ثلاثة أيام في باكستان

إنضم
11/04/2006
المشاركات
157
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
لا أدري من أين أبدأ الحديث عن اسم باكستان في ذاكرتي؛ أمِنْ مراوح الحرم المدني المصنوعة في باكستان في الحرم الجديد (كان جديداً في زمننا)، وكانت هذه المراوح تشعرني في تلك الأيام أن بلداً إسلامياً استطاع أن يصنع المراوح وكنّا لا نعتقد أن الصناعة إلاّ لدى الأوروبيين والأمريكان.ومن صنع المراوح الكهربائية لا شك يستطيع صناعة غيرها. أو المستوصف الباكستاني الذي كان يقع في شارع السحيمي بالقرب من شركة كهرباء المدينة المنورة حيث كان يعمل والدي رحمه الله وزيارتي للمستوصف للعلاج من التهاب اللوز بتلك المسحة التقليدية وهي قطعة القطن الموضوعة في رأس عود طويل وفيها مادة تشبه اليود للمسح على اللوزتين دون الحاجة إلى مضاد حيوي أو غيره؟ هل أبدأ بأستاذ اللغة الإنجليزية الذي ما زلت أذكر اسمه وهو أفتاب الذي كان مدرّس اللغة الإنجليزية بثانوية طيبة. أو من كتب أبي الأعلى المودودي رحمه الله (الحجاب) و(الحضارة الغربية) و(الحكومة الإسلامية) وغيرها من الكتب؟
ولقد عرفت باكستان من خلال جيش من الموظفين الذين كانوا يعملون في وظائف السكرتارية والنسخ (الإنجليزي بالطبع) في الخطوط السعودية وأذكر من هذه الأسماء شاهد علي ملك رحمه الله وقريشي وعلي أصغر وغيرهم كثير كثير، كانوا يعملون بدأب وإخلاص وتفان. وعرفت باكستان أكثر من خلال قراءتي المتواضعة لجهود البروفيسور عبد القدير خان لصناعة القنبلة الذرية الباكستانية حتى إني كتبت مقالاً بعنوان ( القوة من أجل السلام) وقد استعرت هذا العنوان من مجلة متخصصة في الطيران جعلت ذلك العنوان مع صور مقاتلات جوية غلافاً لها. وأكدت المجلة أن الذي يطلب السلام أو ينادي بالسلام لا بد أن يمتلك القوة.
عرفت باكستان من خلال التعاون العسكري بين المملكة وباكستان في فترة من الفترات وقيام رحلات خاصة للشحن لصالح أعضاء البعثة الباكستانية عندما كنت أعمل في الخطوط السعودية.
وكانت باكستان حاضرة في أسرة المطبقاني عندما اختير ابن عم والدي الأستاذ يوسف بن محمد مطبقاني ليكون سفيراً في باكستان، وهنا قال والدي رحمه الله تلك ترقية لابن عمّي فباكستان دولة مهمة بالنسبة للسعودية. ثم ذهب ابني غيث ليلتحق بكلية الطب بجامعة السند في باكستان لدراسة الطب بعد أن أكمل دراسة التقنية الطبية – ولو كنّا نتوسع حقيقة في القبول لوفرت الجامعة على ابني عدة سنوات من الدراسة فأعجبني إصراره على دراسة الطب ونيل شهادتها مهما كانت الصعاب وأنجز المهمة والحمد لله. وكنت أعده أن أزور باكستان في أثناء دراسته فيها ولم يتيسر لي ذلك.
وكما كان والدي رحمه الله يقول (الأمور مرهونة بأوقاتها) فقد جاءت الفرصة حينما وُجِّهت دعوة لرئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل لحضور مؤتمر حول (الإسلام والدولة) للحديث حول الشريعة والحكم في المملكة فاعتذر سموه لارتباطات أخرى فانتدبني المركز للسفر إلى باكستان فقررت أن أخوض غمار التجربة والسفر والمشاركة.
وكان لي تعامل مع الباكستانيين من خلال سائق خاص عمل لدي أربع سنوات تقريباً وهو كلندر خان الرجل الذي أحب المدينة حبّاً كبيراً حتى كتب الله عز وجل له الوفاة فيها بعد أن وصله خبر من أهله فأصيب بجلطة ولم يكن في المستشفى الحكومي علاجاً له وكان لا بد من نقله إلى مستشفى خاص ولم نتمكن من ذلك فكانت منيته في المدينة وكان رجلاً مخلصاً أمينا رحمه الله رحمة واسعة.
في البداية كان البحث عن رحلة مناسبة تنقلني من الرياض إلى إسلام أباد مباشرة فكان ذلك صعباً لرغبتي أن أقضي يوماً قبل بدء المؤتمر للاطلاع على بلد جديد لم أزره سوى مرة واحدة (البقاء في مطار كراتشي مدة يوم في طريق العودة من الفلبين، فاستأجرت سيارة أجرة مدة ساعة أو ساعتين للسير في شوارع كراتشي.) فكانت الرحلة من الرياض إلى بيشاور ثم لاهور والانتقال بطائرة مروحية من لاهور إلى إسلام أباد. وعلى الرغم من قرب بيشاور من إسلام أباد لكن الرحلة استمرت حتى لاهور وهي أبعد عن إسلام أباد من بيشاور.
وصلت إسلام أباد ظهراً مع أن الرحلة انطلقت من الرياض بعد منتصف الليل ومع فارق التوقيت والمرور بعدة مطارات وصلت إسلام أباد بعد الظهر. وما أن وضعت حقيبتي حتى انطلقت أسير في الشوارع المحيطة بالفندق.فأعجبني اتساع الشوارع المحيطة بالفندق وعموماً فشوارع إسلام أباد معظمها واسع. وفي ذلك الشارع توجد أشجار باسقة وثمة جزيرة مزروعة بالعشب. وربما كانت الأمطار شحيحة هذا العام فمعظم العشب قد جف.
حصلت على بعض الروبيات من المطار مما وفر علي أن أقوم بالصرف في المطار أو في الفندق المتواضع الذي يطلق عليه (بيت الضيافة) وقد سألني مدير الفندق عنه فقلت له لقد كان الفندق رائعاً قبل عشرين سنة ولكنه الآن كل شيء فيه يحتاج إلى تجديد من جدرانه وحماماته وتدفئته التي كانت في إحدى الغرف (وهي جناح تنفيذي –بزعمهم) مروحة تدور ثم عندما انتقلت إلى غرفة أخرى أو جناح آخر كانت التدفئة بموقد غاز (مخيف بالنسبة لمن لا يتعاملون مع الغاز سوى في موقد الغاز، ولأننا نتعامل مع الغاز في أنابيب أو أسطوانات بينما تقدمت باكستان علينا بإيصال الغاز إلى البيوت.(ولو بدأنا مثل هذا المشروع لاحتجنا إلى عشرة أعوام من الحفريات والحفريات والحفريات).والفندق يحتاج إلى تجديد في سباكته وحماماته وغير ذلك. وقلت له لو كنت رجل أعمال لهدمت الفندق وبنيت بدلاً منه فندقاً كبيراً فلديك من المساحة ما يكفي.
وسرت في الشوارع القريبة وكان يوم أحد وهو عطلة رسمية فالمدينة هادئة سوى من بعض الناس الذي خرجوا إلى بعض الحدائق والمطاعم في شارع جناح (وجناح هو محمد علي جناح مؤسس باكستان وأول رئيس جمهورية لها حين تأسست عام 1947م)
لاحظت أنه ليس في إسلام أباد مواصلات عامة مثل قطارات الأنفاق أو الحافلات الفخمة أو المترو وإنما هي سيارات النقل المزركشة التي تشبه خط البلدة عندنا غير أن سياراتهم أنظف إلى حد ما وإن لم أركبها، أما سيارات الأجرة فغالبها من النوع الصغير والقديمة إلى حد ما حتى إن أحد السائقين لديه حزام مقطوع لا يصل إلى أن يربطه يوهم الشرطة أن لديه حزاماً. وليس ثمة عدادات وإنما الأجرة محددة من منطقة إلى أخرى ولا بد من الاتفاق مع السائق وقد يبالغ السائقون في الأجرة ولعلها من مستلزمات العمل في هذه المهنة –إلاّ من رحم الله- أن الراكب لا بد من استغلاله بأية طريقة.
ورأيت في إسلام أباد مناظر لم تعجبني وأسفت لها وتخيلت أن المدينة بلا بلدية ولا أمانة ولا يحزنون ففيها أرصفة مهدمة ومجارٍ للمياه مكشوفة. وكم أتمنى من أن يكون شرطاً على من يتولى منصب البلدية أو الأمانة أو العمدة أن يسير في شوارع المدينة على الأقدام ليعرف حقيقة ما تحتاج إليه مدينته، وكنت قد قرأت أنه في بعض البلاد يقومون بوزن الأمين أو رئيس البلدية حين يتولى المنصب ويقومون بوزنه حين انتهاء ولايته ليروا على زاد وزنه (معظمهم يزيد وزنه) لقلة المشي ومعرفة ما تحتاجه مدنهم.
 
ثلاثة أيام في باكستان (3)

ثلاثة أيام في باكستان (3)

ما أجمل الحرية التي تغنى فيها الشعراء وكتب حولها الأدباء والمفكرون وسالت من أجلها الدماء وحققها من يستحقها وفقدها من عجز عن التضحية من أجلها أو رضي بذل العبودية والأغلال. صحيح أن الحرية التي أتحدث عنها نسبية وهي أنني استطعت والحمد لله المشاركة في أربعة مؤتمرات خلال شهرين في تايبيه (تايوان) وفي كولالمبور (ماليزيا) وفي تركيا وأخيراً في الباكستان، فلم أحتج أن أطلب إذن من أحد (سوى من أم هاشم وهاشم وفاطمة)
يقول بعض الباكستانيين إن باكستان هي البلد الذي تحكمه أمريكا، ويحكمه الجيش وتحكمه عصابات من أصناف مختلفة، ولكنه البلد الذي صنع القنبلة الذرية التي يقال إنها بأموال سعودية ولكن الأموال السعودية لو لم تجد عالماً قديراً مثل البروفيسور عبد القدير خان لما استطاعت أن تفعل شيئاً ولا حتى تصنع أكثر من المناديل. وكما يقول الكثيرون ليت الأموال السعودية شجعت أبناء البلاد الذين درسوا الهندسة النووية قبل أكثر من ثلاثين سنة أن يفعلوا شيئاً لتطوير الطاقة النووية وحتى امتلاك السلاح النووي في السعودية.
كيف تحكمه أمريكا أمر يحتاج إلى تفصيل ولكن باكستان ظل حليفاً قوياً لأمريكا من خلال عدد من قادته ومن خلال مشاركات باكستان فيما يسمى مشروع محاربة الإرهاب أو الحرب على الإرهاب- وهل في الدنيا إرهاب كإرهاب الأمريكان- فالتحالفات بين بعض الزعماء الباكستانيين وأمريكا ليست سراً وتدخل أمريكا لإحداث التغيير الذي تريده ليس سراً. ومع ذلك ففي باكستان مؤسسات ونظام شبه ديمقراطي –من الصعب وصفه بالديمقراطية تماماً- مما يؤكد أن الحركات الاستقلالية لو استمرت في عملها المنظم تستطيع أن تخرج باكستان بإذن الله من الفوضى السياسية وتجعلها بلداً أكثر أمناً واستقراراً.
تميز هذا المؤتمر بحضور مندوب من السفارة السعودية وسأل عني وحضر الجلسة التي تحدثت فيها ولا أدري بأي شيء خرج من محاضرتي فلم أسمع منه كلمة واحدة، وأعرف أنه يعرف اللغة الإنجليزية (لكن ما مستواه لا أدري) فقد كان يعمل في الولايات المتحدة وهو كما قال السكرتير الأول. وعلى الرغم من أننا تواعدنا أن يرسل لي سائق السفارة في اليوم التالي على التاسعة والنصف للقيام بجولة في المدينة، ولكنه لم يلتزم بوعده ولم يعتذر، وكنت قد أخبرته بأن السفارات السعودية في العادة لا تأبه بالعلماء ولا المفكرين ولا أساتذة الجامعات فاهتماماتها مختلفة ولن أفصل في الأمر، فأكد لي أن الأمر غير صحيح بدليل وجوده في المؤتمر (بعض الجلسات ومنها الجلسة التي تحدثت فيها- هل تمّ تسجيلها لا أدري؟)
شاهدت في إسلام أباد النساء يكنسن الشوارع ورجلاً يجر عربة القمامة فتذكرت أهذه المساواة التي تنشدها النساء في عالمنا العربي الإسلامي؟ ليست القضية عمل المرأة فقد ورد في السنّة عن المرأة السوداء التي كانت تقمُّ المسجد ومعروفة قصة وفاتها ولمّا علم الرسول صلى الله عليه وسلم بها ذهب إلى قبرها فصلى عليها. ولكن القضية في أن تضطر المرأة لمثل هذه الأعمال بأجر حين يتخلى عنها الأقربون أو الدولة أو حين يصورون لها أن هذه هي المساواة. وقد رأيت في أحد المطارات الأوروبية المرأة وهي تقود الشاحنة والمعدات الثقيلة فهل هذه الأعمال مما يناسب المرأة؟
يوجد في إسلام أباد عدة مجمعات للأسواق كل منها يسمى سوبر ماركت (وليس السوق الكبير الذي نعرفه) ولكنه تجمع للعديد من المتاجر. وعلى الرغم من أن باكستان قد قطعت مشواراً كبيراً في التصنيع ولكنها ما تزال تجد فيها الماركات العالمية وهو مركب نقص تجذر في الشعوب العربية الإسلامية وهو تفضيل البضاعة الأجنبية مهما كانت مرتفعة الثمن. وقد وجدت أن المتاجر تفتح متأخرة وتبقى حتى وقت متأخر. توجد متاجر تصر على الأسعار الثابتة بينما في كثير من المتاجر يمكنك أن تساوم في السعر.
أكتفي بهذا القدر وإلى اللقاء في المقالة التالية عن المؤتمر والتعريف بالجهة الداعية والجهات الراعية للمؤتمر.
 
هل أبدأ بأستاذ اللغة الإنجليزية الذي ما زلت أذكر اسمه وهو أفتاب الذي كان مدرّس اللغة الإنجليزية بثانوية طيبة. أو من كتب أبي الأعلى المودودي رحمه الله (الحجاب) و(الحضارة الغربية) و(الحكومة الإسلامية) وغيرها من الكتب؟

شكر الله لك دكتور مازن
على هذه الذكريات التي تربط الماضي بالحاضر، وهي تربط الشخص بالآمال والأحلام التي كان يعيشها ويتطلع إليها ، وكان يتمنى أن يراها أو بعضها يتحقق في واقع الأمة ولكن الأمر لله تبارك وتعالى من قبل ومن بعد.
أشياء كثيرة شدتني في موضوعك الشيق يا دكتور مازن ، ومن أبرزها الإشارة إلى مؤلفات المودودي رحمه الله ، سبحان الله بعض الكتابات تجد لها وقعا عجيبا وغريبا على النفس ولا يمكن إلا أن تترك أثرا في نفس من يقرأها ، وقد وجدت كتابات المودودي من هذ النوع ، فما هو السر يا ترى ؟
الجواب أتركه لمن قرأ كتب المودودي رحمه الله.
 
عودة
أعلى