه ، فاللوح المحفوظ مثله مثل دفتي المصحف يحففظ في داخله المعلومات الي كشفها أو يريد أأن يكشفها الله عز وجل للبشر أو لنقل المعلومات الخاصة بالكون "ما فرطنا في الكتاب من شيء " والألفاظ الموجودة في اللوح المحفوظ أو في المصحف مخلوقة ، لأن الألفاظ خطاب متعلقق بالمخلوقات فهي لذلك حادثة "
فآمل التوضيح ........ وشكر الله للدكتور أحمد الطعان كتابه القيم .
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم الأستاذ عقيل الشمري بارك الله فيك وأشكر اهتمامك وقراءتك لما أكتب وبعد : فالحقيقة لم أطلع على ما كتبته إلا هذه اللحظة لأنني شغلت عن الإنترنت في الأسبوع الماضي بأخٍ طالب علم زارني من تركيا والآن نقرأ ما كتبته معاً ...
وليس لدي الآن وقت للرد على ما تذكره لكني سأنقل النص كاملاً من البحث وأضعه أمام الإخوة فأنا لا أرى أن هناك مشكل في النص .... ولكن القضية ككل - أعني قضية خلق القرآن - مسألة طال النقاش فيها بين اهل السنة أنفسهم من أشاعرة وماتريدية وحنابلة وغيرهم ...
وهذا النص كاملاً :
3– العلم الإلهي المطلق يبدد إشكالية التعارض بين النسخ والأزلية :
بقي أن نجيب عن الإشكاليتين اللتين يثيرهما الخطاب العلماني في علاقة النسخ مع أزلية الكلام الإلهي وعلاقته بجمع القرآن الكريم ، أما الثانية فسنرجئ الحديث عنها إلى مكان آخر سيأتي إن شاء الله عز وجل .
وأما الأولى فتتمثل في القول : بان النسخ يتنافى مع الاعتقاد بأزلية القرآن الكريم ومن هنا يقول الخطاب العلماني : "" لم يناقش العلماء ما تؤدي إليه ظاهرة نسخ التلاوة أو حذف النصوص سواء بقي حكمها أم نسخ أيضاً من قضاء كامل على تصورهم لأزلية الوجود الكتابي للنص في اللوح المحفوظ "" ( ) ، لأنه إذا كان الوحي في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ "" فإن نزول الآيات المثبتة في اللوح المحفوظ ثم نسخها وإزالتها من القرآن المتلو ينفي هـذه الأبـدية المفترضة الموهومة "" ( ) .
والنقد هنا يوجه إلى التصور الأشعري بالذات ، لأنه هو الذي شاع وتجذر ، وسيادة هذا التصور هي التي أدت إلى "" تصور وجود أزلي سابق للنص في اللوح المحفوظ "" ( ). وأدخلنا هذا التصور الأشعري في متاهة من الافتراضات دخل فيها علماء القرآن بالفعل ( ).""والحقيقة أنه لم يكن ثمة نزول مجمل للنص من مكان إلى آخر وراء عالم الأرض عالم الوقائع والجزئيات ""( ).
هذه هي صورة المسألة كما يصورها الخطاب العلماني ( ) . ونناقشها فيما يلي :
بداية لا بد من التنبيه إلى خطأين جسيمين وقع فيهما الخطاب المذكور بسبب الارتجال والمجازفة ، والرغبة العارمة في تسفيه كل ما هو سلفي وقديم .
الخطأ الأول : قوله بأن العلماء - هكذا بإطلاق - لم يناقشوا ما تؤدي إليه ظاهرة نسخ التلاوة من تناقض مع التصور الخطي الكتابي الأزلي للنص في اللوح المحفوظ . والحقيقة أن العلماء ناقشوا علاقة النسخ بأزلية النص، وأجابوا عن الإشكاليات التي قد ترد في الذهن وسيرد شيئاً من هذا بعد قليل .
الخطأ الثاني : لم يقل أحد من الأشاعرة بأن الجزء القرآني المدون في اللوح المحفوظ أزلي قديم، لأنه لا أحد من المسلمين يمكن أن يعتقد أن اللوح المحفوظ قديم فضلاً عما يحتويه ، فاللوح المحفوظ مثله مثل دفتي المصحف يحفظ في داخله المعلومات التي كشَفها أو يريد أن يكشفها الله عز وجل للبشر أو لنقل المعلومات الخاصة بالكون مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ( ). والألفاظ الموجودة في اللوح المحفوظ أو في المصحف مخلوقة، لأن الألفاظ خطاب متعلق بالمخلوقات فهي لذلك حادثة ، وهو ما يوضحه الإمام الغزالي بعبارة مختصرة حين يناقش منكري النسخ فيقول : "" وإن قالوا : كلام الله تعالى قديم ، والقديم كيف يُنسخ قلنا : تعلق الخطاب بنا ليس قديماً ، فلا بُعد في انقطاعه كما ينقطع بالجنون وغيره "" ( ) .
كلام الغزالي هذا يبين أن العلماء ناقشوا علاقة النسخ بالأزلية بعكس ما يقرر الخطاب العلماني ، ويبين أن القديم هو الصفة الذاتية " الكلام " أو ما يسميه الأشاعرة " الكلام النفسي " وهو المعنى القائم بالنفس الذي يشير إليه الأخطل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جُعل اللسان على الفؤاد دليلاً
ومثله قول عمر رضي الله عنه : "" إني زوَّرت في نفسي مقالة ، أي هيأت كلاماً ""( )، ومثله قولك لصاحبك : إن في نفسي كلاماً أحب أن أُطلعك عليه .
وعلى ذلك فليس هناك مشكلة في النسخ لأن النسخ لا يتناول الكلام القديم ، إذ الباري عز وجل متكلم أبداً وأزلاً كما أنه عالم كذلك ، إن النسخ يتناول الخطاب الإلهي من جهة تَعلقِه بنا ، وتعلُّقه بنا حادث وليس قديماً ، فلو افترضنا أن الناس كلهم مجانين ولم يخاطبهم الباري عز وجل ولم يكلمهم أفيعني ذلك أن الباري عز وجل ليس متكلماً ؟!
إن التعلق الحادث مثله مثل الأفعال الإلهية التي ينسخ بعضها بعضاً ، فهو سبحانه وتعالى يُمرِض ويشفي ويُسعد ويُشقي ويُميت ويُحيي ويُفقر ويُغني ، ولم يقل أحد إن العلم الإلهي بناء على ذلك إذن حادث ، فالعلم صفة إلهية ذاتية قديمة ومتعلَّقُها أي المعلومات حادثة ( ) .
إن النسخ من الباري عز وجل بيان ، أما بالنسبة لنا فهو رفع أو إزالة ، والباري عز وجل عندما ينسخ حكماً فقد سبق في علمه أن هذا الحكم المنسوخ مؤقت لا مؤبد ، وسبق في علمه أيضاً في تأقيته إنما هو بورود الناسخ لا بشيء آخر، وقد تعلق علمه عز وجل بهما جميعاً ، وهذا ينفي عن الباري عز وجل شبهة الجهل ، أو تحصيل الحاصل اللتين يتعلق بهما نفاة النسخ من اليهود ، ومعنى هذا أن الله عز وجل حين ينسخ شريعة أو حكماً في شريعة فهو إنما يكشف لنا بهذا النسخ عن شيء من علمه السابق ( ) .
إن معنى النسخ هو قطْع تعلُّق الخطاب بالمكلف ، وكلام الله تعالى قديم لا يُرفع ، وإنما الذي يرفع هو الحكم لا الخطاب نفسه ، ثم إن الكلام القديم يتعلق بالقادر والعاقل ، فإذا طرأ العجز والجنون زال التعلُّق ، وإذا عادت القدرة وعاد العقل عاد التعلق بالمكلف ، وكلام الله عز وجل قديم لا يتغير و لا يتبدل ( ) .