جعل القرآن بدلا من الكلام

عائشة علي

New member
إنضم
31/05/2008
المشاركات
22
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

سُئِلَ العلاَّمة ابنُ بازٍ -رحمه الله-:
هل يجوزُ التَّكلُّم بالقرآن؟ فمثلاً: إذا سلَّم بعضُ النَّاس بقوله: ﴿سَلامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾؛ كما فَعَلَتِ المرأةُ في القصَّة الَّتي حكاها عبد الله بنُ المبارَك.
فأجاب بقوله:
المعروف عند أهل العلم أنَّه لا ينبغي اتِّخاذ القرآن بدلاً مِنَ الكلام، بل الكلام له شأن، والقرآن له شأن، وأقلُّ أحوالِه الكراهةُ. وعليه أن يُسلِّم السَّلامَ العاديَّ، هكذا كان النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يفعل وأصحابه -رضي الله عنهم-؛ يقول: " وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته "، " سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته "، وهكذا، يستعمل العبارات المُعتادة في تحيَّة إخوانه. [ " فتاوى إسلاميَّة " (4/38) - جمع وترتيب/ المسند ].

وقال العلاَّمة ابنُ عثيمين -رحمه الله- في " الشَّرح الممتع " (6/531):
( وقد سمعنا أنَّ واحدًا من النَّاس قال: أنا لن أتكلم بكلام الآدميِّين أبدًا، لا أتكلَّم إلاَّ بكلام الله، فإذا دَخَلَ إلى بيته، وأراد مِنْ أهله أن يشتروا طعامًا؛ قال: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ﴾ [الكهف: 19] .
وقد قال أهل العلم: يحرم جعل القرآن بدلاً مِنَ الكلام، وأنا رأيت زَمَن الطَّلبِ قصَّةً في جواهر الأدب، عنِ امرأةٍ لا تتكلَّم إلاَّ بالقرآن، وتعجَّب النَّاس الَّذين يُخاطِبونها، فقال لهم مَن حولها: لها أربعون سنة لم تتكلَّم إلاَّ بالقرآن، مخافةَ أن تزلَّ فيغضب عليها الرَّحمن.
نقول: هي زلَّتِ الآن، فالقرآن لا يُجعلُ بدلاً مِنَ الكلام، لكن لا بأس أن يستشهدَ الإنسان بالآية على قضيَّةٍ وَقَعَتْ؛ كما يُذكر عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه كان يخطب، فخرجَ الحسن والحُسَين يمشيان ويعثران بثيابٍ لهما، فنَزَل فأخذهما، وقال صدق الله: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [التغابن: 15]، فالاستشهاد بالآيات على الواقعة إذا كانت مطابقةً تمامًا لا بأس به ) انتهى.

وقد وَقَفْتُ في " تلبيس إبليس " علَى ما يُشبِهُ قصَّة المرأة المذكورة:
قال ابنُ عقيلٍ: كان أبو إسحاقَ الخزَّاز صالحًا، وهو أوَّلُ مَن لقَّنني كتابَ اللهِ، وكانَ مِنْ عادتِهِ الإمساكُ عَنِ الكلام في شَهْر رَمَضان، فكان يُخاطِبُ بآيِ القُرآن فيما يَعْرِضُ إليه مِنَ الحوائجِ، فيقول في إذْنِهِ: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾، ويقول لابنه في عشيَّة الصَّوم: ﴿مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا﴾، آمِرًا لَهُ أن يشتريَ البَقْلَ! فقلتُ لَهُ: هذا الَّذي تعتقدُهُ عبادةً هُو معصيةٌ. فصَعُبَ عَلَيهِ، فقلتُ: إنَّ هذا القرآنَ العزيزَ أُنزِلَ في بيانِ أحكامٍ شَرْعِيَّةٍ، فَلا يُسْتَعملُ في أغراضٍ دُنيويَّةٍ، وما هذا إلاَّ بمثابةِ صَرِّكَ السِّدْرَ والأُشْنانَ في وَرَقِ المُصْحَفِ، أو توسُّدِك لَهُ! فهَجَرَنِي، ولَمْ يُصْغِ إلى الحُجَّةِ. انتهى.
 
الذي فهمته أن كلام العلماء في حكم التحدث بالقرآن فحسب يدور بين الكراهة والتحريم ، كما سبق في المشاركة الأم، ولمزيد من التأمل أضع بين يدي القاريء الكريم هذا النوع من أنواع علوم القرآن الكريم وهو عن الأمثال الكامنة، وكون المتحدث بالقرآن على سبيل ضرب المثل لا غبار عليه، والمتحدث جاداً لاشيء عليه، بل له أجر ـ إن شاء الله ـ فلكل حرف عشر حسنات، كمن يري من يريد أن يشق على نفسه، وبدلا من نهيه بقولنا مثلا:" لا تشق على نفسك " فيقول له:" يريد الله بكم اليسر....فلا أرى في ذلك أية غضاضة البتة، ومن هذا القبيل كانت الأمثال المرسلة في القرآن الكريم، والمحرَّم هو التحدث بالقرآن هزلا أو استخفافاً أو لإضحاك الناس، فهذا يخرج صاحبه من الملَّة، وما سوى ذلك فالمستحسن الاطلاع على هذا النوع من علوم القرآن عند الزركشي و السيوطي:
قال الماوردي: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن مضارب بن إبراهيم يقول: سمعت أبي يقول: سألت الحسن بن الفضل فقلت: إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن، فهل تجد في كتاب الله: خير الأمور أوساطها؟ قال: نعم في أربعة مواضع، قوله تعالى:" {... لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ .. }البقرة68 وقوله تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }الفرقان67 وقوله تعالى:" {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } وقوله تعالى:" {...وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً }الإسراء110
قلت: فهل تجد في كتاب الله من جهل شيئاً عاداه؟
قال: نعم في موضعين:قوله تعالى {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ...}يونس39" وقوله تعالى ـ أيضاً ـ:" {... وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ }الأحقاف11
قلت: فهل تجدفي كتاب الله: احذر شر من أحسنت إليه؟ قال: نعم قال تعالى:" {... وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ...}التوبة7
قلت: فهل تجد في كتاب الله: ليس الخبر كالعيان؟ قال في قوله تعالى:" {... أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ... }البقرة260
قلت: فهل تجد في الحركات البركات؟ قال: في قوله تعالى:" {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً ... }النساء100
قلت: فهل تجد: كما تدين تدان؟ قال فيقوله تعالى: {... مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ... }النساء123
قلت: فهل تجد فيه قولهم: حين تقلي تدري؟ قال: قوله تعالى: {... وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً }الفرقان42"
قلت: فهل تجد فيه: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين؟
قال قوله تعالى:" {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ ...}يوسف64
قلت: فهل تجد فيه: من أعان ظالماً سلط عليه؟ قال قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }الحج4" قلت: فهل تجد فيه قولهم: لا تلد الحية إلا حيية؟ قال: قال تعالى:" {... وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً }نوح27
قلت: فهل تجد فيه: للحيطان آذان؟ قال قوله تعالى: {.. وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ..}التوبة47
قلت: فهل تجد فيه: الجاهل مروزق والعالم محروم؟
قال قوله تعالى:" {قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً ...}مريم75 وعلى هذا أقول يجوز التكلم بالقرآن في كل مقام وكل مقال يليق بالقرآن وحرمته حتى ولو كثر وغلب
 
وصلا بما سبق:
ومن الألفاظ القرآنية الجارية مجرى المثل:" وهذا هو النوع البديعي المسمى بإرسال المثل، جاء منه في علوم القرآن عند الزركشي والسيوطي والشيخ مناع القطان في مباحثه ما يلي:
قوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ }النجم58
قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ... }آل عمران92
قوله تعالى {... الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ...}يوسف51
قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ }يس78
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }الحج10
قوله تعالى: {... قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ }يوسف41
قوله تعالى: {... أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ }هود81
قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ... }سبأ54
قوله تعالى: {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }الأنعام67
قوله تعالى: {.. وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ .... }فاطر43
قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ... }الإسراء84
قوله تعالى: {... وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ .. }البقرة216
قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }المدثر38
قوله تعالى : {مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ ..}المائدة99
قوله تعالى: {... مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ..}التوبة91
قوله تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }الرحمن60
قوله تعالى: {... كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ .. }البقرة249
قوله تعالى: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }يونس91
قوله تعالى: {...تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ... }الحشر14
قوله تعالى: {... وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }فاطر14
قوله تعالى: {... كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }المؤمنون53
قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ .. }الأنفال23
قوله تعالى: {... وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }سبأ13
قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ... }البقرة286
قوله تعالى: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ .. }المائدة100
قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ..}الروم41
قوله تعالى: {...ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ }الحج73
قوله تعالى: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ }الصافات61
قوله تعالى: {.. وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ..}ص24
قوله تعالى: {... فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ }الحشر2
هذه الآيات وغيرها سيقت على ألسنة الناس قرآنا بدلا من الكلام البشري ولا شيء في ذلك ـ طالما قيلت في مكانها ومقامهاـ .
وأنوه إلى أن قصة المتكلمة بالقرآن لازالت في مقررات الأزهر الشريف مادة المطالعة بمرحلة المتوسط " الإعدادي" وهي تحفِّز همم الطلاب أن يقبلوا على القرآن وحفظه وأنه من اليسر بمكان، فإذا كانت امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن فحسب، فحري بطلاب العلم أن يقدموا على مقرراتهم فيحفظونها.
ومن ناحية أخرى فإننا إن أجزنا أو كرَّهنا أو حرَّمنا فلن نجد إلا النوادر الذين يحفظون حفظ المرأة الموسومة بما وسمت به .... والله الموفق .
 
أوضحَ فقيه الزَّمان العلاَّمة ابنُ عُثَيْمَيْن -رحمه الله- المسألةَ بقوله -في الكلام الَّذي نقلتُ عنه-:
( فالقرآن لا يُجعلُ بدلاً مِنَ الكلام، لكن لا بأس أن يستشهدَ الإنسان بالآية على قضيَّةٍ وَقَعَتْ. . . فالاستشهاد بالآيات على الواقعة إذا كانت مطابقةً تمامًا لا بأس به ) انتهَى.
ومِنْ هذا القبيل: الاستشهاد بالأمثال القرآنيَّة.
أمَّا ما وَرَدَ في قِصَّة المرأة المذكورة؛ فليسَ من هذا القبيل، ومن يقرأ القصَّة: يجد أنَّ المرأةَ لَمْ تَكن تذكر الآيات على سبيل الاستشهاد أو التَّمثيل، وإنَّما أرادَتْ ألاَّ تتكلَّم إلاَّ بكلامِ الله -عزَّ وجلَّ- في سائرِ شؤونِ حياتِها، فنجدها تَرُدُّ السَّلام بقولِها: { سلامٌ قولًا مِّن رَّبٍّ رَّحيمٍ }، وذلك ما لَمْ يفعَلْهُ النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولا صحابتُه الكِرام، ولو كان خيرًا لسَبقوها إليه. وعندما ذَكَرَتْ أسماء أبنائها؛ قالَتْ: { واتَّخَذَ اللهُ إبراهيمَ خليلاً }، { وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْليمًا }، { يَا يَحْيَى خُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ }، فأينَ هذا مِنَ الاستشهاد بالآياتِ القرآنيَّة على الوقائع؟!
وإتمامًا للفائدة: أسوقُ ما جاء في كتاب " كتب.. أخبار.. رجال.. أحاديث تحت المجهر " للشَّيخ عبد العزيز السدحان:
( خبر المرأة المتكلِّمة بالقرآن
وخلاصتُه: أنَّ عبد الله بن المُبارَك -رحمه الله تعالَى- قابل امرأةً فسألها عن حاجتها وعن بلدها. . . إلخ، فكانَتْ لا تُجيب إلاَّ بآية من القرآن، وبعد أن قابلَ أولادَها سألهم عن تلك الأم؛ فأخبروه أنَّها لَمْ تتكلَّم منذ أربعين سنة إلاَّ بالقرآن.
ولا شكَّ أنَّ تلك القصَّة باطلةٌ مِن وُجوه كثيرة، منها: أنَّ كثيرًا مِمَّن تَرْجَمَ لابنِ المُبارك لم يَذْكُرْ تلك القصَّة.
ومنها: أنَّ القصَّة ليس لها زِمام ولا خِطام، فلم يُذكر سَنَدُها.
ومنها: عدمُ إنكار ابنِ المُبارَك -رحمه الله تعالى- فعلَها ذاك، خاصَّة أنَّ كثيرًا من العلماء نهَى عن التَّخاطُب بالقرآن، وابنُ المبارَك مشهورٌ باتِّباعه للسنَّة؛ فكيف يترك الإنكار عليها؟!
ومنها: وضوح التكلُّف في تركيب السُّؤال والجواب؛ وهذا يدلُّ على بطلانها ) انتهى.
وبالله التَّوفيق.
 
ولكل وجهة هو موليها ، وكم يجود الزمان بالأفزاز والعباقرة والعلماء العاملين كالشيخ المحبوب العلامة ابن عثيمين رحمه الله ، فأمة الإسلام أمة ولادة ما انقطع لها نسل، ولا شحب لها فكر، وكم يختلف العلماء في ذات النص الشريف وكبده، فكيف بنا لا نختلف حوله وفي محيطه أو حول قصة من القصص حتى ولو كانت قصة قرآنية، المهم أن نعي المعني السديد ، ونفهم الفهم الرشيد، والاختلاف الموضوعي علامة صحة لا مرض فليتأمل
 
بارك الله فيك استاذنا عبد الفتاح وكم يعجبني كلامك ولا يلزم من الاعجاب الوفاق وما ذكرته حفظك الله أراه حسنا ولكنه لايدخل فيما ذكرت الأخت عائشة وفقها الله ووفقك وقولك : (بالأفزاز ) صوابه : ( بالأفذاذ )فتأمل
 
وفقها الله ووفقك
آمين وإياكم يا شيخنا الفاضل، يا من نتعلم منه مزيداً من حسن الخلق المزدان بالأدب الجم
وقولك : (بالأفزاز ) صوابه : ( بالأفذاذ )فتأمل
[/QUOTE]
على حب من أمركم " فتأمل " شرعت متأملا حيث صوبتم ـ حفظكم الله ـ نظري تجاه البحث والاطلاع وعندما اطلعت على ما يجب التأمل فيه سعدت وأضع بين أيديكم الكريمة ثمرة هذا التأمل من خلال المتاح من كتب اللغة:
" رَجُل فَز أي: المُتَوَقِّدُ {المحيط في اللغة}
يقول ابن منظور: رجل فَزٌّ أَي: خفيف.{اللسان}
ويقول الزبيدي:" افتَزَّ افْتِزازاً : غَلَبَ، .. وفَزَ عَنّي جانباً: أي عَدَلَ عَنّي وانْفَرَدَ، يَفِزُّ. {تاج العروس}

أما الفذ :
فذََّ الرَّجُلُ: شَذَّ {تاج العروس}
فقد قال الخليل:" الفَذُّ أول سَهْم القداح.
والفَذُّ: الفَرْدُ، ويقال: كلمةٌ شاذَّةٌ فَذَّة.
ويُجْمَع الفذُّ على الفُذُوذِ والفِذاذ.{العين}
كَلِمَةٌ فَذَّةٌ وفاذَّةٌ: أي شاذَّةٌ.واسْتَفَذَّ عَلَيَّ بالأمْرِ: اسْتَبَدَّ به دُوْني.
الفَذُّ الفَرْدُ، ج أفْذاذٌ وفُذوذٌ {القاموس}
أما مسألة المتكلمة بالقرآن فقد عرفناها منذ نعومة أظفارنا في الأزهر لحيثية واحدة فحسب هي: أنه يجب أن نتعلم القرآن ونهتم بحفظه، فهناك من حبس لسانه إلا عن ذكر الله ، وأعلاه القرآن الكريم، فهي قصة لشحذ الهمم نحو اجتهاد التلاميذ في الحفظ وعدم التكاسل ، وقد أثمرت ولله الحمد.

أما عن كونها صحيحة أو ملفقة، فكل من معه حجة يُحترم ، والأمر هين طالما ابتعدنا عن السنة الغراء، أو كونها مفتراه على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

أما عن تطبيق ذات المثال وعين النسيج على أهل هذا الزمان ، بمعنى أنه يوجد بيننا من لا يتكلم البتة إلا بالقرآن فهذا عين المستحيل، ولعلكم ـ شيخنا ـ معي في أن بعض المهتمين بأمر القرآن لا يحفظونه، فمن باب أولى لا يصلح تنزيل نموذج المتكلمة بالقرآن على نماذج زماننا ، اللهم إلا على سبيل الافتراض الجدلي فحسب. وأنتم ممن يعلم أنني في هذه الأيام عرضة للخطأ والسهو لماذا ؟!!! ولله الأمر من قبل ومن بعد
 
ما أجمل هذه الفوائد العلمية المحاطة بسياج الأدب الرفيع اتفاقاً واختلافا فالأمر بحمد الله لايتعلق به حكم شرعي ومن ظن أن الناس في مثل هذا سيكونون على رأي فقد أبعد النجعة وأوغل في الطلب
ًنسأل الله أن يحفظ علماءنا وأن يجمع شيخنا عبدالفتاح بأهله فأظنه في غربة ، وقد غرس هنا وأثمر في مصر الحبيبة باتمام ولديه حفظ كتاب الله , نسأل الله أن يجتمع بهم قريباً
وعذرا لخروجي عن الموضوع
 

اللهم آمين فقد تفجرتَ يا شيخ محمد ـ زادك الله علماً ونبلا ـ ذكاءً وحصافة وقت أن شممتَ ـ بفتح التاء ـ رائحة قولي عن قرب، فاللهم استجب وتقبل فكم ينتفض جليس الدار ـ منذ قرابة شهر ـ لأمه ومسقط رأسه، ومن علامات الرشد أن تكون النفس إلى أهلها مشتاقة، وإلى مسقط رأسها تواقة....
قالوا تحب مصر؟ قلت جوانحي مقصوصة فيها وقلت فؤادي
شكر الله لكم ووفقكم.

وآخر مرة نخرج فيها عن الموضوع {بسمة}
 
عودة
أعلى