عقيل الشمري
New member
- إنضم
- 09/03/2006
- المشاركات
- 77
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
الحلقة الأولى : جمال البنا ... ومنهجه في التفسير (1)
المطلب الثاني : تفسيره لبعض قضايا القرآن
هناك عدة قضايا تبناها الدكتور في كتبه ، وحرف لأجلها آيات من القرآن ، وابتدع تفسيرات لها من تلقاء نفسه ، سأحاول أن أسلط الضوء على بعضها ، ومنها :
القضية الأولى : قضية حد الردة
تبنى الدكتور في أكثر من كتاب[1] له المنازعة في حد الردة ، وإنكاره ودليله في ذلك يتلخص في شيئين :
1ـ الآيات التي ذكرت الردة في القرآن لم تذكر عقوبة دنيوية ، بل جعلت العقوبة أخروية .
2ـ الآيات التي دلت على التعددية على حد زعمه كما في قوله " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " وغيرها .
وطبيعي جدا أن الدكتور يرد الأحاديث التي قضت بالحد للمرتد كما في قوله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه "[2] ولو كان في البخاري ، لأن له ضوابط في الاحتجاج بالسنة[3] ، غير صحة السند .
أما عدم ذكر الآيات التي ذكرت الردة للعقوبة الدنيوية فمتى كان إهمال القرآن للعقوبة الدنيوية يستنبط منه حكم ، فما بالك إن ذكر هذا الحكم في السنة ؟!! فعلى كلام الدكتور يجب إلغاء باب التعزيرات لأنه لم يذكر شيء منها في القرآن ، ويلغى أيضا الرجم لإهمال القرآن له ، وهو ما لم يذكر عند أهل السنة بل عند غيرهم ، وقد يكون أحيانا من خصائصهم ، والعلامة المميزة لهم لارتباطه بالسنة .
القضية الثانية : إنكار النسخ في القرآن
تبنى الدكتور أيضا إنكار النسخ ، بل ألف كتابا اسماه " تفنيد دعوى النسخ في القرآن الكريم "[4] ولام مفسري السلف على إكثارهم من النسخ فقال : " لقد كانت قالة النسخ من أكبر الكوارث الفكرية التي انزلق إليها الأسلاف ، وانطلت عليهم " ثم قال : " وعقيدتنا التي لا تتزعزع والتي انتهينا إليها بعد البحث الدائب هي أن كل الروايات والأحاديث التي تضمنت إجازة النسخ أو وقوعا له هي من الادعاءات المسموعة التي تدخل فيما أشار إليه القرآن الكريم عن أعداء الإسلام " لا تؤمنوا بهذا القرآن والغوا فيه " ثم قال : " وراجت تلك الأحاديث لسذاجة الأفهام خاصة وأن المحدثين ما كانوا يسألون عن السند قبل فتنة عثمان ، وتلك الروايات ظهرت في عهد الرسول نفسه ، بدليل إشارة القرآن إليها ، فجازت على المحدثين الذين استعبدهم السند قلبا وقالبا " أ.هـ .
والحق أن هذا الكلام السابق يحمل في طياته الكثير من المخالفات المنهجية والعقائدية ، لكني أنبه إلى أمرين :
1ـ أن الدكتور لم ينكر النسخ بناء على أنه لم يثبت أن الآية الفلانية ناسخة للآخرى ، لكن لأنه لم يوافق على المبدأ من أصله حيث يرى أن هذا العمل من العلماء من تلقاء أنفسهم ، وزاد الدكتور مرحلة فطعن في نياتهم ، كما يعرفه من يكمل قراءة كتبه ، حيث يرى أن السلف قاموا بذلك إضافة لسذاجتهم ؛ كان ذلك بدافع من الحكام وترويجهم لحكمهم من خلال ألسنة العلماء الربانيين .
2ـ النسخ في عرف السلف إذا أطلق لا يحمل على النسخ عند علماء الأصول ، بل هو أعم حيث يشمل التخصيص ، والتقييد ، والاستثناء ، ورفع الحكم ، بخلاف علماء الأصول حيث يخصونها بالقسم الأخير فقط ، ولذلك لا عجب إن كثر النسخ في تعبيراتهم ما دام المعنى عاما .
القضية الثالثة : جهاد الطلب
أنكر الدكتور جهاد الطلب ، وحاول جاهدا ومتكلفا أن يصرف الآيات الصريحة التي دلت على الأمر بذلك ، وألف أيضا كتابا بذلك بعنوان " الجهاد " وعمدته في رأيه التفريق بين الآيات التي دلت على الجهاد ، والآيات التي دلت على القتال حيث قال : " وجاء هذا الخطأ في الفهم بالدرجة الأولى نتيجة للخلط بين الجهاد والقتال واعتبارهما موضوعا واحدا بل وتغليب القتال على الجهاد ومعالجة الجهاد باعتباره قتالا ، وهذا خطأ جسيم "[5] ا.هـ
ثم عقد فصلا كاملا عن جميع آيات القتال محاولا صرفها ، والتماس الخصوصية لها ، بظروف ذلك الوقت ، أو درء لفتنة الكفار .
إلا أنه لما وصل لآية التوبة " ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " التوبة (29) .
حاول عاجزا عن صرفها لصراحتها ووضوح معناها ، فوقف الدكتور حائرا فقال : " والنص الذي جاء به هذا التعبير ، نص نعجز عن التوصل إلى مفهومه الحق ، وليس لدينا في الصحيح الثابت تفسيرا له من الرسول .. فالآية تتحدث عن فئة من أهل الكتاب لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا تحرم ما حرمه الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ، ونحن نعرف أن أهل الكتاب سواء كانوا من اليهود أو النصارى يؤمنون بالله ويؤمنون باليوم الآخر ، كما أنهم يحرمون ما حرم الله من قتل أو زنا أ سرقة ، ومن ثم فيبدو أن هناك فئة شاذة ينطبق عليها وصف القرآن ، ويفترض أن تكون هذه الفئة قد نصبت نفسها لعداوة الإسلام ، وأبدت استكبارا تطلب مقاتلتها ودفعها الجزية بشيء من الصغار "[6] ا.هـ
فيكون على كلام الدكتور أن هذه الآية من كتاب الله معطلة في الوجود ، إلى أن تأتي تلك الفرقة الشاذة فعند إذن نعمل بالآية ، ولا شك أن هذا تعطيل لكتاب الله الخالد .
وهناك قضايا كثيرة تبناها ، حتى أصبح قريبا من كل غريب ، ومقدمات كتبه تشهد بذلك حتى قال في إهداء كتابه الحجاب : " إلى الملايين المجهولة عبر الأجيال .. ثم قال " وجعلهن الفقهاء عورات ، سجينات البيوت مكسورات الجناح ، محرومات من الحرية والمعرفة والعمل ، فعشن مقهورات ومتن وفي النفس غصة ، اعتذار عما جناه الأسلاف "[7] ا.هـ
المبحث الرابع
الركائز التي قام عليها منهجه في التفسير
من خلال قراءتي لكتبه ظهر لي بعض الركائز التي يبني عليها منهجه ، ولعل منها :
أولا : عدم الاعتداد بمصادر الأحكام الشرعية
فإن المصادر الشرعية معروفة عند أهل العلم ، وهي : الكتاب ، السنة ، الإجماع ، القياس ، أما عند الدكتور فإنه لا يعتد بهذه المصادر :
فالقرآن لا يرجع في تفسيره إلى التفاسير المعروفة .
والسنة لا يعتد بها جميعا ، بل لها ضوابط كما سبق .
والإجماع يشترط له أن يعتمد على دليل !!
أما القياس فقد قال : " لأن استلهام أصل من أصول الإسلام أقوى من القياس على آراء الرجال مهما كانوا أئمة "[8] .
وأكثر المصادر في رأيه الذي تعصب له هو : " مقاصد الشريعة من عدل أو تيسير أو مصلحة "[9] وهذا وإن كان معمولا به عند أهل السنة والجماعة إلا أن القصد من وراء هذا المصدر في ظني حتى يكون أوسع مجالا لدخول الرأي ، والفكر .
وهذا الأمر قد أثر على منهجه في التفسير بحيث جعله لا يعتد بتفسير أهل العلم ، ولا يقيد القرآن بالسنة ، بل في الحقيقة يسيّر النص تحت سلطان العقل والفكر ، فقال : " وأقوى منها جميعا الرجوع إلى العقل وتحكيم المنطق السليم وطبيعة الشريعة ومقاصدها ، حتى وإن كان الموضوع عباديا ، لأنه مادام بعيدا عن ماهية الله تعالى وعالم السمعيات فإنه يخضع لحكم العقل والنظر ، وما يهدي إليه المنطق السليم والقول بذلك يحرم الناس من استخدام عقولهم ، ويعطل ملكات التفكير ويجعلهم أسرى للروايات "[10] ا.هـ
ثانيا : عمومية النص عمومية مطلقة
يلمح الدكتور إلى أن " القرآن الكريم أطلق أوصافا عامة لم يشأ أن يحددها لأنه يريد أن تتجاوب مع التطورات "[11] ا.هـ
وقال أيضا وهو يقارن بين المناخ الذي عاش فيه الفقهاء الأوائل رحمهم الله والعصر الحديث : " ولكن الصورة تختلف اختلافا جذريا في العصر الحديث ، لأن استفاضة الثقافة والمعرفة ونشر المراجع الإسلامية القديمة والحديثة ، ومناخ الحرية وانعتاق الفكر من أسار العقلية النقلية "[12] ا.هـ
ولا تظن أنه يوافق بذلك منهج أهل السنة في أن ألفاظ القرآن عامة ، بل يشير الدكتور إلى قضية خطيرة أنقلها بحروفها : " على أن هذا ليس معناه أن تمنع الكتابة عن القرآن ، فهيهات ، فالقرآن هو البحر الذي يحوي أسرار الإسلام وشريعته ، ولالئيها الثمينة ولكن أن تكون الكتابة إلهاما منه وتأثر به ، فالكاتب هنا يكتب عما فهمه وتأثر به ولكنه لا يقول هذا تفسير القرآن كأنه صاحبه ، والله هو صاحب القرآن ، فمن هذه الناحية فإن البحر لا يرفض صيد صائد ، ولا يضن على أحد .. ولا يحول دون النظر إليه والتأمل فيه وملاحظة رياحه ، وأمواجه وامتداده الجميل الرهيب .."[13] ا.هـ
من خلال هذه الأسطر أفهم أن الدكتور يشير إلى أن النص القرآني يحتمل أكثر من فهم ما دام أن الكاتب أو القارئ تأثر بذلك الفهم ، فيسبق الفهم أولا ثم الاعتقاد ، فتتحد قراءة القراء وتتباين الأفهام ، ومع ذلك النص يحتمل ويتسع فهو بحر لا تكدره الدلاء .
فإن صدق ظني وتحليلي فقد هدم بذلك حقيقة النص ، ووسع التحريف ، وسوغ التأويل ، وأبطل التفاسير ، وألغى المعاني ، وجعل المحكم متشابها .
وتأكيدا لفهمي لكلام الدكتور فقد قال الدكتور : " ومثل هذا ما يقال عن أن القرآن حمال ذو وجوه وأنه يمكن أن يتضمن حكما كما يتضمن نقيضه ، ويمكن أن يفهم واحد ما لا يفهمه الآخر ، فهذا كله من مزايا القرآن ، لأنه يفسح المجال للتعددية "[14] ا.هـ
وأثر هذا الأمر على منهجه في تفسيره للآيات حيث يلجأ إلى ترك المعاني المعتمدة في التفاسير ويأتي بمعنى يراه عصري على حسب زعمه ، يتناسب والعصر الحديث ، ويظهر الإسلام بلغة عصرية جميلة ، معتمدا أن القرآن ذو أوجه ، وكل ما فهم القارئ فهو صحيح .
وعمومية النص العمومية المطلقة هي المعبر عنها أحيانا بنسبية الحقيقة ، والتي كانت مذهب السفسطائيين " نسبية كل شيء قال بها بروتاغوراس السوفسطائي حين أراد أن ينقد أصول المعرفة "إن الإنسان هو مقياس وجود ما يوجد منها ومقياس وجود ما لا يوجد" ثم أخذ بهذا الشُكاك بعد، فطبقوها على الحد كما طبقوها على نواحي العلم كله، فلم تعد حقيقة من حقائق العلم ثابتة أو مستقرة، بل كل شيء –كما يقول هرقليطس- في تغير مستمر)[15] .
ثم عرفت نسبية الحقيقة ، أو عمومية الحقيقة عند الغرب كنتيجة للصراع بين رجال الدين النصراني ، ورجال العلم التجريبي ؛ يقول الأستاذ غازي التوبة : ( نسبية الحقيقة إحدى الركائز التي تقوم عليها الثقافة الغربية منذ نهضة أوروبا الحديثة، ويربط المفكرون الغربيون بين تلك الركيزة وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحيطة بالمجتمع، ويعتقدون أن تغير الحقائق الحياتية يقتضي نسبية الحقيقة، غير أن تكوّن تلك الركيزة في الثقافة الغربية يعود إلى فترة أبعد من العصور الحديثة ويرتبط بالعصور الوسطى فمن المعروف أن الكنيسة كانت تنطلق آنذاك في حكمها لأوروبا من نص "الإنجيل المقدس" الذي كان ثابتاً والذي كانت تحتكر الكنيسة تفسيره، وعندما قامت حقائق علمية وكونية متعددة تناقض النص الثابت، وتناقض تفسير رجال الكنيسة له وقع التصادم المريع بين الدين ( المحرف ) والعلم، وكانت النتيجة اضطهاد رجال العلم بحجة مخالفة النص المقدس الثابت، ولكن الكنيسة انهزمت أمام الثورة عليها وأمام حقائق العلم، واعتبرت الثورة رجال الدين عقبة في طريق العلم والتقدم، وصار الربط منذئذ بين النص المقدس وثبات الحقيقة، وكذا بين العلم ونسبية الحقيقة.
ومنذ أن بدأ التفاعل بين الثقافتين: الغربية والإسلامية، كان أبرز صور التصادم بين نسبية الحقيقة في الثقافة الغربية وبين النص "القطعي الثبوت القطعي الدلالة" في الثقافة الإسلامية )[16] .
ثالثا : تحكيمه لضغط الواقع
من يطالع كلام الدكتور عن بعض الآيات التي يذكرها يلاحظ أنه أحيانا يترك تفسير الصحابة ، أو إجماع المفسرين ، أو أنه يختار رأيا في تفسيره أداه إليه ضغط الواقع ، وليس اجتهاده ونظره لمسوغات الترجيح .
فمثلا قال في انتقاده للنسخ : " ولم أقرأ كتبا من الكتب التي وضعها المستشرقون المغرضون إلا وأجد ذكرا لآية السيف التي نسخت قرابة مائة آية من آيات الصفح والسماح والحرية يستشهدون بها على وحشية الإسلام "[17] ا.هـ
وقال مبينا أن الفنون والآداب تقوم في العصر الحديث بدور بارز في التثقيف وصقل الشخصية : " واذكر ما رواه أستاذ في الجامعات الأمريكية من أصل عربي ، من أن إحدى السيدات ألحت في زيارته بمنزله ، ورغم غرابة هذا الطلب ، فقد رحب الرجل ودعاها ، فلم تكد تدخل وتشاهد بانيو كبير في الصالة حتى سألته عنه ، وعندما قال لها إنه خاص به وأنه يعزف عليه أحيانا حتى ولت على أعقابها ، وفهم الأستاذ بعد ذلك أن رؤية هذا البانيو دلها على أنه أستاذ مثقف متمدن كالأوربيين ، وأنه ليس شرقيا بدائيا كما قد يتبادر إلى ذهن بعضهم "[18] ا.هـ
وهذه القضية لها دور على منهجه في التفسير حتى يترك أقوال الصحابة والسلف في القرون الثلاثة ودافعه في هذا الترك هو استغلال المستشرقين لها ، ويظهر أن الدكتور له علاقة وثيقة بكتاباتهم ، ورحم الله أهل العلم حيث منعوا من قراءة كتب الزنادقة والملحدين إلا لمن هو متضلع من علم الشريعة ، ولئن كان أهل العلم قديما يقولون بأن سبب المنع هو الخوف على دينه من تعلق الشبهات بها ، فإن من قرأ كتب الدكتور يجزم بأن من أسباب المنع لئلا يتأثر بضغط الواقع تحتها .
فقد دعا إلى التعددية في المجتمع الإسلامي ،ويقصد بها التعدد في حرية الديانة ، وكان ذلك لانبهاره بالتعددية الغربية ، فقد قال : " ولو استمر التقدم الحضاري للمجتمع الإسلامي ولم يبتلى بما أوقفه لكان من المحتمل أن تصل التعددية في هذا المجتمع إلى مستوى قريب مما وصلت إليه التعددية في المجتمع الأوربي "[19] ا.هـ .
وقال : " فأشهد صادقا غير حانث أني وجدت عشرات ، أو مئات من الأفراد لها عقول لا تفضل عقول الأنعام ، ولا تريد أن تفكر ، وتسأل في كل صغيرة وتافهة ، وتستفتي المفتي ، أو تلوذ باستخارة ، وتتحير أمام ما تعده مشاكل ، وهو ما لا يقف الطفل الأوربي الصغير أمامه "[20] .
واستمع إليه ينادي بترك الوقوف عند حدود الإطار السلفي إلى " إعطاء الشريعة دفعة جديدة ، ولإبرازها في ثوب يتفق مع مقتضيات العصر قدر ما يختلف عن الثوب التقليدي "[21] .
وحتى لا نتهم بالتحامل على الدكتور فليس مراده ما يقوله أهل العلم السلفي في زماننا من أن الإسلام يجب أن يساير تطورات العصر الحديث ولا يتخلف عنها ، بل يكون قائدا لها كما كان في سابق عهده ، والفرق بين القولين أن أهل العلم لم يطرأ في بال أحد منهم التخلي عن الإطار السلفي القديم ، بل يرون الخروج عنه علامة على لابتداع بخلاف الدكتور فهو ينادي بترك المنهج السلفي القديم ، حتى دعا في كتابه المذكور إلى ترك العمل بالحدود لأن الوقت قد تغير ، فمقولته وإن كان لها شبه ببعض ما يكون حقا إلا أن منطلق القولين مختلف .
رابعا : تحكيم العقل على الشرع ، وليس مجرد تقديم
تعدى الدكتور مرحلة تقديم العقل على الشرع ، إلى مرحلة أخطر منها بكثير وهي تحكيم العقل على الشرع ، ولئن كانت المرحلة الأولى تعطل الشرع لأنها تقدم العقل عليه ، فإن المرحلة الثانية تهدم النص هدما ، يقول الدكتور في معرض عرضه لفتوى لأحد مشايخ الأزهر محمد زكي إبراهيم وهي مسألة " طلاء الأظافر والوضوء " فالشيخ يرى جواز الوضوء ولو غطت اليد بالمناكير ، ودليله أقيسة كما قال : " فقسنا هذا الطلاء على الخضاب " " وقسناه على صحة وضوء الصباغ " " وقسناه على جواز الوضوء مع عدم تحريك الخاتم " " وقسناه على جواز سجود المصلي على كور عمامته ، وجواز مسح بعض الرأس أو عدم مسحه مع بعض العمامة أو القلنسوة "[22] .
ثم قال الدكتور جمال البنا معقبا على هذه الأقيسة : " نقول إن الشيخ أثابه الله لم يكن بحاجة إلى هذه الأقيسة والتحرزات كلها ، لأن استلهام أصل من أصول الإسلام أقوى من القياس على آراء الرجال مهما كانوا أئمة ، وأقوى منها جميعا الرجوع إلى العقل وتحكيم المنطق السليم وطبيعة الشريعة ومقاصدها حتى وإن كان الموضوع عباديا ، لأنه مادام بعيدا عن ماهية الله تعالى وعالم السمعيات فإنه يخضع لحكم العقل والنظر ، وما يهدي إليه المنطق السليم "[23] ا.هـ .
وفي ظني أن هذا الأمر كان له الدور الأكبر على منهجية الرجل في التفسير ، ومن هنا تقرر لديه عدم الرجوع لتفاسير الصحابة ، فضلا عن غيرهم من التابعين والأئمة ، وعدم الاعتداد بها ، بل يرى أن النظر فيها مضيعة للوقت ، وهدرا للفكر ، " ويعطل ملكات التفكير ويجعلهم أسرى للروايات "[24] .
وهذا يجعلنا أمام معضلة لا تعالج معالجة وجهات نظر ؛ بل أمام منهج جديد خارج عن أصول هذه الملة ، يحتاج إلى تحديد موقف منه يتمثل في الرفض النهائي ، حتى الدكتور نفسه كان يحس بذلك فقد قال الدكتور : " مع هذا كله فنحن نعلم أن هذا الكلام لن يكون سائغا لدى كثير من الناس الذين تحجرت عقولهم واستعبدتهم أقوال الأئمة منذ انغلاق باب الاجتهاد فاستمرأوا التقليد وعجزوا عن التفكير وهيمنت عليهم قداسة السلف "[25] ا.هـ
ولقد فات الدكتور أن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها ، وأن أي ترك لأقوال الصحابة ، يعني انقطاع الصلة بيننا وبين المصدر المبلغ عن الله دينه ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولئن استطاع العقل أن يعرف بعض أمور القرآن فسيخفى عليه جزء منها ، وهو ما حصل للدكتور نفسه حيث قال : " ولا ينفي هذا أن توجد بعض تعبيرات أو ألفاظ يعجز عنها المثقف ثقافة عامة ، ولكن هذا لا يمس الأثر الانطباعي الذي يأتي من النظم الموسيقي للقرآن والطبيعة التأكيدية واليقينية للقرآن بحكم صدوره من الله ، فلا يخسر القارئ أو المستمع شيئا إذا جهل معنى كلمة "[26] ا.هـ .
وهذا المسلك في تهوين عدم فهم شيء من ألفاظ القرآن بحجة أن العقل لم يعرف معناها ولم يجد ما يفسرها من القرآن على حد زعمه ، قاد الدكتور إلى مصيبة أعظم ، وهي قوله : " فلنؤمن بهذه الآيات بما وقَرَ في قلوبنا ولكن لا ندعي أن فهمنا هو الصواب وغيره باطل "[27] ا.هـ
ومن هنا جاءت فكرة تعددية المعاني ، وهي احتمال النص أكثر من معنى ، وهي ما سبق بيانه ، وتأكيدا له فقد قال الدكتور : " والحقيقة نفسها متعددة الأبعاد " ا.هـ
وهي ما دخل من خلاله الزنادقة قديما ، ولكل قوم وارث .
خامسا : الطعن في مرويات السنة في التفسير
من الركائز التي اعتمد عليها الدكتور في تفسيره أنه استغل دخول أحاديث كثيرة لا تصح ؛ بل من قبيل الوضع = للطعن على مرويات السنة ، فمن يقرأ كلام الدكتور يتقرر لديه أن الأصل عدم الوثوق بالسنة التي فسرت القرآن ، وأن ابن عباس رضي الله عنهما له روايات كثيرة مكذوبة عنه ، ولن أتكلم عن منهج الدكتور في السنة النبوية فقد عرضها في كتابه " نحو فقه جديد " لكني سأقتصر على جزء من ذلك وهو منهجه في السنة التي تخدم التفسير ، فهو يرى أن هناك عوامل ساعدت على انتشار الوضع ، منها :
1 ـ أن السنة لم تدون إلا بعد مرور المائة سنة الأولى من عصر الإسلام ، فكان الناس خلال مائة سنة يتداولون الأحاديث شفهيا ، وشيء بدهي عدم التوثيق في ذلك ، لأن الذهن لا بد أن يغلط ، والحافظة تخون .
2 ـ أن معظم أحاديث التفسير تدور على ابن عباس ، وهو من صغار الصحابة رضي الله عنهم ، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير ، فلم يسمع منه كثيرا من الأحاديث .
3 ـ قبل تدوين السنة مرت الأمة بحالات من الفتن بدايتها قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وكانت هذه المرحلة في نظر الدكتور مرحلة زاهرة للوضع في الحديث النبوي مما يحتج به أهل كل منهج لمنهجهم ، والقرآن مستند كل فرقة ، فكان من يريد الوضع يأتي إلى القرآن ويركب عليه أسانيد ينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن هنا يرى الدكتور " أن مئات من الأحاديث الموضوعة لا تزال موجودة في كتب الصحاح "[28] ا.هـ .
4 ـ افتراض التعارض بين القرآن والسنة النبوية ، من غير أن يتهم العقل بعدم القدرة على الجمع ، فإذا جاء حديث كان ظاهره يخالف آية لا يتردد الدكتور في ترك الرواية بل يتعدى إلى مرحلة الطعن على الرواية ولو كانت متفقا عليها ، كما فعل في الحديث الصحيح " من بدل دينه فاقتلوه " .
والدكتور يستغل أحاديث الوضع ليجدها فرصة ليستدل من السنة بما يظن أنه يؤيد أفكاره ، ويترك منها يشاء ، ومن هنا رفض فكرة تفسير القرآن بالسنة ، فقال : " لقد كفانا الله تعالى المؤنة عندما قال " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " القمر 17
وكررها أربع مرات .. ولم يكن القرآن ليكررها إلا ولها حقيقة وحقيقتها ما ذكرنا أن القرآن يعطي أثره بالانطباع لدى كل واحد يريد أن يذكر "[29] ا.هـ .
وأثار الدكتور إشكالا على ذلك وهو أن هذا المذهب يثير البلبلة ، وهي الشكوك ، فكان جوابه : " وقد يقال إن هذا يحدث البلبلة ، والإسلام لا يضيق بالبلبلة لأنها هي أول خطوة للوصول إلى الحقيقة "[30] ا.هـ .
ويذكرني هذا بمذهب بعض الفرق الكلامية في أول واجب على المكلف ، حيث قالوا
" أول الواجبات الشك لأن القصد إلى النظر بلا سابقة شك يقتضي طلب تحصيل الحاصل "[31] .
ولقد تناسى الدكتور الجهد الذي يعد مفخرة لهذه الأمة في صيانتهم جانب السنة ، واحتياطهم له ، حتى أصبح من الأمانة السلفية في نقل الحديث أن من آداب المحدث أن ينقل المحدث الرواية كما هي ولو كانت خطأ مع التنبيه على خطئها ، أي أنه لا يتولى بنفسه تصحيح الرواية ، فيكون كتابه مجالا للتعديل ، فينفتح الباب أمام كل من شك في لفظة من ألفاظ الحديث أن يقوم بتعديلها[32] ، وقد امتلأت كتب آداب الحديث بفصول حول الخطأ في الرواية ، وصيانة الكتاب ، ونقل الرواية كما سمع ، والتمييز بين كلامه ، وأجزاء الحديث ، وغير ذلك مما يعد من خصائص أهل السنة والجماعة .
فليس من السهل بعد ذلك أن يقال بأن روايات كثيرة دخلت ولم تمحص ، فضلا عن وجود أحاديث موضوعة في كتب الصحاح !!! فإن الله حفظ كتابه ، وحفظ الله له حفظ لدين هذه الأمة من التحريف ، ومن هنا أصبحت هذه الأمة لا تجمع على ضلالة ومما يتقرر في علم المصطلح أنه لا يوجد حديث موضوع غفلت الأمة عنه بكاملها لأن ذلك يصادم أصل حفظ الله على الأمة دينها ، قال الشافعي في الرسالة : " لا نعلم رجلا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء ، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن ، وإذا فرق علم كل واحدة : ذهب عليه الشيء منها ، ثم كان ما ذهب عليه موجودا عند غيره "[33] ا.هـ .
ووجود بعض الموضوعات في كتب السنة لا يعني القدح فيها ، ولا التشكيك في الكل فما بالك بتنقيحها ، وبيان أوهام الرواة ، والتنبيه على علل الأحاديث ، وسبر المرويات والمقارنة بينها ، كل ذلك يعطينا العلامة الكاملة في الاطمئنان على حفظ السنة النبوية .
سادسا : لا يعتد بالإجماع
الدكتور فرّغ الإجماع من معناه ، فإن الإجماع عند أهل العلم دليل على وجود الدليل ، لأن الأمة لا تجمع على خلاف الدليل ، بينما الدكتور إن أشكل عليه شيء مما أجمعت الأمة عليه استدل على بطلان إجماعها بأن الإجماع لا يكون خلاف الدليل ، وأدعى أيضا أن الإجماع يتغير بإجماع مثله ، فإذا أجمعت الأمة على أمر في عصر من العصور كان لمن بعدهم أن ينقض إجماعهم ليأتي بإجماع بدلا منه ، قال الدكتور " وإجماع الأمة في عهد ما ، لا يحول دون أن يتغير إجماعها في عهد آخر ، فإن قيل إن الأمة لا تجتمع على ضلالة رد عليه بأن المقصود بالأمة الأمة المحمدية إلى يوم القيامة "[34] ا.هـ .
وأعتقد أن الدكتور لا يرد عليه بأن يقال هذا قول جديد لا تعرفه هذه الأمة ، ولم يسبق لك قائل بها ، وكان السلف يحذرون من هذا المسلك أيما تحذير = فإن الدكتور يعتبر هذا الكلام دليلا لصحة مذهبه ، لأن الأمة ـ على حد زعمه ـ عاشت قرونا تحت وطأة الإسناد ، يحدوها إليه " متطلبات العصر من طاعة للسلطان ، وتوجيه للجمهور للرضا والتسليم وتميز الأغنياء "[35] .
وإنما يرد عليه بتناقضه في بيان الإجماع الحجة عنده والذي لا تجتمع الأمة فيه على ضلالة فهو إجماع الأمة إلى يوم القيامة !! فكيف يكون ذلك ، وهل يتصور ؟! أن لا نحكم على مسألة بأنه مجمع عليها حتى ننتظر يوم القيامة لنتيقن ألا يخالف أحد !!!
ومن يقرأ مجموعة من كتبه يرى التناقض الظاهر فأحيانا يستشهد بالإجماع ، وأحيانا ينسى كلامه فلا يقر به ، بل يستهجنه[36] ، وهذا عاقبة من لم يتقيد بمبادئ الطريق المستقيم ، والجادة المسلوكة ، التي سار عليها السلف ، اقتداء بالصحابة الكرام ، المهتدين بهديه صلى الله عليه وسلم .
سابعا : تقليله من شأن أهل العلم عامة ، والمحدثين خاصة .
وبدون مبالغة لا يكاد مؤلف من مؤلفات الدكتور يخلو من همز ولمز للسلف الصالح ، بل قل تصريحا في سيل من التهم الموجهة لهم ، فهو يرى أنهم أتباع سلاطين ، وعلماء جماهير ، يتلقون علمهم ـ خاصة المفسرون منهم ـ من قصص أهل الكتاب بدافع حب المعرفة لما عندهم ، ثم انتقل ذلك إلى مؤلفاتهم ، وكذلك أنهم استخدموا الأسانيد في تركيبها على أحاديث لترويج مذاهبهم الفقهية أو العقائدية .
وأضرب مثالا لاتهامه لأحد الأعلام في لمزه لعبد الملك بن جريج ، الذي قال عنه ابن حجر : " ثقة فقيه فاضل "[37] وقال الذهبي : " الفقيه أحد الأعلام "[38] فقال الدكتور : " وكان أمويا وروى عنه مجاهد ، وعطاء بن رباح ، وميمون بن مهران ، وابن شهاب الزهري والسفيانان ، ، ووكيع وعبد الرزاق ، وهو وابن عروبة أول من صنف الكتب في الحجاز ، ومع هذه الصفات التي توثقه فإنه كان يدلس وتزوج نحو سبعين امرأة لأنه كان يرى رخصة نكاح المتعة ، وقد يلقي أصله الرومي ، واتجاهه الأموي وأنه يدلس شيئا من الضلال أو الشبهات فيما نرى دون أن يمكن القطع بذلك "[39] ا.هـ .
نعوذ بالله من كلمة يلقيها ابن آدم لا يلقي لها بالاً ، وابن جريج إمام من الأئمة ، والتدليس أن يروي عمن لم يسمعه بصيغة تحتمل السماع[40] ، وكم نسبة ما دلسه ابن جريج مقابل ما صرح فيه بالتحديث ؟! والمتعة كان يرى جوازها ، وأهل العلم يعتبرون الأمر المخالف للدليل إن فعله صاحبه متأولا = لا يقدح في صاحبه ، وإلا لزم رد أحاديث أكثر أهل الكوفة لأنهم يرون شرب النبيذ ، وهو على الراجح محرم .
ولعل القارئ يزول عجبه من اتهام الدكتور لا بن جريج إذا سمع اتهامه للصحابة رضي الله عنهم ، فقال : " " ومعنى هذا عدم الالتزام بما رووه من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن باب أولى عدم الالتزام بما جاء عن الصحابة ، لأن الصحابة ليسوا مشرعين "[41] .
وقال : " لا يهولنك تلك الروايات وجمهرة الصحابة والتابعين التي رويت على لسانهم أقوال حتى لو صحت جدلا ـ وهي لا تصح ـ فلا قيمة لها لأن الصحابة والتابعين ليسوا ملائكة معصومين ، وليس لهم صفة وأن الحديث عنهم بالجمع وجزافا لا بد وأن يكون قابلا للبطلان فليس الصحابة هم الذين أبصروا الرسول لأن الصحبة التي تستحق العدالة هي الصحبة الطويلة والملازمة الدائمة وأن تثبت أعمالها أقوالها "[42]
والذي يهمني في بحثي من الصحابة جميعا هو حبر القرآن وترجمانه ابن عباس رضي الله عنهما ، فقد قال الدكتور : " وفي حياة ابن عباس رضي الله عنهما حدث تاريخي وقع عندما ولاه الإمام علي بن أبي طالب ولاية البصرة ، ولم يرسل ابن عباس " ميزانية " هذا المصر الهام فاستحثه الإمام علي فتثاقل بينهما مراسلات مؤثرة انتهت بان استحوذ ابن عباس على ما في بيت المال وأخذه ثم ذهب إلى مكة فابتنى قصرا واشترى جواري ...إن هذا الحدث يلقي ظلالا كثيفة على شخصية ابن عباس وعلى المرويات التي تكون قد صدرت عنه فعلا ( وليست مكذوبة عليه ) لأن لهذا الحدث ، بل السقطة الجسيمة دلالتها السئية ولا ينجيه منها أي تأويل ولا نرى ذكرا لهذا الحدث في تراجم ابن عباس لدى المحدثين إما جهلا منهم ، وإما تستراً ، وإذا كانوا يرفضون المساس بكعب ووهب فما بالك بابن عباس والحق أحق أن يتبع وهو يقضي على الرجال كائنا ما كانوا "[43] ا.هـ
وأترك التعليق على الكلام للقارئ الكريم !!!
وفي المقابل حظي ابن عربي وابن الفارض بما نتمنى أن يحظى به الصحابة رضي الله عنهم في كتابات الدكتور فقال : " وحتى لا نظلم التصوف فيجب أن تعترف أنه بجانب هذه السوءات فقد كانت له حسنات في نشر الإسلام في آفاق جديدة ، وفي تنظيم الجماهير وفي مقاومة التكالب على المادة الدنيوية المغرقة ، وأنه أبرز شخصيات مثل ابن عربي وابن الفارض اللذين تقبلا كل الأديان ورفعا لواء دين الحب "[44] ا.هـ
فانعكس هذا التصور عن الصحابة على نظرة الدكتور إلى التفاسير فلم يعتد بها ، ولم ير لها قيمة تذكر ، خاصة تلك التفاسير التي تهتم بالأثر .
ثامنا : الخروج عن كل ما هو معروف والبحث عن كل ما شذ
أصحاب هذا الفكر التجديدي لهم ولع وهلع بالبحث عن مخالفة ما سار عليه المسلمون وهذا الأمر قد لا يختص بالتفسير لكنه على كل العلوم بما فيها تفسير كتاب الله ، فلا تستغرب إذا قرأت للدكتور : " ويجوز للمرأة أن تتيمم بدلا من الوضوء بالماء إذا كان الماء يؤذي جمال وجهها كأن يظهر من أثر الوضوء في الشتاء ما يشين هذا إذا كان الوضوء يؤثر على جمال المرأة في وجهها "ا.هـ .
ولهذه الركيزة أثر على منهجه أيضا في التفسير حيث يأتي إلى القول المتعارف عليه عند المفسرين فيأتي بخلافه .
ومن ذلك تفسيره لقوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم " قال :.. هو إلى أمة المسلمين وقتئذ ، وفي ذلك الوقت بدليل كلمة " اليوم " فالاستشهاد بالآية في استبعاد التدرج عند دعوة غير المسلمين أو من في حكمهم ممن اجتذبتهم الجاهلية الحديثة عن دينهم ، ويراد إعادتهم إليه .. هو استشهاد لا يستقيم ، ويكون في غير محله .."[45] ا.هـ
تاسعا : عدم النظر لأسباب النزول .
أسباب النزول من الأمور المهمة في تفسير كتاب الله " وقد اعتنى بذلك المفسرون في كتبهم وأفردوا فيه تصانيف منهم على بن المديني شيخ البخاري ومن أشهرها تصنيف الواحدي في ذلك وأخطأ من زعم أنه لا طائل تحته لجريانه مجرى التاريخ وليس كذلك بل له فوائد منها وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم ، ومنها تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب ، ومنها الوقوف على المعنى قال الشيخ أبو الفتح القشيري بيان سبب النزول طريق قوى في فهم معاني الكتاب العزيز وهو أمر تحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا "[46] .
وكل ذلك غير معتبر عند الدكتور فإن أسباب النزول لها تعلق بالأحاديث وهي طريق التهمة عنده ، فقال : " هذه أمثلة عارضة فحسب تبين أن تفسير القرآن طبقا لأسباب النزول يمكن أن يغير المعنى ، أو يذهب به ، فإذا كان المعول والعمل هو بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ فإن أسباب النزول تكون فضولا ولا معنى لها وككل فضول فإنها تكون على حساب الهدف المطلوب على وجه التحديد بحيث تميعه ، وإذا كانت أسباب النزول تحمل المفسرين على أن يجعلوا العبرة بخصوص السبب كما يتضح ذلك من أن ابن عباس عندما قدم سبب النزول " لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ... الآية " قال : أولا " مالكم ولهذه الآية إنما دعا النبي يهود فسألهم ... الخ إذا كانت أسباب النزول ستقصر العمل على خصوص السبب فإنها ستذهب بالقرآن ككتاب هداية للناس كافة إلى يوم يبعثون وتجعله كتاب قصص وحكايات "[47] ا.هـ .
فقد قصر فائدة سبب النزول على إمكانية تعميمه أو تخصيصه ، ولأن العبرة بالعموم فلم يعد لها فائدة ، فأخطأ في الأصل ثم كان خطؤه في الفرع تبعا لذلك ، ومن يطالع نصوص أهل العلم في كتب علوم القرآن يعلم أن فوائد معرفة أسباب النزول لها أعظم الأثر في معرفة التفسير ، ومن ذلك :
" قوله تعالى " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتا أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به " الأنعام 145 .
فظاهرها يقتضي الحصر بينما من عرف سبب نزولها عرف أن الآية لا تعني التخصيص من عدمه " قال الشافعي ما معناه في معنى قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما الآية إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله ، وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم ، فكأنه قال لا حلال إلا ما حرمتموه ، ولا حرام إلا ما أحللتموه ، نازلا منزلة من يقول لا تأكل اليوم حلاوة فتقول لا آكل اليوم إلا الحلاوة والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة ، فكأنه قال لا حرام إلا ما حللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، ولم يقصد حل ما وراءه إذا القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل ، قال إمام الحرمين وهذا في غاية الحسن ولولا سبق الشافعي إلى ذلك لما كنا نستجير مخالفة مالك في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية ، وهذا قد يكون من الشافعي أجراه مجرى التأويل ومن قال بمراعاة اللفظ دون سببه لا يمنع من التأويل "[48]
وانتقد الدكتور كذلك ما يعده أهل العلم من المرفوع إذا قال الصحابي : آية كذا نزلت في كذا ، واعتبر أن ذلك يفتح الباب أمام الروايات الموضوعة فقال : " ويبدوا أن المفسرين لأسباب النزول جعلهم يرتضون قول الصحابي في الحديث عن أسباب النزول ويعتبرون أن قول الصحابي إذا شهد الوحي والتنزيل عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا حديثا مسندا ، كما أنهم اعتبروا المرسل من كلام التابعين مرفوعا ، وقد يقبل إذا صح المسند إليه وكان من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير أو اعتضد بمرسل آخر ، وبهذا انفتح الباب روايات موضوعة ،أو ضعيفة ، أو نقولا من الكتب السابقة اعتقدوا صحتها باعتبارها من علم أهل الكتاب ، وهناك رخصة بروايتها ، ومعظم الذين رووا عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير طعون فيهم ، فضلا عن أن مجاهد وعكرمة وسعيد أنفسهم لم يسلموا من المآخذ التي تلقي ظللا من الشبهة على روايتهم وقد لا يكونون كما قالوا من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة "[49] ا.هـ
فيطعن الدكتور بالأسانيد ، ورواتها ، وأهل العلم ، والأئمة منهم ، والرواة عنهم ، ويطعن بالمناهج العلمية المعتبرة عند الأمة ، وطرائق العلم المسلوكة ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
واختصَرَ بيان منهجه في هذا الباب فقال : " نحن لا ندخل في صراع فكري مع الفقهاء في قبولهم تفسير الصحابة والتابعين لاختلاف المناهج التي يدور عليها النقاش ، فنحن نأخذ بمنهج طبائع الأشياء والأمر الثابت القطعي ، والعقل ، والمنطق ، وهم يأخذون بالأقوال فيدافعون عن المرويات بالمرويات ، وهذا لا يستقيم ، ولا يعملون ذهنهم أو فكرهم أبدا ، وإنما قيل وقال "[50] ا.هـ
ولعلي أكتفي ببيان مثال واحد من كلام الدكتور على أهمية أسباب النزول للدكتور نفسه على وجه الخصوص لأن عدم الاعتداد بأسباب النزول يفسد على الدكتور تخصيص آيات الأمر بالقتال ، والجهاد بأنه جهاد الدفع ، أو درء الفتنة[51] ، ولا يسلم قوله هذا من اعتراض إلا إذا لجأ إلى الاحتجاج بأسباب النزول ، فيلزمه أحد أمرين :
إما فساد قاعدته في أسباب النزول ، أو عموم آيات الجهاد وأنه يشمل الطلب والدفع .
ولذلك حاول أن يتخلص من هذا الإلزام بقوله : " ولكن يمكن الاستئناس بملابسات النزول التي توردها الوقائع الثابتة كما هو الشأن في بعض الآيات التي سمحت بالقتال ردا على العدوان أو درءا للفتنة "[52] .
لكن كما هو ظاهر فإن الإشكال قائم فلا يوجد لدى الدكتور ميزان بالتفريق بين حالات الاستدلال ، وحالات الترك .
عاشرا : حصره تفسير القرآن على القرآن فقط .
وذلك ليسلم له مذهبه في رده تفسير آيات كثيرة ، وليختار من تفسيره لنفسه ما يشاء ، وليحمّل الآية ما لا تحتمل ، فقال : " لأن من الثابت أولا أن الله تعالى قال " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " فدل على تيسير القرآن للذكر بما لا يحتاج ـ ضرورة ـ لتبين وأكثر من هذا وضوحا ، وصف الله تعالى القرآن بأنه مبين ، والمبين لا يحتاج إلى بيان "[53] وقال : " ولأن من الأفضل أن نبذل هذا الجهد في توضيح مقاصد القرآن فضلا عن قاعدتنا المقررة (لا يفسر القرآن إلا بالقرآن نفسه ) ، وأن القرآن ليس في حاجة للتفسير لأنه يعطي أثره بالانطباع "[54] .
وقال أيضا مبينا أنه لا حاجة إلى التفاسير ، ولا إلى السنة التي توضح كثيرا من معاني القرآن : " إن دعوة الإحياء الإسلامي تستشف بالقراءة المتكررة للقرآن الكريم وما تخلفه هذه القراءة من انطباعات روح القرآن والمضامين الرئيسية التي تنطوي عليها سوره وآياته "[55] .
وقال مقررا حرية الاعتقاد وأن لكل شخص أن يعتقد ما يريد من كفر أو إيمان ، وأن الله أراد ذلك ، ولم يفرق بين الإرادة الشرعية ، والإرادة الكونية[56] ، فقال : " إننا جعلنا القرآن الأصل الأصيل لكل ما أوردناه من أحكام ، ولم نعتمد على آية واحدة ، ولكن على عشرات الآيات كلها تقرر بصريح العبارة حرية العقيدة وبصورة لا تحتاج إلى تأويل فضلا عن آيات تصل للمئات يوحي سياقها بهذا المعنى ، فنحن في إصرارنا على حرية الاعتقاد إنما نحيي ما أحياه القرآن ونطالب بما أراده القرآن ، ونرفض أي افتيات على النص الصريح أو تطويعه أو تأويله تأويلات تخرج عن معناه ، كما نرفض أن نجري سكين النسخ المزعوم على آيات بيات "[57] .
ولا يخفى أن أهل العلم يجعلون أفضل طرق التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن[58] لكنهم لا يحصرون الطرق عليها ويتركون الطرق الأخرى البيانية لمعاني الكتاب العزيز .
والفرق أن أهل العلم يسعون جادين لبيان المعاني ، فيحرصون على كل طريق يدلهم على المعنى ، على منهج لهم في ترتيب هذه الطرق ، بينما الدكتور لا يسعى للمعنى بقدر ما يسعى لتوظيف النص لما يهوى .
الحادية عشرة : نظرته لتاريخ الأمة
من ركائزه التي اعتمد عليها الدكتور نظرته السوداء لتاريخ الأمة المجيد ، والعريق ، فهو يرى أن مجد الأمة انتهى بمقتل عثمان رضي الله عنه ، ثم استحال ملكا عضوضا ، سيطر فيه الحكام الظلمة على الملك ، وتمكنوا من تسخير الدين وأهله ، والعلماء لتثبيت ملكهم فاضطر العلماء إلى استعمال الأحاديث ، وتركيب الأسانيد ، للترويج لأولئك الحكام ، فأصبح الدكتور كلما مر عليه قول مجمع عيه أرجعه لتاريخ الأمة الذي هيمن عليه الإسناد ، حتى أصبح يرى أن تاريخ الأمة وعملها لا يرجع إليه ، ولا يستأنس به ، فضلا على أنه قد يحتج به كما هو منهج كثير من أهل العلم .
فقال عن رسالته في الجهاد : " وهي ترى أن الجهاد كان في الماضي والحاضر من أكبر الموضوعات التي أسيء فهمها "[59] .
وقال عن التفاسير : " وقد كانت مطالعاتي عبر خمسين عاما مخيبة ، بل رأيت شيئا من التطفل على القرآن بل والجناية عليه "[60] .
وقال عن الحجاب : " وعلى مدار ألف عام وقد خضعت المرأة المسلمة لرأي فقهي متزمت يقضي على المرأة بأن تضع نقابا كثيفا يغطي وجهها ، ويحرمها من التعليم والعمل ويحول بينها وبين الاختلاط أو التعرف على المجتمع ، ويجعل مهمتها الوحيدة إرضاء الزوج ، وإنجاب الأبناء وتربيتهم "[61] .
ثم قال : " فالحجاب الذي كان مطبقا طوال القرون الماضية كان هو النقاب الذي يغطي وجه المرأة وبالتالي يعزلها عن المجتمع ، ويعزل المجتمع عنها "[62] .
وقال عن الفقه : " ومنذ ألف سنة أغلق الفقهاء باب الاجتهاد ومعنى هذا أنه أصبح على المسلم أن يتعبد وأن يمارس شعائر عبادته ، وأن يطبق أحكام فقهه وهي تغطي مجالات الحياة كافة ، دون سؤال ودون فهم العلة ، وقلنا في مناسبة سابقة إن هذا يعني أن أمة محمد أعطت عقلها إجازة ألف عام ، فلنحمد الله أننا لا نزال نسير على قدمين ، وكان يمكن أن ندب على أربع "[63] .
فأثرت هذه النظرة على منهجه في التفسير في استبعاد كل أقوال السلف ، والخروج عليها ، وعدم الاعتداد بإجماعهم ، مما سبق بيانه .
الثانية عشرة : استشهاده بما لا يثبت أو بالمتشابه
يلاحظ القارئ في كتب الدكتور أنه يستشهد أحيانا بقصص مكذوبة ، أو ليس لها أسانيد ، ولا تعرف ، وأحيانا يستشهد بالمتشابه الذي يحتمل أكثر من وجه .
فقد قال عن الطبري : " ولما قال الطبري إن حديث الجلوس على العرش محال ثار عليه طائفة من الحنابلة وقذفوه بالمحابر وقذفوا داره بالحجارة "[64] .
وقال عن سعيد بن جبير : " أنه قال في القرآن أربعة أحرف لحن "[65]
ولمز ابن جريج رحمه الله[66] ، وعكرمة ، وكعب ، ووهب بن منبه[67] .
وبعض ما روي عنهم مما انتقدوا فيه كثير منه لا يصح ، والباقي ذكر مبتورا ، ومنه ما زيد على أصله ، وفيه ما لا يصل خطؤه إلى درجة الرمي بالوضع ، خاصة أن كثيرا من التابعين ، وقد مدحهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة بقوله " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم "[68] .
وإذا أراد الدكتور الاستشهاد على دخول الوضع لكتب التفاسير فإنه يختار المواضع التي ذكروا فيها الإسرائيليات ، كقصة آدم وحواء ، والفتن ، وتعيين المبهمات في القرآن ، ولئن كان هذا ينتقد على كتب التفاسير التي ذكرَتهُ ، إلا أن أهل العلم متفقون على أن ذلك لا يعني إسقاط الكتاب كله ، ولا يستشهدون بذلك على أن المفسر يحرف معاني القرآن ؛ بل على العكس من ذلك نجدهم يبررون ذلك بأن المفسر ابن بيئته ، ويحكي في تفسيره اهتمام مجتمعه ، وعصره ، مع أن أكثر المفسرين نصوا في مقدماتهم على منهجهم في ذكر الإسرائيليات[69] .
وهذا من الأمور التي أكثر منها الدكتور وأثرت في ظني على منهجه في التفسير حيث جعلها السبب للإعراض عن كتب التفاسير ، رغم أنها لا تشكل ظاهرة في كتب التفسير بالجملة ، ولها توجيه عند أهل العلم ، ولهم طريقة في التعامل معها بحيث تبقى في حدودها ولا تؤثر على التفسير ، وعلى ذلك سارت الأمة بحمد الله قرونا طويلة تستمد من هذه التفاسير ، وتعتمد عليها ، وتنقب فيها ، ولو سلك الإنسان نفس طريقة الدكتور في هدم الكل لخطأ البعض لكان كمن يقتل إنسانا لفساد عضو فيه ، ولم يسلم لنا من علومنا شيء ، وفي ظني أن الدكتور لو سمع كلامي لقال " وهذا صحيح فلا يسلم من علومنا شيء " .
-----------الحواشي --------------
[1] ـ انظر :
موقفنا من العلمانية القومية الاشتراكية ، ص ( 26) . الجهاد ، ص ( 65 ) . الإسلام دين وأمة ، ص ( 16 ) تثوير القرآن ، ص (72) .
[2] ـ رواه البخاري برقم (2854) .
[3] ـ انظر كتابه : نحو فقه جديد ـ الجزء الثاني ، وقد اختصرها في كتابه : الإسلام كما تقدمه دعوة الإحياء الإسلامي ، ص ( 100) .
[4] ـ طبعته دار الفكر الإسلامي بالقاهرة .
[5] ـ الجهاد ، ص ( 5 ) .
[6] ـ المصدر السابق ، ص ( 73 ) .
[7] ـ الحجاب ، ص ( 4 ) .
[8] ـ لا حرج ، ص ( 94 ) .
[9] ـ لا حرج قضية التيسر في الإسلام ، ص ( 8 ) .
[10] ـ لا حرج ، ص ( 94 ) .
[11] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 7 ) .
[12] ـ لا حرج ، ص ( 60 ) .
[13] ـ المصدر السابق ، ص ( 131 ) .
[14] ـ إستراتيجية الدعوة الإسلامية ، ص ( 57 ) .
[15] ـ نقلا عن موقع الكاشف ، ونسبها إلى ( مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص 191 ) .
[16] ـالمصدر السابق ، وعزاها إلى ( مجلة المجتمع ، العدد 1337 ) .
[17] ـ تفسير القرآن ، ص ( 7 ) .
[18] ـ الجهاد ، ص ( 23 ) .
[19] التعددية في المجتمع الإسلامي ، ص ( 18 ) .
[20] ـ تجديد الإسلام وإعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية ، ص ( 4 ) .
[21] ـ انظر ، هل يمكن تطبيق الشريعة ، ص ( 3 ) .
[22] ـ انظر " لا حرج قضية التيسير في الإسلام " ص ( 92 ) ، وأحال على كتاب للشيح إبراهيم " معالم المجتمع النسائي في الإسلام " ص (25 ) .
[23] ـ لا حرج ، ص ( 94 ) .
[24] ـ المصدر السابق ، ( 95 ) .
[25] ـ تجديد الإسلام وإعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية ، ص ( 238 ) .
[26] ـ تجديد الإسلام ، ص ( 236 ) .
[27] ـ تجديد الإسلام ، ص ( 237 ) .
[28] ـ الإسلام كما تقدمه دعوة الإحياء الإسلامي ، ص ( 78 ) .
[29] ـ تجديد الإسلام ، ص ( 236 ) .
[30] ـ الإسلام كما تقدمه الإحياء الإسلامي ، ص ( 72 ) .
[31] ـ المواقف ج1/ص167
[32] ـ انظر تدريب الراوي ، ( 1/ 526 ) فقد عقد فصلا عن صفة رواية الحديث .
[33] ـ الرسالة ، تحقيق أحمد شاكر ، ص ( 42 ) .
[34] تفنيد دعوى النسخ ، ص ( 92 ) .
[35] ـ تثوير القرآن ، ص ( 70 ) .
[36] ـ والتهجين التقبيح . انظر القاموس المحيط ( 1/1600)
[37] ـ تقريب التهذيب ج1/ص363
[38] ـ الكاشف ج1/ص666
[39] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 56 ) .
[40] ـ انظر الكفاية للخطيب البغدادي ، ( 1/ 357 ) .
[41] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 90 ) .
[42] ـ تفنيد دعوى النسخ ، ص ( 4 ) .
[43] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 98 ) .
[44] ـ تثوير القرآن ، ص ( 82 ) .
[45] ـ لا حرج ، ص ( 40 ) .
[46] ـ البرهان في علوم القرآن (1/22)
[47] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 114 ) .
[48] ـ البرهان في علوم القرآن ، ص ( 1/ 23 ) .
[49] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 114 ) .
[50] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 91 ) .
[51] ـ انظر رسالته في الجهاد .
[52] ـ إستراتيجية الدعوة الإسلامية ، ص ( 54 ) الحاشية رقم ( 1 ) .
[53] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 88 ) .
[54] ـ تجديد الإسلام وإعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية ، ص ( 232 ) .
[55] ـ إستراتيجية الدعوة الإسلامية ، ص ( 55 ) .
[56] ـ للفرق بينهما . انظر معارج القبول ، ص ( 1/230 ) .
[57] ـ الإسلام وحرية الفكر ، ص ( 97 ) .
[58] ـ فتاوى ابن تيمية ( 13 / 363) ، مناهل العرفان ( 1/11 ) .
[59] ـ الجهاد ، ص ( 4 ) .
[60] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 7 ) .
[61] ـ الحجاب ، ص ( 5 ) .
[62] ـ الحجاب ، ص ( 8 ) .
[63] ـ تجديد الإسلام ، ص ( 4 ) .
[64] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 80 ) .
[65] ـ تفسير القرآن ، ص ( 68 ) .
[66] ـ تفسير القرآن ، ص ( 56 ) .
[67] ـ تفسير القرآن ، ص ( 97 ) ، وللدفاع عنهم انظر مناهل العرفان ( 2/21 ) .
[68] ـ متفق عليه ، رواه البخاري ، كتاب الشهادات ، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد ، برقم ( 2905) ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة ، باب خيار الناس ، برقم ( 2625) .
[69] ـ انظر مثلا : تفسير ابن كثير ، ( 1/5) .
المطلب الثاني : تفسيره لبعض قضايا القرآن
هناك عدة قضايا تبناها الدكتور في كتبه ، وحرف لأجلها آيات من القرآن ، وابتدع تفسيرات لها من تلقاء نفسه ، سأحاول أن أسلط الضوء على بعضها ، ومنها :
القضية الأولى : قضية حد الردة
تبنى الدكتور في أكثر من كتاب[1] له المنازعة في حد الردة ، وإنكاره ودليله في ذلك يتلخص في شيئين :
1ـ الآيات التي ذكرت الردة في القرآن لم تذكر عقوبة دنيوية ، بل جعلت العقوبة أخروية .
2ـ الآيات التي دلت على التعددية على حد زعمه كما في قوله " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " وغيرها .
وطبيعي جدا أن الدكتور يرد الأحاديث التي قضت بالحد للمرتد كما في قوله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه "[2] ولو كان في البخاري ، لأن له ضوابط في الاحتجاج بالسنة[3] ، غير صحة السند .
أما عدم ذكر الآيات التي ذكرت الردة للعقوبة الدنيوية فمتى كان إهمال القرآن للعقوبة الدنيوية يستنبط منه حكم ، فما بالك إن ذكر هذا الحكم في السنة ؟!! فعلى كلام الدكتور يجب إلغاء باب التعزيرات لأنه لم يذكر شيء منها في القرآن ، ويلغى أيضا الرجم لإهمال القرآن له ، وهو ما لم يذكر عند أهل السنة بل عند غيرهم ، وقد يكون أحيانا من خصائصهم ، والعلامة المميزة لهم لارتباطه بالسنة .
القضية الثانية : إنكار النسخ في القرآن
تبنى الدكتور أيضا إنكار النسخ ، بل ألف كتابا اسماه " تفنيد دعوى النسخ في القرآن الكريم "[4] ولام مفسري السلف على إكثارهم من النسخ فقال : " لقد كانت قالة النسخ من أكبر الكوارث الفكرية التي انزلق إليها الأسلاف ، وانطلت عليهم " ثم قال : " وعقيدتنا التي لا تتزعزع والتي انتهينا إليها بعد البحث الدائب هي أن كل الروايات والأحاديث التي تضمنت إجازة النسخ أو وقوعا له هي من الادعاءات المسموعة التي تدخل فيما أشار إليه القرآن الكريم عن أعداء الإسلام " لا تؤمنوا بهذا القرآن والغوا فيه " ثم قال : " وراجت تلك الأحاديث لسذاجة الأفهام خاصة وأن المحدثين ما كانوا يسألون عن السند قبل فتنة عثمان ، وتلك الروايات ظهرت في عهد الرسول نفسه ، بدليل إشارة القرآن إليها ، فجازت على المحدثين الذين استعبدهم السند قلبا وقالبا " أ.هـ .
والحق أن هذا الكلام السابق يحمل في طياته الكثير من المخالفات المنهجية والعقائدية ، لكني أنبه إلى أمرين :
1ـ أن الدكتور لم ينكر النسخ بناء على أنه لم يثبت أن الآية الفلانية ناسخة للآخرى ، لكن لأنه لم يوافق على المبدأ من أصله حيث يرى أن هذا العمل من العلماء من تلقاء أنفسهم ، وزاد الدكتور مرحلة فطعن في نياتهم ، كما يعرفه من يكمل قراءة كتبه ، حيث يرى أن السلف قاموا بذلك إضافة لسذاجتهم ؛ كان ذلك بدافع من الحكام وترويجهم لحكمهم من خلال ألسنة العلماء الربانيين .
2ـ النسخ في عرف السلف إذا أطلق لا يحمل على النسخ عند علماء الأصول ، بل هو أعم حيث يشمل التخصيص ، والتقييد ، والاستثناء ، ورفع الحكم ، بخلاف علماء الأصول حيث يخصونها بالقسم الأخير فقط ، ولذلك لا عجب إن كثر النسخ في تعبيراتهم ما دام المعنى عاما .
القضية الثالثة : جهاد الطلب
أنكر الدكتور جهاد الطلب ، وحاول جاهدا ومتكلفا أن يصرف الآيات الصريحة التي دلت على الأمر بذلك ، وألف أيضا كتابا بذلك بعنوان " الجهاد " وعمدته في رأيه التفريق بين الآيات التي دلت على الجهاد ، والآيات التي دلت على القتال حيث قال : " وجاء هذا الخطأ في الفهم بالدرجة الأولى نتيجة للخلط بين الجهاد والقتال واعتبارهما موضوعا واحدا بل وتغليب القتال على الجهاد ومعالجة الجهاد باعتباره قتالا ، وهذا خطأ جسيم "[5] ا.هـ
ثم عقد فصلا كاملا عن جميع آيات القتال محاولا صرفها ، والتماس الخصوصية لها ، بظروف ذلك الوقت ، أو درء لفتنة الكفار .
إلا أنه لما وصل لآية التوبة " ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " التوبة (29) .
حاول عاجزا عن صرفها لصراحتها ووضوح معناها ، فوقف الدكتور حائرا فقال : " والنص الذي جاء به هذا التعبير ، نص نعجز عن التوصل إلى مفهومه الحق ، وليس لدينا في الصحيح الثابت تفسيرا له من الرسول .. فالآية تتحدث عن فئة من أهل الكتاب لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا تحرم ما حرمه الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ، ونحن نعرف أن أهل الكتاب سواء كانوا من اليهود أو النصارى يؤمنون بالله ويؤمنون باليوم الآخر ، كما أنهم يحرمون ما حرم الله من قتل أو زنا أ سرقة ، ومن ثم فيبدو أن هناك فئة شاذة ينطبق عليها وصف القرآن ، ويفترض أن تكون هذه الفئة قد نصبت نفسها لعداوة الإسلام ، وأبدت استكبارا تطلب مقاتلتها ودفعها الجزية بشيء من الصغار "[6] ا.هـ
فيكون على كلام الدكتور أن هذه الآية من كتاب الله معطلة في الوجود ، إلى أن تأتي تلك الفرقة الشاذة فعند إذن نعمل بالآية ، ولا شك أن هذا تعطيل لكتاب الله الخالد .
وهناك قضايا كثيرة تبناها ، حتى أصبح قريبا من كل غريب ، ومقدمات كتبه تشهد بذلك حتى قال في إهداء كتابه الحجاب : " إلى الملايين المجهولة عبر الأجيال .. ثم قال " وجعلهن الفقهاء عورات ، سجينات البيوت مكسورات الجناح ، محرومات من الحرية والمعرفة والعمل ، فعشن مقهورات ومتن وفي النفس غصة ، اعتذار عما جناه الأسلاف "[7] ا.هـ
المبحث الرابع
الركائز التي قام عليها منهجه في التفسير
من خلال قراءتي لكتبه ظهر لي بعض الركائز التي يبني عليها منهجه ، ولعل منها :
أولا : عدم الاعتداد بمصادر الأحكام الشرعية
فإن المصادر الشرعية معروفة عند أهل العلم ، وهي : الكتاب ، السنة ، الإجماع ، القياس ، أما عند الدكتور فإنه لا يعتد بهذه المصادر :
فالقرآن لا يرجع في تفسيره إلى التفاسير المعروفة .
والسنة لا يعتد بها جميعا ، بل لها ضوابط كما سبق .
والإجماع يشترط له أن يعتمد على دليل !!
أما القياس فقد قال : " لأن استلهام أصل من أصول الإسلام أقوى من القياس على آراء الرجال مهما كانوا أئمة "[8] .
وأكثر المصادر في رأيه الذي تعصب له هو : " مقاصد الشريعة من عدل أو تيسير أو مصلحة "[9] وهذا وإن كان معمولا به عند أهل السنة والجماعة إلا أن القصد من وراء هذا المصدر في ظني حتى يكون أوسع مجالا لدخول الرأي ، والفكر .
وهذا الأمر قد أثر على منهجه في التفسير بحيث جعله لا يعتد بتفسير أهل العلم ، ولا يقيد القرآن بالسنة ، بل في الحقيقة يسيّر النص تحت سلطان العقل والفكر ، فقال : " وأقوى منها جميعا الرجوع إلى العقل وتحكيم المنطق السليم وطبيعة الشريعة ومقاصدها ، حتى وإن كان الموضوع عباديا ، لأنه مادام بعيدا عن ماهية الله تعالى وعالم السمعيات فإنه يخضع لحكم العقل والنظر ، وما يهدي إليه المنطق السليم والقول بذلك يحرم الناس من استخدام عقولهم ، ويعطل ملكات التفكير ويجعلهم أسرى للروايات "[10] ا.هـ
ثانيا : عمومية النص عمومية مطلقة
يلمح الدكتور إلى أن " القرآن الكريم أطلق أوصافا عامة لم يشأ أن يحددها لأنه يريد أن تتجاوب مع التطورات "[11] ا.هـ
وقال أيضا وهو يقارن بين المناخ الذي عاش فيه الفقهاء الأوائل رحمهم الله والعصر الحديث : " ولكن الصورة تختلف اختلافا جذريا في العصر الحديث ، لأن استفاضة الثقافة والمعرفة ونشر المراجع الإسلامية القديمة والحديثة ، ومناخ الحرية وانعتاق الفكر من أسار العقلية النقلية "[12] ا.هـ
ولا تظن أنه يوافق بذلك منهج أهل السنة في أن ألفاظ القرآن عامة ، بل يشير الدكتور إلى قضية خطيرة أنقلها بحروفها : " على أن هذا ليس معناه أن تمنع الكتابة عن القرآن ، فهيهات ، فالقرآن هو البحر الذي يحوي أسرار الإسلام وشريعته ، ولالئيها الثمينة ولكن أن تكون الكتابة إلهاما منه وتأثر به ، فالكاتب هنا يكتب عما فهمه وتأثر به ولكنه لا يقول هذا تفسير القرآن كأنه صاحبه ، والله هو صاحب القرآن ، فمن هذه الناحية فإن البحر لا يرفض صيد صائد ، ولا يضن على أحد .. ولا يحول دون النظر إليه والتأمل فيه وملاحظة رياحه ، وأمواجه وامتداده الجميل الرهيب .."[13] ا.هـ
من خلال هذه الأسطر أفهم أن الدكتور يشير إلى أن النص القرآني يحتمل أكثر من فهم ما دام أن الكاتب أو القارئ تأثر بذلك الفهم ، فيسبق الفهم أولا ثم الاعتقاد ، فتتحد قراءة القراء وتتباين الأفهام ، ومع ذلك النص يحتمل ويتسع فهو بحر لا تكدره الدلاء .
فإن صدق ظني وتحليلي فقد هدم بذلك حقيقة النص ، ووسع التحريف ، وسوغ التأويل ، وأبطل التفاسير ، وألغى المعاني ، وجعل المحكم متشابها .
وتأكيدا لفهمي لكلام الدكتور فقد قال الدكتور : " ومثل هذا ما يقال عن أن القرآن حمال ذو وجوه وأنه يمكن أن يتضمن حكما كما يتضمن نقيضه ، ويمكن أن يفهم واحد ما لا يفهمه الآخر ، فهذا كله من مزايا القرآن ، لأنه يفسح المجال للتعددية "[14] ا.هـ
وأثر هذا الأمر على منهجه في تفسيره للآيات حيث يلجأ إلى ترك المعاني المعتمدة في التفاسير ويأتي بمعنى يراه عصري على حسب زعمه ، يتناسب والعصر الحديث ، ويظهر الإسلام بلغة عصرية جميلة ، معتمدا أن القرآن ذو أوجه ، وكل ما فهم القارئ فهو صحيح .
وعمومية النص العمومية المطلقة هي المعبر عنها أحيانا بنسبية الحقيقة ، والتي كانت مذهب السفسطائيين " نسبية كل شيء قال بها بروتاغوراس السوفسطائي حين أراد أن ينقد أصول المعرفة "إن الإنسان هو مقياس وجود ما يوجد منها ومقياس وجود ما لا يوجد" ثم أخذ بهذا الشُكاك بعد، فطبقوها على الحد كما طبقوها على نواحي العلم كله، فلم تعد حقيقة من حقائق العلم ثابتة أو مستقرة، بل كل شيء –كما يقول هرقليطس- في تغير مستمر)[15] .
ثم عرفت نسبية الحقيقة ، أو عمومية الحقيقة عند الغرب كنتيجة للصراع بين رجال الدين النصراني ، ورجال العلم التجريبي ؛ يقول الأستاذ غازي التوبة : ( نسبية الحقيقة إحدى الركائز التي تقوم عليها الثقافة الغربية منذ نهضة أوروبا الحديثة، ويربط المفكرون الغربيون بين تلك الركيزة وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحيطة بالمجتمع، ويعتقدون أن تغير الحقائق الحياتية يقتضي نسبية الحقيقة، غير أن تكوّن تلك الركيزة في الثقافة الغربية يعود إلى فترة أبعد من العصور الحديثة ويرتبط بالعصور الوسطى فمن المعروف أن الكنيسة كانت تنطلق آنذاك في حكمها لأوروبا من نص "الإنجيل المقدس" الذي كان ثابتاً والذي كانت تحتكر الكنيسة تفسيره، وعندما قامت حقائق علمية وكونية متعددة تناقض النص الثابت، وتناقض تفسير رجال الكنيسة له وقع التصادم المريع بين الدين ( المحرف ) والعلم، وكانت النتيجة اضطهاد رجال العلم بحجة مخالفة النص المقدس الثابت، ولكن الكنيسة انهزمت أمام الثورة عليها وأمام حقائق العلم، واعتبرت الثورة رجال الدين عقبة في طريق العلم والتقدم، وصار الربط منذئذ بين النص المقدس وثبات الحقيقة، وكذا بين العلم ونسبية الحقيقة.
ومنذ أن بدأ التفاعل بين الثقافتين: الغربية والإسلامية، كان أبرز صور التصادم بين نسبية الحقيقة في الثقافة الغربية وبين النص "القطعي الثبوت القطعي الدلالة" في الثقافة الإسلامية )[16] .
ثالثا : تحكيمه لضغط الواقع
من يطالع كلام الدكتور عن بعض الآيات التي يذكرها يلاحظ أنه أحيانا يترك تفسير الصحابة ، أو إجماع المفسرين ، أو أنه يختار رأيا في تفسيره أداه إليه ضغط الواقع ، وليس اجتهاده ونظره لمسوغات الترجيح .
فمثلا قال في انتقاده للنسخ : " ولم أقرأ كتبا من الكتب التي وضعها المستشرقون المغرضون إلا وأجد ذكرا لآية السيف التي نسخت قرابة مائة آية من آيات الصفح والسماح والحرية يستشهدون بها على وحشية الإسلام "[17] ا.هـ
وقال مبينا أن الفنون والآداب تقوم في العصر الحديث بدور بارز في التثقيف وصقل الشخصية : " واذكر ما رواه أستاذ في الجامعات الأمريكية من أصل عربي ، من أن إحدى السيدات ألحت في زيارته بمنزله ، ورغم غرابة هذا الطلب ، فقد رحب الرجل ودعاها ، فلم تكد تدخل وتشاهد بانيو كبير في الصالة حتى سألته عنه ، وعندما قال لها إنه خاص به وأنه يعزف عليه أحيانا حتى ولت على أعقابها ، وفهم الأستاذ بعد ذلك أن رؤية هذا البانيو دلها على أنه أستاذ مثقف متمدن كالأوربيين ، وأنه ليس شرقيا بدائيا كما قد يتبادر إلى ذهن بعضهم "[18] ا.هـ
وهذه القضية لها دور على منهجه في التفسير حتى يترك أقوال الصحابة والسلف في القرون الثلاثة ودافعه في هذا الترك هو استغلال المستشرقين لها ، ويظهر أن الدكتور له علاقة وثيقة بكتاباتهم ، ورحم الله أهل العلم حيث منعوا من قراءة كتب الزنادقة والملحدين إلا لمن هو متضلع من علم الشريعة ، ولئن كان أهل العلم قديما يقولون بأن سبب المنع هو الخوف على دينه من تعلق الشبهات بها ، فإن من قرأ كتب الدكتور يجزم بأن من أسباب المنع لئلا يتأثر بضغط الواقع تحتها .
فقد دعا إلى التعددية في المجتمع الإسلامي ،ويقصد بها التعدد في حرية الديانة ، وكان ذلك لانبهاره بالتعددية الغربية ، فقد قال : " ولو استمر التقدم الحضاري للمجتمع الإسلامي ولم يبتلى بما أوقفه لكان من المحتمل أن تصل التعددية في هذا المجتمع إلى مستوى قريب مما وصلت إليه التعددية في المجتمع الأوربي "[19] ا.هـ .
وقال : " فأشهد صادقا غير حانث أني وجدت عشرات ، أو مئات من الأفراد لها عقول لا تفضل عقول الأنعام ، ولا تريد أن تفكر ، وتسأل في كل صغيرة وتافهة ، وتستفتي المفتي ، أو تلوذ باستخارة ، وتتحير أمام ما تعده مشاكل ، وهو ما لا يقف الطفل الأوربي الصغير أمامه "[20] .
واستمع إليه ينادي بترك الوقوف عند حدود الإطار السلفي إلى " إعطاء الشريعة دفعة جديدة ، ولإبرازها في ثوب يتفق مع مقتضيات العصر قدر ما يختلف عن الثوب التقليدي "[21] .
وحتى لا نتهم بالتحامل على الدكتور فليس مراده ما يقوله أهل العلم السلفي في زماننا من أن الإسلام يجب أن يساير تطورات العصر الحديث ولا يتخلف عنها ، بل يكون قائدا لها كما كان في سابق عهده ، والفرق بين القولين أن أهل العلم لم يطرأ في بال أحد منهم التخلي عن الإطار السلفي القديم ، بل يرون الخروج عنه علامة على لابتداع بخلاف الدكتور فهو ينادي بترك المنهج السلفي القديم ، حتى دعا في كتابه المذكور إلى ترك العمل بالحدود لأن الوقت قد تغير ، فمقولته وإن كان لها شبه ببعض ما يكون حقا إلا أن منطلق القولين مختلف .
رابعا : تحكيم العقل على الشرع ، وليس مجرد تقديم
تعدى الدكتور مرحلة تقديم العقل على الشرع ، إلى مرحلة أخطر منها بكثير وهي تحكيم العقل على الشرع ، ولئن كانت المرحلة الأولى تعطل الشرع لأنها تقدم العقل عليه ، فإن المرحلة الثانية تهدم النص هدما ، يقول الدكتور في معرض عرضه لفتوى لأحد مشايخ الأزهر محمد زكي إبراهيم وهي مسألة " طلاء الأظافر والوضوء " فالشيخ يرى جواز الوضوء ولو غطت اليد بالمناكير ، ودليله أقيسة كما قال : " فقسنا هذا الطلاء على الخضاب " " وقسناه على صحة وضوء الصباغ " " وقسناه على جواز الوضوء مع عدم تحريك الخاتم " " وقسناه على جواز سجود المصلي على كور عمامته ، وجواز مسح بعض الرأس أو عدم مسحه مع بعض العمامة أو القلنسوة "[22] .
ثم قال الدكتور جمال البنا معقبا على هذه الأقيسة : " نقول إن الشيخ أثابه الله لم يكن بحاجة إلى هذه الأقيسة والتحرزات كلها ، لأن استلهام أصل من أصول الإسلام أقوى من القياس على آراء الرجال مهما كانوا أئمة ، وأقوى منها جميعا الرجوع إلى العقل وتحكيم المنطق السليم وطبيعة الشريعة ومقاصدها حتى وإن كان الموضوع عباديا ، لأنه مادام بعيدا عن ماهية الله تعالى وعالم السمعيات فإنه يخضع لحكم العقل والنظر ، وما يهدي إليه المنطق السليم "[23] ا.هـ .
وفي ظني أن هذا الأمر كان له الدور الأكبر على منهجية الرجل في التفسير ، ومن هنا تقرر لديه عدم الرجوع لتفاسير الصحابة ، فضلا عن غيرهم من التابعين والأئمة ، وعدم الاعتداد بها ، بل يرى أن النظر فيها مضيعة للوقت ، وهدرا للفكر ، " ويعطل ملكات التفكير ويجعلهم أسرى للروايات "[24] .
وهذا يجعلنا أمام معضلة لا تعالج معالجة وجهات نظر ؛ بل أمام منهج جديد خارج عن أصول هذه الملة ، يحتاج إلى تحديد موقف منه يتمثل في الرفض النهائي ، حتى الدكتور نفسه كان يحس بذلك فقد قال الدكتور : " مع هذا كله فنحن نعلم أن هذا الكلام لن يكون سائغا لدى كثير من الناس الذين تحجرت عقولهم واستعبدتهم أقوال الأئمة منذ انغلاق باب الاجتهاد فاستمرأوا التقليد وعجزوا عن التفكير وهيمنت عليهم قداسة السلف "[25] ا.هـ
ولقد فات الدكتور أن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها ، وأن أي ترك لأقوال الصحابة ، يعني انقطاع الصلة بيننا وبين المصدر المبلغ عن الله دينه ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، ولئن استطاع العقل أن يعرف بعض أمور القرآن فسيخفى عليه جزء منها ، وهو ما حصل للدكتور نفسه حيث قال : " ولا ينفي هذا أن توجد بعض تعبيرات أو ألفاظ يعجز عنها المثقف ثقافة عامة ، ولكن هذا لا يمس الأثر الانطباعي الذي يأتي من النظم الموسيقي للقرآن والطبيعة التأكيدية واليقينية للقرآن بحكم صدوره من الله ، فلا يخسر القارئ أو المستمع شيئا إذا جهل معنى كلمة "[26] ا.هـ .
وهذا المسلك في تهوين عدم فهم شيء من ألفاظ القرآن بحجة أن العقل لم يعرف معناها ولم يجد ما يفسرها من القرآن على حد زعمه ، قاد الدكتور إلى مصيبة أعظم ، وهي قوله : " فلنؤمن بهذه الآيات بما وقَرَ في قلوبنا ولكن لا ندعي أن فهمنا هو الصواب وغيره باطل "[27] ا.هـ
ومن هنا جاءت فكرة تعددية المعاني ، وهي احتمال النص أكثر من معنى ، وهي ما سبق بيانه ، وتأكيدا له فقد قال الدكتور : " والحقيقة نفسها متعددة الأبعاد " ا.هـ
وهي ما دخل من خلاله الزنادقة قديما ، ولكل قوم وارث .
خامسا : الطعن في مرويات السنة في التفسير
من الركائز التي اعتمد عليها الدكتور في تفسيره أنه استغل دخول أحاديث كثيرة لا تصح ؛ بل من قبيل الوضع = للطعن على مرويات السنة ، فمن يقرأ كلام الدكتور يتقرر لديه أن الأصل عدم الوثوق بالسنة التي فسرت القرآن ، وأن ابن عباس رضي الله عنهما له روايات كثيرة مكذوبة عنه ، ولن أتكلم عن منهج الدكتور في السنة النبوية فقد عرضها في كتابه " نحو فقه جديد " لكني سأقتصر على جزء من ذلك وهو منهجه في السنة التي تخدم التفسير ، فهو يرى أن هناك عوامل ساعدت على انتشار الوضع ، منها :
1 ـ أن السنة لم تدون إلا بعد مرور المائة سنة الأولى من عصر الإسلام ، فكان الناس خلال مائة سنة يتداولون الأحاديث شفهيا ، وشيء بدهي عدم التوثيق في ذلك ، لأن الذهن لا بد أن يغلط ، والحافظة تخون .
2 ـ أن معظم أحاديث التفسير تدور على ابن عباس ، وهو من صغار الصحابة رضي الله عنهم ، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير ، فلم يسمع منه كثيرا من الأحاديث .
3 ـ قبل تدوين السنة مرت الأمة بحالات من الفتن بدايتها قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وكانت هذه المرحلة في نظر الدكتور مرحلة زاهرة للوضع في الحديث النبوي مما يحتج به أهل كل منهج لمنهجهم ، والقرآن مستند كل فرقة ، فكان من يريد الوضع يأتي إلى القرآن ويركب عليه أسانيد ينسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن هنا يرى الدكتور " أن مئات من الأحاديث الموضوعة لا تزال موجودة في كتب الصحاح "[28] ا.هـ .
4 ـ افتراض التعارض بين القرآن والسنة النبوية ، من غير أن يتهم العقل بعدم القدرة على الجمع ، فإذا جاء حديث كان ظاهره يخالف آية لا يتردد الدكتور في ترك الرواية بل يتعدى إلى مرحلة الطعن على الرواية ولو كانت متفقا عليها ، كما فعل في الحديث الصحيح " من بدل دينه فاقتلوه " .
والدكتور يستغل أحاديث الوضع ليجدها فرصة ليستدل من السنة بما يظن أنه يؤيد أفكاره ، ويترك منها يشاء ، ومن هنا رفض فكرة تفسير القرآن بالسنة ، فقال : " لقد كفانا الله تعالى المؤنة عندما قال " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " القمر 17
وكررها أربع مرات .. ولم يكن القرآن ليكررها إلا ولها حقيقة وحقيقتها ما ذكرنا أن القرآن يعطي أثره بالانطباع لدى كل واحد يريد أن يذكر "[29] ا.هـ .
وأثار الدكتور إشكالا على ذلك وهو أن هذا المذهب يثير البلبلة ، وهي الشكوك ، فكان جوابه : " وقد يقال إن هذا يحدث البلبلة ، والإسلام لا يضيق بالبلبلة لأنها هي أول خطوة للوصول إلى الحقيقة "[30] ا.هـ .
ويذكرني هذا بمذهب بعض الفرق الكلامية في أول واجب على المكلف ، حيث قالوا
" أول الواجبات الشك لأن القصد إلى النظر بلا سابقة شك يقتضي طلب تحصيل الحاصل "[31] .
ولقد تناسى الدكتور الجهد الذي يعد مفخرة لهذه الأمة في صيانتهم جانب السنة ، واحتياطهم له ، حتى أصبح من الأمانة السلفية في نقل الحديث أن من آداب المحدث أن ينقل المحدث الرواية كما هي ولو كانت خطأ مع التنبيه على خطئها ، أي أنه لا يتولى بنفسه تصحيح الرواية ، فيكون كتابه مجالا للتعديل ، فينفتح الباب أمام كل من شك في لفظة من ألفاظ الحديث أن يقوم بتعديلها[32] ، وقد امتلأت كتب آداب الحديث بفصول حول الخطأ في الرواية ، وصيانة الكتاب ، ونقل الرواية كما سمع ، والتمييز بين كلامه ، وأجزاء الحديث ، وغير ذلك مما يعد من خصائص أهل السنة والجماعة .
فليس من السهل بعد ذلك أن يقال بأن روايات كثيرة دخلت ولم تمحص ، فضلا عن وجود أحاديث موضوعة في كتب الصحاح !!! فإن الله حفظ كتابه ، وحفظ الله له حفظ لدين هذه الأمة من التحريف ، ومن هنا أصبحت هذه الأمة لا تجمع على ضلالة ومما يتقرر في علم المصطلح أنه لا يوجد حديث موضوع غفلت الأمة عنه بكاملها لأن ذلك يصادم أصل حفظ الله على الأمة دينها ، قال الشافعي في الرسالة : " لا نعلم رجلا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء ، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن ، وإذا فرق علم كل واحدة : ذهب عليه الشيء منها ، ثم كان ما ذهب عليه موجودا عند غيره "[33] ا.هـ .
ووجود بعض الموضوعات في كتب السنة لا يعني القدح فيها ، ولا التشكيك في الكل فما بالك بتنقيحها ، وبيان أوهام الرواة ، والتنبيه على علل الأحاديث ، وسبر المرويات والمقارنة بينها ، كل ذلك يعطينا العلامة الكاملة في الاطمئنان على حفظ السنة النبوية .
سادسا : لا يعتد بالإجماع
الدكتور فرّغ الإجماع من معناه ، فإن الإجماع عند أهل العلم دليل على وجود الدليل ، لأن الأمة لا تجمع على خلاف الدليل ، بينما الدكتور إن أشكل عليه شيء مما أجمعت الأمة عليه استدل على بطلان إجماعها بأن الإجماع لا يكون خلاف الدليل ، وأدعى أيضا أن الإجماع يتغير بإجماع مثله ، فإذا أجمعت الأمة على أمر في عصر من العصور كان لمن بعدهم أن ينقض إجماعهم ليأتي بإجماع بدلا منه ، قال الدكتور " وإجماع الأمة في عهد ما ، لا يحول دون أن يتغير إجماعها في عهد آخر ، فإن قيل إن الأمة لا تجتمع على ضلالة رد عليه بأن المقصود بالأمة الأمة المحمدية إلى يوم القيامة "[34] ا.هـ .
وأعتقد أن الدكتور لا يرد عليه بأن يقال هذا قول جديد لا تعرفه هذه الأمة ، ولم يسبق لك قائل بها ، وكان السلف يحذرون من هذا المسلك أيما تحذير = فإن الدكتور يعتبر هذا الكلام دليلا لصحة مذهبه ، لأن الأمة ـ على حد زعمه ـ عاشت قرونا تحت وطأة الإسناد ، يحدوها إليه " متطلبات العصر من طاعة للسلطان ، وتوجيه للجمهور للرضا والتسليم وتميز الأغنياء "[35] .
وإنما يرد عليه بتناقضه في بيان الإجماع الحجة عنده والذي لا تجتمع الأمة فيه على ضلالة فهو إجماع الأمة إلى يوم القيامة !! فكيف يكون ذلك ، وهل يتصور ؟! أن لا نحكم على مسألة بأنه مجمع عليها حتى ننتظر يوم القيامة لنتيقن ألا يخالف أحد !!!
ومن يقرأ مجموعة من كتبه يرى التناقض الظاهر فأحيانا يستشهد بالإجماع ، وأحيانا ينسى كلامه فلا يقر به ، بل يستهجنه[36] ، وهذا عاقبة من لم يتقيد بمبادئ الطريق المستقيم ، والجادة المسلوكة ، التي سار عليها السلف ، اقتداء بالصحابة الكرام ، المهتدين بهديه صلى الله عليه وسلم .
سابعا : تقليله من شأن أهل العلم عامة ، والمحدثين خاصة .
وبدون مبالغة لا يكاد مؤلف من مؤلفات الدكتور يخلو من همز ولمز للسلف الصالح ، بل قل تصريحا في سيل من التهم الموجهة لهم ، فهو يرى أنهم أتباع سلاطين ، وعلماء جماهير ، يتلقون علمهم ـ خاصة المفسرون منهم ـ من قصص أهل الكتاب بدافع حب المعرفة لما عندهم ، ثم انتقل ذلك إلى مؤلفاتهم ، وكذلك أنهم استخدموا الأسانيد في تركيبها على أحاديث لترويج مذاهبهم الفقهية أو العقائدية .
وأضرب مثالا لاتهامه لأحد الأعلام في لمزه لعبد الملك بن جريج ، الذي قال عنه ابن حجر : " ثقة فقيه فاضل "[37] وقال الذهبي : " الفقيه أحد الأعلام "[38] فقال الدكتور : " وكان أمويا وروى عنه مجاهد ، وعطاء بن رباح ، وميمون بن مهران ، وابن شهاب الزهري والسفيانان ، ، ووكيع وعبد الرزاق ، وهو وابن عروبة أول من صنف الكتب في الحجاز ، ومع هذه الصفات التي توثقه فإنه كان يدلس وتزوج نحو سبعين امرأة لأنه كان يرى رخصة نكاح المتعة ، وقد يلقي أصله الرومي ، واتجاهه الأموي وأنه يدلس شيئا من الضلال أو الشبهات فيما نرى دون أن يمكن القطع بذلك "[39] ا.هـ .
نعوذ بالله من كلمة يلقيها ابن آدم لا يلقي لها بالاً ، وابن جريج إمام من الأئمة ، والتدليس أن يروي عمن لم يسمعه بصيغة تحتمل السماع[40] ، وكم نسبة ما دلسه ابن جريج مقابل ما صرح فيه بالتحديث ؟! والمتعة كان يرى جوازها ، وأهل العلم يعتبرون الأمر المخالف للدليل إن فعله صاحبه متأولا = لا يقدح في صاحبه ، وإلا لزم رد أحاديث أكثر أهل الكوفة لأنهم يرون شرب النبيذ ، وهو على الراجح محرم .
ولعل القارئ يزول عجبه من اتهام الدكتور لا بن جريج إذا سمع اتهامه للصحابة رضي الله عنهم ، فقال : " " ومعنى هذا عدم الالتزام بما رووه من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن باب أولى عدم الالتزام بما جاء عن الصحابة ، لأن الصحابة ليسوا مشرعين "[41] .
وقال : " لا يهولنك تلك الروايات وجمهرة الصحابة والتابعين التي رويت على لسانهم أقوال حتى لو صحت جدلا ـ وهي لا تصح ـ فلا قيمة لها لأن الصحابة والتابعين ليسوا ملائكة معصومين ، وليس لهم صفة وأن الحديث عنهم بالجمع وجزافا لا بد وأن يكون قابلا للبطلان فليس الصحابة هم الذين أبصروا الرسول لأن الصحبة التي تستحق العدالة هي الصحبة الطويلة والملازمة الدائمة وأن تثبت أعمالها أقوالها "[42]
والذي يهمني في بحثي من الصحابة جميعا هو حبر القرآن وترجمانه ابن عباس رضي الله عنهما ، فقد قال الدكتور : " وفي حياة ابن عباس رضي الله عنهما حدث تاريخي وقع عندما ولاه الإمام علي بن أبي طالب ولاية البصرة ، ولم يرسل ابن عباس " ميزانية " هذا المصر الهام فاستحثه الإمام علي فتثاقل بينهما مراسلات مؤثرة انتهت بان استحوذ ابن عباس على ما في بيت المال وأخذه ثم ذهب إلى مكة فابتنى قصرا واشترى جواري ...إن هذا الحدث يلقي ظلالا كثيفة على شخصية ابن عباس وعلى المرويات التي تكون قد صدرت عنه فعلا ( وليست مكذوبة عليه ) لأن لهذا الحدث ، بل السقطة الجسيمة دلالتها السئية ولا ينجيه منها أي تأويل ولا نرى ذكرا لهذا الحدث في تراجم ابن عباس لدى المحدثين إما جهلا منهم ، وإما تستراً ، وإذا كانوا يرفضون المساس بكعب ووهب فما بالك بابن عباس والحق أحق أن يتبع وهو يقضي على الرجال كائنا ما كانوا "[43] ا.هـ
وأترك التعليق على الكلام للقارئ الكريم !!!
وفي المقابل حظي ابن عربي وابن الفارض بما نتمنى أن يحظى به الصحابة رضي الله عنهم في كتابات الدكتور فقال : " وحتى لا نظلم التصوف فيجب أن تعترف أنه بجانب هذه السوءات فقد كانت له حسنات في نشر الإسلام في آفاق جديدة ، وفي تنظيم الجماهير وفي مقاومة التكالب على المادة الدنيوية المغرقة ، وأنه أبرز شخصيات مثل ابن عربي وابن الفارض اللذين تقبلا كل الأديان ورفعا لواء دين الحب "[44] ا.هـ
فانعكس هذا التصور عن الصحابة على نظرة الدكتور إلى التفاسير فلم يعتد بها ، ولم ير لها قيمة تذكر ، خاصة تلك التفاسير التي تهتم بالأثر .
ثامنا : الخروج عن كل ما هو معروف والبحث عن كل ما شذ
أصحاب هذا الفكر التجديدي لهم ولع وهلع بالبحث عن مخالفة ما سار عليه المسلمون وهذا الأمر قد لا يختص بالتفسير لكنه على كل العلوم بما فيها تفسير كتاب الله ، فلا تستغرب إذا قرأت للدكتور : " ويجوز للمرأة أن تتيمم بدلا من الوضوء بالماء إذا كان الماء يؤذي جمال وجهها كأن يظهر من أثر الوضوء في الشتاء ما يشين هذا إذا كان الوضوء يؤثر على جمال المرأة في وجهها "ا.هـ .
ولهذه الركيزة أثر على منهجه أيضا في التفسير حيث يأتي إلى القول المتعارف عليه عند المفسرين فيأتي بخلافه .
ومن ذلك تفسيره لقوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم " قال :.. هو إلى أمة المسلمين وقتئذ ، وفي ذلك الوقت بدليل كلمة " اليوم " فالاستشهاد بالآية في استبعاد التدرج عند دعوة غير المسلمين أو من في حكمهم ممن اجتذبتهم الجاهلية الحديثة عن دينهم ، ويراد إعادتهم إليه .. هو استشهاد لا يستقيم ، ويكون في غير محله .."[45] ا.هـ
تاسعا : عدم النظر لأسباب النزول .
أسباب النزول من الأمور المهمة في تفسير كتاب الله " وقد اعتنى بذلك المفسرون في كتبهم وأفردوا فيه تصانيف منهم على بن المديني شيخ البخاري ومن أشهرها تصنيف الواحدي في ذلك وأخطأ من زعم أنه لا طائل تحته لجريانه مجرى التاريخ وليس كذلك بل له فوائد منها وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم ، ومنها تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب ، ومنها الوقوف على المعنى قال الشيخ أبو الفتح القشيري بيان سبب النزول طريق قوى في فهم معاني الكتاب العزيز وهو أمر تحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا "[46] .
وكل ذلك غير معتبر عند الدكتور فإن أسباب النزول لها تعلق بالأحاديث وهي طريق التهمة عنده ، فقال : " هذه أمثلة عارضة فحسب تبين أن تفسير القرآن طبقا لأسباب النزول يمكن أن يغير المعنى ، أو يذهب به ، فإذا كان المعول والعمل هو بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ فإن أسباب النزول تكون فضولا ولا معنى لها وككل فضول فإنها تكون على حساب الهدف المطلوب على وجه التحديد بحيث تميعه ، وإذا كانت أسباب النزول تحمل المفسرين على أن يجعلوا العبرة بخصوص السبب كما يتضح ذلك من أن ابن عباس عندما قدم سبب النزول " لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ... الآية " قال : أولا " مالكم ولهذه الآية إنما دعا النبي يهود فسألهم ... الخ إذا كانت أسباب النزول ستقصر العمل على خصوص السبب فإنها ستذهب بالقرآن ككتاب هداية للناس كافة إلى يوم يبعثون وتجعله كتاب قصص وحكايات "[47] ا.هـ .
فقد قصر فائدة سبب النزول على إمكانية تعميمه أو تخصيصه ، ولأن العبرة بالعموم فلم يعد لها فائدة ، فأخطأ في الأصل ثم كان خطؤه في الفرع تبعا لذلك ، ومن يطالع نصوص أهل العلم في كتب علوم القرآن يعلم أن فوائد معرفة أسباب النزول لها أعظم الأثر في معرفة التفسير ، ومن ذلك :
" قوله تعالى " قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتا أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به " الأنعام 145 .
فظاهرها يقتضي الحصر بينما من عرف سبب نزولها عرف أن الآية لا تعني التخصيص من عدمه " قال الشافعي ما معناه في معنى قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما الآية إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله ، وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم ، فكأنه قال لا حلال إلا ما حرمتموه ، ولا حرام إلا ما أحللتموه ، نازلا منزلة من يقول لا تأكل اليوم حلاوة فتقول لا آكل اليوم إلا الحلاوة والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة ، فكأنه قال لا حرام إلا ما حللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، ولم يقصد حل ما وراءه إذا القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل ، قال إمام الحرمين وهذا في غاية الحسن ولولا سبق الشافعي إلى ذلك لما كنا نستجير مخالفة مالك في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية ، وهذا قد يكون من الشافعي أجراه مجرى التأويل ومن قال بمراعاة اللفظ دون سببه لا يمنع من التأويل "[48]
وانتقد الدكتور كذلك ما يعده أهل العلم من المرفوع إذا قال الصحابي : آية كذا نزلت في كذا ، واعتبر أن ذلك يفتح الباب أمام الروايات الموضوعة فقال : " ويبدوا أن المفسرين لأسباب النزول جعلهم يرتضون قول الصحابي في الحديث عن أسباب النزول ويعتبرون أن قول الصحابي إذا شهد الوحي والتنزيل عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا حديثا مسندا ، كما أنهم اعتبروا المرسل من كلام التابعين مرفوعا ، وقد يقبل إذا صح المسند إليه وكان من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير أو اعتضد بمرسل آخر ، وبهذا انفتح الباب روايات موضوعة ،أو ضعيفة ، أو نقولا من الكتب السابقة اعتقدوا صحتها باعتبارها من علم أهل الكتاب ، وهناك رخصة بروايتها ، ومعظم الذين رووا عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير طعون فيهم ، فضلا عن أن مجاهد وعكرمة وسعيد أنفسهم لم يسلموا من المآخذ التي تلقي ظللا من الشبهة على روايتهم وقد لا يكونون كما قالوا من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة "[49] ا.هـ
فيطعن الدكتور بالأسانيد ، ورواتها ، وأهل العلم ، والأئمة منهم ، والرواة عنهم ، ويطعن بالمناهج العلمية المعتبرة عند الأمة ، وطرائق العلم المسلوكة ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
واختصَرَ بيان منهجه في هذا الباب فقال : " نحن لا ندخل في صراع فكري مع الفقهاء في قبولهم تفسير الصحابة والتابعين لاختلاف المناهج التي يدور عليها النقاش ، فنحن نأخذ بمنهج طبائع الأشياء والأمر الثابت القطعي ، والعقل ، والمنطق ، وهم يأخذون بالأقوال فيدافعون عن المرويات بالمرويات ، وهذا لا يستقيم ، ولا يعملون ذهنهم أو فكرهم أبدا ، وإنما قيل وقال "[50] ا.هـ
ولعلي أكتفي ببيان مثال واحد من كلام الدكتور على أهمية أسباب النزول للدكتور نفسه على وجه الخصوص لأن عدم الاعتداد بأسباب النزول يفسد على الدكتور تخصيص آيات الأمر بالقتال ، والجهاد بأنه جهاد الدفع ، أو درء الفتنة[51] ، ولا يسلم قوله هذا من اعتراض إلا إذا لجأ إلى الاحتجاج بأسباب النزول ، فيلزمه أحد أمرين :
إما فساد قاعدته في أسباب النزول ، أو عموم آيات الجهاد وأنه يشمل الطلب والدفع .
ولذلك حاول أن يتخلص من هذا الإلزام بقوله : " ولكن يمكن الاستئناس بملابسات النزول التي توردها الوقائع الثابتة كما هو الشأن في بعض الآيات التي سمحت بالقتال ردا على العدوان أو درءا للفتنة "[52] .
لكن كما هو ظاهر فإن الإشكال قائم فلا يوجد لدى الدكتور ميزان بالتفريق بين حالات الاستدلال ، وحالات الترك .
عاشرا : حصره تفسير القرآن على القرآن فقط .
وذلك ليسلم له مذهبه في رده تفسير آيات كثيرة ، وليختار من تفسيره لنفسه ما يشاء ، وليحمّل الآية ما لا تحتمل ، فقال : " لأن من الثابت أولا أن الله تعالى قال " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " فدل على تيسير القرآن للذكر بما لا يحتاج ـ ضرورة ـ لتبين وأكثر من هذا وضوحا ، وصف الله تعالى القرآن بأنه مبين ، والمبين لا يحتاج إلى بيان "[53] وقال : " ولأن من الأفضل أن نبذل هذا الجهد في توضيح مقاصد القرآن فضلا عن قاعدتنا المقررة (لا يفسر القرآن إلا بالقرآن نفسه ) ، وأن القرآن ليس في حاجة للتفسير لأنه يعطي أثره بالانطباع "[54] .
وقال أيضا مبينا أنه لا حاجة إلى التفاسير ، ولا إلى السنة التي توضح كثيرا من معاني القرآن : " إن دعوة الإحياء الإسلامي تستشف بالقراءة المتكررة للقرآن الكريم وما تخلفه هذه القراءة من انطباعات روح القرآن والمضامين الرئيسية التي تنطوي عليها سوره وآياته "[55] .
وقال مقررا حرية الاعتقاد وأن لكل شخص أن يعتقد ما يريد من كفر أو إيمان ، وأن الله أراد ذلك ، ولم يفرق بين الإرادة الشرعية ، والإرادة الكونية[56] ، فقال : " إننا جعلنا القرآن الأصل الأصيل لكل ما أوردناه من أحكام ، ولم نعتمد على آية واحدة ، ولكن على عشرات الآيات كلها تقرر بصريح العبارة حرية العقيدة وبصورة لا تحتاج إلى تأويل فضلا عن آيات تصل للمئات يوحي سياقها بهذا المعنى ، فنحن في إصرارنا على حرية الاعتقاد إنما نحيي ما أحياه القرآن ونطالب بما أراده القرآن ، ونرفض أي افتيات على النص الصريح أو تطويعه أو تأويله تأويلات تخرج عن معناه ، كما نرفض أن نجري سكين النسخ المزعوم على آيات بيات "[57] .
ولا يخفى أن أهل العلم يجعلون أفضل طرق التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن[58] لكنهم لا يحصرون الطرق عليها ويتركون الطرق الأخرى البيانية لمعاني الكتاب العزيز .
والفرق أن أهل العلم يسعون جادين لبيان المعاني ، فيحرصون على كل طريق يدلهم على المعنى ، على منهج لهم في ترتيب هذه الطرق ، بينما الدكتور لا يسعى للمعنى بقدر ما يسعى لتوظيف النص لما يهوى .
الحادية عشرة : نظرته لتاريخ الأمة
من ركائزه التي اعتمد عليها الدكتور نظرته السوداء لتاريخ الأمة المجيد ، والعريق ، فهو يرى أن مجد الأمة انتهى بمقتل عثمان رضي الله عنه ، ثم استحال ملكا عضوضا ، سيطر فيه الحكام الظلمة على الملك ، وتمكنوا من تسخير الدين وأهله ، والعلماء لتثبيت ملكهم فاضطر العلماء إلى استعمال الأحاديث ، وتركيب الأسانيد ، للترويج لأولئك الحكام ، فأصبح الدكتور كلما مر عليه قول مجمع عيه أرجعه لتاريخ الأمة الذي هيمن عليه الإسناد ، حتى أصبح يرى أن تاريخ الأمة وعملها لا يرجع إليه ، ولا يستأنس به ، فضلا على أنه قد يحتج به كما هو منهج كثير من أهل العلم .
فقال عن رسالته في الجهاد : " وهي ترى أن الجهاد كان في الماضي والحاضر من أكبر الموضوعات التي أسيء فهمها "[59] .
وقال عن التفاسير : " وقد كانت مطالعاتي عبر خمسين عاما مخيبة ، بل رأيت شيئا من التطفل على القرآن بل والجناية عليه "[60] .
وقال عن الحجاب : " وعلى مدار ألف عام وقد خضعت المرأة المسلمة لرأي فقهي متزمت يقضي على المرأة بأن تضع نقابا كثيفا يغطي وجهها ، ويحرمها من التعليم والعمل ويحول بينها وبين الاختلاط أو التعرف على المجتمع ، ويجعل مهمتها الوحيدة إرضاء الزوج ، وإنجاب الأبناء وتربيتهم "[61] .
ثم قال : " فالحجاب الذي كان مطبقا طوال القرون الماضية كان هو النقاب الذي يغطي وجه المرأة وبالتالي يعزلها عن المجتمع ، ويعزل المجتمع عنها "[62] .
وقال عن الفقه : " ومنذ ألف سنة أغلق الفقهاء باب الاجتهاد ومعنى هذا أنه أصبح على المسلم أن يتعبد وأن يمارس شعائر عبادته ، وأن يطبق أحكام فقهه وهي تغطي مجالات الحياة كافة ، دون سؤال ودون فهم العلة ، وقلنا في مناسبة سابقة إن هذا يعني أن أمة محمد أعطت عقلها إجازة ألف عام ، فلنحمد الله أننا لا نزال نسير على قدمين ، وكان يمكن أن ندب على أربع "[63] .
فأثرت هذه النظرة على منهجه في التفسير في استبعاد كل أقوال السلف ، والخروج عليها ، وعدم الاعتداد بإجماعهم ، مما سبق بيانه .
الثانية عشرة : استشهاده بما لا يثبت أو بالمتشابه
يلاحظ القارئ في كتب الدكتور أنه يستشهد أحيانا بقصص مكذوبة ، أو ليس لها أسانيد ، ولا تعرف ، وأحيانا يستشهد بالمتشابه الذي يحتمل أكثر من وجه .
فقد قال عن الطبري : " ولما قال الطبري إن حديث الجلوس على العرش محال ثار عليه طائفة من الحنابلة وقذفوه بالمحابر وقذفوا داره بالحجارة "[64] .
وقال عن سعيد بن جبير : " أنه قال في القرآن أربعة أحرف لحن "[65]
ولمز ابن جريج رحمه الله[66] ، وعكرمة ، وكعب ، ووهب بن منبه[67] .
وبعض ما روي عنهم مما انتقدوا فيه كثير منه لا يصح ، والباقي ذكر مبتورا ، ومنه ما زيد على أصله ، وفيه ما لا يصل خطؤه إلى درجة الرمي بالوضع ، خاصة أن كثيرا من التابعين ، وقد مدحهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة بقوله " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم "[68] .
وإذا أراد الدكتور الاستشهاد على دخول الوضع لكتب التفاسير فإنه يختار المواضع التي ذكروا فيها الإسرائيليات ، كقصة آدم وحواء ، والفتن ، وتعيين المبهمات في القرآن ، ولئن كان هذا ينتقد على كتب التفاسير التي ذكرَتهُ ، إلا أن أهل العلم متفقون على أن ذلك لا يعني إسقاط الكتاب كله ، ولا يستشهدون بذلك على أن المفسر يحرف معاني القرآن ؛ بل على العكس من ذلك نجدهم يبررون ذلك بأن المفسر ابن بيئته ، ويحكي في تفسيره اهتمام مجتمعه ، وعصره ، مع أن أكثر المفسرين نصوا في مقدماتهم على منهجهم في ذكر الإسرائيليات[69] .
وهذا من الأمور التي أكثر منها الدكتور وأثرت في ظني على منهجه في التفسير حيث جعلها السبب للإعراض عن كتب التفاسير ، رغم أنها لا تشكل ظاهرة في كتب التفسير بالجملة ، ولها توجيه عند أهل العلم ، ولهم طريقة في التعامل معها بحيث تبقى في حدودها ولا تؤثر على التفسير ، وعلى ذلك سارت الأمة بحمد الله قرونا طويلة تستمد من هذه التفاسير ، وتعتمد عليها ، وتنقب فيها ، ولو سلك الإنسان نفس طريقة الدكتور في هدم الكل لخطأ البعض لكان كمن يقتل إنسانا لفساد عضو فيه ، ولم يسلم لنا من علومنا شيء ، وفي ظني أن الدكتور لو سمع كلامي لقال " وهذا صحيح فلا يسلم من علومنا شيء " .
-----------الحواشي --------------
[1] ـ انظر :
موقفنا من العلمانية القومية الاشتراكية ، ص ( 26) . الجهاد ، ص ( 65 ) . الإسلام دين وأمة ، ص ( 16 ) تثوير القرآن ، ص (72) .
[2] ـ رواه البخاري برقم (2854) .
[3] ـ انظر كتابه : نحو فقه جديد ـ الجزء الثاني ، وقد اختصرها في كتابه : الإسلام كما تقدمه دعوة الإحياء الإسلامي ، ص ( 100) .
[4] ـ طبعته دار الفكر الإسلامي بالقاهرة .
[5] ـ الجهاد ، ص ( 5 ) .
[6] ـ المصدر السابق ، ص ( 73 ) .
[7] ـ الحجاب ، ص ( 4 ) .
[8] ـ لا حرج ، ص ( 94 ) .
[9] ـ لا حرج قضية التيسر في الإسلام ، ص ( 8 ) .
[10] ـ لا حرج ، ص ( 94 ) .
[11] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 7 ) .
[12] ـ لا حرج ، ص ( 60 ) .
[13] ـ المصدر السابق ، ص ( 131 ) .
[14] ـ إستراتيجية الدعوة الإسلامية ، ص ( 57 ) .
[15] ـ نقلا عن موقع الكاشف ، ونسبها إلى ( مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص 191 ) .
[16] ـالمصدر السابق ، وعزاها إلى ( مجلة المجتمع ، العدد 1337 ) .
[17] ـ تفسير القرآن ، ص ( 7 ) .
[18] ـ الجهاد ، ص ( 23 ) .
[19] التعددية في المجتمع الإسلامي ، ص ( 18 ) .
[20] ـ تجديد الإسلام وإعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية ، ص ( 4 ) .
[21] ـ انظر ، هل يمكن تطبيق الشريعة ، ص ( 3 ) .
[22] ـ انظر " لا حرج قضية التيسير في الإسلام " ص ( 92 ) ، وأحال على كتاب للشيح إبراهيم " معالم المجتمع النسائي في الإسلام " ص (25 ) .
[23] ـ لا حرج ، ص ( 94 ) .
[24] ـ المصدر السابق ، ( 95 ) .
[25] ـ تجديد الإسلام وإعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية ، ص ( 238 ) .
[26] ـ تجديد الإسلام ، ص ( 236 ) .
[27] ـ تجديد الإسلام ، ص ( 237 ) .
[28] ـ الإسلام كما تقدمه دعوة الإحياء الإسلامي ، ص ( 78 ) .
[29] ـ تجديد الإسلام ، ص ( 236 ) .
[30] ـ الإسلام كما تقدمه الإحياء الإسلامي ، ص ( 72 ) .
[31] ـ المواقف ج1/ص167
[32] ـ انظر تدريب الراوي ، ( 1/ 526 ) فقد عقد فصلا عن صفة رواية الحديث .
[33] ـ الرسالة ، تحقيق أحمد شاكر ، ص ( 42 ) .
[34] تفنيد دعوى النسخ ، ص ( 92 ) .
[35] ـ تثوير القرآن ، ص ( 70 ) .
[36] ـ والتهجين التقبيح . انظر القاموس المحيط ( 1/1600)
[37] ـ تقريب التهذيب ج1/ص363
[38] ـ الكاشف ج1/ص666
[39] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 56 ) .
[40] ـ انظر الكفاية للخطيب البغدادي ، ( 1/ 357 ) .
[41] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 90 ) .
[42] ـ تفنيد دعوى النسخ ، ص ( 4 ) .
[43] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 98 ) .
[44] ـ تثوير القرآن ، ص ( 82 ) .
[45] ـ لا حرج ، ص ( 40 ) .
[46] ـ البرهان في علوم القرآن (1/22)
[47] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 114 ) .
[48] ـ البرهان في علوم القرآن ، ص ( 1/ 23 ) .
[49] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 114 ) .
[50] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 91 ) .
[51] ـ انظر رسالته في الجهاد .
[52] ـ إستراتيجية الدعوة الإسلامية ، ص ( 54 ) الحاشية رقم ( 1 ) .
[53] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 88 ) .
[54] ـ تجديد الإسلام وإعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية ، ص ( 232 ) .
[55] ـ إستراتيجية الدعوة الإسلامية ، ص ( 55 ) .
[56] ـ للفرق بينهما . انظر معارج القبول ، ص ( 1/230 ) .
[57] ـ الإسلام وحرية الفكر ، ص ( 97 ) .
[58] ـ فتاوى ابن تيمية ( 13 / 363) ، مناهل العرفان ( 1/11 ) .
[59] ـ الجهاد ، ص ( 4 ) .
[60] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 7 ) .
[61] ـ الحجاب ، ص ( 5 ) .
[62] ـ الحجاب ، ص ( 8 ) .
[63] ـ تجديد الإسلام ، ص ( 4 ) .
[64] ـ تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين ، ص ( 80 ) .
[65] ـ تفسير القرآن ، ص ( 68 ) .
[66] ـ تفسير القرآن ، ص ( 56 ) .
[67] ـ تفسير القرآن ، ص ( 97 ) ، وللدفاع عنهم انظر مناهل العرفان ( 2/21 ) .
[68] ـ متفق عليه ، رواه البخاري ، كتاب الشهادات ، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد ، برقم ( 2905) ، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة ، باب خيار الناس ، برقم ( 2625) .
[69] ـ انظر مثلا : تفسير ابن كثير ، ( 1/5) .