جمع القرآن في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... أسئلة للنقاش

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,331
مستوى التفاعل
138
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
01.png


كثيرٌ ممن يتكلم عن تاريخ جمع القرآن الكريم يركز على دور الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، والخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ولا يتوقف كثيراً عند دور الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه . في حين إن مشروع جمع القرآن مشروعٌ عُمريٌّ بالدرجة الأولى حيث كان هو المبادر لاقتراح هذا المشروع على أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما رأى القتلَ استحرَّ بقراء القرآن في معركة اليمامة . كما كان له دور في ترشيح زيد بن ثابت رضي الله عنه للقيام بهذه المهمة . غير أنَّ الباحثين يمرون على عهد عمر بن الخطاب مروراً عابراً في قضية جمع القرآن ، وهو قد مكث في الخلافة عشر سنوات كاملة كانت مليئة بالتغيرات الاجتماعية، والتوسع في رقعة الدولة الإسلامية مما يستدعي زيادة الحاجة لتعلم القرآن ونشره بين المسلمين في البلاد الجديدة ، وهذا يستدعي زيادة الحاجة لكتابة نُسَخٍ كثيرة من المصحف ونشرها . غير أنَّ قصة جمع القرآن في العهدين البكري والعثماني تحول عادةً دون التوقف عند الروايات التي تبين لنا كيف تعامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع تلك النسخة التي جمعت من المصحف في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وقد ذكر ابن دريد في كتابه القيم (الاشتقاق) وهو يتحدث عن رجال بني نوفل بن عبدمناف في ص (89) رجلاً منهم اسمه ناف بن ظُريب فقال : (ومن رجالهم نافع بن ظُريب بن عمرو بن نوفل ، وهو الذي كتب المصاحف لعمر بن الخطاب رحمه الله) .
وأحسب أنه لو تعاونا في هذا الموضوع على جمع كل الروايات والقصص التي وردت في كتب القراءات وعلوم القرآن والتاريخ والأدب وغيرها عن حال تلك النسخة من المصحف في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكيف كان حال كتابة القرآن الكريم ونشره في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكان في ذلك خيراً ولظهرت لنا حقائق عن أفكار ومشروعات لجمع القرآن في عهد عمر . حيث ذكر أحد الباحثين ذات لقاء أنه لا يُستبعد أن يكون عمر بن الخطاب هو الذي أوصى بجمع المصحف في آخر خلافته وأنه كان ينوي القيام بذلك لو لم يدركه الموتُ وذكر روايات في ذلك ، وأنه بعد طعنه على يد أبي لؤلؤة المجوسي بقي ثلاثة أيام أوصى فيها بأمورٍ كثيرة لا يستبعدُ أن يكون منها جمع الناس على مصحف واحد كما نفذ ذلك عثمان بن عفان بعد ذلك بعد خبر حذيفة بن اليمان في القصة المعروفة .
أرجو أن يكون في هذا الموضوع ما يثري هذا الموضوع من الزملاء الباحثين والباحثات في هذا الملتقى العلمي المبارك .

ليلة الثلاثاء 11 رجب 1434هـ
 
جزاك الله خيرا فضيلة الدكتور الشهري،،
أسئلة مهمة للغاية وتستحق عناية علمية كبيرة. ولكن أحس بغياب التناسق في طريقة طرح هذه الأسئلة بسبب عدم الربط المنطقي بين جمع عمر رضي الله عنه للقرآن و جمع القرآن في عهد عمر رضي الله عنه، حسب ما فهمته وبنيت عليه ظني. أما الجمع، الحفظ، الأول فإن دور عمر رضي الله عنه لم يقتصر على مجرّد إشارة أو إقتراح بل نستفيد من المنقول نوع من الإلحاح والعمل من أجل إقناع ولي الأمر الصديق رضي الله عنه. ثم لم يكن له مجرد دور في ترشيح زيد بن ثابت رضي الله عنه بل ساعده في المهمة أيضا. مما إستفدته من مقدمة إبن كثير رحمه الله وكذلك من (الواضح في علوم القرآن) هو أن زيد رضي الله عنه كان يتردد في البداية أيضا حتى وضح له الصديق رضي الله عنه الأمر وماحدث فاقتنع زيد وشرع بهذا المشروع الديني العظيم والحدث التاريخي الكبير، يشرف عليه ويعاونه كبار الصحابة، على رأسهم أبا بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين.
وأما الجمع الثاني وهو جمع القرآن في عهد عمر، أثناء خلافته، رضي الله عنه فلا أرى، في إطار ما فهمته، ما علاقة "النسخة من المصحف في عهد عمر" بالمصاحف التي كتبت لعمر رضي الله عنه كما ما ورد في (الإشتقاق). أظن: حتى يحق لنا الحديث عن محطة أخرى مختلفة في العهد العمري فيما يتعلق بجمع القرآن، لابد من وجود منطلق نعتمد عليه في التمييز بين الجمع البكري والجمع العمري كما نميز بين الجمع العثماني والجمع البكري (=الجمع العمري البكري) وكما نميز بين الجمع النبوي (=الحفظ في الصدور والجمع التدويني) والجمع البكري العمري. هذا المنطلق غير موجود، وبالتالي لا حديث عن محطة مختلفة، ولو كان موجودا لاشتهر كما إشتهر الجمع البكري العمري وإستحقاق هذا المشروع الذي إنتهى عند حفصة رضي الله عنها ومنها إنطلق المشروع العثماني. بدون هذا المنطلق إضافة إلى الإفتراض وجب علينا أن نسأل لماذا تكتب المصاحف لعمر وهي أصلا متواجدة؟ للنشر وهذا هو السؤال الأهم ولعل هذا هو السؤال الأصلي والوحيد رغم أنني فهمت أسئلة أخرى.

بالنسبة للإفتراض أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي أوصى بجمع المصحف في آخر خلافته إفتراض مجرد إلى حين تجتمع الأدلة وهو فرض غير مستبعد لكنه مستبعد عندما يربط هذا الفرض بما نفّذه عثمان، إذن: هناك مشكلة في ربط هذا الإفتراض الغير المستبعد بمشروع عثمان رضي الله عنه لأن الدوافع التي دفعت عثمان إلى توحيد المصحف معروف مشهورة فكيف نستبعد كل هذا بإفتراض غير مستبعد. من طبيعة الحال ليس هنا أي مجال للحديث عن تناقض فمن الممكن أن عمر رضي الله عنه أوصى بتوحيد المصحف فتزامن تنفيذ عثمان لهذه الوصية مع الأحداث الأخرى أثناء الفتوحات الشمالية. مع ذلك هناك مشكلة في هذه المحاولة التوفيقية خاصة إذا تتبعنا تاريخ المشروع العثماني. لو كانت هناك وصية عمرية بتوحيد المصحف لنفّذها عثمان رضي الله عنه مباشرة لأنها من أولى الأوليات، كيف لا والقرآن العظيم، وكل ما يدور حوله، أهم من كل شيء آخر عندهم، وسيرهم حافلة بالأدلة الساطعة والأمثلة القاطعة على هذا الأمر. وقد يصح مع إمكانية التمييز بين مفهوم توحيد المصحف الذي نفترضه في وصية عمر رضي الله عنه وتوحيد المصحف في مشروع عثمان رضي الله عنه. تحديد المفاهيم بدقة سيساعدنا على البحث و الفهم لأن توحيد المصحف هذا حدث في عهد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه بمعنى آخر والفرق هو توحيد المصحف كتابة وتوحيد المصحف قراءة وكتابة.

يبقى هناك، في نظري، سؤال واحد محدد متناسق عن تعليم القرآن ونشره في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه.
جمع، حفظ، القرآن في عهد عمر رضي الله عنه مختلف لأنه كان حريصا أشد الحرص على تأسيس القاعدة لتكون قاعدة كبيرة رصينة تضم رجالا يحفظون القرآن ترتيلا، تدبرا وتطبيقا. هذا أمر واضح لا شبه شبهة فيه ونراه في موقفه رضي الله عنه من تدوين السنن. كان يريد أن يكون القرآن روح و أكسجين الجماعة والأمة لأن هذه الجماعة هي التي ستنقل القرآن تلاوة، وهو الأصل والمعتمد عليه أولا، وتدبرا وعملا به إلى الأجيال القادمة نقلا لا تشوبه شائبة.

إلى حين ..
 
جاء في كتاب (الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر العسقلاني (ت:852هـ) :
" نافع بن ظريف بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف النوفليّ.
قال العدويّ: هو من مسلمة الفتح، وهو الّذي كتب المصحف لعمر، قال الزّبير بن بكّار: ولد ظريب نافعا، وأمه صفيّة بنت عبد اللَّه بن بجاد الكنانيّة، وهو والد أم قتال أم محمد بن جبير بن مطعم، وأمّها عتبة بنت أبي إهاب التي تزوّجها عقبة بن الحارث، ثم فارقها من أجل قول المرأة السوداء: إني أرضعتكما، ففارقها عقبة فتزوّجها نافع هذا.
وقال هشام بن الكلبيّ: كان يكتب المصاحف لعمر بن الخطاب. وقال البلاذريّ:كتب المصاحف لعثمان، وقيل لعمر."
 
د.عبدالرحمن الشهري
جزاك الله خيرا
ادعو الكريم ان يفتح ابواب التوافيق ...ابواب الجنة لمن يكون همه خدمة القران....امين.
 
جمع القرآن في العهد النبوي

جمع القرآن في العهد النبوي

هذا الموضوع هو بالأهمية بمكان ، لأنه يحتاج فعلا إلى مزيد من البحث ، وللاستئناس أقترح هذا الموضوع حول جمع القرآن في العهد النبوي : كتاب تاريخ القرآن
 
بارك الله بك أستاذنا عبدالعزيز،،
تلك الروايات تؤكد أن سيدنا عمر رضوان الله عليه شارك مشاركة عملية في جمع القرآن لكن لا تساعدنا في إثبات "جمع عمري" مستقل ومختلف/متميز كما لا تساعد في التمييز بين دور الفاروق في حفظ/جمع القرآن و حفظ/جمع القرآن في عهده رضي الله عنه.

والبرهان في حرصه الشديد على حفظ القرآن قوله رضي الله عنه (والله لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي) - أو كما قال عليه السلام - وقد يقرأ البعض في هذه الرواية حرصه على أحكام الله وترسيخه لفقه الناسخ والمنسوخ من الأحكام، لكن أنا أرى هنا حرص شديد على "تنزيه المصحف" وهذا مما لاشك فيه من جمع/حفظ القرآن أيضا كما يؤكد عمر رضي الله عنه حرص الجماعة (=الناس في الرواية) على حفظ كتاب الله.
 
جزاك الله خيرا شيخنا.....حقيقة موضوع يستحق النظر إليه نظرة تأمل وتنقيب... لم افكر في هذا الأمر من تلقاء نفسي ، ولم تقع عيني عليه من قبل في كتاب... تعلمته منكم جزاكم الله خيرا..
 
إنّ عدم التمييز بين دور عمر رضي الله عنه في جمع القرآن من جهة و جمع القرآن في خلافة عمر من جهة ثانية أدّى بمؤلف شيعي إلى إستنتاجات غريبة يدعي فيها أن الروايات متضاربة و مظطربة. جاء هذا الرجل برواية في البخاري وأخرى وجدها في الإتقان، وهي في المصاحف أيضا، وقال: إضطراب وتعارض.! ليش؟ قال: لأن جمع المصحف حسب ما أخرجه البخاري كان في زمان أبي بكر بينما يظهر من "الروايات" الأخرى أن الجمع كان في "زمان عمر". هو قال "روايات" ولم يذكر إلا واحدة، وهي كما أنقلها من كتاب المصاحف:
حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقِيلَ كَانَتْ مَعَ فُلَانٍ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَقَالَ: «إِنَّا لِلَّهِ وَأَمَرَ بِالْقُرْآنِ فَجُمِعَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ فِي الْمُصْحَفِ»
وهي نفس الرواية لكن نقلها بلفظ آخر. وين "زمان عمر" في الرواية؟ ربما لا يهم! طبعا لم يكلّف نفسه عناء البحث عن صحة الرواية ولا حتى يدري من هو الحسن، ولا نقل قول السيوطي رحمه الله في الإسناد، ولا شيء. يظهر أنه على شاكلة المسشترق الذي حقّق كتاب المصاحف: لا يهم الصحيح من السقيم. كن حاطب ليل وحلل كما يحلو لك. نغض البصر لأنهما لا يدريان ما علوم الحديث و لا قيمة هذه العلوم، لكن مبتدئ في طلب الثقافة الإسلامية يفهم معنى عبارة "سأل عن .. فـ ... فـ .." باللغة العربية ويعي التاريخ الإسلامي ومتى كانت واقعة اليمامة.!

على أية حال تبقى الرواية صحيحة بالمعنى وتؤكد ما أذهب إليه أن سيدنا عمر رضوان الله عليه كان له دور عملي فعّال في جمع القرآن، في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، ولم يبادر بالإقتراح فحسب. رغم أن الإمام السيوطي فسّر "أول من جمع" بالإقتراح، تبقى هناك شواهد أخرى ترفع المبادرة بالإقتراح إلى مستوى المشاركة التنفيذية.
 
أرجو بهذه المناسبة الاطلاع على وجهة نظر أخرى حول تدوين القرآن.
http://vb.tafsir.net/tafsir27553/

يقول فيه صاحب المقال حفظه الله:
والواقع أن سيدنا أبابكر، وسيدنا عمر ما فعلا بعد وفاة رسول الله في القرآن شيئا، فإنهما وجداه مجموعا، ومرتبا، ومدوّنا، ومحصّنا على أحسن مايكون، ورسول الله هو الذي أنجز هذا العمل بكل جدّ وحرص، وبكل دقّة وعناية، وما ترك لمن يأتي بعده إلا أن يتعلمه، ويعلّمه، ويبلّغه إلى من لم يبلغه.
وماكان على الشيخين بعد ذلك إلا أن يملآ الآفاق بنسخ القرآن الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبا، ومدوّنا فيهم، وقد فعلا ذلك فعلاً، حتى امتلأت بها القرى والمدن، ومابقي بيت من بيوت المسلمين إلا وهو يملك نسخا من القرآن.
ومابقيت قرية من قراهم إلا وأقاما فيهامراكز ومدارس يحفّظ فيها القرآن ويعلّم، حتى كان القرآن هو الذي يُسمع صوته، وتُشمّ رائحته، ويُؤنس إشراقه، وبريقه في قرى المسلمين.

كلمة وجيهة موفّقة لابن حزم
قال الإمام ابن حزم، وكان صادقا، وموفّقا فيما قال:
"مات رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام قد انتشر وظهر في جميع جزيرة العرب من منقطع البحر المعروف ببحر القلزم مارا إلى سواحل اليمن كلها إلى بحر فارس إلى منقطعه مارا إلى الفرات ثم على ضفة الفرات إلى منقطع الشام إلى بحر القلزم وفي هذه الجزيرة من المدن والقرى ما لا يعرف عدده إلا الله عز و جل كاليمن والبحرين وعمان ونجد وجبلي طي وبلاد مضر وربيعة وقضاعة والطائف ومكة. كلهم قد أسلم وبنوا المساجد ليس منها مدينة ولا قرية ولا حلة لأعراب إلا قد قرأ فيها القرآن في الصلوات وعلمه الصبيان والرجال والنساء وكتب ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون كذلك ليس بينهم اختلاف في شيء اصلا بل كلهم أمة واحدة ودين واحد ومقالة واحدة.
ثم ولى أبو بكر سنتين وستة أشهر فغزى فارس والروم وفتح اليمامة وزادت قراءة الناس للقرآن وجمع الناس المصاحف كأبي عمر وعثمان وعلي وزيد وأبي زيد وابن مسعود وسائر الناس في البلاد فلم يبق بلد إلا وفيه المصاحف ثم مات رضي الله عنه والمسلمون كما كانوا لا اختلاف بينهم في شيء اصلا أمة واحدة ومقالة واحدة ...
ثم مات أبو بكر وولى عمر ففتحت بلاد الفرس طولا وعرضا وفتحت الشام كلها والجزيرة ومصر كلها ولم يبق إلا وبنيت فيه المساجد ونسخت فيه المصاحف وقرأ الأئمة القرآن وعلمه الصبيان في المكاتب شرقا وغربا وبقي كذلك عشرة أعوام وأشهر والمؤمنون كلهم لا اختلاف بينهم في شيء بل ملة واحدة ومقالة واحدة.
وإن لم يكن عند المسلمين إذ مات عمر، أكثرمن مائة ألف مصحف من مصر إلى العراق إلى الشام إلى اليمن فما بين ذلك، فلم يكن أقلّ.
ثم ولى عثمان فزادت الفتوح واتسع الأمر فلو رام أحد إحصاء مصاحف أهل الإسلام ما قدر وبقي كذلك اثنى عشر عاما حتى مات وبموته حصل الاختلاف." (ابن حزم الظاهري، الفصل في الملل والأهواء والنحل: 2/66-67)
 
بارك الله فيكم جميعاً على فوائدكم وإضافاتكم .
لا زلتُ أنتظر التركيز على الروايات التي تشير إلى الجهود المبذولة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابة المصاحف ونسخها ونحو ذلك. وأما إعادة الكلام المعروف وتكراره في مسائل أخرى في جمع القرآن في العهود السابقة واللاحقة فقد سبق نقاشها ولا علاقة لها بموضوعنا هنا .
في انتظاركم .
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
عمر رضي الله تعالى عنه كان سباقا إلى الدعوة إلى جمع القرآن كما هو معلوم،بل ساهم في هذا العمل فعليا،لكنه أثناء خلافته لم تتوفر الدوافع التي توفرت في عهد أبي بكر أو في عهد عثمان ليقوم بجمع مخصوص للقرآن،فإذا كان الدافع لجمع القرآن في خلافة أبي بكر بدعوة من عمر رضي الله عنهما هو موت الصحابة،فإن الدافع لجمع الناس على مصحف واحد في خلافة عثمان رضي الله عنه هو اختلاف القراءات ، ،فهذا العمل الاجتهادي العظيم ما كان للصحابة الكرام القيام به لولا تلكم الدوافع القوية،والتي لم يتوفر مثلها في خلافة عمر،حيث ذكرت الروايات أن عثمان جمع الناس على مصحف واحد عندما أخبره حذيفة باختلاف الناس في القرآن،مما يستبعد أن يكون فعل ذلك تنفيذا لوصية محتملة من عمر كما ذكرتم.
قال القرطبي بعد أن تحدث عن جمع القرآن في عهد كل من أبي بكر وعثمان:"فإن قيل: فما وجه جمع عثمان الناس على مصحفه، وقد سبقه أبو بكر الى ذلك وفرغ منه، قيل له: ان عثمان رضي الله عنه لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف، الا ترى كيف أرسل الى حفصة: ان أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك[...] وانما فعل ذلك عثمان لان الناس اختلفوا في القراءات بسبب تفرق الصحابة في البلدان و[...] ووقع بين اهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه. وذلك انهم اجتمعوا في غزوة ارمينية فقرأت كل طائفة بما روى لها، فاختلفوا وتنازعوا واظهر بعضهم إكفار بعض والبراءة منه وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم، فلما قدم حذيفة المدينة فيما ذكر البخاري والترمذي دخل الى عثمان قبل ان يدخل الى بيته، فقال: أدرك هذه الامة قبل ان تهلك! قال: فيما ذا؟ قال: في كتاب الله، اني حضرت هذه الغزوة، وجمعت ناسا من العراق والشام والحجاز، فوصف له ما تقدم وقال: اني أخشى عليهم ان يختلفوا في كتابهم كما اختلف اليهود والنصارى".
ثم قال:"وقد روى سويد بن غفلة عن علي بن أبي طالب ان عثمان قال: ما ترون في المصاحف؟ فان الناس قد اختلفوا في القراء حتى ان الرجل ليقول: قرءاتي خير من قراءتك، وقراءتي أفضل من قراءتي. وهذا شبيه بالكفر، قلنا: ما الرأي عندك يا امير المؤمنين؟ قال: الرأي رأيك يا ما امير المؤمنين، فأرسل عثمان الى حفصة: ان أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك"

ومما يدل على خصوص هذا الجمع وتعلقه بدافع لم يتوفر في عهد عمر،قول علي رضي الله عنه:" لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان."

لكن كل ما سبق لا ينفي أن يكون عمر قد قام في خلافته بعمل خاص يتعلق مثلا بنسخ المصاحف كما تفضلتم،خاصة وأن الروايات،حسب اطلاعي المتواضع،لم تذكر لم كانت المصاحف عند حفصة بالذات ،رضي الله عنها.

"
 
هناك تباعد عجيب بين حفظ القرآن الكريم نفسه وبين تاريخ حفظ القرآن الكريم، فإن حفظ القرآن تم بأقوى مما يمكن ويتصور، بينما تاريخ حفظ القرآن نراه تاريخا ضعيفا جدا مليئا بالإشكالات ومواضع الخلل. والله عزوجل وعد بحفظ القرآن وليس بحفظ تاريخ حفظ القرآن، فظهر الفرق جليا. فالحمد لله الذي أنعم علينا بحفظ كتابه.
 
هناك تباعد عجيب بين حفظ القرآن الكريم نفسه وبين تاريخ حفظ القرآن الكريم، فإن حفظ القرآن تم بأقوى مما يمكن ويتصور، بينما تاريخ حفظ القرآن نراه تاريخا ضعيفا جدا مليئا بالإشكالات ومواضع الخلل. والله عزوجل وعد بحفظ القرآن وليس بحفظ تاريخ حفظ القرآن، فظهر الفرق جليا. فالحمد لله الذي أنعم علينا بحفظ كتابه.

حفظ القرآن الكريم تم بجهود المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى اليوم ، والمحطات الكبرى في تاريخ جمعه وكتابته معروفة منقولة ولا اضطراب فيها ولا اختلاف، وإنما الاختلاف في أذهان بعض الباحثين المضطربين الذين عرفوا شيئاً وغابت عنهم أشياء كما يقول أبو نواس، ولحرصهم على التجديد الأعمى يخالفون السائد بمجرد الدعاوى المحضة التي لا دليل عليها، والأماني التي لا قيمة لها في ميزان العلم الصحيح ، وإلا فلو تركنا المجال أخي د. محي الدين للأماني لما كان لها حدٌّ تنتهي إليه .
ونحن عندما نطرح مثل هذا الموضوع للنقاش نطلب من الباحثين الواسعي الاطلاع الذين يقرأون ويجردون المطولات من كتب التراث أن يفيدونا بما يجدونه من أقوال العلماء والروايات المنقولة في موضوع جهود عمر بن الخطاب بالذات في مسألة جمع القرآن ، ولا نناقش هنا مسألة جمع القرآن بصفة كاملة ، ولا أحب من الزملاء إعادة نقل الروايات التي دَرَسناها ودرَّسناها منذ أكثر من عشرين سنة ، فهي مشهورة في متناول الجميع .
 
فضيلة د. محي الدين غازي،
تاريخ حفظ القرآن هو موضوع المنهج العلمي في التعرّف على حفظ القرآن وإلا أصبح هذا الحفظ عقيدة دوغمائية كعقيدة النصارى أن الأناجيل محفوظة لأن الكتّاب ألهموا بـ "روح القدس"! فالإشكال المطروح الآن سيذهب بنا إلى علاقة العلم بالإيمان وأي صراع في هذه العلاقة هو صراع غيرنا لا صراعنا نحن المسلمين إلا من شاء الضلالة وادعى العقلنة بينما في الحقيقة لا يفقه يتصنّع هذا الصراع وينقله من تاريخ غيرنا ليسقطه على تاريخنا كفعلة بعض المؤلفيين الماركسيين والحداثويين وومن لف لفيفهم -إذا صح هذا التعبير في اللغة-. وتبقى تلك المسألة تستحق الأخذ والرد في ملتقى الإنتصار لو تكرّمت بمقدمة في موضوع حول "تاريخ حفظ القرآن"، بارك الله فيك.

شيخنا الدكتور عبدالرحمن الشهري حفظك الله،،
لا أريد لهذا الموضوع أن يتراجع لأهميته وفطنة الإشارة إليه، أرجو أن تستكمل التوجيه، التصويب والإنتقاد لنتقدّم إلى الأمام ونفهم الأسئلة المطروحة للنقاش فهما صحيحا لا تشوبها شائبة والفهم الصحيح للسؤال مفتاح من مفاتيح طلب العلم في الباب الذي يطرح فيه السؤال.

- جهود عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالذات في مسألة جمع القرآن.
- جمع القرآن في عهد عمر.
- وبما أن الجمع أو الحفظ مفهوم أوسع من المتبادر إلى الذهن أرى في سياق الأسئلة المطروحة توسيع دائرة الجمع لتشمل تعليم القرآن ونشره بين المسلمين في البلاد الجديدة.

تلك ثلاث أسئلة مختلفة. إذن: لابد من التحديد.

والدعوى الآن قبل التحديد هي: لا جمع متميز في خلافة سيدنا عمر.
منطلق هذا الإدعاء: حرص المسلمين وإهتمامهم بكل ما يتعلّق بالقرآن.
من مقتضيات هذا المنطلق: إشتهار الروايات في هذا الجمع العمري المتميّز كما إشتهرت الروايات الأخرى.
واقع التأليف والتصنيف في هذا الباب بالخصوص: لا وجود لهذه الروايات "المشهورة".

سأعود إلى توسيع مفهوم "الجمع". هناك مناهج للتمييز بين حلقات الجمع وأستذكر في هذه اللحظة منهاج عبد القيوم السندي في كتابه "جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين" حيث يعتمد الآليتين: الباعث والكيفية. إذا تتبعنا هذه الخطوات فلن نحتاج إلى روايات فقط بل إلى المنهج الذي يقوم عليه إفتراض جمع عمري خاص.

الباعث مقترح، وهنا مفترض:
والتوسع في رقعة الدولة الإسلامية مما يستدعي زيادة الحاجة لتعلم القرآن ونشره بين المسلمين في البلاد الجديدة ، وهذا يستدعي زيادة الحاجة لكتابة نُسَخٍ كثيرة من المصحف ونشرها
الكيفية مجهولة، وهنا سؤال:
وكيف كان حال كتابة القرآن الكريم ونشره في عهد عمر بن الخطاب
هذا المنهج مهم جدا وآلية الباعث فيه واضحة في أجوبة الشيخ محمد طاهر بن عبد القادر الكردي في "تاريخ القرآن" على أسئلة في نفس الموضوع:
".. ويسأل بعضهم: لماذا لم يأمر أبو بكر أو عمر أن ينسخ الناس مصاحف مما كتبه زيد بن ثابت ولماذا لم يحرص كبار الصحابة على ان يكون لدي كل واحد منهم أو لدى بعضهم على الاقل نسخ من هذه الصحف التى تتضمن كتاب الله.

فنقول: إن ابا بكر رضى الله عنه لم يجمع القرآن لحدوث خلل في قراءته وانما جمعه خوفا من ذهاب حملته بقتلهم في الغزوات وكان جمعه له بالاحرف السبعة والناس يقرؤن بها إلى زمن عثمان فلا يختلف مصحف ابى بكر عما يقرؤه الناس ويحفظونه فلا داعى إذا لحمل الناس على مصحفه.

أما عثمان رضى الله عنه فانه لم يجمع القرآن الا بعد أن رآى اختلاف الناس في قراءته حتى ان بعضهم كان يقول ان قراءتى خير من قراءتك وكان جمعه له بحرف واحد وهو لغة قريش وترك الاحرف الستة الباقية فكان من الواجب حمل الناس على اتباع مصحفه وعلى قراءته بحرف واحد فقط قبل ان يختلفوا فيه اختلاف اليهود والنصارى كما ترى تفصيل ذلك في الجمع الثالث اما عدم نسخ كبار الصحابة مصاحف على نمط ما جمعه أبو بكر فلم يكن هناك ما يدعو لذلك لعدم اختلاف ما جمعه أبو بكر بما عند الناس، وان بعضهم كتبوا مصاحفهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتلقوه منه سماعا - فكان جمع أبى بكر رضي الله عنه بمثابة سجل للقرآن يرجع إليه إذا حدث أمر كما وقع لعثمان رضي الله عنه حين جمعه القرآن فانه رجع إلى الصحف البكرية وكانت عند حفصة بنت عمر .. ويسأل بعضهم ايضا: لم لم يجتمع أبو بكر وعمر وعثمان وعلى على نسخ المصحف وهم يحفظونه كله في صدورهم. فنقول: ان ابا بكر هو خليفة المسلمين وهؤلاء هم كبار الصحابة وهم اصحاب الرأى والشورى ومنهمكون في الغزوات ونشر الاسلام والنظر في مصالح الامة فاشتغالهم بأنفسهم بجمع القرآن يمنعهم عن النظر في شؤن المسلمين لان التفرغ لجمعه يحتاج إلى مدة طويلة وعناء عظيم - وإذا عرفت انهم كانوا يجمعونه مما كتب على نحو العظام والالواح والحجارة وانهم ما كانوا يقبلون من احد شيئا من القرآن الا بشاهدين علمت انهم يحتاجون في البحث والترتيب والمراجعة والتصحيح إلى مدة غير قصيرة، وظهر لك ما تحملوه من المشقة العظمى والتعب الكبير - خصوصا وانهم في هذه المرة جمعوه بالاحرف السبعة كلها وهذا يستلزم أن يكون حجم مصحف ابى بكر أضعاف حجم مصحف عثمان لان هذا جمعه على حرف واحد من الاحرف السبعة.".
من هذه الأسئلة تظهر أهمية المنهج في التمييز بين محطات الجمع. ولا يلزم من غياب روايات مشهورة في الجمع بالنشر والتعليم من خلال نسخ المصاحف وإرسالها إلى الأمصار أي قدح في جهود الصحابة رضي الله عنهم في تعليم القرآن لأنهم كانوا شيوخا بالحق درسوا وتخرجوا من المعهد النبوي وسيدنا عمر كان حريصا على إختيار كبار العلماء والفقهاء من الصحابة ليتحمّلوا مسؤولية الإدارة، العدل والتعليم.
 
وقفت على هاتين الروايتين في الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد البصري الزهري ( كاتب الواقدي ) رحمه الله.
و أرجو أن تكون فيهما فائدة لهذا الموضوع إن شاء الله.

أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن مسلم بن يسار عن بن مرسا مولى لقريش قال: عثمان بن عفان جمع القرآن في خلافة عمر.

أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس، حدثني سليمان بن بلال عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن محمد بن كعب القرظي قال:
جمع القرآن في زمان النبي، صلى الله عليه وسلم، خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن صامت وأبي بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء، فلما كان زمن عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان: إن أهل الشام قد كثروا وربلوا وملؤوا المدائن واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم، فدعا عمر أولئك الخمسة فقال لهم: إن إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين، فأعينوني رحمكم الله بثلاثة منكم، إن أجبتم فاستهموا وإن انتدب ثلاثة منكم فليخرجوا، فقالوا: ما كنا لنتساهم، هذا شيخ كبير لأبي أيوب وأما هذا فسقيم لأبي بن كعب، فخرج معاذ وعبادة وأبو الدرداء، فقال عمر: ابدؤوا بحمص فإنكم ستجدون الناس وجوه مختلفة، منهم من يلقن فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس، فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد وليخرج واحد إلى دمشق والآخر إلى فلسطين. وقدموا حمص فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة وخرج أبو الدرداء إلى دمشق ومعاذ إلى فلسطين، وأما معاذ فمات عام طاعون عمواس، وأما عبادة فصار بعد إلى فلسطين فمات بها، وأما أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات.
 
لو انطلقنا في البحث من فرضية هي أن جمع القرآن بدأ بمبادرة من عمر رضي الله عنه، هذه المبادرة تبنتها الدولة رسمياً وكانت بدايتها في عهد أبي بكر رضي الله عنه إلا أن المشروع لم يكتمل نهائياً إلا في عهد عثمان وعند اكتمال المشروع أحرقت المصاحف، ومما لا شك فيه أن هذا المشروع مرّ في خط سيره بخلافة الفاروق.
إن تصور الموضوع على هذا الشكل يسعفنا في الجمع بين الروايات، ويعطينا صورة عن إحراق المصاحف في عهد عثمان والصحابة متوافرين ولم ينكر عليه أحدهم فهذا مشروع كانت هذه خاتمته، وليس حدثاً جاء بقرار عثمان رضي الله عنه.
ما يعضد هذه الفرضية روايات عن جمع عمر في كتاب (المصاحف) تحت عنوان (جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه القرآن في المصحف)، وأن عمر قُتل وهو يجمع القرآن، وروايات كتاب المصاحف تحتاج إلى تخريج وقد علمت أن للكتاب تحقيقان آخران سأرجع لهما عند فراغي.
لكن رؤية الموضوع بهذه الصورة تساعد على حل إشكالات كثيرة في أحاديث جمع القرآن وهي أحاديث الآيات التي فقدت بعد جمع أبي بكر وكيف فقدت؟ جمع القرآن عملية استغرقت خلافة أبي بكر وعمر وجزءاً من خلافة عثمان وبعد اكتمال الجمع تم نسخ المصاحف إلى الأمصار.
هذا المشروع الرسمي لم ينته عند عثمان فقد تابعت الدولة الأموية الاهتمام الرسمي بالمصاحف.
 
لو انطلقنا في البحث من فرضية هي أن جمع القرآن بدأ بمبادرة من عمر رضي الله عنه، هذه المبادرة تبنتها الدولة رسمياً وكانت بدايتها في عهد أبي بكر رضي الله عنه إلا أن المشروع لم يكتمل نهائياً إلا في عهد عثمان وعند اكتمال المشروع أحرقت المصاحف، ومما لا شك فيه أن هذا المشروع مرّ في خط سيره بخلافة الفاروق.

هناك منهج آخر للبحث في الموضوع وهو أن ننطلق من فرضية أن جمع القرآن بدأ بمبادرة من الرسولصلى الله عليه وسلم. واكتمل مشروع الحفظ في حياته صلى الله عليه وسلم وكان الدور المنوط بالخلفاء الراشدين رضي الله عنهم نسخ المصاحف بعدد أكبر، والمراقبة الشديدة على المصاحف التي تنسخ، وإحراق ما يخالف المصاحف المعتمدة كما فعل عثمان رضي الله عنه. إنه تاريخ يليق بقضية حفظ القرآن الكريم.

وما اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم فريقا كبيرا من كتاب الوحي إلا لتحقيق هذا الغرض.
 
هل من جديد عن جمع القرآن في عهد عمر رضي الله عنه؟
 
أذكر أن الشيخ محمد الفايز يتبنى رأيا مفاده أن المصحف تم جمعه في عهد النبي ..
بل إن النبي أهدى مصحفا، بل إنه قد بيع مصحف في حياته كما يذكر الشيخ ..
( ذكر ذلك لنا في محاضرة في الجامعة )
ودلل على ذلك لكن الذاكرة لا تسعفني بتذكر أدلته واستشهاداته حفظه الله ..
ولعلي إن وقعت على شيء مكتوب له في هذا زودتكم به ..
أو يفيدنا أحد الأعضاء في ذلك
 
سمعت برواية مفادها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتلف مصحفاً كتب صاحبه التفسير مع الآيات في نفس الصحيفة ، فهل من القراء الكرام من وقف على مثل هذه الروايات؟
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لا شك أن كل موضوع علمي لا يخلو من فائدة، وهذه الأخيرة من حيث أهميتها للقارئها موضع تفاوت، ففوق كل ذي علم عليم، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، فلا يحقرن أحد أي موضوع ذُكِر أو بُحث.
إن موضوعا كهذا لمن الأهمية بمكان إذ يصور للباحث التسلسل التاريخي للحوادث.
كما يعطي أيضا توضيحا للخلاف الكبير الذي وقع في قراءة القرآن الكريم زمن عثمان رضي الله عنه، فالفترة الزمنية الطويلة بين الجمع البكري، والجمع العثماني، والتي تزيد على العشرين عاما، إذا أضيف إليها تجريد المصاحف المكتوبة آن ذاك، وكثرة العجمة في العرب، وعجمة أهل العجم، و...، و...، واستجماع مرويات هذه الفكرة المباركة تعطيك أيها القارئ تصورا واضحا للحوادث، بعيدا عن كل إفراط وتفريط، قد -وأقول قد تقليلا- يلصق بالمسألة ما ليس منها بأي سبب من الأسباب.
.........................هذه محاولة والله أعلم.............................
 
صلة لما تفضّل بذكره المشايخ الكرام وتتميما لهذا المبحث أضيف هذه المشاركة لعلها تفيد شيئاً.
فأقول: روي في شأن جمع عمر أخبار منكرة لا تصحّ، منها:
1: ما رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة فقال: «إنا لله وأمر بالقرآن فجمع، وكان أول من جمعه في المصحف».
وهذا الخبر ضعيف الإسناد لضعف مبارك بن فضالة وشدة تدليسه ولأن الحسن لم يدرك عمر بن الخطاب.
وقوله: (وكان أوّل من جمعه في المصحف) لا يصحّ بهذا الإطلاق، لمخالفته ما صحّ من أنّ أوّل من جمع المصحف أبو بكر رضي الله عنه، وأنّ عمر بن الخطاب هو أوّل من أشار بذلك.
2. وما رواه ابن أبي داوود أيضاً من طريق ابن وهب قال: أخبرني عمر بن طلحة الليثي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن، فقام في الناس فقال: (من كان تلقَّى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان فقتل وهو يجمع ذلك إليه؛ فقام عثمان بن عفان فقال: من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} إلى آخر السورة قال عثمان: فأنا أشهد أنهما من عند الله فأين ترى أن نجعلهما؟ قال: اختم بها آخر ما نزل من القرآن فختمت بها براءة).
وهذا الخبر ضعيف الإسناد معلول المتن، فيه اضطراب وزيادات منكرة، ومحمد بن عمرو بن علقمة متكلّم فيه من جهة خفة ضبطه، ويحيى بن عبد الرحمن لم يدرك عمر، ومتن هذا الخبر مخالف لروايات الثقات المشتهرة في قصة الجمع.

3. وما رواه عمر بن شبة في تاريخ المدينة من طريق يزيد بن عياض الليثي، عن الوليد بن سعيد، عن عروة بن الزبير قال: قدم المصريون فلقوا عثمان رضي الله عنه فقال: «ما الذي تنقمون؟»
قالوا: تمزيق المصاحف.
قال: " إنَّ الناس لما اختلفوا في القراءة خشي عمر رضي الله عنه الفتنة؛ فقال: من أعرب الناس؟ فقالوا: سعيد بن العاص، قال: فمن أخطّهم؟ قالوا: زيد بن ثابت؛ فأمر بمصحف فكتب بإعراب سعيد وخط زيد، فجمع الناس ثم قرأه عليهم بالموسم؛ فلما كان حديثا كتب إليَّ حذيفة: إنَّ الرجل يلقي الرجل فيقول: قرآني أفضل من قرآنك حتى يكاد أحدهما يكفر صاحبه، فلما رأيت ذلك أمرت الناس بقراءة المصحف الذي كتبه عمر رضي الله عنه، وهو هذا المصحف، وأمرتهم بترك ما سواه، وما صنع الله بكم خير مما أردتم لأنفسكم).
وهذا الخبر لا يصحّ، يزيد بن عياض متروك الحديث، قال فيه البخاري ومسلم: منكر الحديث، واتّهمه النسائي وغيره بالوضع، والوليد بن سعيد مجهول الحال.


قال عمر بن شبّة: (يقال: إنّ نافع بن طريف بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف كان كتب المصحف لعمر بن الخطاب رضي الله عنه).
وهذا إن أريد به أنه كتب مصحفاً إماماً للناس فلا يصحّ، ولو صحّ لاشتهر شهرة بالغة، وإن أريد به أنه كتب مصحفاً خاصّا بعمر فمحتَمل إلا أنا لم نجد له أثراً في الآثار المروية في مصاحف الصحابة.
وقد صحّ عن عمر أحرف تُركت القراءة بها كقراءة [صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين] وقراءة [والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان]
ولا تلازم بين صحّة إسناد بعض الأحرف عن بعض الصحابة وبين كتابتها في مصاحفهم؛ إذ لم تكن الكتابة فرضاً على آحادهم.
وقد تساهل بعض الباحثين الأفاضل فعدّ ما روي من القراءات عن بعض الصحابة مما كتب في مصاحفهم.


والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
 
بحسب ما ذكره ابن سعد في طبقاته ( 2 /345 و 2 /357 و6 /7 ) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اهتم بالجانب الأدائي الإقرائي، فأرسل المعلمين إلى الأمصار لتعليم القرآن الكريم، منهم:
- زيد بن ثابت وأبي بن كعب في المدينة.
- وعبد الله بن مسعود في الكوفة.
- وأبو موسى الأشعري في البصرة.
- وأبو الدرداء في دمشق.
- ومعاذ بن جبل في فلسطين.
- وعبادة الصامت في حمص.
وكانت تلك الحلقات الإقرائية نواة مدارس إقراء القرآن الكريم، وتعليم الحديث (ومن ضمنه التفسير بالمأثور) والفقه.. التي تخرج فيها أشهر علماء التابعين الذين كانوا الركن الذي قامت عليه المدارس الفقهية والمذهبية.
والله أعلم
 
الجمع العمري للقرآن الكريم

الجمع العمري للقرآن الكريم

جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه للقرآن الكريم
(جزء من محاضرة في تاريخ المصحف لها علاقة بالموضوع)
مقياس: تاريخ المصحف
ماستر (1) تخصص: لغة ودراسات قرآنية. الفوج الأوّل
الأستاذ فتحي بودفلة

مرحلة خلافة عمر رضي الله عنه يكتنفها كثير من الغموض من جهة كتابة القرآن الكريم والاعتناء بحفظه في السطور، ونتيجة هذا الغموض اختلف الدارسون والمهتمون بتاريخ المصحف فذهب أكثرهم إلى أنّ النصوص التي تصف هذه المرحلة غابت لأنّها لم تتميّز بعمل خاص ينسب إلى الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه، بينما ذهب آخرون إلى أنّ هذه المرحلة على بحكم ما عرفته من الاستقرار السياسي والتقدم المدني، لا بدّ وأنّها عرفت شيئا من الاجتهاد والتميّز في خدمة كتابات القرآن الكريم، وسنحاول من خلال هذه الخلاصة استبيان هذه القضية والكشف عن ملابساتها....
ممّا لا خلاف فيه أنّ جمع القرآن على عهد أبي بكر إنّما تمّ بإشارة وتوجيه من عمر رضي الله عنه، وأنّه شارك في اللجنة التي جمعت القرآن في الصحائف، وأنّ هذه الصحائف بقيت عنده مدة خلافته، ثم عند ابنته حفصة رضي الله عنهم أجمعين، وهي التي تمّ اعتمادها أصلا في نسخ المصاحف العثمانية. هذا الحدّ من اجتهاد عمر رضي الله عنه في خصوص جمع القرآن الكريم وكتابته هو المشهور المعروف المتداول بين المختصين والمهتمين بتاريخ المصحف الشريف....
لكن الذي يظهر والله أعلم أنّ عمر رضي الله عنه لم تقتصر خدمته للقرآن الكريم من حيث كتابته على هذا الحدّ فقط، بل لقد كان دوره أكبر من ذلك وأجلّ، يتأكّد ذلك ويبرز من خلال إعادة نسخ صحائف أبي بكر رضي الله عنه بوسائل أفضل وأرقى، ثم مواصلة جمع وكتابة القرآن الكريم طوال خلافته، والذي ساعده على ذلك ما امتازت به مرحلة حكمه من استقرار سياسي، وتطور حضاري، ولا يبعد أن يكون السبب الذي جعلنا نغفل عن جهد عمر رضي الله عنه في خصوص كتابة القرآن الكريم، كثرة إضافاته الحضارية والمدنية؛ ما جعل الدارسين يشتغلون بنحو دواوينه، ومنشآته الإدارية، وتقويمه الجديد، وإعادة تنظيمه للعطاء والغنائم، وترتيبه للصحابة والقبائل العربية باعتبار الفضل، وكذا فتوحاته وانتصاراته التي بلغت بها بلاد الإسلام آفاقا بعيدة...وغيرها من الأعمال الكبيرة التي تمت خلال مرحلة حكمه، وغفلوا في مقابل ذلك عن جهده في كتابة القرآن الكريم، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنّ هذه الجهود لم تخرج من حيث أهدافها ومنهجيتها عن جمع أبي بكر رضي الله عنه، حيث تلخّص عمله في إعادة نسخ ما كتب بين يدي النّبيّ صلى الله عليه وسلّم، ممّا جمعه مع لجنة أبي بكر رضي الله عنه، ثم ترقية وسائل كتابته وتحسينها، ساعده على ذلك غنى الخلافة بفتوحاتها وانتصاراتها وتوسعاتها المتواصلة طوال خلافته؛ ما جعل جهده وعمله من حيث المنهجية والهدف يبقى تابعا لما قام به الصديق رضي الله عنه.
وقد عقد ابن أبي داود لتجلية جهود عمر رضي الله عنه في خدمة القرآن الكريم من حيث كتابته بابا خاصا عنون له بـ: (جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه القرآن في المصحف) [المصاحف ص60]
وسنحاول الوقوف على حقيقة جهد عمر رضي الله عنه في خدمة كتابة القرآن الكريم من خلال مجموع النصوص التالية:
· المشاركة في الكتابات الخاصة للقرآن الكريم: والمقصود بالكتابات الخاصة كتابات الصحابة للقرآن الكريم والتي تمت بجهودهم وفق منهجهم ومقصدهم الخاص بهم، وهي تقابل الجمع الرسمي الذي كان يتم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته، وبأمر رسمي من الخليفة بعد وفاته. أخرج ابن أبي داود في المصاحف عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقِيلَ كَانَتْ مَعَ فُلَانٍ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَقَالَ: «إِنَّا لِلَّهِ وَأَمَرَ بِالْقُرْآنِ فَجُمِعَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ فِي الْمُصْحَفِ» [المصاحف 61]

· هو أوّل من اقترح وألحّ على جمع القرآن جمعا رسميا على عهد أبي بكر رضي الله عنه: جاء في صحيح البخاري قول أبي بكر لزيد بن ثابت رضي الله عنهما: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ [البخاري 6/ 183/ 4986]
· المباشرة لجمع القرآن والمشاركة فيه : أخرج ابن أبي داود عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ، فَقَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: " مَنْ كَانَ تَلَقَّى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِنَا بِهِ، وَكَانُوا كَتَبُوا ذَلِكَ فِي الصُّحُفِ وَالْأَلْوَاحِ وَالْعُسُبِ، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى يَشْهَدَ شَهِيدَانِ فَقُتِلَ وَهُوَ يَجْمَعُ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ فَلْيَأْتِنَا بِهِ وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ شَهِيدَانِ، فَجَاءَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكُمْ تَرَكْتُمْ آيَتَيْنِ لَمْ تَكْتُبُوهُمَا. قَالُوا: وَمَا هُمَا؟ قَالَ: تَلَقَّيْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ قَالَ عُثْمَانُ: فَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَأَيْنَ تَرَى أَنْ نَجْعَلَهُمَا؟ قَالَ: اخْتِمْ بِهَا آخِرَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فَخُتِمَتْ بِهَا بَرَاءَةُ " [المصاحف 62]
· هو أوّل من قعّد قاعدة تقديم لغة قريش على غيرها حالة الاختلاف: أخرج ابن أبي داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَضَالَةَ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَكْتُبَ الْإِمَامَ أَقْعَدَ لَهُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: «إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي اللُّغَةِ فَاكْتُبُوهَا بِلُغَةِ مُضَرَ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ مُضَرَ» [المصاحف ص63]
· اشتراطه في الكتبة أن يكونوا من فصحاء العرب ومن العارفين بصناعة الكتابة: أخرج ابن أبي داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا يُمْلِيَنَّ فِي مَصَاحِفِنَا إِلَّا غِلْمَانُ قُرَيْشٍ وَثَقِيفٍ» وفي رواية عن عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: «لَا يُمَلِّيَنَّ فِي مَصَاحِفِنَا هَذِهِ إِلَّا غِلْمَانُ قُرَيْشٍ أَوْ غِلْمَانُ ثَقِيفٍ»[المصاحف 64-65]
· إعادة نسخ ما كتب وجمع على عهد أبي بكر رضي الله عنه في صحيفة واحدة : ففي مشكل الآثار للطحاوي: فَأَمَرَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَكَتَبْتُهُ فِي قِطَعِ الْأَدَمِ وَكِسَرِ الْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ، قَالَ الشَّيْخُ: يَعْنِي الْجَرِيدَ، فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ قَدْ كَتَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَتْ عِنْدَهُ فَلَمَّا هَلَكَ كَانَتْ عِنْدَ حَفْصَةَ [شرح مشكل الآثار (8/ 129-130] وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: فَأَمَرَنِي أَبُو بَكْرٍ فَكَتَبْتُهُ فِي قِطَعِ الْأَدِيمِ وَالْعُسُبِ فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ كَتَبْتُ ذَلِكَ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَتْ عِنْدَهُ. [عن الإتقان 1/207..] ولأنّ الجمع في مصحف واحد قد تم على الصحيح على يد عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فلا يبعد أن يكون قصدهم بصحيفة واحدة نقله من مختلف وسائل الكتابة من أُدُم ورِقٍّ وعُسبٍ وأكتافٍ إلى الرقّ أي الجلد خاصة...فأصبح في زمانه مكتوبا كلّه في جلد الغزال وبهذا نجمع بين مختلف النصوص التي تشير إلى أنّ صحائف أبي بكر كانت من العسب والأكتاف والأدم... وبين من النصوص التي تذكر أنّها كانت من رِقِّ وجلد الغزال خاصة...
· مواصلة كتابة القرآن الكريم صحائف ومصاحف : إنّ الذي يتناسب مع مرحلة حكم عمر رضي الله عنه التي امتازت بالأمن الداخلي، والاستقرار السياسي، والنقلة الحضارية والمدنية الكبيرة، هو كتابة العديد من المصاحف ونشرها في المساجد وبين أيدي العلماء وفي مختلف الأمصار وفي الرباطات والأجناد... وهذا الذي أشار إليه ابن حزم رحمه الله عندما قال: " ثمَّ مَاتَ أَبُو بكر وَولي عمر ففتحت بِلَاد الْفرس طولا وعرضاً وَفتحت الشَّام كلهَا والجزيرة ومصر كلهَا وَلم يبْق إِلَّا وبنيت فِيهِ الْمَسَاجِد وَنسخت فِيهِ الْمَصَاحِف وَقَرَأَ الْأَئِمَّة الْقُرْآن وَعلمه الصّبيان فِي الْمكَاتب شرفا وغرباً وَبَقِي كَذَلِك عشرَة أَعْوَام وأشهراً والمؤمنون كلهم لَا اخْتِلَاف بَينهم فِي شَيْء بل مِلَّة وَاحِدَة ومقالة وَاحِدَة وَإِن لم يكن عِنْد الْمُسلمين إِذْ مَاتَ عمر مائَة ألف مصحف من مصر إِلَى الْعرَاق إِلَى الشَّام إِلَى الْيمن فَمَا بَين ذَلِك فَلم يكن أقل." [ابن حزم الظاهري، الفصل في الملل والأهواء والنحل: 2/67] وذكر ابن دُريد في الاشتقاق أنّ من رجال بني نوفل بن عبد مناف نافع بن ظُرَيب بن عمرو بن نوفل كان يكتب المصاحف لعمر بن الخطاب رضي الله عنه [الاشتقاق ص89]، وقد كان رضي الله عنه يرسل الصحابة وعلماء التابعين لتعليم النّاس دينهم في مختلف أرجاء بلاد الإسلام الواسعة ولا يبعد أن يرسل معهم في الوقت نفسه مصاحف لإقرائهم القرآن، فقد روى ابن سعد في طبقاته أنّه رضي الله عنه أرسل كلّاً من معاذ بن جبل إلى فلسطين، وأبي الدرداء إلى دمشق، وعبّادة بن الصامت إلى حمص [الطبقات الكبرى 2/272] وأرسل أبا موسى الأشعري للبصرة [طبقات ابن سعد 2/263] وابن مسعود للكوفة [طبقات ابن سعد 3/116] رضي الله عنهم أجمعين...
· استمرار الجمع الخاص للقرآن الكريم، أخرج ابن سعد في طبقاته عن مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ مَرْسَا مَوْلًى لِقُرَيْشٍ قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي خِلافَةِ عُمَرَ. [الطبقات الكبرى 2/272] والراجح أنّ المقصود بهذا الجمع جمع الكتابة لا جمع حفظ الصدر؛ لأنّ عدم حفظ عثمان للقرآن الكريم وهو كاتب، وعالم، وملازم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم من أيام دار الأرقم مستبعد...
في مجموع هذه النصوص يبدو جهد عمر رضي الله عنه واضحا في كتابة المصحف، ابتداء من ملاحظة ضرورة كتابة القرآن حتى لا يضيع منه شيء، ثم إشارته إلى أبي بكر رضي الله عنه، ثم مشاركته في الجمع البكري إلى جانب زيد بن ثابت رضي الله عنه، ثم جمعه الخاص الذي يبدو أنّه تميّز عن جمع أبي بكر رضي الله عنه في كونه استعمل وسائل أرقى، وكونه كتب القرآن في صحيفة واحدة، ثم اجتهاده في توسع ظاهرة كتابة القرآن الكريم ونشر صحفه ومصاحفه....

المصادر والمراجع:
· الإتقان في علوم القرآن، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (911هـ) تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1394هـ/ 1974 م.
· الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ( صحيح البخاري)، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي(256هـ). تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر. دار طوق النجاة الطبعة الأولى، 1422هـ.
· الاشتقاق، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (321هـ) تحقيق: عبد السلام محمد هارون. دار الجيل، بيروت الطبعة الأولى، 1411 هـ - 1991 م.
· الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (230هـ) تحقيق: محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الأولى، 1410 هـ - 1990 م.
· الفصل في الملل والأهواء والنحل، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (456هـ). مكتبة الخانجي – القاهرة (د ت).
· كتاب المصاحف، أبو بكر بن أبي داود، عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (316هـ) تحقيق: محمد بن عبده. الفاروق الحديثة القاهرة الطبعة الأولى، 1423هـ - 2002م
 
عودة
أعلى