تَحْرِيكُ الْجَنَانِ لِهِدَايَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ الْقُرْآنِ شَهْرِ الْجِنَانَ(2)

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
تَحْرِيكُ الْجَنَانِ لِهِدَايَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ الْقُرْآنِ شَهْرِ الْجِنَانَ(2)
الْجُزْءُ الثَّانِي
الحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، ونَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ الله، فَلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عبدُه وَرَسُولُهُ".

عَنْ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِىِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ - وفي رِوايةٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَه. رَواهَمَا الْبُخَارِيُّ
انظر هَذينِ القيدَينِ :{ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ} {وَعَلَّمَهُ }. هَذَا هُو مِيزَانُ الْخَيْرِيَّةِ .
قَالَ الْحَافِظُ في الفَتحِ فِيمَا قَالَ :
الْمُرَادُ مُرَاعَاةُ الْحَيْثِيَّةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ خَيْرُ الْكَلَامِ فَمُتَعَلِّمُهُ خَيْرٌ مِنْ مُتَعَلِّمِ غَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خَيْرِيَّةِ الْقُرْآنِ وَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ عَلَّمَ وَتَعَلَّمَ بِحَيْثُ يَكُونُ قَدْ عَلِمَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا.
جَاء في تُحفَة الأحوَذي :
قَوْلُهُ : ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ ):
قَالَ الطِّيبِيُّ : أَيْ خَيْرُ النَّاسِ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ ، مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ .
قَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاةِ : وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْعَمَلَ خَارِجٌ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُوَرِّثًا لِلْعَمَلِ لَيْسَ عِلْمًا فِي الشَّرِيعَةِ إِذْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ.

خُطُواتُ الإيمَانِ في استِقبَالِ رَمَضانَ وتِلاوَةِ القُرآنِ ........

أولا ...... ولا وَلَوْ أَرَادُوا ............ لَأَعَدُّوا ........
قوله تعالى :{ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ...........}
قال السَّعديُّ رحمَه اللهُ :
ولكن لما لم يُعدوا له عُدةً، عُلم أنَّهم ما أَرَادُوا الخُروجَ.
جاء في حلية الأولياء لأبي نُعيم رحمه الله :
قَالَ سُفْيَان بْنُ عُيَيْنَةَ لرَجُلٍ: «مِنْ تَوْقِيرِ الصَّلَاةِ أَنْ تَأْتِيَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ»..
قوله تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ .........}
قال السَّعديُّ رحمَه اللهُ :
وكذلك إذا غيَّرَ العبادُ مَا بأنفسهم مِن المَعصية، فانتقَلوا إلى طَاعَةِ الله، غيَّر اللهُ عليهم ما كانوا فيه من الشَّقاء إلى الخَير والسُّرور والغِبطة والرَّحمةِ.
قوله تعالى :{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ....}
قال السَّعديُّ رحمَه اللهُ :
إن اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ من نِعم الدين والدنيا، بل يُبقيها ويزيدهم منها، إن ازدادوا له شُكرا. { حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } من الطاعة إلى المعصية فيكفروا نعمة اللّه ويبدلوها كفرا، فيسلبهم إياها ويغيرها عليهم كما غيروا ما بأنفسهم.
وللّهِ الحكمةُ في ذلك والعدل والإحسان إلى عباده، حيث لم يعاقبهم إلا بظلمهم، وحيث جذب قلوب أوليائه إليه، بما يذيق العباد من النكال إذا خالفوا أمره.
ولم يُعَلِّق ربُنا التَّغْيِيرَ على التَغَلبِ عَلى الشَّيْطَانِ أو عَلى الحُكَّامِ– بل عَلَّقَه عَلَى النَّفسِ .

جاء في كتاب- بُستانِ الواعظينَ ورياضِ السامعينَ لابن الجَوزيّ (المتوفى: 597هـ):
وَاعْلَمُوا عباد اللهِ أَن اللهَ تبَارك وَتَعَالَى سَمى الْإِنْسَان ضَعِيفا وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى {إِن كيد الشَّيْطَان كَانَ ضَعِيفا} والضعيفانِ إِذا اقتتلا وَلم يكن لوَاحِد مِنْهُمَا مُعِين لم يَظفر بِصَاحِبِهِ, فَأمر اللهُ الْإِنْسَانَ الضَّعِيفَ أَن يَسْتَعِينَ بالرب اللَّطِيف من كيدِ الشَّيْطَان الضَّعِيف ليعصمه مِنْهُ ويعينه عَلَيْهِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ في الفَتَاوى الْكُبْرَى :
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُسْأَلُ أَحَدُكُمْ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا الْقُرْآنُ- فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يُبْغِضُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ:
ومن أصغَى إلى كَلامِ اللهِ وكلامِ رسولهِ بعَقله ، وتَدبرَه بقلبِه ، وجَدَ فيه من الفَهمِ والحَلاوةِ والهُدى وشفاءِ القُلوبِ والبَركةِ والمَنفَعةِ ما لا يَجدهُ في شيء من الكَلامِ لا مَنظومِه ولا مَنثوره .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ في الفَتَاوى:
إنَّ النَّاسَ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ النِّزَاعَ إلَّا كِتَابٌ مُنَزَّلٌ مِنْ السَّمَاءِ وَإِذَا رَدُّوا إلَى عُقُولِهِمْ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَقْلٌ.

ثانيا ........ الْقُرْآنُ هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ...........
جاء في حلية الأولياء لأبي نُعيم رَحِمَهُ اللهُ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الصُّوفِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: وَدِدْتُ أَنِّي حِينَ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ وَقَفْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ أَتَجَاوَزْه إِلَى غَيْرِهِ.
وهذا شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ يقولُ وهو في مَحبَسِه:
ونَدِمتُ عَلى تَضْييعِ أَكثرِ أوقَاتي فِي غَيرِ مَعَاني الْقُرْآن أَو نَحْو هَذَا.......

جاء في العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية لابن عبد الهادي رَحِمَهُ اللهُ (المُتوفى: 744هـ) :
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عبد الله بن رَشِيق وَكَانَ من أخص أَصْحَاب شَيخنَا وَأَكْثَرهم كِتَابَة لكَلَامه وحرصا على جمعه كتب الشَّيْخ رَحِمَهُ اللهُ.....
ثمَّ لما حبس فِي آخر عمره كتبت لَهُ أَن يكْتب على جَمِيع الْقُرْآن تَفْسِيرا مُرَتبا على السُّور فَكتب يَقُول: إِن الْقُرْآن فِيهِ مَا هُوَ بَين بِنَفسِهِ وَفِيه مَا قد بَينه الْمُفَسِّرُونَ فِي غير كتاب وَلَكِن بعض الْآيَات أشكل تَفْسِيرهَا على جمَاعَة من الْعلمَاء فَرُبمَا يطالع الْإِنْسَان عَلَيْهَا عدَّة كتب وَلَا يتَبَيَّن لَهُ تَفْسِيرهَا وَرُبمَا كتب المُصَنّف الْوَاحِد فِي آيَة تَفْسِيرا ويفسر غَيرهَا بنظيره فقصدت تَفْسِير تِلْكَ الْآيَات بِالدَّلِيلِ لِأَنَّهُ أهم من غَيره وَإِذا تبين معنى آيَة تبين مَعَاني نظائرها وَقَالَ قد فتح الله عَليّ فِي هَذِه الْمرة من مَعَاني الْقُرْآن وَمن أصُول الْعلم بأَشْيَاء كَانَ كثير من الْعلمَاء يتمنونها وندمت على تَضْييع أَكثر أوقاتي فِي غير مَعَاني الْقُرْآن أَو نَحْو هَذَا وَأرْسل إِلَيْنَا شَيْئا يَسِيرا مِمَّا كتبه فِي هَذَا الْحَبْس وَبَقِي شَيْء كثير فِي مَسْأَلَة الحكم عِنْد الْحُكَّام لما أخرجُوا كتبه من عِنْده وَتُوفِّي وَهِي عِنْدهم إِلَى هَذَا الْوَقْت نَحْو أَربع عشرَة رزمة.
 
ولقد امتدحَ اللهُ شَهْرَ رَمَضَانَ" بالقُرآن قبلَ أن يَمتدحَه بالصيام – قال تعالى :{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }.
قوله تعالى :{ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)} [الفرقان].
جَاء في تَفسير ابنِ بَاديس ((في مَجَالِسِ التذكِيرِ من كَلامِ الْحَكِيمِ الْخَبِيرِ)). لعبد الحميد محمد بن باديس الصنهاجي رَحِمَهُ اللهُ (المتوفى: 1359هـ) :
هذه الآية نصٌ صريحٌ في أن الجهادَ في الدعوة إلى الله وإحقاق الحق من الدين، وإبطال الباطل من شبه المشبهين وضلالات الضالين، وإنكار الجاحدين، هو بالقرآن العظيم.
ففيه بيان العقائد وأدلتها، ورد الشبه عنها.
وفيه بيان الأخلاق محاسنها ومساويها، وطرق الوصول إلى التحلي بالأولى، والتخلي عن الثانية ومعالجتها. وفيه أصول الأحكام وعللها.وهكذا فيه كل ما يحتاج إليه المجاهد به في دين الله.
فيُستفاد منها كما يُستفاد من آياتٍ أُخرى غيرها، أن على الدُعاة والمُرشدين أن تكونَ دعوتُهم وإرشادُهم بالقرآن العظيم.
مِيزَان:
عندما يختلف عليك الدُعاةُ، الذين يدعي كل منهم أنه يدعوك إلى الله تعالى، فانظر: من يدعوك بالقرآن إلى القرآن، ومثله ما صح من السنة لأنها تفسيره وبيانه، فاتبعه لأنه هو المُتبِع للنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في دعوته وجهاده بالقرآن، والمتمثل لما دلت عليه أمثال هذه الآية الكريمة من آيات القرآن.
نِعمة ومَنقبَة:
قد سمّى اللهُ تعالى الجهادَ بالقرآن جِهَادًا كَبِيرًا. وفي هذا مَنقبةٌ كُبرى للقائمين بالدعوة إلى الله بالقرآن العظيم. وفي ذلك نعمةٌ عظيمةٌ من الله عليهم حيث يسرهم لهذا الجهاد، حتى ليصح أن يسموا بهذا الإسم الشريف "مجاهدون". فحق عليهم أن يقدروا هذه النعمة، ويؤدوا شكرها بالقول والعمل، والإخلاص والصبر والثبات واليقين.جعلنا اللهُ والمسلمينَ منهم وحشرنا في زُمرتهم أجمعين.
قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّة في الفَتَاوى الكُبرى :
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى في سورة الجمعة :{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وَأَسْوَأُ أَحْوَالِ الْعَامَّةِ أَنْ يَكُونُوا أُمِّيِّينَ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى أَنْ يُتْلَى عَلَى الْأُمِّيِّينَ آيَاتِ اللَّهِ , أَوْ عَنْ أَنْ يُعَلِّمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِ الرَّسُولُ مِنْ الْعَرَبِ كَانُوا قَبْلَ مَعْرِفَةِ الرِّسَالَةِ أَجْهَلَ مِنْ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ , فَهَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَمْنُوعًا مِنْ تِلَاوَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ إيَّاهُ , أَوَ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ لَيْسَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ؟
والمُرادُ مِن كَلامِ الشَيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ – أنَّ اللهَ أنزَلَ هَذَا القُرآنَ على نَبيِّهِ مُخاطبا به وقتئذٍ مُجتَمعا أُميَّا وألزمَهم به عِلما وعَملا – فهل يجوزُ لأحدِنا بَعد هَذَا أن يَعتذرَ عَن تَعَلُّمِ القُرآنِ والعَملِ به ونحنُ نَقرَأُ وَنَكتُبُ وَقَد مَلأنَا الدُّنْيَا كَلَامَا .
قَالَ ابْنُ القيِّم رَحِمَهُ اللَّهُ في زادِ المَعادِ : قَالَ بَعْضُ السّلَفِ : نَزَلَ الْقُرْآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ فَاِتّخِذُوا تِلَاوَتَهُ عَمَلًا وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ الْعَالِمُونَ بِهِ وَالْعَامِلُونَ بِمَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ . وَأَمّا مَنْ حَفِظَهُ وَلَمْ يَفْهَمْهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ أَقَامَ حُرُوفَهُ إقَامَةَ السّهْمِ . قَالُوا : وَلِأَنّ الْإِيمَانَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَفَهْمُ الْقُرْآنِ وَتَدَبّرُهُ هُوَ الّذِي يُثْمِرُ الْإِيمَانَ وَأَمّا مُجَرّدُ التّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ وَلَا تَدَبّرٍ فَيَفْعَلُهَا الْبَرّ وَالْفَاجِرُ وَالْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ كَمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيّبٌ وَطَعْمُهَا مُرّ .
قلتُ : تأمل السطرينِ الأخيرينِ جيدا .
وَأَمّا مُجَرّدُ التّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ وَلَا تَدَبّرٍ فَيَفْعَلُهَا الْبَرّ وَالْفَاجِرُ وَالْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ .
قَالَ تَعَالَى في سُورَةِ الْبَقَرَةِ :{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) }
قَالَ ابْنُ القيِّم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالى في تَفسيرِه: ذَمَّ اللهُ المحَرِّفِينَ لِكِتَابِه وَالأُمِّيينَ الَّذينَ لَا يَعْلَمُونَ مِنه إلَّا مُجَرَدَ التِّلاوَةِ وَهِيَ الأَمَانِي.
قال في فَتْحِ الْقَدِيرِ: أَيْ لَا عِلْمَ لَهُمْ إِلَّا مُجَرَّدُ التِّلَاوَةِ مِنْ دُونِ تَفَهُّمٍ وَتَدَبُّرٍ .
قَالَ في مُخْتَصَرِ مِنْهَاجِ القَاصِدِينْ : وَمَن كَانَ عَندَهُ مُصحَفٌ يَنبَغي لَهُ أَن يَقرَأ فِيهِ كُلَّ يَومٍ آيَاتٍ يَسيرَةٍ لِئلَا يَكونَ مَهجُورَاً.
وَيَنبَغى لِتَالي القُرآنِ العَظيمِ أن يَنظُرَ كَيفَ لُطفُ اللهِ تَعَالَى بِخَلقِهِ بإيصَالِ مَعَاني كَلَامِهِ إلَى أَفهَامِهِم، وَأَن يَعلَمَ أن مَا يَقرَأَه لَيسَ مَن كَلِام البِشِرِ، وَأَن يَستَحضِرَ عَظَمَةَ المتَكَلمِ سُبحَانَه وَيَتَدَبرَ كَلَامَه، فَإنَّ التَدَبُرَ هُوَ المقصُودُ مِن القِرَاءةِ، وَإن لَم يَحصُل الَتَدَبُرُ إلَّا بِتردَادِ الآيةِ، فَلْيُرَددهَا.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ في الفَتَاوى الْكُبْرَى :
وَأَمَّا كَيْفَ يَحْصُلُ الْيَقِينُ فَبِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : أَحَدُهَا : تَدَبُّرُ الْقُرْآنِ . وَالثَّانِي : تَدَبُّرُ الْآيَاتِ الَّتِي يُحْدِثُهَا اللَّهُ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّهُ حَقٌّ . وَالثَّالِثُ: الْعَمَلُ بِمُوجِبِ الْعِلْمِ .
وقال رحمه الله : وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا نَعِيمٌ يُشْبِهُ نَعِيمَ الْآخِرَةِ إلَّا نَعِيمَ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ.
جَاءَ في سِيَرِ أَعْلاَمِ النُّبَلاءِ لِلْشَيْخِ الإِمَامِ الذَّهَبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
وَصيةُ جُندبٍ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سُفْيَانَ البَجَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَنْ يُوْنُسَ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:شَيَّعْنَا جُنْدُباً، فَقُلْتُ لَهُ: أَوْصِنَا. قَالَ: أُوْصِيْكُم بِتَقْوَى اللهِ، وَأُوْصِيْكُم بِالقُرْآنِ، فَإِنَّهُ نُوْرٌ بِاللَّيْلِ المُظْلِمِ، وَهُدَىً بِالنَّهَارِ، فَاعْمَلُوا بِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ جُهْدٍ وَفَاقَةٍ، فَإِنْ عَرَضَ بَلاَءٌ، فَقَدِّمْ مَالَكَ دُوْنَ دِيْنِكَ، فَإِنْ تَجَاوَزَ البَلاَءُ، فَقَدِّمْ مَالَكَ وَنَفْسَكَ دُوْنَ دِيْنِكِ، فَإِنَّ المَخْرُوْبَ مَنْ خَرِبَ دِيْنُهُ، وَالمَسْلُوْبَ مَنْ سُلِبَ دِيْنُهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ فَاقَةَ بَعْدَ الجَنَّةِ، وَلاَ غِنَىً بَعْدَ النَّارِ .قَالَ الشَّيْخُ شُعَيْب الأرناؤوط: رِجالهُ ثِقاتٌ
 
إن الذي يَرثُ عن أبيه حِرفةً ما, تَجده مُتقنا لها خبيرا بها, وربما يكون قد تعلمها في سنوات معدودة – أما نحن المسلمين فلقد توارثنا القرآنَ من أكثر من أربعة عشر قرنا ومع ذلك فإن خبرَتنا فيه مُحزِنة ومُخزية وغير مُجزية .إننا نعاني من ضعفٍ مهين فيما يتعلقُ بالقرآن ,فإن كلَ مكان في الأرض يحتاجُ مؤهلاتٍ وخبراتٍ حتى يقبلنا ويعتمدنا ,فبأي مؤهل وبأي خبرة يا تُرى سنكونُ جديرين بأن نكونَ أمةً القرآنُ كتابُها ودستورها ؟!

قَاَلَ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في مُقَدِّمَةِ تَفسيرِهِ عَن القُرآنِ:
فَجَعَلَهُ لَهُمْ فِي دُجَى الظُّلَمِ نُورًا سَاطِعًا، وَفِي سَدَفِ الشُّبَهِ شِهَابًا لَامِعًا، وَفِي مَضَلَّةِ الْمَسَالِكِ دَلِيلًا هَادِيًا، وَإِلَى سُبُلِ النَّجَاةِ وَالْحَقِّ حَادِيًا، {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [المائدة: 16] . حَرَسَهُ بِعَيْنٍ مِنْهُ لَا تَنَامُ، وَحَاطَهُ بِرُكْنٍ مِنْهُ لَا يُضَامُ، لَا تَهِي عَلَى الْأَيَّامِ دَعَائِمُهُ، وَلَا تَبِيدُ عَلَى طُولِ الْأَزْمَانِ مَعَالِمُهُ، وَلَا يَجُورُ عَنْ قَصْدِ الْمَحَجَّةِ تَابِعُهُ، وَلَا يَضِلُّ عَنْ سُبُلِ الْهُدَى مُصَاحِبُهُ. مَنِ اتَّبَعَهُ فَازَ وَهَدَى، وَمَنْ حَادَ عَنْهُ ضَلَّ وَغَوَى. فَهُوَ مَوْئِلُهُمُ الَّذِي إِلَيْهِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ يَئِلُونَ، وَمَعْقِلُهُمُ الَّذِي إِلَيْهِ فِي النَّوَازِلِ يَعْتَقِلُونَ، وَحِصْنُهُمُ الَّذِي بِهِ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ يَتَحَصَّنُونَ، وَحِكْمَةُ رَبِّهِمْ الَّتِي إِلَيْهَا يَحْتَكِمُونَ، وَفَصْلُ قَضَائِهِ بَيْنَهُمُ الَّذِي إِلَيْهِ يَنْتَهُونَ، وَعَنِ الرِّضَا بِهِ يَصْدُرُونَ، وَحَبْلُهُ الَّذِي بِالتَّمَسُّكِ بِهِ مِنَ الْهَلَكَةِ يَعْتَصِمُونَ. اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ، أَنَّ أَحَقَّ مَا صُرِفَتْ إِلَى عِلْمِهِ الْعِنَايَةُ، وَبَلَغَتْ فِي مَعْرِفَتِهِ الْغَايَةُ، مَا كَانَ لِلَّهِ فِي الْعِلْمِ بِهِ رِضًا، وَلِلْعَالِمِ بِهِ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ هُدًى، وَأَنَّ أَجْمَعَ ذَلِكَ لِبَاغِيهِ، كِتَابُ اللَّهِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ، وَتَنْزِيلُهُ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ، الْفَائِزُ بِجَزِيلِ الذُّخْرِ وَسَنَى الْأَجْرِ تَالِيهِ، الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.
قال القرطبيُ رَحِمَهُ اللهُ في مُقدمة تَفسيره وهو يتكلمُ عن القُرآن :
جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ يَرْعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ، وَيَتَدَبَّرُهُ حق تدبره، ويقوم بقسطه، ويفي بِشَرْطِهِ، وَلَا يَلْتَمِسُ الْهُدَى فِي غَيْرِهِ، وَهَدَانَا لِأَعْلَامِهِ الظَّاهِرَةِ، وَأَحْكَامِهِ الْقَاطِعَةِ الْبَاهِرَةِ، وَجَمَعَ لَنَا بِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ.

أيُّهما أوْلَى – القُرآنُ أم الأذكَار ...؟
جاء في مُختصر التِّبْيَانِ في آدابِ حَملة القُرآن للنووي (المُتوفى : 676هـ):
وَاعْلَم أن المَذْهبَ المُخْتَار الَّذي عَلَيْهِ الشّافعيُّ، وَمن لا يُحصَى سُنن العُلماء، أَنَّ قِرَاءة القُرْآنِ أَفْضَلَ مِن سَائِرِ الأَذْكَار، وَقَد تَظَاهَرت الأَدِلَّة عَلَى ذَلِك.

فإن فاتتهُ وظيفته بالليل فليحرص على قِراءتها في أول النَّهار.
ففي صحيح مسلم عن عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنهُ قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْل» . رَوَاهُ مُسلم.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ – في مَجموع الفَتاوى:
فَالشَّرِيعَةُ جَامِعَةٌ لِكُلِّ وِلَايَةٍ وَعَمَلٍ فِيهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالشَّرِيعَةُ إنَّمَا هِيَ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ. وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأَحْوَالِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْأَعْمَالِ وَالسِّيَاسَاتِ وَالْأَحْكَامِ وَالْوِلَايَاتِ وَالْعَطِيَّاتِ. ثُمَّ هِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي كَلَامِ النَّاسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ: شَرْعٌ مُنَزَّلٌ وَهُوَ: مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَشَرْعٌ مُتَأَوَّلٌ وَهُوَ: مَا سَاغَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ. وَشَرْعٌ مُبَدَّلٌ وَهُوَ: مَا كَانَ مِنْ الْكَذِبِ وَالْفُجُورِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْمُبْطِلُونَ بِظَاهِرٍ مِنْ الشَّرْعِ؛ أَوْ الْبِدَعِ؛ أَوْ الضَّلَالِ الَّذِي يُضِيفُهُ الضَّالُّونَ إلَى الشَّرْعِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَبِمَا ذَكَرْته فِي مُسَمَّى الشَّرِيعَةِ وَالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الشَّرِيعَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِ بَلْ كُلُّ مَا يَصْلُحُ لَهُ فَهُوَ فِي الشَّرْعِ مِنْ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَأَحْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ وَسِيَاسَتِهِ وَمُعَامَلَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
 
عودة
أعلى