يوسف السناري
New member
جري الأنام على إتمام البيان
بسم الله والحمد لله وصلى الله على نبينا محمدٍ، خليلُ اللهِ، وأحب من اصطفاه.
أما بعد: فإن المبين من أسماء الله التي امتدح الله نفسه بذلك، فقال الله (ويعلمون أن الله هو الحق المبين) [النور:25] فهو المبين –سبحانه-، من أبان الشيءَ فهو مبينٌ. أي أظهره، فلقد أبان الله لنا كلامه وجعله آية للناس، وأبان لنا خليلَه محمدًا –صلى الله عليه وسلم- وأعطاه من بيانه، وجعل له كمال البيان البشري، فجعل له البلاغ المبين، وأبان لنا شريعته وطريق الجنة وطريق النار.
والله -سبحانه وتعالى- لم يسمِّ نفسه بالمتكلم مع أن الكلام صفة له؛ لأن الكلامَ منه كلامٌ ساقطٌ مرذولٌ، ومنه كلامٌ عالٍ موزونٌ، ومن نعم هذه الحياة الدنيا أن ينعم الله على المرء بحسن الإبانة عن مكنون نفسه ومختلجات صدره.
ومما ينوب عن المرء في الإبانة عنه = قلمه، وخطه، وإشارته، ورسمه. فالقلم أحد اللسانين وهو مبينٌ عن نفس صاحبه إذا لم تسمع لها ركزًا، وحسنُ الخطِ من حسن البيان عن كلامِ صاحبه، والإشارة من البيان ويحصل بها الفهم عن المشير في جميع اللغات، فلغة الإشارة مما اشترك فيه الجنس البشري أجمع على فهمه، ويحصل به البيان وإن كان قاصرا، ولكنه أتى بالحد الوافي المطلوب، ومما في كتاب الله أن الإشارة مما يحصل بها الفهم إشارة مريم إلى ولدها عيسى عليه السلام لقومها فقال الله: (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) فهم فهموا من الإشارة أنها تقول لهم: سلوا ولدي يجيبكم.
ومما ينوب عن المرء في الإبانة عن ركاز نفسه = رسمه المنضبط بما ليس فيه مخالفة شرعية، كرسْمِه الخرائطَ التاريخيةَ، ومشجرات الكتب، ورسمه الخرائطَ الحديثية النبوية للاستعانة بذلك على معرفة مدار الحديث حتى يتمكن من الحكم عليه. وما شابه ذلك مما يساعد المرء على حصول البيان له بسرعة وجيزة.
ومما هجر الناس في عبادتهم أن يتخيروا من أسماء الله ما يوافق مسألتهم، لذا ينبغي أن يسأل المرء ربه "المبين" أن يرزقه حسن البيان عنه، وعن رسوله، وعن مكنون نفسه.
ولقد رأيت من الصالحين من إذا حكم بين الناس في أُقْضياتهم = دعى الله أن يبين له الحق ويظهره له، وهذا من دعاء الله باسمه "الظاهر"، ويصح للقاضي بين الناس ومن يريد أن يعرف حقيقة شيء غابت عنه، أن يسأل الله باسمه "المبين" فيقول: يا حق، يا مبين، أبنْ لنا الحق المبين في هذا الأمر، فهذا مما يدخل في قوله تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) والحمد لله الذي جعل في ديننا هذا، وأغنانا عن السحرة والمنجمين ولاعقي أحذية الشياطين، الطالبين منهم ظهور المتعلقات الضائعة، والمسروقة ومعرفة آخذها، فلا يوجد في ديننا ما يسمى عند العامة "عدة يس" و"فتح المندل" إلى غير ذلك من هذه الأباطيل والسحر المبين.
ومما ينبغي للمرأة الصالحة فعله = أن تسأل ربَّها حسنَ البيانِ عن ذات نفسها في حالة غضبها وخصامها؛ لأن الله أنكر على المشركين قسمتهم الضيزى حينما جعلوا لله القسمة الجائرة التي يكرهونها لأنفسهم؛ فجعلوا لله البنات -سبحانه- فأنكر الله ذلك عليهم وقال موبخا إياهم ومنكرا عليهم (أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين). أي أتجعلون لله القسمة التي تربَّى وتشِبُّ على الزينة والحلي، فيكمل نقصها الخلقي بذلك، وهي مع ذلك في حالة خصامها غير مبينة، لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أو تقيم الحجة على ظالمها في حالة غضبها وخصامها -في الغالب- فنصرها البكاء.
نعود مرة أخرى إلى اسمه سبحانه "المبين" من لطائف هذا الاسم العظيم أنه قد اقترن في كتاب الله باسمه الحق؛ لأن الإبانة عند الناس قد تكون إبانةً للباطل، كأنْ يكون الرجل عالما منافقا، فصيح اللسان، متمكنًا من لسان العرب وتراكيب الكلم، فيألب هذا البيان؛ لنصرة باطله، وزخرفة نفاقه، ولكنه سبحانه إبانته للناس حق لا خفاء فيها، فلا يعتريها الأحاجي والألغاز، ولا يشوبها غموض ولا وحشي الألفاظ.
لذلك أنت تسأله وتتعبد إليه -سبحانه- بأن يظهر لك الحق المبين في هذه الحياة الدنيا.
ولقد تكلم العلماء قديما في ذكر أصول الإيمان فقالوا: إن الله بائن من خلقه أي منفصل عنهم، غير حال بهم، فلا حلول ولا اتحاد، فالبينونة هنا من البين أي من الفراق الذاتي، ولكنه سبحانه مع عباده الصالحين معية نصر وتأييد، ينصرهم على أعدائهم، ويكلأهم بالليل والنهار. فهو سبحانه المبين، كلُّ شيءٍ مُبَان له. أي ظاهر له، لا تخفى عليه خافية، وكل الكون مبين عنه، يدل عليه ويُظْهِرُ وجودَه. والبيان عن الله ورسوله وعن النفس يتحصل به المرء على تمام البيان، والبيان يتجزأ كالاجتهاد والإيمان، يزيد وينقص، يقع للمرء تمام البيان في موضع، ويفقده في موضعٍ آخرَ.
فاللهم ارزقنا حسن البيان عنك وعن خليلك محمد صلى الله عليه وسلم، وعن مكنون أنفسنا. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه: يوسف السناري
بسم الله والحمد لله وصلى الله على نبينا محمدٍ، خليلُ اللهِ، وأحب من اصطفاه.
أما بعد: فإن المبين من أسماء الله التي امتدح الله نفسه بذلك، فقال الله (ويعلمون أن الله هو الحق المبين) [النور:25] فهو المبين –سبحانه-، من أبان الشيءَ فهو مبينٌ. أي أظهره، فلقد أبان الله لنا كلامه وجعله آية للناس، وأبان لنا خليلَه محمدًا –صلى الله عليه وسلم- وأعطاه من بيانه، وجعل له كمال البيان البشري، فجعل له البلاغ المبين، وأبان لنا شريعته وطريق الجنة وطريق النار.
والله -سبحانه وتعالى- لم يسمِّ نفسه بالمتكلم مع أن الكلام صفة له؛ لأن الكلامَ منه كلامٌ ساقطٌ مرذولٌ، ومنه كلامٌ عالٍ موزونٌ، ومن نعم هذه الحياة الدنيا أن ينعم الله على المرء بحسن الإبانة عن مكنون نفسه ومختلجات صدره.
ومما ينوب عن المرء في الإبانة عنه = قلمه، وخطه، وإشارته، ورسمه. فالقلم أحد اللسانين وهو مبينٌ عن نفس صاحبه إذا لم تسمع لها ركزًا، وحسنُ الخطِ من حسن البيان عن كلامِ صاحبه، والإشارة من البيان ويحصل بها الفهم عن المشير في جميع اللغات، فلغة الإشارة مما اشترك فيه الجنس البشري أجمع على فهمه، ويحصل به البيان وإن كان قاصرا، ولكنه أتى بالحد الوافي المطلوب، ومما في كتاب الله أن الإشارة مما يحصل بها الفهم إشارة مريم إلى ولدها عيسى عليه السلام لقومها فقال الله: (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) فهم فهموا من الإشارة أنها تقول لهم: سلوا ولدي يجيبكم.
ومما ينوب عن المرء في الإبانة عن ركاز نفسه = رسمه المنضبط بما ليس فيه مخالفة شرعية، كرسْمِه الخرائطَ التاريخيةَ، ومشجرات الكتب، ورسمه الخرائطَ الحديثية النبوية للاستعانة بذلك على معرفة مدار الحديث حتى يتمكن من الحكم عليه. وما شابه ذلك مما يساعد المرء على حصول البيان له بسرعة وجيزة.
ومما هجر الناس في عبادتهم أن يتخيروا من أسماء الله ما يوافق مسألتهم، لذا ينبغي أن يسأل المرء ربه "المبين" أن يرزقه حسن البيان عنه، وعن رسوله، وعن مكنون نفسه.
ولقد رأيت من الصالحين من إذا حكم بين الناس في أُقْضياتهم = دعى الله أن يبين له الحق ويظهره له، وهذا من دعاء الله باسمه "الظاهر"، ويصح للقاضي بين الناس ومن يريد أن يعرف حقيقة شيء غابت عنه، أن يسأل الله باسمه "المبين" فيقول: يا حق، يا مبين، أبنْ لنا الحق المبين في هذا الأمر، فهذا مما يدخل في قوله تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) والحمد لله الذي جعل في ديننا هذا، وأغنانا عن السحرة والمنجمين ولاعقي أحذية الشياطين، الطالبين منهم ظهور المتعلقات الضائعة، والمسروقة ومعرفة آخذها، فلا يوجد في ديننا ما يسمى عند العامة "عدة يس" و"فتح المندل" إلى غير ذلك من هذه الأباطيل والسحر المبين.
ومما ينبغي للمرأة الصالحة فعله = أن تسأل ربَّها حسنَ البيانِ عن ذات نفسها في حالة غضبها وخصامها؛ لأن الله أنكر على المشركين قسمتهم الضيزى حينما جعلوا لله القسمة الجائرة التي يكرهونها لأنفسهم؛ فجعلوا لله البنات -سبحانه- فأنكر الله ذلك عليهم وقال موبخا إياهم ومنكرا عليهم (أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين). أي أتجعلون لله القسمة التي تربَّى وتشِبُّ على الزينة والحلي، فيكمل نقصها الخلقي بذلك، وهي مع ذلك في حالة خصامها غير مبينة، لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أو تقيم الحجة على ظالمها في حالة غضبها وخصامها -في الغالب- فنصرها البكاء.
نعود مرة أخرى إلى اسمه سبحانه "المبين" من لطائف هذا الاسم العظيم أنه قد اقترن في كتاب الله باسمه الحق؛ لأن الإبانة عند الناس قد تكون إبانةً للباطل، كأنْ يكون الرجل عالما منافقا، فصيح اللسان، متمكنًا من لسان العرب وتراكيب الكلم، فيألب هذا البيان؛ لنصرة باطله، وزخرفة نفاقه، ولكنه سبحانه إبانته للناس حق لا خفاء فيها، فلا يعتريها الأحاجي والألغاز، ولا يشوبها غموض ولا وحشي الألفاظ.
لذلك أنت تسأله وتتعبد إليه -سبحانه- بأن يظهر لك الحق المبين في هذه الحياة الدنيا.
ولقد تكلم العلماء قديما في ذكر أصول الإيمان فقالوا: إن الله بائن من خلقه أي منفصل عنهم، غير حال بهم، فلا حلول ولا اتحاد، فالبينونة هنا من البين أي من الفراق الذاتي، ولكنه سبحانه مع عباده الصالحين معية نصر وتأييد، ينصرهم على أعدائهم، ويكلأهم بالليل والنهار. فهو سبحانه المبين، كلُّ شيءٍ مُبَان له. أي ظاهر له، لا تخفى عليه خافية، وكل الكون مبين عنه، يدل عليه ويُظْهِرُ وجودَه. والبيان عن الله ورسوله وعن النفس يتحصل به المرء على تمام البيان، والبيان يتجزأ كالاجتهاد والإيمان، يزيد وينقص، يقع للمرء تمام البيان في موضع، ويفقده في موضعٍ آخرَ.
فاللهم ارزقنا حسن البيان عنك وعن خليلك محمد صلى الله عليه وسلم، وعن مكنون أنفسنا. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه: يوسف السناري