جدلية العلاقة بين مقاصد القرآن وتفسيره

سهاد قنبر

New member
إنضم
01/06/2011
المشاركات
388
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
بسم1​


هذه إحدى القضايا التي بحثتها في رسالتي وأرجو من الأخوة من الملتقى مناقشة هذه القضية؛ هل يمكن اعتبار المقاصد ضابطاً من ضوابط التأويل؟​



جدلية العلاقة بين مقاصد القرآن وتفسيره​


شهدت العقود الثلاثة الأخيرة انفجاراً علمياً في قضية المقاصد ومما لا شك فيه أن سبب هذا الانفجار ليس فقط الوعي بأهمية القضية أو الفراغ العلمي فيها وإنما التحديات التي تمر بها الأمة الإسلامية واشتداد الشبهات والمطاعن، وبلوغ التراجع الحضاري أوجه، وضغط النظام العالمي تشريعياً، مما حدا بالعلماء إلى بيان رفعة هذا الدين وتفاعله مع الواقع وصلاحه لكل زمان ومكان عن طريق الاهتمام بمقاصد التشريع وحكمته،واحتلت قضية مقاصد الشريعة مكانة لا يستهان بها في الآونة الأخيرة، ولم تعد قضية مرتبطة بالفقه وأصوله، بل تعدتها إلى كل ما هو إلهي كالعقائد، والقصص القرآني، والأخلاق، وتزكية النفس البشرية، وساهمت المؤلفات في التفسير الموضوعي في تطور النظر إلى مقاصد القرآن عموماً وليس مقاصد الأحكام المتعلقة بالسلوك العملي فقط، ومما لاشك فيه أن معرفة قصد المتكلم أدعى إلى فهم كلامه وتطبيقه، فإذا كان هذا الحال بصفة عامة فهو بالنسبة لكلام الشارع أوكد، ولهذا اعتبرعامة الأصوليين أن استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها لا بد له من ركنين أساسيين أولهما: العلم باللغة العربية والحذق بها لمعرفة ما دل عليه ظاهر اللفظ وثانيهما العلم بمقاصد الشارع لمعرفة المعنى المقصود من ظاهر اللفظ([1]).
مقاصد القرآن وعلاقتها بالتفسير:
يشهد الوقت الراهن دعوة من بعض المتخصصين، وغير المتخصصين( أصحاب القراءات الحداثية للنص) لجعل مقاصد القرآن ضابطاً من ضوابط التأويل، ويعتقد الفريق الأول أن إضافة الضابط المقاصدي سيساعد في حل أزمة التفسير ويحمي القرآن من أن يكون مباحاً لإسقاطات كل من هب ودب، ويعتقد الفريق الثاني أن اعتماد مقاصد القرآن كضابط مركزي منفك عن باقي ضوابط التأويل يسهم في خلق تطبيقات أوسع للأحكام القرآنية، وتطبيقات أكثر عقلانية وملاءمة للواقع لأنه على حد زعمهم: ". . القانون (التشريع) الإسلامي يعتز بأنه يعتمد متطلبات كل من العقلانية والمصلحة فإذا استطاع المرء أن يبين أن قانوناً قائماً لا يحقق أياً من هذين الأمرين فإن الباب لتغييره سيكون مفتوحاً على مصراعيه وستذوب الاعتراضات سريعاً دون إثارة أية مشكلة. . "([2]) ويعد الحداثيون أن أفضل طريقة لاسترداد حقوق المرأة المسلمة هي فلسفة التشريع فأي تشريع إسلامي يثار حوله جدل أو شبهة يمكن بيان الضرر الذي يصيب المرأة بدلاً من مقاومته([3])، ومع اختلاف أهداف الفريقيين فإن معنى مقاصد القرآن في هذه الدراسة ليس فقط مقاصد الشريعة المتعلقة بالأحكام العملية وإنما ما يمكن أن يتولد من مقاصد عامة عند تدبر القرآن ويتضمن هذا:
- مقاصد الشريعة المتعلقة بالأحكام العملية.
- المعاني المستنبطة من دلالات الألفاظ وأساليب القرآن البلاغية من خبر وإنشاء وأمر ونهي وغيرها فالقرآن نزل بلغة العرب ولا طريق لفهم معانيه إلا هذا الطريق([4]).
- الغايات والعلل والمصالح والحكم لهذه المعاني.
هذه الأمور الثلاثة مجتمعة هي مقاصد القرآن([5]). والحق أن المقاصد القرآنية لا انفكاك لها عن تفسير القرآن، إلا أن عناية الأصوليين بالمقاصد العملية جعل المقاصد تبدو وكأنها علم أصولي لا علاقة له بالتفسير، ولم يلتفت إلى دراسة خدمة المفسرين الأوائل للمقاصد وعنايتهم بها إلا مؤخراً([6]) ، ويظهر ارتباط المقاصد بالتفسير في كون القرآن هو المصدر الرئيسي لتعيين المقاصد الكلية ومنه استنبطت الكثير من الأحكام والعلل الجزئية، ومنه استخلص علماء الأصول القواعد الفقهية الكلية ويظهر هذا جلياً في استدلالهم على كل قاعدة بالقرآن([7])، ومن القرآن تجلت الخصائص العامة للتشريع مثل العقلانية والمرونة والسماحة والرفق والرحمة وغيرها من الخصائص التي جلاها العلماء عند كلامهم عن خصائص التشريع، والحق ان المتتبع لكتب التفسير يجد إشارات للمقاصد القرآنية العامة وتطبيقاتها في الأحكام التشريعية العملية فعلى سبيل المثال جعل القرطبي القرآن مشتملاً على ثلاثة أمور وهي :التوحيد، والأحكام، والمواعظ، ولهذا قال –صلى الله عليه وسلم- (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن([8]) لأنها كلها توحيد([9]) ،وقد استخدم الطبري لفظ (المعاني) وأراد بها (المقاصد الشرعية) ومن ذلك قوله في تفسيره عن مقاصد الزكاة" والصواب من ذلك عندي: أن الله تعالى جعل الصدقة في معنيين أحدهما: سدخلة المسلمين والآخر معونة الإسلام وتقويته"([10]).
ولعل أول ما يتبادر للذهن هو هل كان الضابط المقاصدي ضابطاً تأويلياً عند المفسرين السابقين؟ الحق ان الاستقراء الأولي يحمل على الاعتقاد أن مقصد القرآن الهدائي كان حاضراً عند المفسرين وعمل المفسرون في قضية المقاصد بطريقتين فهم انطلقوا من استقراء وتفسير النص القرآني لتجلية المقاصد وهذا ما سماه الشاطبي تقصيد النص، ثم استثمروا المقصد في الترجيح بين الظنيات([11]) وفي استنباط الأحكام الفقهية وفي الانتصار لمذهب على آخر وفي التخصيص والبيان والاستثناء من العموم([12]) وفي تجلية النكت البيانية والبلاغية، وفي ترجيح أن يكون النص على الحقيقة أو يكون على المجاز اعتداداً بالمقصد([13]) لكن السؤال هنا هل يسمى استثمار أو توظيف المقصد بهذه الطريقة ضابطاً تأويلياً ؟والحق أن ما كتبه ابن عاشور رائد الاتجاه المقاصدي في التفسير على المستوى النظري يجلي المسألة يقول ابن عاشور: "مراد الله في كتابه بيان تصاريف ما يرجع إلى حفظ مقاصد الدين وقد أودع ذلك في ألفاظ القرآن التي خاطبنا بها خطاباً بيناً وتعبدنا بمعرفة مراده والاطلاع عليه"([14]) ويتابع قائلاً: "غرض المفسر بيان ما يصل إليه أو ما يقصده من مراد الله تعالى بأتم بيان يحتمله المعنى ولا يأباه اللفظ من كل ما يوضح المراد من مقاصد القرآن، أو ما يتوقف عليه فهمه أكمل فهم أو يخدم المقصد تفصيلاً وتفريعاً"([15]) وإذا اعتبرنا أن مقاصد الشريعة جزء من أصول الفقه فقد اعتبر ابن عاشور ان أصول الفقه ليست مادة أساسية للتفسير ولكنها تخدمه من جهتين الجهة الأولى هي: "أن علم الأصول قد أودعت فيه مسائل كثيرة هي من طرق استعمال كلام العرب وفهم موارد اللغة أهمل التنبيه عليها علماء العربية مثل مسائل الفحوى ومفهوم المخالفة. . . . والجهة الثانية: أن علم الأصول يضبط قواعد الاستنباط ويفصح عنها فهو آلة للمفسر في استنباط المعاني الشرعية من آياتها"([16]) واعتبر ابن عاشور أن أعظم وظيفة للمفسر هي الوصول إلى كليات التشريع وعاب على المفسرين انشغالهم بتقصي معاني القرآن عن انتزاع كليات التشريع([17]) وبهذا جعل ابن عاشور تفسير القرآن الطريق لبيان المقاصد بل اعتبر وظيفة المفسر الأساسية هي تجلية المقاصد القرآنية، و هناك موضع واحد ذكر فيه ابن عاشور أن العلم بمقاصد القرآن الأصلية من شروط المفسر إذ يقول: "وجب على الآخذ في هذا الفن أن يعلم المقاصد الأصلية التي جاء لقرآن لتبيانها. . "([18]) وذكر ثمانية مقاصد أصلية للقرآن وجعل الطريق لمعرفتها هو استقراء النص القرآني، وهذا يقودنا إلى تساؤل مشروع كيف تكون المقاصد من شروط المفسر وهي لا تعلم إلا من تفسير النص؟هذه الجدلية ظهرت جلياً في تعاريف التفسير الموضوعي واختار الدكتور مصطفى مسلم تعريف التفسير الموضوعي بأنه: "علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر"([19])وجعل آخرون هدف التفسير الموضوعي الكشف عن المقاصد والغايات القرآنية ([20]) وما أرتاح إليه هنا أن تقصيد القرآن غاية للمفسر،وهذا التقصيد لا يتم إلا بأدلة قطعية ، وأن المقاصد الأصلية قررها المفسرون السابقون وتضافرت عليها النصوص فارتقت إلى القطعية، فأصبح لا يسع المفسر إلا العلم بها، وهذه القطعية تجعل بالإمكان استخدام هذه المقاصد في ظنيات الدلالة لا سيما في زمن اجترأ على التفسير من لا علم له بأساسيات الدين، إلا ان هذا التوظيف للمقصد لا يمكن أن يسمى بحال ضابطاً تأويلياً.

([1]) وهذا ما قرره الشافعي في (رسالة الأصول) ونقله عنه الغزالي في تقريره حقيقة أنه لا ينبغي للمجتهد النظر في الأدلة الجزئية دون الالتفات للقواعد الكلية، إذ قد يفضي هذا إلى تضارب الجزئيات في الظاهر. ينظر كتاب:
-االشاطبي أبو إسحاق (ت790هـ)، الموافقات، ط3، م1، (عناية أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان)، دار ابن القيم للنشر، الرياض، 2009م، ينظر المقدمة ص8 وما بعدها.

([2]) ويب جيزيلا، دعونا نتكلم،ط1،دارالفكر،دمشق،2002م، ص105.

([3]) ويب جيزيلا، دعونا نتكلم، ص106.

([4]) ولهذا احتلت الدراسات الدلالية مكانة مهمة في أصول الفقه، وأصبح فهم النصوص مرتكزاً على هذه الدلالات.

([5]) وقد جعل البعض مقاصد النص مستويات: مستوى المقصد ومستوى المقصود والمستوى المقاصدي، وقد أضربنا عن تسميتها مستويات لما توحي به كلمة مستويات من تراتبية هرمية، بينما هي في الحقيقة أمور متلازمة. للمزيد عن هذا الموضوع ينظر:
- علي، مير إحسان، المقاصد العامة للشريعة بين الأصالة والمعاصرة،(2000م)، (رسالة دكتوراه)، جامعة دمشق،كلية الشريعة، ص29 . نقلاً عن كتاب طه عبد الرحمن (تجديد المنهج في تقويم التراث). ينظر أيضاً:
- قاخون، نارت، (2009م)، مقاصد الخطاب بين المفسرين والتداوليين، (رسالة ماجستير)، كلية الآداب، الجامعة الأردنية، عمان، ينظرص159 وما بعدها.

([6]) فهناك رسائل جامعية عن المقاصد في تفسير ابن العربي وابن جزي الكلبي وتفسير ابن عاشور كنت أتمنى الإطلاع عليها لكني لم أجد لها سبيلاً.

([7]) ومن هذا قاعدة (المشقة تجلب التيسير ) و(الضرورة تقدر بقدرها) و(الضرورات تبيح المحظورات).

([8])العسقلاني،ابن حجر،فتح الباري شرح صحيح البخاري،الجزء التاسع ،كتاب فضائل القرآن،باب فضل (قل هو الله أحد)فيه عمرة عن عائشة عن النبي –صلى الله عليه وسلم -،حديث رقم 5013،ص71،ص72.

([9]) القرطبي،أبو بكر،الجامع لأحكام القرآن،(تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي،ومحمد رضوان العرقسوسي)،ط1،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان،2006م،مقدمة سورة الفاتحة ،المجلد الأول،ص171،.

([10]) الطبري، في معرض تفسيره للآية 60 من سورة التوبة في مصارف الزكاة.

([11]) ينظر آية الحرابة(المائدة33) عند ابن العربي في كتابه أحكام القرآن، فقد رجح أن يكون النفي هو السجن، ورجح الصلب حياً لانه "انكى وأفضح وبه يتحقق معنى الردع الأصلح".

([12]) ومنه استثناء ابن العربي من عموم مصرف الغارمين في الزكاة من استدان في سفاهة ومستنده نظره إلى المآل، ففي ذلك تشجيع له على الاجتراء على سفا هة مثلها،(التوبة 60).

([13]) رشواني، سامر، الاتجاه المقاصدي في تفسير ابن عاشور، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، اسلامية المعرفة، العدد 23،السنة السادسة،2000م،ص81 وما بعدها. ينظر أيضاً:
- الوزاني، التهامي، توظيف المقاصد في فهم القرآن وتفسيره،نقلاً عن الموقع الإلكتروني مجالس الطريق إلى الجنة، تاريخ الدخول 2011/2/26
http://www.way2jannah.com/vb/showthread.php?p=61397

([14]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، المقدمة الرابعة، ص39-40.

([15]) ابن عاشور، المصدرالسابق، المقدمة الرابعة، ص39، ص41.

([16]) ابن عاشور، المصدرالسابق، المقدمة الثانية، ص25، ص26.

([17]) ابن عاشور، المصدر السابق، المقدمة الأولى، ص13.

([18]) ابن عاشور، المصدر السابق، المقدمة الرابعة، ص39.

([19]) مسلم، مباحث في التفسير الموضوعي، ص16.

([20])الفريح،يعقوب حامد،منهجية البحث في الموضوع القرآني،بحث مقدم لمؤتمر التفسير الموضوعي(واقع وآفاق) ،جامعة الشارقة،1431هـ،ص4.ينظر أيضاً تعريف الدكتور جهاد نصيرات ،والدكتور سليمان الدقور للتفسير الموضوعي في بحثيهما المقدمين لنفس المؤتمر،وكلا الباحثان جعلا هدف وغاية التفسير الموضوعي الكشف عن المقاصد القرآنية .
 
وما أرتاح إليه هنا أن تقصيد القرآن غاية للمفسر،وهذا التقصيد لا يتم إلا بأدلة قطعية ، وأن المقاصد الأصلية قررها المفسرون السابقون وتضافرت عليها النصوص فارتقت إلى القطعية، فأصبح لا يسع المفسر إلا العلم بها، وهذه القطعية تجعل بالإمكان استخدام هذه المقاصد في ظنيات الدلالة لا سيما في زمن اجترأ على التفسير من لا علم له بأساسيات الدين، إلا ان هذا التوظيف للمقصد لا يمكن أن يسمى بحال ضابطاً تأويلياً.​

هل هناك اتفاق على قائمة دقيقة للمقاصد القرآنية مرتبة حسب الأولوية بالأدلة ؟
أقول ذلك لكي نعتمد مثل هذه القائمة ، ونجعل العلم بها من العلوم التي لا بد للمفسر من معرفتها قبل شروعه في التفسير أو في الترجيح بين اختلافات المفسرين على الأقل .

للفائدة :
كنتُ قبل سنوات قدمتُ محاضرةً في المقاصد الكبرى للقرآن الكريم ، وإثناء الإعداد سجلتُ بعض النقاط التي جمعتها لتلك المحاضرة وهي مسجلة على النت تحدثت فيها عن تعريف المقاصد (لغة – اصطلاحا – مقاصد القرآن) ، ثم عرجتُ على كيفية استخراج مقاصد القرآن من القرآن ، ثم توقفت عند أهم مقاصد القرآن بحسب كلام المفسرين والعلماء .
معنى المقاصد :
لغةً : جَمع مقصد ، وهو في اللغة مصدر كالقصد ومعناه الطلب، تقول: قصدت الشيء من باب ضَرَبَ طلبته بعينه وإليه قصدي ومقصدي، مأخوذ من القصد وهو الاعتزام والتوجه والنهود والنهوض نحو الشيء على اعتدال كان ذلك أو جور ، هذه أصله في الحقيقة كما قال ابن جني . وإن كان قد يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل . أَلاَ تَرَى أَنَّكَ تَقْصِدُ الجَوْرَ تارَةً كما تَقْصِد العَدْلَ أُخْرَى ؟ فالاعتزامُ والتَّوَجُّه شامِلٌ لهما جَميعاً .
أما اصطلاحاً :
فلم تهتم كتب التراث بتعريف المقاصد، ولهذا لا نجد فيها أثرا لتعريف المقاصد سوى ما يرد ضمنا في تعريف المصلحة كقول الغزلي" المصلحة المحافظة على مقصود الشارع، ومقصود الشارع من الخلق خمسة أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم" ، والشاطبي الذي تكلم كثيرا عن المقاصد فإنه لم يرد عنه تعريف لها، ويرى بعض الباحثين أن سبب عدم تعريف المتقدمين للمقاصد عائد إلى وضوح معناها في أذهانهم، وأن الشاطبي مما زهده في تعريفها أنه كتب كتابه " الموافقات" للعلماء الراسخين في علوم الشريعة، حيث يقول: " ولا يسمح للناظر في هذا الكتاب أن ينظر فيه نظر مفيد أو مستفيد حتى يكون ريان من علوم الشريعة أصولها وفروعها منقولها ومعقولها غير مخلد إلى التقليد والتعصب للمذهب.
والشيخ محمد الطاهر بن عاشور(1393) من أول من عرف المقاصد حيث قال:" مقاصد التشريع العامة هي: المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة .
وقد اعترض بعضهم على تعريف ابن عاشور بأن المعاني والحكم ليست هي المقاصد، ولكنها المعاني المناسبة لبناء الأحكام عليها، فالمشقة حكمة وهي مناسبة للتيسير والتيسير حكم مترتب على المشقة والمقصود من ذلك هو مصلحة العباد، والقتل العمد معنى من العاني يناسبه إيجاب القصاص والمقصود منه المحافظة على النفس، والإسكار معنى مناسب لتحريم الخمر ولإيجاب الحد على شاربها شرعا، والمقصود من ذلك المحافظة على العقل، والزنا وصف مناسب لتحريم الزنا وإيجاب الحد على مرتكبه والمقصود من ذلك المحافظة على الأنساب فالمعاني والحكم ليست هي المقاصد، لأن المقاصد هي العلل الغائية، والعلل الغائية أسبق من كل شيء ولكنها من حيث التحقيق والوجود الخارجي هي آخر ذلك.
ولذلك عرفها بعضهم بالغايات التي قصد الشارع إلى تحقيقها من تشريع الأحكام جلباً لمصالح العباد في الدنيا والآخرة.
وعرف الدكتور أحمد الريسوني المقاصد: بأنها الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد .
والتفريق بين المقاصد والعلل والحكم حسب ما تقدم هو منهج المتأخرين من الأصوليين، أما المتقدمون فإنهم كانوا يستعملون العلة والحكمة بمعنى القصد .
والغاية ما لأجله وجود الشيء والمراد هنا مصالح العباد سواء كان ذلك في الدنيا أو الآخرة أو فيهما معا وسواء كان ذلك بجلب مصلحة أو دفع مفسدة، فمقاصد الشارع هي تحقيق المصالح ودفع المفاسد التي وضعت الشريعة من أجل تحقيقها.
أما مقاصد القرآن الكبرى ، فهي أخص من مقاصد الشريعة :
فالقرآن الكريم ليس هو المصدر الوحيد للتشريع وإن كان أعلاها وأولها ، إلا أن السنة النبوية أيضاً قد استقلت بتشريعات ليست بالقليلة .
فمقاصد القرآن إذاً الغايات التي نزل القرآن لأجل تحقيقها.
وأريد هنا أن اشير إلى قصة طريفة ذات صلة بهذا الأمر .
ما هي الآية التي يمكن أن نكتبها على غلاف المصحف فتبين محتواه ؟ أو أي آية تصلح أن تكون عنواناً على القرآن كله بحيث إذا كتبت على غلافه كانت بياناً لما فيه ؟
كان جواب هذا العالم هو قوله تعالى : هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52) إبراهيم .
بلاغ فإنذار فعلم فتذكر.
** أهمية ملكة استحضار الآيات الدالة على المعاني المقصود لا يؤتاه إلا أهل القرآن الذين يتلونه ويتدبرونه آناء الليل وأطراف النهار .
وأجاب آخر بأنها قوله تعالى :(هذا بيان للناس وهدى وموعظةٌ للمتقين ) .
وأما الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله فيقول في جواب هذا السؤال :(وأما أنا – ولا أعوذ بالله من كلمة أنا – فلو ألقي علي هذا السؤال ...
أقوال العلماء في بيان مقاصد القرآن :
لم أجد للمتقدمين تفصيلاً لمقاصد القرآن الكبرى ، وإنما يظهر بعض هذه المقاصد في أثناء تفسيرهم للآيات ، أو حديثهم عن مقاصد الشريعة على وجه الإجمال ، وأما مقصاد القرآن وتفصيلها فأكثر من عني به العلماء المتأخرون . ومنهم ابن عاشور وغيره من المعاصرين .

أولاً : قول ابن عاشور :
(والقرآن هو ( الجامع لمصالح الدنيا والدين .
الحاوي لكليات العلوم ومعاقد استنباطها .
الآخذ قوس البلاغة من محل نياطها) .
وقد بين ابن عاشور أمرين حول موضوع مقاصد القرآن :
الأول : المقصد الأعلى من القرآن الكريم فقال ( هو صلاح الأحوال الفردية والجماعية والعمرانية . ثم قال وتفصيل هذا :
أن الصلاح الفردي يعتمد تهذيب النفس وتزكيتها ، ورأس الأمر فيه صلاح الاعتقاد مصدر الآداب والتفكير ، ثم صلاح السريرة الخاصة ، وهي العبادات الظاهرة كالصلاة والباطنة كالتخلق بترك الحسد والحقد والكبر).
وأما الصلاح الجماعي فيحصل أولاً من الصلاح الفردي . إذ الأفراد أجزاء المجتمع ، ولا يصلح الكل إلا بصلاح أجزائه ومن شيء زائد على ذلك وهو ضبط تصرف الناس بعضهم مع بعض على وجه يعصمهم من مزاحمة الشهوات ومواثبة القوى النفسانية ...الخ ما قال في مقدمته .
وأما المقاصد الأصلية التي تندرج تحت هذا المقصد الأعلى فهي حسب استقراء ابن عاشور ثمانية يمكن أن نلخصها في النقاط التالية :
1- إصلاح الاعتقاد ، وهذا أعظم سبب لإصلاح الخلق.
2- تهذيب الأخلاق .
3- التشريع وهو الأحكام خاصة وعامة .
4- سياسة الأمة وفيه صلاح الأمة وحفظ نظامها .
5- القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم والتحذير من مساوئهم .
6- التعليم بما يناسب عصر المخاطبين وما يؤهلهم لتلقي الشريعة ونشرها وذلك علم الشرائع وعلم الأخبار .
7- المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير .
8- الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.

ما فائدة مثل هذا للمفسر ؟
ويبين ابن عاشور ذلك فيقول :(غرض المفسر بيان ما يصل إليه ، أو ما يقصده من مراد الله تعالى في كتابه بأتم بيان يحتمله المعنى ، ولا يأباه اللفظ من كل ما يوضح المراد من مقاصد القرآن ، أو ما يتوقف عليه فهمه أكمل فهم ، أو يخدم المقصد تفصيلاً وتفريعاً .. مع إقامة الحجة على ذلك إن كان به خفاء ، أو لتوقع مكابرة من معاند أو جاهل ، فلا جرم كان رائد المفسر في ذلك أن يعرف على الإجمال مقاصد القرآن مما جاء لأجله ، ويعرف اصطلاحه في إطلاق الألفاظ ، وللتنزيل اصطلاح وعادات ).

الشيخ يوسف القرضاوي وفقه الله له في كتابه (كيف نتعامل مع القرآن ) وقفات مع موضوع مقاصد القرآن فقد لخص هذه المقاصد في سبعة :
1- تصحيح العقائد والتصورات للألوهية والرسالة والجزاء ، وذلك بإرساء دعائم التوحيد .
2- تقرير كرامة الإنسان وحقوقه .
3- عبادة الله وتحقيق العبودية لله . (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
4- تزكية النفس البشرية (ونفس وما سواها...
5- تكوين الأسرة وإنصاف المرأة .
6- بناء الأمة الشهيدة على البشرية بأن تكون متميزة عن غيرها .
7- الدعوة إلى عالم إنساني متعاون .

وفي شرح الشيخ لهذه المقاصد بيان لرأيه وتوضيح لمراده .

ثالثا: أنواع المقاصد:
يمكن تقسيم المقاصد باعتبارات متعددة:
أولا: أنواعها من حيث العموم والشمول: وتنقسم بهذا الاعتبار إلى الأنواع التالية:
النوع الأول: المقاصد العامة: والمراد بها المقاصد التي علم مراعاتها من قبل الشارع في جميع ما ورد عنه من أحكام مثل حفظ الضروريات الخمس ومثل رعاية الشارع لرفع الحرج ورعاية المصالح وإقامة العدل بين الناس،.
وقد ذكر علال الفاسي أن المقصد العام للشريعة هو: عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة ومن صلاح في العقل وفي العمل وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها وتدبير منافع الجميع ( )،
و ذكر ابن عاشور أن من المقاصد العامة للشريعة حفظ النظام وجلب المصالح ودرء المفاسد وإقامة المساواة بين الناس وجعل الشريعة مهابة ومطاعة ونافذة وجعل الأمة مرهوبة الجانب مطمئنة البال

النوع الثاني: المقاصد الخاصة والمراد بها مقاصد الشريعة في مجالات أو أبواب معينة من أبواب التشريع مثل المقاصد المتعلقة بأحكام العائلة، والمقاصد المتعلقة بالنظام الاقتصادي أو التصرفات المالية، والمقاصد المتعلقة بالعقوبات

النوع الثالث: المقاصد الجزئية: والمراد بها مقاصد الشارع في كل حكم من الأحكام على انفراد نحو معرفة مقصد الشارع من الوضوء أو الصلاة أو الحج

ثانيا: أنواع المقاصد من حيث الحاجة إليها تنقسم المقاصد بهذا الاعتبار إلى الأنواع التالية:

النوع الأول: المقاصد الضروريه: وهي اللازمة التي لا بد منها في قيام مصلح الدارين وهي الكليات الخمس.

النوع الثاني: المقاصد الحاجية وهي التي يحتاج إليها للتوسعة ورفع
- الشيخ محمد أبو زهرة: تطرق في كتابه تنظيم الإسلام للمجتمع لموضوع المقاصد الشرعية وكان له فيه محاولة اجتهاد في إضافة بعض المقاصد إلى الخمسة المعروفة وهكذا أضاف المقاصد التالية:
أ- مقصد الكرامة الإنسانية: حيث اعتبر أن الشريعة جاءت من أجل تكريم الإنسان انطلاقا من قوله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" ولذلك كانت التعاليم الإسلامية كلها تدور على كرامة الإنسان فلم يفرق الإسلام بين حر وعبد في هذه الكرامة وظهر ذلك في أحكام جزئية كثيرة.
ب- مقصد العدالة: حيث أن عنوان الشريعة الإسلامية في نظره هو العدل وهكذا حين سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم عن كلمة جامعة لمعاني الإسلام تلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي"ومن تم قسم العدالة إلى شعب: العدالة القانونية، والعدالة الاجتماعية، ثم العدالة الدولية.
ج- مقصد التعاون الإنساني: انطلاقا من أن "التعاون في جلب الخير ودفع الشر مقرر في الحقائق الإسلامية" وهكذا يكون التعاون في نظره على مستوى الأسرة وعلى مستوى الجيران وعلى مستوى الأمة إلى أن يرقى فيصبح أخيرا على مستوى الإنسانية جمعاء ليحقق المقصود من قوله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
د- مقصد الرحمة والمودة: حيث اعتبرهما الإسلام أساس العلاقات الإنسانية فهما الصلة التي تربط كل من في هذه الأرض من بني الإنسان وشدد سبحانه العقاب على من يتسبب في قطع المودة التي أمر الله سبحانه بوصلها فقال: "والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار.
- محمد الغزالي: يرى ضرورة إضافة مقصدين إلى المقاصد الخمسة الضرورية وهما الحرية، العدالة. مستدلا بقول الله تعالى " :لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" فكأن العدالة هدف للنبوات كلها.
- طه جابر العلواني: قسم المقاصد الشرعية إلى ثلاثة أساسية هي:
- مقصد التوحيد - مقصد التزكية - مقصد العمران فاعتبر أن هذه القيم الثلاث تمثل المقاصد والقيم الأساسية الكبرى والمبادئ الأصلية وهي في الوقت ذاته صالحة في كل زمان ومكان لتكون مقياسا لسائر أنواع الفعل الإنساني ولجميع الآثار المترتبة عليه في الدنيا والآخرة توضح للإنسان ما في ذلك الفعل من صلاح أو فساد وما يمكن أن يترتب عليه من استقامة وانحراف. ورأى أن هذه المقاصد الثلاثة مقاصد مشتركة لم تخل رسالة أي رسول من الذين قص القرآن على الناس أنباءهم ومن الذين لم يقصص على الناس أنباء رسالاتهم. إذ أن علة الخلق و سبب عبادة الله " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". ورأى أن هذه المقاصد الثلاثة مندرجة تحت مفهوم العبادة بشكل تام تدل على ذلك مئات الآيات الكريمة وكذلك السنن والأحاديث المبينة لذلك فالتوحيد لب العبادة وأسها والتزكية هدفها ومقصدها وغايتها والعمران مرآة التوحيد وثمرة التزكية. ثم يرى أن هذه المقاصد الثلاثة العليا تستدعي سائر المستويات الأخرى كالعمل والحرية والمساواة فهذا المستوى من القيم والمقاصد ضروري لتحقيق المقاصد العليا التي يمكن إدراجها في المستوى الثاني الذي ذكرناه وهو بدوره يستدعي المستوى الأخير الذي جرى تركيز الأصوليين والفقهاء عليه حتى اعتبروا تلك الأمور هي مقاصد الشريعة وصنفوها إلى الضروريات الإنسانية والحاجيات والتحسينيات ويعقب على هذا التقسيم الأخير بأنه لم يستطع أن يقدم أو يولد منظومة الأحكام التي تحتاج لتغطية ومعالجة كل مستجدات الحياة التي سيتعلق بها الفعل الإنساني حتى يوم الدين بل اكتفت بأن بينت لنا حكم الشريعة والتشريع وفوائدها التي تعود على ضرورياتنا وحاجياتنا وتحسيناتنا بالحفظ والتسديد والحماية فهي في وضعها الذي حدده الأصوليون تعتبر بمقام الحكم والمقاصد لدعم القياس وتوسع آفاقه من ناحية ولتعزيز ودعم دليل المصلحة من ناحية أخرى وكذلك لتعزيز الإيمان والثقة برعاية الأحكام الشرعية لمصالح العباد وبقيت الأحكام الشرعية التكليفية منها والوضعية تدور على محاور الأوامر والنواهي والمنطلقات اللغوية التي أدت إلى بناء وتدعيم الجزئي في النظر الفقهي.
- جمال الدين عطية: ينطلق بحثه من اقتراح مفاده توسيع دائرة البحث في كليات الشريعة بحيث لا تنحصر في مجال الفرد وإنما تغطي أربعة مجالات هي الفرد ثم الأسرة ثم الأمة ثم الإنسانية. وهكذا جاء تقسيمه كالتالي:
حفظ النفس حفظ العقل
1- مقاصد الشريعة فيما يخص الفرد حفظ تدين الفرد حفظ العرض حفظ المال
العلاقة بين الجنسين حفظ النسل حفظ النسب
2- مقاصد الشريعة فيما يخص الأسرة تحقيق السكن والمودة والرحمة حفظ الدين في الأسرة تنظيم الجانب المؤسسي للأسرة تنظيم الجانب المالي للأسرة التنظيم المؤسسي للأمة حفظ الأمن إقامة العدل.
3- مقاصد الشريعة فيما يخص الأمة حفظ الدين والأخلاق التعاون والتضامن والتكامل نشر العلم وحفظ عقل الأمة عمارة الأرض وحفظ الثروة التعارف والتعاون والتكامل تحقيق الخلافة العامة للإنسان في الأرض .
4- مقاصد الشريعة فيما يخص الإنسانية تحقيق السلام العالمي الحماية الدولية لحقوق الإنسان نشر دعوة الإسلام - أحمد الريسوني: تناول في كتابه "نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي" فكرة المقاصد الشرعية عند الأصوليين قبل الإمام الشاطبي وخلال حديثه عن رأي الإمام الآمدي ذكر أن حصر الضروريات في الخمسة المعروفة يمكن أن يراجع حيث يقول "فحصر الضروريات في هذه الخمسة وإن كان قد حصل فيه ما يشبه الإجماع يحتاج إلى إعادة النظر والمراجعة" وبهذا يكون الأستاذ الريسوني قد فتح الباب على مصراعيه أمام الباحثين للاجتهاد في المسألة بإضافة أنواع أخرى لهذه المقاصد الضرورية وربما كان له هذا الرأي لما رآه في بحث آخر عن المقاصد عند أبي الوليد ابن رشد حيث رأى أن هذا الإمام يلفت نظرنا إلى جوانب مهمة جدا من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية ويعني بذلك " مقاصدها التعليمية والتربوية والخلقية" وهي مقاصد كما يقول منصوص عليها أو مشار إليها في نصوص عديدة من الكتاب والسنة كقوله تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين"
وكقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
- د. ادريس حمادي: نظرا لطبيعة البحث في موضوع " الخطاب الشرعي وطرق استثماره" تناول أستاذنا الدكتور ادريس حمادي الحديث عن مقاصد الخطاب الشرعي ومن ثم تطرق لتقسيم الأصوليين للمقاصد ورأى أنهم يقسمونها إلى قسمين مقاصد كلية ومقاصد جزئية ورأى أنه يمكن أن يضاف إلى هذين القسمين قسم ثالث سماه المقاصد الخاصة وهي عنده "المصلحة التي تتعلق بها جميع أحكام باب من أبواب الفقه باعتبارها منضوية تحت المقصد العام للشريعة الإسلامية كالمصلحة التي تستهدفها جميع أحكام الصلاة والمصلحة المتوخاة من جميع أحكام الزكاة وكذلك الصوم والحج" لأن هذه المصالح جميعا تتجه إلى مقصد أسمى في العبادات هو "التوجه إلى الواحد المعبود وإفراده بالقصد إليه على كل حال" أو بتعبير آخر للدكتور ادريس حمادي هو "تزكية النفس والسمو بها وإخراجها من دائرة الأنانية والفردية إلى دائرة الإحساس بالجماعة. وهذا المقصد الأسمى في العبادات يصب بدوره في المقصد العام للشريعة الذي هو سعادة الإنسان دنيا وأخرى أو تحقيق العدل أو إلى المصالح الكلية باعتبارها مستخلصة من أحكام جزئية عديدة"
ولا يفوت الدكتور حمادي أن يشير إلى أن للشريعة الإسلامية مقاصد أخرى غير هذه المصالح الكلية إذ الحياة السعيدة لا تتشوف للضروري فقط وهكذا فالشريعة في نظره قد سبقت علم النفس في إعلان مقاصد أخرى بجانب المقاصد الضرورية وهي التي تتمثل في المقاصد الحاجية والتحسينية"( ). - د. عبد الحميد العلمي: نظرا لأن مبدأ الأخذ بالمقاصد الشرعية لا تكتمل دلالته إلا بالنظر في مقابلها الأعظم وهو الدلالة اللفظية ذلك "أن نصوص الشرع هي المفهمة عن مقاصده ومن ثم كان العلم بالعربية من أوكد العلوم المتصلة بالمقاصد الشرعية".
جاء في الموافقات "وأما الثاني من المطالب وهو فرض علم تتوقف صحة الاجتهاد عليه فإن كان ثم علم لا يحصل الاجتهاد في الشريعة إلا بالاجتهاد فيه فهو لابد مضطر إليه... إلا أن هذا العلم مبهم في الجملة، فيسأل عن تعيينه والأقرب في العلوم أن يكون هكذا علم اللغة العربية ولا أعنى بذلك النحو وحده ولا التصريف وحده ولا اللغة ولا علم المعاني ولا غير ذلك من أنواع العلوم المتعلقة باللسان بل المراد جملة علم اللسان".
ولما كانت دلالة الألفاظ في مجملها محتملة لتوقفها على مقدمات ظنية والمقاصد في عمومها قطعية لاستنادها إلى كليات استقرائية فقد استقر أستاذنا الدكتور عبد الحميد العلمي في تصوره الجديد من نوعه ونظرته لمقاصد الشريعة المختلفة عن معاصريه حيث كان له السبق في بحثها من الجانب الدلالي على التقسيم التالي:
1- مقاصد دالة بالدلالة الأصلية: يجد العقل بين الدال والمدلول فيها علاقة ينتقل لأجلها منه إليه وقوامها أخذ الألفاظ في وضعها الأصلي بحيث تكون دلالتها على ما وضعت له بالقصد الأول لذلك فهي دلالة تشترك فيها جميع اللغات.
2- مقاصد دالة بالدلالة التابعة: وهي مستمدة مما اقتضته الألفاظ بوضعها الأصلي وهذا يتطلب النظر فيما يعود عليها بوجه من أوجه الخدمة ما له تعلق بالمقتضيات العامة للخطاب. هذه نظرة مقتضبة عن أقسام المقاصد من زاويتها الدلالية حسب ما يراه أستاذنا الدكتور عبد الحميد العلمي.
- د. أحمد الخمليشي: يقترح الأستاذ مجموعة من المقاصد الجديدة إلى المقاصد الخمسة المعروفة من أجل أن يتمكن الفكر الإسلامي من المساهمة أكثر في كثير من مرافق التنظيم الاجتماعي كمقصد العدل (الفردي والاجتماعي) والمساواة والحرية فكتب قائلا: "من المؤكد أن المقاصد أو المصالح العليا الخمسة التي أوردها الغزالي غير كافية الآن للاقتصار عليها واتخاذها مرجعا في تنظيم المجتمع، وعلاقات أفراده. ألا يعتبر من المقاصد العليا للشريعة مثلا: العدل بمفهوميه الفردي والاجماعي والمساواة وحرية الفرد وحقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي منها المساهمة في تسيير الشؤون العامة "وأمرهم شورى بينهم". إن الأخذ بمثل هذه المقاصد، واعتمادها مرجعية في الوقت الحاضر، سيمكن الفكر الإسلامي من المساهمة في كثير من مرافق التنظيم الاجتماعي التي ما يزال غائبا عنها".
- د. طه عبد الرحمن: درج الأصوليون كما هو معروف على تقسيم المقاصد الشرعية إلى رتب ثلاث: الضروريات: وهي عندهم التي بفقدانها يفسد نظام الحياة. الحاجيات: وهي عندهم دون رتبة الضروريات حيث لا يصيب المكلف بفقدانها إلا العنت والضيق. التحسينيات: وهي عندهم دون رتبة الحاجيات حيث لا ينال المكلف بفقدانها إلا حرج في المروءة. يعترض الدكتور طه عبد الرحمن على هذا التقسيم بمجموعة من الاعتراضات منها: أن الكليات الخمس التي تشكل رتبة الضروريات لا يستقل بها هذا القسم بل يشاركه فيها القسمان الآخران الحاجي والتحسيني. أنه لا يجوز حصر الكليات في خمسة كما فعل المتقدمون إذ لا يمتنع عنده إدخال قيم أخرى مثل "حفظ الذكر" و "حفظ العدل" و "حفظ الحرية" و "حفظ التكافل". أنه لا تباين بين مفاهيم هذه الكليات الخمس فهي متداخلة فيما بينها حيث لا حفظ للمال بغير حفظ العقل ولا حفظ للعقل بغير حفظ النسل ولا حفظ للنسل بلا حفظ النفس ولا حفظ للنفس بغير حفظ الدين. أنه لا يجوز اعتبار مكارم الأخلاق فقط ضمن رتبة التحسينيات لأن ذلك في نظره يشعر بأنها مجرد صفات كمالية يخير المرء في التحلي بها، بل قد يتبادر إلى ذهنه أنها أشبه بالترف السلوكي في حين أن علم المقاصد في نظر د. طه عبد الرحمن ليس إلا علما آخر للقيم الأخلاقية لأنه وحده الذي يصلح حال الإنسان لأنه علم يبحث عن السبيل إلى صلاح الإنسان. بعد هذه الاعتراضات وغيرها يأتي الدكتور طه عبد الرحمن باقتراح لتقسيمات جديدة للمقاصد باعتبارات مختلفة.
1- تقسيم باعتبار القيم الحيوية أو قيم النفع والضر: * حفظ النفس * حفظ الصحة * حفظ النسل * حفظ المال
2- تقسيم باعتبار القيم العقلية أو قيم الحسن والقبح * الأمن * الحرية * العمل * السلام * الثقافة * الحوار
3- تقسيم باعتبار القيم الروحية أو قيم الخير والشر * الإحسان * الرحمة * المحبة * التواضع * الخشوع
وبعد أن ينتهي الباحث من تقسيماته يخلص إلى أن القيم التي كانت تتبوأ المقام الأول عند الأصوليين المتقدمين قد تصبح حسب هذه التقسيمات الجديدة في المرتبة الثالثة ذلك أن الدكتور طه عبد الرحمن يعطي الأولوية للقيم الروحية لأنه يرى أن الترتيب التقليدي يقدم اعتبار الجانب المادي من الحياة على جانبها المعنوي حتى كادت أن تبدو فيه الشريعة مادية كمادية العقل، علما بأن الأصل فيه على خلاف الاعتقاد السائد، التعلق بالمادة، وكادت أن تقتصر وظيفتها على تأييده فيما يستطيع إدراكه بنفسه، لا على تكميله فيما لا يستطيع إدراكه بنفسه في حين أن القيم الروحية في نظره هي التي يحقق بها الإنسان إنسانيته ومن ثم يحقق عبوديته لله. وهكذا نخلص إلى أن رؤية الأستاذ طه عبد الرحمن إلى تراتبية الضروريات والحاجيات والتحسينيات تصبح عنده كالتالي: المصالح الضرورية القيم الروحية المصالح الحاجية القيم المصالح التحسينية القيم المادية.
- د. القرضاوي: يعتقد القرضاوي أن هناك نوعا من المقاصد لم يعط حقه من البحث إذا كانت معظم المقاصد تتعلق بالفرد كحفظ دينه وعقله ونفسه وماله... إلخ فأين الحرية والمساواة والعدالة وما قيمتها؟"
ويستطرد متسائلا "وهذا أيضا في حاجة إلى إعادة النظر؟"
يرد القرضاوي تركيز الأصوليين على التقسيم الخماسي المألوف إلى تركيزهم بصورة أكبر على الإنسان كفرد ولم يلتفتوا إلى الأمة بقدر كاف. وربما كان عندهم في ذلك أن المجتمعات إنما تتكون من أفراد فإذا صلح الأفراد صلحت المجتمعات. وإنما يصلح الأفراد إذا حافظنا على مقومات حياتهم الدينية والدنيوية، المعنوية والمادية. وهكذا يرى القرضاوي وجوب التأكيد على أن "شريعة الإسلام تهتم بالمجتمع كما تهتم بالفرد وهي تقيم توازنا بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية في غير طغيان ولا إخسار..."
ومن المؤكد عنده "أن شريعة الإسلام تقيم اعتبارا أي اعتبار للقيم الاجتماعية العليا وتعتبرها من مقاصدها الأساسية... ومن هذه القيم:
1- العدل أو القسط.
2- الإخاء.
3- التكافل.
4- الحرية.
5- الكرامة.
- د. محمد حسن أبو يحيى: ألف كتابا أسماه "أهداف التشريع الإسلامي" اشتمل على تمهيد وثلاثة أقسام وخاتمة.
أما التمهيد ففي تعريف أهداف التشريع الإسلامي وأقسامها وضوابطها وطرق إثباتها وأما القسم الأول: فتحدث فيه عن مصادر التشريع الإسلامي. وأما القسم الثاني: فكان في الأهداف العامة للتشريع الإسلامي كتبليغ شريعة الله للناس كافة ونفوذها وقوة الأمة وهيبتها والإصلاح وإزالة الفساد والمساواة والحرية والسماحة والإيجابية والتوازن. وأما القسم الثالث ففي الأهداف التي تخص أنظمة التشريع الإسلامي كأهداف العبادات وأهداف الأسرة ونظامها وأهداف النظام السياسي... د.محمد غاني باحث في العلوم الاسلامية
 
جزى الله الأستاذين الكبيرين د. سهاد منير و د. عبدالرحمن الشهري خيرا علة هذه المعارف القيمة والتحليلات التي يحتاجها البحث العلمي

ولو سمح لي بأسطر فإن الذين عرفوا التفسير المقاصدي من الباحثين فيه لا تستطيع من خلال تعريفهم أن تميز بينه وبين أصناف التفسير المختلفة لأنهم توسعوا فيه فأدخلوا فيه كل مقصد سواء كان المقصد جزئيا او كليا.
فالدلالة الأسلوبية دخلت في المقصد، فصار أشبه بما يسمى (معنى المعنى) .. وقد ساقا كلاما يقلل من شأن وجوده في تفاسير السلف والسابقين مع انهم لم ياتوا بجديد في تحديد المصطلح بل حدث ما يمكن ان اسميه (تعويم المصطلح) [د. نشوان قائد نموذجا].

والذي أخشاه هو ما خشيته د. سهاد من أن يصبح التفسير - حسب عبارتي الخاصة - منزلا لمقصد المفسر لا للمقاصد القرآنية. ويتحول إلى ميدان للإسقاطات التي تعبر عن انتماء المفسر الفكري أكثر مما تخدم المقاصد القرآنية.
ولعلي أشير هنا إلى أن الأستاذ نشوان جعل من أهم التفاسير المقاصدية في العصر الحديث تفسير الظلال وتفسير الأساس للاستاذ سعيد حوى ، ومع تقديري لكليهما من حيث العموم إلا أنني - وغيري - أضعهما تحت التفسير الذي يعبر عن موقف المفسر لا عن مقاصد القرآن ، أو على الأقل هذا ما يغلب عليهما بخلاف تفسير ابن عاشور مثلا.
من هنا أود ان يكون السعي الحثيث في ضبط اصطلاح التنفسير المقاصدي وإنجائه من (التعويم) الذي يذهب برونقه إن كنا نلح على وجود هذا النوع من التفسير وتميزه.
وعذرا إذا أسأت فعلمكم أغراني بالمداخلة.
 
موضوع مهم يستحق القراءة والمدارسة والإثراء.
سأسجل بعض الملاحظات وننتظر التعليق العلمي.
بالنسبة للإختلاف المذكور في تعريف التفسير الموضوعي: أرى قراءة هذا المصطلح التفسيري في ضوء مجال معرفي ولغوي آخر لنصل إلى نتيجة مريحة. الموضوعية في الفلسفة تقابل الذاتية وليس هذا المراد والخلط وارد، وإذا نقلنا المعنى العام كما في التطبيقات الى لغة أخرى فسنقرأ thematic وعليه سنختار "التفسير الموضوعاتي"؛ أما كلمة objective فتصلح لمصطلح "التفسير المقاصدي" وهذا هو المعني بالتفسير الموضوعي لولا أنه مشكل.

ثم تحديد مقاصد القرآن: كيف؟ هناك تنوع ملحوظ في تحديد تلك المقاصد، ويمكن الوصول إلى نتيجة مريحة من خلال اعمال الدائرة التأويلية فنعود إلى التفاسير التجزيئية أو الترتيبية نبحث عن الإنشغالات التفسيرية التي إهتمت بتناسب الآيات والمواضيع في السورة للوصول إلى الوحدة المحاورية للسورة وهكذا نفعل مع كل السور.
 
عودة
أعلى