بسم الله الرحمن الرحيم
ثناء القرآن على الصحابة سد لذريعة الطعن فيهم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن قواعد الشريعة التي وضعها الأصوليون والفقهاء قامت على استقراء للنصوص الشرعية لتكون الأساس التي يرجع إليها المجتهد في كافة القضايا صغيرها وكبيرها ليخلُص إلى الحكم الشرعي النابع من أصول واضحة لا هوى فيه ولا انحراف.
ومن القواعد الأصوليه المهمة والتي ينبغي أن توظف بشكل بارز خاصة في زماننا هذا قاعدة سد الذرائع وهي مع الاستقراء للنصوص القرآنية والنبوية يظهر أنها ينبغي أن تكون من القواعد القطعية لا الظنية لكثرة النصوص التي تدلل على حجيتها .
وسد الذرائع هو: منع كل ما يفضي إلى مفسدة سواء كان في أصله جائزا أو حراما.
وهذا المنع يكون بطرق متعددة إما بالنهي المباشر عنه أو بالنهي عن مقدماته وما يوصل إليه فيكون النهي عنه من باب أولى وإما بذم فاعله ليسد على الناس فعل مثله أو بالثناء لوصف معين أو على فئة معينة ليحفظ مكانتها ويسد باب الطعن فيها والكلام عنها.
ومن هنا جاء كلامنا في هذا المقال عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم جميعا فالصحابي هو من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به ومات على ذلك.
الصحابة هم من كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وشاركوه في الجهاد والدعوة ونشر الدين في شتى البقاع ورغم كل الظروف.
المتأمل في القرآن الكريم يجد أن فيه منهجا عظيما يحد للأمة كل ما يرقى بها وينظم لها حياتها ومن ذلك حفظه لمكانة حملة الشريعة الذين ورثوها عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضيهم الله تعالى أن يكونوا أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم فقد ذكرهم الله تعالى في كتابه وأثنى عليهم ورفع من شأنهم لبيان فضلهم وأهمية اتباع طريقم وهذا سد لذريعة الطعن فيهم من كل مغرض أو مفسد يسعى لهدم الدين بهدم حملته والطعن في أحكامه بالطعن في رواته إلا أن القرآن سد عليهم ذلك بآيات تغلق عليهم هذا الباب لا مجال لتأويلها ولا لتحريفها إلا أن يلوي معانيها لويا ويحرف دلالتها صراحة وما يساعده على ذلك إلا هواه أو ليحصل على مبتغاه في ثلم جدار الدين وإنزاله عن رفعته ومستواه .
قال الله تعالى في محكم تنزيله: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " [سورة التوبة: 100] .
وقال تعالى: "لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " [سورة التوبة: 117]
يتجلى بوضوح هذا الثناء القرآني على المهاجرين والأنصار وهنا صيغة من صيغ العموم فيشمل كل المهاجرين والأنصار بدون استثناء فلو جاء مغرض يطعن في أحد من الخلفاء الراشدين أو غيرهم من المهاجرين والأنصار فقد كذَّب القرآن وطعن فيمن مدح الله تعالى وذم من رفع الله تعالى قدره وفي هذه الآية سد كل باب يكون ذريعة للطعن في أي فرد من أفراد المهاجرين والأنصار وإن أتى بنصوص موهمة بخطأ وقع فيه أحدهم ليطعن من خلاله فنقول له أن النص القطعي الصريح الدلالة يرد رأيك وقولك، فضلا عن أن أكثر هذه الروايات إما مكذوبة أو فهمها مغلوط لا يخلو من خلل.
وما أجمل كلام الإمام ابن كثير - رحمه الله - في معرض الآية الأولى حيث قال في تفسيره (4/203): "فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان: فيا ويل من أبغضهم أو سَبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم، ولا سيما سيدُ الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة، رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويُبغضونهم ويَسُبُّونهم، عياذًا بالله من ذلك. وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبُّون من رضي الله عنهم؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدون ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون."
وقال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" [سورة الفتح:10].
نزلت هذه الآية في بيعة الرضوان التي بايع فيها الصحابة كلهم في عام صلح الحديبية لما انتشرت الإشاعة أن قريشا قتلت عثمان رضي الله عنه فبايع الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقاتلوا معه وينتصروا له ولعثمان رضي الله عنه ولم يرد عن واحد منهم أنه نقض هذا العهد أو خالفه وعلى هذا يكون جمهور الصحابة الكبير الذي جمع المهاجرين والأنصار وكثير ممن آمن بعدهم داخلون في هذا الثناء القرآني "ك يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ" وقوله تعالى: "ôوَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" فكيف بعد هذا يأت من لم تعرف عدالته ولم يظهر للناس تقواه ليتكلم فيمن نال هذه الرتبة وتلك المنزلة ومن هنا يظهر كيف سد الله ذريعة الطعن فيهم بهذا الثناء الجميل.
وفي قوله تعالى: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ" [سورة الفتح:29].
في هذه الآية دلالة واضحة على تزكية الله تعالى لمن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وما حوته قلوبهم من الإيمان وحسن العبادة التي يراها الرائي في وجوههم بمجرد ملاقاته لأحدهم وما تميزوا به من سعة الرحمة لإخوانهم وشدتهم على أعداء الحق فكان هذا المدح لمن أحبهم الله وأعلى من شأنهم ثم تأتي نابتة سوء لتعامل من هذا وصفهم بعكس هذا الوصف تماما فتجدهم أشداء مع أصحاب رسول الله المؤمنين ورحماء مع الغرب وبلاد الكفر وكفى بهذا دليل على فساد فكرهم وبطلان عقيدتهم.
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره (7/362): "ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك - رحمه الله، في رواية عنه-بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء على ذلك. والأحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة ، ويكفيهم ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم."
ومن الآيات التي سدت كل أبواب الفتنة والفساد التي تسعى لهدم الدين والطعن في حملة الشريعة قوله تعالى: "وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [سورة الحشر: 9]
فقد بينت الآية أنهم نالوا الدار والإيمان وهل بعد هذا من ثناء وتزكية لصفوة الناس فقد حوت قلوبهم الإيمان وصفت لإخوانهم الذين لحقوا بركبهم هنيئا لهم هذا النقاء وهذه الدرجة من التقوى جمعنا الله بهم يوم لا ينفع مال ولا بنون .
وفي قوله تعالى: "وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " [سورة الحديد:10].
قال ابن عاشور –رحمه الله- في تفسيره (27/376): "وهذه الآية أصل في تفاضل أهل الفضل فيما فضلوا فيه، وأن الفضل ثابت للذين أسلموا بعد الفتح من أهل مكة وغيرهم. وبئس ما يقوله بعض المؤرخين من عبارات تؤذن بتنقيص من أسلموا بعد الفتح من قريش مثل كلمة «الطلقاء» وإنما ذلك من أجل حزازات في النفوس قبلية أو حزبية، والله يقول: ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون [الحجرات: 11].
وجملة والله بما تعملون خبير تذييل، والواو اعتراضية، والمعنى: أن الله يعلم أسباب الإنفاق وأوقاته وأعذاره، ويعلم أحوال الجهاد ونوايا المجاهدين فيعطي كل عامل على نية عمله."
وكذلك في هذه الآية رد واضح على كل من سعى ليطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ذكر الله هنا التفاضل بينهم في المنزلة والدرجة والأجر فلم يبق لأحد أن يطعن فالكل في درجة الإيمان ولكن يتفاوتون وتتفاوت الأعمال وتقل الذنوب أو تكثر فكل حسب إيمانه ومع ذلك "وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى " لأنهم ساروا على الطريق المستقيم وضحوا لربهم بملذاتهم وشهواتهم.
ومما سبق يتبين لنا كيف أن القرآن أثنى على الصحابة رضوان الله عليهم ليسد باب الذريعة للطعن فيهم أو تنقيصهم والإساءة إليهم فكيف يُذم من مدحه الله وكيف يساء لمن رفعه الله هيهات هيهات "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" [سورة الرعد:17]
"قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" [سورة الإسراء: 81] وهكذا سنة الله في كل باطل .
نسأل الله تعالى أن يبصرنا بالحق حيث كان وأن يكرمنا باقتفاء أثر أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم جميعا فهم صفوة الخلق وحملة الدين وشعار الإيمان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أبوالمعتصم محمد شاهر يامين
10-1-2013م
ثناء القرآن على الصحابة سد لذريعة الطعن فيهم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن قواعد الشريعة التي وضعها الأصوليون والفقهاء قامت على استقراء للنصوص الشرعية لتكون الأساس التي يرجع إليها المجتهد في كافة القضايا صغيرها وكبيرها ليخلُص إلى الحكم الشرعي النابع من أصول واضحة لا هوى فيه ولا انحراف.
ومن القواعد الأصوليه المهمة والتي ينبغي أن توظف بشكل بارز خاصة في زماننا هذا قاعدة سد الذرائع وهي مع الاستقراء للنصوص القرآنية والنبوية يظهر أنها ينبغي أن تكون من القواعد القطعية لا الظنية لكثرة النصوص التي تدلل على حجيتها .
وسد الذرائع هو: منع كل ما يفضي إلى مفسدة سواء كان في أصله جائزا أو حراما.
وهذا المنع يكون بطرق متعددة إما بالنهي المباشر عنه أو بالنهي عن مقدماته وما يوصل إليه فيكون النهي عنه من باب أولى وإما بذم فاعله ليسد على الناس فعل مثله أو بالثناء لوصف معين أو على فئة معينة ليحفظ مكانتها ويسد باب الطعن فيها والكلام عنها.
ومن هنا جاء كلامنا في هذا المقال عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم جميعا فالصحابي هو من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به ومات على ذلك.
الصحابة هم من كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وشاركوه في الجهاد والدعوة ونشر الدين في شتى البقاع ورغم كل الظروف.
المتأمل في القرآن الكريم يجد أن فيه منهجا عظيما يحد للأمة كل ما يرقى بها وينظم لها حياتها ومن ذلك حفظه لمكانة حملة الشريعة الذين ورثوها عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضيهم الله تعالى أن يكونوا أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم فقد ذكرهم الله تعالى في كتابه وأثنى عليهم ورفع من شأنهم لبيان فضلهم وأهمية اتباع طريقم وهذا سد لذريعة الطعن فيهم من كل مغرض أو مفسد يسعى لهدم الدين بهدم حملته والطعن في أحكامه بالطعن في رواته إلا أن القرآن سد عليهم ذلك بآيات تغلق عليهم هذا الباب لا مجال لتأويلها ولا لتحريفها إلا أن يلوي معانيها لويا ويحرف دلالتها صراحة وما يساعده على ذلك إلا هواه أو ليحصل على مبتغاه في ثلم جدار الدين وإنزاله عن رفعته ومستواه .
قال الله تعالى في محكم تنزيله: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " [سورة التوبة: 100] .
وقال تعالى: "لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " [سورة التوبة: 117]
يتجلى بوضوح هذا الثناء القرآني على المهاجرين والأنصار وهنا صيغة من صيغ العموم فيشمل كل المهاجرين والأنصار بدون استثناء فلو جاء مغرض يطعن في أحد من الخلفاء الراشدين أو غيرهم من المهاجرين والأنصار فقد كذَّب القرآن وطعن فيمن مدح الله تعالى وذم من رفع الله تعالى قدره وفي هذه الآية سد كل باب يكون ذريعة للطعن في أي فرد من أفراد المهاجرين والأنصار وإن أتى بنصوص موهمة بخطأ وقع فيه أحدهم ليطعن من خلاله فنقول له أن النص القطعي الصريح الدلالة يرد رأيك وقولك، فضلا عن أن أكثر هذه الروايات إما مكذوبة أو فهمها مغلوط لا يخلو من خلل.
وما أجمل كلام الإمام ابن كثير - رحمه الله - في معرض الآية الأولى حيث قال في تفسيره (4/203): "فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان: فيا ويل من أبغضهم أو سَبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم، ولا سيما سيدُ الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة، رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويُبغضونهم ويَسُبُّونهم، عياذًا بالله من ذلك. وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبُّون من رضي الله عنهم؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدون ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون."
وقال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" [سورة الفتح:10].
نزلت هذه الآية في بيعة الرضوان التي بايع فيها الصحابة كلهم في عام صلح الحديبية لما انتشرت الإشاعة أن قريشا قتلت عثمان رضي الله عنه فبايع الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقاتلوا معه وينتصروا له ولعثمان رضي الله عنه ولم يرد عن واحد منهم أنه نقض هذا العهد أو خالفه وعلى هذا يكون جمهور الصحابة الكبير الذي جمع المهاجرين والأنصار وكثير ممن آمن بعدهم داخلون في هذا الثناء القرآني "ك يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ" وقوله تعالى: "ôوَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" فكيف بعد هذا يأت من لم تعرف عدالته ولم يظهر للناس تقواه ليتكلم فيمن نال هذه الرتبة وتلك المنزلة ومن هنا يظهر كيف سد الله ذريعة الطعن فيهم بهذا الثناء الجميل.
وفي قوله تعالى: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ" [سورة الفتح:29].
في هذه الآية دلالة واضحة على تزكية الله تعالى لمن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وما حوته قلوبهم من الإيمان وحسن العبادة التي يراها الرائي في وجوههم بمجرد ملاقاته لأحدهم وما تميزوا به من سعة الرحمة لإخوانهم وشدتهم على أعداء الحق فكان هذا المدح لمن أحبهم الله وأعلى من شأنهم ثم تأتي نابتة سوء لتعامل من هذا وصفهم بعكس هذا الوصف تماما فتجدهم أشداء مع أصحاب رسول الله المؤمنين ورحماء مع الغرب وبلاد الكفر وكفى بهذا دليل على فساد فكرهم وبطلان عقيدتهم.
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره (7/362): "ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك - رحمه الله، في رواية عنه-بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء على ذلك. والأحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة ، ويكفيهم ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم."
ومن الآيات التي سدت كل أبواب الفتنة والفساد التي تسعى لهدم الدين والطعن في حملة الشريعة قوله تعالى: "وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [سورة الحشر: 9]
فقد بينت الآية أنهم نالوا الدار والإيمان وهل بعد هذا من ثناء وتزكية لصفوة الناس فقد حوت قلوبهم الإيمان وصفت لإخوانهم الذين لحقوا بركبهم هنيئا لهم هذا النقاء وهذه الدرجة من التقوى جمعنا الله بهم يوم لا ينفع مال ولا بنون .
وفي قوله تعالى: "وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " [سورة الحديد:10].
قال ابن عاشور –رحمه الله- في تفسيره (27/376): "وهذه الآية أصل في تفاضل أهل الفضل فيما فضلوا فيه، وأن الفضل ثابت للذين أسلموا بعد الفتح من أهل مكة وغيرهم. وبئس ما يقوله بعض المؤرخين من عبارات تؤذن بتنقيص من أسلموا بعد الفتح من قريش مثل كلمة «الطلقاء» وإنما ذلك من أجل حزازات في النفوس قبلية أو حزبية، والله يقول: ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون [الحجرات: 11].
وجملة والله بما تعملون خبير تذييل، والواو اعتراضية، والمعنى: أن الله يعلم أسباب الإنفاق وأوقاته وأعذاره، ويعلم أحوال الجهاد ونوايا المجاهدين فيعطي كل عامل على نية عمله."
وكذلك في هذه الآية رد واضح على كل من سعى ليطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ذكر الله هنا التفاضل بينهم في المنزلة والدرجة والأجر فلم يبق لأحد أن يطعن فالكل في درجة الإيمان ولكن يتفاوتون وتتفاوت الأعمال وتقل الذنوب أو تكثر فكل حسب إيمانه ومع ذلك "وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى " لأنهم ساروا على الطريق المستقيم وضحوا لربهم بملذاتهم وشهواتهم.
ومما سبق يتبين لنا كيف أن القرآن أثنى على الصحابة رضوان الله عليهم ليسد باب الذريعة للطعن فيهم أو تنقيصهم والإساءة إليهم فكيف يُذم من مدحه الله وكيف يساء لمن رفعه الله هيهات هيهات "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" [سورة الرعد:17]
"قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" [سورة الإسراء: 81] وهكذا سنة الله في كل باطل .
نسأل الله تعالى أن يبصرنا بالحق حيث كان وأن يكرمنا باقتفاء أثر أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم جميعا فهم صفوة الخلق وحملة الدين وشعار الإيمان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أبوالمعتصم محمد شاهر يامين
10-1-2013م