إتماماً للموضوع والفائدة فإن العلماء أصلوا قاعدة فقالوا : حذف المفعول مشعرٌ بالعموم النسبي , وقد تعرضت لهذا الموضوع في رسالتي أنقله بنصه :
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : حَذْفُ المعمولِ يُؤْذِنُ بِعُمومِ العاملِ (1 )
وفي مَوضعٍ آخر قال :" حَذْفُ المفعولِ يُفيد العُمومَ ".( 2)
عند تفسيره لقوله تعالى :{ وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَة}(آل عمران: من الآية15)
قال :" مُطهَّرةٌ مِن كُلِّ رِجْسٍ حِسِّيٍّ أو مَعنويٍّ ، فالحِسِّيُّ مثل البولِ ، والغائطِ ، والحيضِ ، والعَرَقِ المُنْتِنِ ، والمخَاطِ ، وما أشبهَ ذلكَ ، والمعنويُّ مثل الغِلِّ ، والحِقْـدِ ، والفُجورِ ، وكراهيةِ الزوجِ ، وما أشبهَ ذلكَ ، فالله أطْلَقَ وقال : { مُطَهَّرَة} ولم يَقُلْ : مِن كذا وكذا ،مِن أجلِ إفادةِ العمومِ ؛ لأنّ مِن القواعدِ المعروفةِ أنّ حَذْفُ المعمولِ يُؤْذِنُ بِعُمومِ العاملِ ، ولهذا أمثلةٌ كثيرةٌ ، مثلاً قوله تعالى للرسولِ :{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}(الضحى:6- 8) قال : { فَآوَى } ولم يَقُل : فآواكَ ، وقال : { فَهَدَى} ولم يَقُل : فَهدَاكَ ، وقال : { فَأَغْنَى} ولم يَقُل : فأغْنَاكَ ، بل حَذَفَ المعمولَ لِيُؤْذِنَ على عُمومِ العاملِ ، فالرسولُ وَجَدَهُ رَبُّهُ يتيمًا فآواهُ ، ولكن ما آواه وحدهُ بل آواه وآوى به حتّى جعلهُ فئة لكلِّ مُؤمنٍ ، ضالاً فهداهُ وهَدَى بهِ ، عائلاً فأغناهُ وأغنى بهِ ، مِن أينَ للعربِ هذه الغنائمَ العظيمةِ التي ما فكّروا أنْ يَغنموها ، كيف يَغْنَمُ العربُ رعاةُ الشياه والإبلِ أرضَ فارسَ والرومِ إلاّ باتِّباعِ النبيِّ وَدِينِهِ : المهِـمُّ أنّ هذه قاعدة معروفة مُقرَّرة وهو أنّ حَذَفَ المعمولَ يُؤْذِنُ بِعُمومِ العاملِ".(3 )
وعند تفسيره لقوله تعالى :{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية216)
ذكر مِن فوائدها :" عُموم علم الله ؛ لقولـه تعالى :{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ }؛ فحـذفُ
المفعولِ يُفيد العمومَ ، كما قـال تعالى : {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}(الضحى:6- 8) : كُلها مَحذوفةُ المفاعيلِ : آواكَ ، وآوَى بِكَ أيضاً ؛ وأغناكَ ، وأََغْنَى بِكَ ؛ وهَدَاكَ ، وهَدَى بِكَ ".(4 )
هذا ما قرَّرهُ الشيخُ رحمه الله في هذه القاعدةِ ، والأَوْلَى أنْ نُقيِّدَ ذلكَ بالعمـومِ النسبيِّ ، فنقولُ :حذفُ المفعـولِ يُفيد العمومَ النسبيَّ ، ومعنى العمومِ النسبيِّ أي : المعنى المناسب له ، كما نَصَّ على ذلكَ شيخُهُ السعديُّ رحمه الله فقال :" القاعدة الرابعة عشرة : حَذْفُ المتعلّقِ المعمولِ فيه : يُفيد تعميمَ المعنى المناسبِ له ".( 5)
ثم قال السعديُّ مُبيِّنًا أهمّية هذه القاعدةِ :" وهذه قاعدةٌ مفيدةٌ جدًّا ، متى اعتبرها الإنسانُ في الآياتِ القرآنية أكسبتهُ فوائدَ جليلة .
وذلكَ أنّ الفعلَ وما هو معناه متى قُيِّدَ بشيءٍ تَقَيَّدَ بهِ ، فإذا أطْلَقَهُ الله تعـالى ، وحَذَفَ المتعلّقَ كانَ القَصْدُ مِن ذلك َالتعميمُ . ويكونُُ الحذفُ هُنا أحسنَ وأفْيَدَ كثيرًا مِن التصريحِ بالمتعلّقاتِ وأجمعَ للمعاني النافعةِ " ثم ذكر أمثلةً لذلكَ .( 6)
وقال الشوكانيُّ رحمه الله :"ذكرَ علماءُ البيانِ أنّ حذفَ المتعلّقِ يُشْعِرُ بالتعميمِ ، نحوَ: زيدٌ يُعطِي ويَمْنَع ، ونحو قوله تعالى :{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ }(يونس:من الآية25) فينبغي أنْ يكونَ ذلكَ مِن أقسامِ العمومِ ، وإنْ لم يَذكُره أهلُ الأصولِ ".(7 )
[line]
( 1 ) تفسير سورة آل عمران صـ ( 87 ) .
( 2 ) تفسير سورة البقرة ( 3 / 50 ) ، تفسير سورة المائدة صـ ( 145 ) ، شرح القواعد الحسان صـ ( 49 ) القاعدة الرابعة عشرة .
( 3 ) تفسير سورة آل عمران صـ ( 87 ) .
( 4) تفسير سورة البقرة ( 3 / 50 ) .
( 5 ) القواعد الحسان صـ ( 39 ) . وانظر : شرح القواعد الحسان لابن عثيمين صـ ( 49 ) .
( 6 ) القواعد الحسان صـ ( 39 ) .
( 7) إرشاد الفحول ( 2/439 ) .