تَحْرِيكُ الْجَنَانِ لِهِدَايَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ الْقُرْآنِ شَهْرِ الْجِنَانَ(1)

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
تَحْرِيكُ الْجَنَانِ لِهِدَايَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ الْقُرْآنِ شَهْرِ الْجِنَانَ(1)
{ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ }
الحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، ونَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ الله، فَلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عبدُه وَرَسُولُهُ".
هَذا جُهدٌ على قَدرِ نَصيبي من تَوفيقِ اللهِ تَعَالَى- في استِقبالِ شَهرٍ تَكون فيه كلُّ الأمورِ أقربَ إلى الفِطرةِ تَقريبَا – فَلعلَّه من بَابِ الطَّرقِ في الوَقتِ المُناسِبِ – واللهُ أعلمُ .
الْمُقَدِّمَةُ................................
كَيْفَ يَكُونُ رَمَضَانُ مُخْتَلِفًا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى ؟
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امْرِئ مَا نَوَى » (مُتَّفق عَلَيْهِ)
جاء في حِلية الأولياءِ لأبي نُعيم رَحمه الله :
قالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنَ شَبُّوَيْهِ: إِنَّ أَبَا صَفْوَانَ قَالَ: مَا ضَعُفَ بَدَنٌ قَطُّ عَنْ نِيَّةٍ، فَقَالَ: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: «مَا ضَعُفَ بَدَنٌ قَطُّ عَنْ مَبْلَغِ نِيَّتِهِ , فَقَدِّمُوا النِّيَّةَ ثُمَّ اتَّبِعُوهَا».
جاء في المَوسُوعة الفِقهية الكُويتية :
الصَّوْمُ لُغَةً : مُطْلَقُ الإْمْسَاكِ وَالْكَفِّ ، فَكُل مَنْ أَمْسَكَ عَنْ شَيْءٍ يُقَال فِيهِ : صَامَ عَنْهُ . وَفِي الشَّرْعِ : الإْمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيِ الْفَرْجِ وَالْبَطْنِ يَوْمًا كَامِلاً بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ .
تجدُ في كُلِّ التَعْريفَاتِ هَذَا القَيدَ { بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ - بنيّةٍ خَالِصَةٍ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - التعبُّدُ للهِ سُبحَانَه وَتَعَالَى، بالإمسَاك عَنِ الأَكلِ والشُربِ وسَائرِ المُفطِّرات .}
فلا تَأتي التَّقوَى مِن مُجَردِ الجُوعِ والعَطَشِ فَقَط ...بل لابُدَّ من نِيَّةٍ ... لابُدَّ من نِيَّةٍ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال : قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْل الزُّورِ ، وَالْعَمَل بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ.................
قَوْلُهُ :{ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامه وَشَرَابه }................
قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَنْ يَدَعَ صِيَامَهُ, وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ إِرَادَةٌ فِي صِيَامِهِ فَوَضَعَ الْحَاجَةَ مَوْضِعَ الْإِرَادَةِ وَقَدْ سَبَقَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى شَيْء من ذَلِك.
قال ابنُ عَبدالبرِّ رَحِمَهُ اللهُ في الاستِذكَارِ :
فَكَذَلِكَ مَنِ اغْتَابَ أَوْ شَهِدَ زُورًا أَوْ مُنْكَرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِأَنْ يَدَعَ صِيَامَهُ وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِاجْتِنَابِ ذَلِكَ لِيَتِمَّ لَهُ أَجْرُ صَوْمِهِ فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ وَأَمْسَكَ عَنِ الْخَنَا وَالْغَيْبَةِ وَالْبَاطِلِ بِلِسَانِهِ صَائِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ صَائِمٍ فَإِنَّمَا يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ, وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلرَّشَادِ.
قال العُثيمين رَحِمَهُ اللهُ في فَتحِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ بشرح بُلوغ المَرام :
فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ "، الحاجة هنا بمعنى: الإرادة، أي: فليس لله إرادة في كذا وكذا، يعني: أن اللهَ ما أراد من الصائم أن يمتنعَ عن الأكل والشرب فقط والنِّكاح، وإنما أرادَ أن يدعَ هذه الأمورَ. هذه هي الحكمةُ الشَّرعيةُ من وُجوب الصَّوم، ويدل لذلك قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} هذه هي الحكمةُ من الصوم، ولهذا لو أننا أخذنا بهذه الحِكمةِ في نَهار رمضانَ , ما خرج رمضانُ إلا وقد تَغيرَ الإنسانُ في عِبادته للهِ وفي سُلوكه مع عِبادِ الله، فهو يَدعُ قولَ الزورِ والعملَ بالزور والسَّفَه.
إذن لا يخرجُ رَمَضان- ثَلاثون يومًا- إلا وقد تكيَّف بهذه العَاداتِ الفَاضلة، وهي: تركُ الزور قولًا وفعلًا، وترك السفه، لكن نحن نشاهد كَثيرًا من المَسلمين أو أكثرهم يَدخلُ رمضانَ ويَخرجُ لا يتأثرونَ به؛ لماذا ؟ لأنهم لم يُحافظوا على ما أرشدَ اللهُ إليه ورسوله في مُلازمةِ التَّقوى وتركِ الزور قولًا وفعلًا وتركِ السفه.
وقوله: " فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامه وَشَرَابه " نصَّ عليه: لأن الطعامَ والشرابَ لازمٌ لكل صائم، أما النكاح الذي أشار الله إليه في قوله: { بَاشِرُوهُنَّ } [البقرة: 187]. فهو يَختصُ به مَن كَان ذا زوجٍ، وأما من ليسَ بذي زوجٍ فإنه يدعُ الطعامَ والشَّرابَ.
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ ». رَوَاهُ مُسلم
 
قال الشيخُ العلَّامةُ مَحمُود شَاكِر رحِمه اللهُ في الصِّيَامِ - عِبَادةِ الأحرَارِ :
فَتحريرُ النَّفسِ المُسلمةِ هو غايةُ الصَّيامِ الذي كُتِب عليها فَرضًا، وتأتيه تطوُّعًا، ولِتعلمَ هَذه النفسُ الحُرَّة أن اللهَ الذي استخلَفها فِي الْأَرْضِ - لِتُقيمَ فيها الحَقَّ، ولِتقضي فِيها بالحقِّ، ولتعمَلَ فيها بالحقِّ - لا يَرضَى لَهَا أن تذِلَّ لأعَظمِ حَاجاتِ البَدَنِ؛ لأنَّها أقوَى مِنَها، وَلَا لأعتى مطالبِ الحَياة؛ لأنها أسمى مِنها، ولا لِأطغَى قُوى الأرضِ؛ لأنَّها أعزُّ سُلطانًا منها، وأرَادَ اللهُ أن يُكرِّم هَذه العِبادَاتِ فَأوحَى إلى رَسَولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أن يُخبِرَ النَّاسَ عَن ربِّه إذ قال: ((الصَّومُ لِي))، فلا رياءَ فيه؛ لأنه جُرِّد للهِ، فلا يُرادُ به إلَّا وَجهُ الله، فَاستَأثَرَ به اللهُ دُونَ سَائرِ العِبَادَاتِ؛ فَهو الَّذي يَقبَلُه عَن عَبده، وهُو الَّذي يَجزِي به كَمَا يَشاء.
وقد دَلَّنا اللهُ سُبحَانَه عَلى طرَفٍ من هَذا المَعنى؛ إذ جَعَلَ الصَّيامَ مُعَادِلاً لتَحرِيرِ الرَّقَبَةِ في ثلاثةِ أحكامٍ من كِتابه؛ إذ جَعلَ على مَن قَتَلَ مُؤمِنًا خِطأً تحريرَ رَقبةٍ مُؤمنةٍ، ودِيَةً مُسلَّمةً إلى أهلِه: { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ } [النساء: 92]، وجَعلَ على الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا تحريرَ رقبةٍ من قبل أن يتماسَّا: { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا } [المجادلة: 4]، وجَعَلَ كفارةَ اليَمِينِ تَحريرَ رَقَبةٍ: { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ } [المائدة: (89)]، فانظُرْ لِمَ كتَبَ اللهُ على مَن ارتكَبَ شيئًا مِن هَذه الخَطايا الثَّلاث: أن يُحرِّرَ رَقبةً مؤمنةً مِن رِقِّ الاستعبَادِ، فإن لم يَجِدْها فَعليه أن يَعمَلَ على تَحريرِ نَفسِه مِن رِقِّ مَطالبِ الحَياة، ورقِّ ضَروراتِ البَدنِ، ورقِّ شَهواتِ النَّفسِ؛ فالصِّيامُ - كَما تَرَى - هُو عِبَادَةُ الأحرَارِ، وهو تَهذِيبُ الأحرَارِ، وهُو ثَقَافَةُ الأَحرَارِ.
قلتُ: وهُناكَ المَزيدُ:
وَعِندَ تَعذُّرِ الْهَدْيِ يَكونُ الصَّيامُ:
قال تعالى :{ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ..............}
وَعِندَ قَتلِ المُحرمِ للصَّيْدِ :
قال تعالى :{ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)}
 
مِن أَبْوَابِ الْخَيْرِ العَجَيبةِ..............
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِئَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
وفي تَفسيرِ ابنِ كَثير رَحِمَهُ اللَّهُ:
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً كُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرٌ، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ تُكْتَبْ إِلَّا وَاحِدَةً. ثُمَّ يَقُولُ: هَلَكَ مَنْ غَلَبَتْ وَاحِدَتُهُ أَعْشَارَهُ.
الْقُرْآن....... الْقُرْآن.......... قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ.......
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ.
رواه النسائي وابن ماجه والحاكم - قال الشيخ الألباني : صحيح
جاء فِي حَاشِيَة السِّنْدِيِّ على سنن ابن ماجه:
قَوْلُهُ (أَهْلِينَ) بِكَسْرِ اللَّامِ جَمْعُ أَهْلٍ جُمِعَ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ لِكَوْنِهِ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ اسْمُ إِنَّ كَمَا يُجْمَعُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ إِذَا كَانَ مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا يُجْمَعُ تَنْبِيهًا عَلَى كَثْرَتِهِمْ قَوْلُهُ (هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ) أَيْ حَفَظَةُ الْقُرْآنِ يُقْرَأُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ الْعَامِلُونَ بِهِ .
قَوْلُهُ (أَهْلُ اللَّهِ) بِتَقْدِيرِ أَنَّهُمْ أَهْلُ اللَّهِ أَيْ أَوْلِيَاؤُهُ الْمُخْتَصُّونَ بِهِ اخْتِصَاصَ أَهْلِ الْإِنْسَانِ بِهِ.
قال ابنُ القيم رَحِمَهُ اللَّهُ في زاد المَعاد:
وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ الْعَالِمُونَ بِهِ وَالْعَامِلُونَ بِمَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ . وَأَمّا مَنْ حَفِظَهُ وَلَمْ يَفْهَمْهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا فِيهِ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ أَقَامَ حُرُوفَهُ إقَامَةَ السّهْمِ .
الْقُرْآنُ ...هُدىً...رَحْمَةٌ.. بُشْرَى ...تِبْيَانٌ.. شِفَاءٌ.. تَثْبِيتٌ... يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ...
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ..- فَهَل بَقِي شَيءٌ ؟
قَالَ تَعَالى في قُرآنِه العَظيمِ :
يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) يونس
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) الإسراء
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) النحل
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) النحل
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) النحل
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) النمل
الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) لقمان
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) الْجِنّ
قالَ صَاحِبُ تَفسيرِ المَنَارِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
أَمَا - وَسِرِّ الْقُرْآنِ - لَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ اسْتَقَامُوا عَلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، لَمَا فَسَدَتْ أَخْلَاقُهُمْ وَآدَابُهُمْ ، وَلَمَا ظَلَمَ وَاسْتَبَدَّ حُكَّامُهُمْ ، وَلَمَا زَالَ مُلْكُهُمْ وَسُلْطَانُهُمْ ، وَلَمَا صَارُوا عَالَةً فِي مَعَايِشِهِمْ وَأَسْبَابِهَا عَلَى سِوَاهُمْ .
قالَ صَاحِبُ تَفسيرِ المَنَارِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
صَلُحَتْ أَنْفُسُ الْعَرَبِ بِالْقُرْآنِ إِذْ كَانُوا يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ فِي صَلَوَاتِهِمُ الْمَفْرُوضَةِ ، وَفِي تَهَجُّدِهِمْ وَسَائِرِ أَوْقَاتِهِمْ فَرَفَعَ أَنْفُسَهُمْ وَطَهَّرَهَا مِنْ خُرَافَاتِ الْوَثَنِيَّةِ الْمُذِلَّةِ لِلنُّفُوسِ الْمُسْتَعْبِدَةِ لَهَا ، وَهَذَّبَ أَخْلَاقَهَا وَأَعْلَى هِمَمِهَا ، وَأَرْشَدَهَا إِلَى تَسْخِيرِ هَذَا الْكَوْنِ الْأَرْضِيِّ كُلِّهِ لَهَا ، فَطَلَبَتْ ذَلِكَ فَأَرْشَدَهَا طَلَبُهُ إِلَى الْعِلْمِ بِسُنُّتِهِ تَعَالَى فِيهِ مِنْ أَسْبَابِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ ، وَالْعِزِّ وَالذُّلِّ ، فَهَدَاهَا ذَلِكَ إِلَى الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ ، فَأَحْيَتْ مَوَاتَهَا ، وَأَبْدَعَتْ فِيهَا مَا لَمْ يَسْبِقْهَا إِلَيْهِ غَيْرُهَا ، حَتَّى قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ تَطَوُّرِ الْأُمَمِ مِنْ حُكَمَاءِ الْغَرْبِ : " إِنَّ مَلَكَةَ الْفُنُونِ لَا تَسْتَحْكِمُ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَجْيَالٍ : جِيلِ التَّقْلِيدِ ، وَجِيلِ الْخَضْرَمَةِ ، وَجِيلِ الِاسْتِقْلَالِ ، وَشَذَّ الْعَرَبُ وَحْدَهُمْ فَاسْتَحْكَمَتْ فِيهِمْ مَلَكَةُ الْفُنُونِ فِي جِيلٍ وَاحِدٍ " .
 
جاء في أضواءِ البَيانِ للشَّنقيطي رَحِمهُ اللهُ :
وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَعَلَّمُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِمَا لَكَانَ ذَلِكَ حِصْنًا مَنِيعًا لَهُمْ مِنْ تَأْثِيرِ الْغَزْوِ الْفِكْرِيِّ فِي عَقَائِدِهِمْ وَدِينِهِمْ.
وَلَكِنْ لَمَّا تَرَكُوا الْوَحْيَ وَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاسْتَبْدَلُوا بِهِ أَقْوَالَ الرِّجَالِ لَمْ تَقُمْ لَهُمْ أَقْوَالُ الرِّجَالِ وَمَذَاهِبُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَقَامَ كَلَامِ اللَّهِ وَالِاعْتِصَامِ بِالْقُرْآنِ، وَكَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّحَصُّنِ بِسُنَّتِهِ.
وَلِذَلِكَ وَجَدَ الْغَزْوُ الْفِكْرِيُّ طَرِيقًا إِلَى قُلُوبِ النَّاشِئَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ سِلَاحُهُمُ الْمُضَادُّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ لَمْ يَجِدْ إِلَيْهِمْ سَبِيلًا.
وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مُنْصِفٍ يَعْلَمُ أَنَّ كَلَامَ النَّاسِ، وَلَوْ بَلَغُوا مَا بَلَغُوا مِنَ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ - لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ هَذَا الْغَزْوَ الْفِكْرِيَّ الَّذِي قَضَى عَلَى كِيَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَحْدَتِهِمْ وَفَصَلَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، لَوْ صَادَفَهُمْ وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ لَرَجَعَ مَدْحُورًا فِي غَايَةِ الْفَشَلِ لِوُضُوحِ أَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَوْنِ الْغَزْوِ الْفِكْرِيِّ الْمَذْكُورِ لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَّا عَلَى الْبَاطِلِ وَالتَّمْوِيهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
يقولُ الأستاذُ العلَّامةُ أنورُ الجِندي -رَحِمَهُ اللهُ في - أعلامُ الدَّعوةِ والفِكْرِ – وهو يَتحَدثُ عَن الدكتُورِ دِرَاز - رَحِمَهُ اللهُ :
"إن مدارَ أبحَاثِ الدكتور دِراز كلِّها ترجعُ إلى أصلٍ واحِدٍ؛ هُو "القُرآنُ"، وهي فِي مُحَاولتِها الاتِصَال بالفِكرِ الحَديث إنَّما تريدُ أن تَكشِفَ عَن نَظرةِ القُرآنِ وَمَنهَجِهِ فِي كُلِّ ما تَصلُ إليه: سَواء في مَجالِ الأَخْلاقِ أو مُقارنَاتِ الأديَانِ، أو الاقتِصَادِ، أو القَانُونِ، فالقُرآنُ هُو المِحوَرُ الذي يَعتَمدُ عليه الدكتور دِرازُ, ويَدورُ حَولَه ويَستَقصِي لَه وَيستَصفِي كُلَّ ما يَجدُ من العُلُومِ الإسلَامِيَّةِ.
وهُو حِينَ يُقدمُ الإسلامَ للغَربِ , يُقدمُه فِي أُسلوبٍ رَائعٍ وتَعبيرٍ مُحكَمٍ مِن شَأنِه أن يَلقَى قبولًا في العَقلِ الغَربِي الَّذِي ألِف الأُسلوبَ العِلميَّ؛ بِوسَائِطِه ومُصطَلحَاتِه.. وقِوامُه في هَذا كلِّه فَهمٌ عَميقٌ للقُرآنِ، وَتَدبرٌ عَجيِبٌ له، وقُدرةٌ على تَبليغِ العِبارَة بأصفَى لُغةٍ، وتَقديمُ الأمثِلةِ إلَى العَقلِ الغَربيِّ فِي تَمِكُّنٍ عَجيبٍ.
أقولُ: وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أن يتعاملَ معَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أن يَضَعَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى:
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا - لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى...}
قالَ صَاحِبُ تَفسيرِ المَنَارِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
فَإِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ فِي الْقُرْآنِ مَوْضُوعَةٌ فِي مَوْضِعِهَا اللَّائِقِ بِهَا ........
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: رَحِمَهُ اللهُ - في الْمُحَرَّرِ الْوَجِيزِ:
وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ نُزِعَتْ مِنْهُ لَفْظَةٌ، ثُمَّ أُدِيرَ لِسَانُ الْعَرَبِ أَنْ يُوجَدَ أَحْسَنَ مِنْهَا لَمْ يُوجِدْ".
وقَوْلَهُ تَعَالَى :{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً - وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا - وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا - وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا - وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ......؟ }
وقَوْلَهُ تَعَالَى :{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}
قالَ صَاحِبُ تَفسيرِ المَنَارِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
آيَةُ اللهِ الْكُبْرَى - الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ (الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ ، الْقُرْآنُ الْحَكِيمُ ، الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ ، الْكِتَابُ الْعَزِيزُ) الَّذِي : (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) هُوَ كِتَابٌ لَا كَالْكُتُبِ ، هُوَ آيَةٌ لَا كَالْآيَاتِ ، هُوَ مُعْجِزَةٌ لَا كَالْمُعْجِزَاتِ ، هُوَ نُورٌ لَا كَالْأَنْوَارِ ، وَهُوَ سِرٌّ لَا كَالْأَسْرَارِ ، هُوَ كَلَامٌ لَا كَالْكَلَامِ ، هُوَ كَلَامُ اللهِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَيْسَ لِرُوحِ الْقُدُسِ جِبْرِيلَ الْأَمِينِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْهُ إِلَّا نَقْلُهُ بِلَفْظِهِ الْعَرَبِيِّ مِنْ سَمَاءِ الْأُفُقِ الْأَعْلَى إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ ، وَلَا لِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - مِنْهُ إِلَّا تَبْلِيغُهُ لِلنَّاسِ لِيَهْتَدُوا بِهِ. فَهُوَ مُعْجِزَةٌ لِلْخَلْقِ بِلَفْظِهِ وَنَظْمِهِ وَأُسْلُوبِهِ وَعُلُومِهِ وَهِدَايَتِهِ ، لَمْ يَكُنْ فِي اسْتِطَاعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِيَ بِسُورَةٍ مِنْ سُورِهِ بِكَسْبِهِ وَمَعَارِفِهِ ، وَفَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ .
قالَ صَاحِبُ تَفسيرِ المَنَارِ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَإِنَّنَا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَا ضَعُفُوا وَزَالَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الْمُلْكِ الْوَاسِعِ إِلَّا بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ لَا يَعُودُ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِمَّا فَقَدُوا مِنَ الْعِزِّ وَالسِّيَادَةِ وَالْكَرَامَةِ إِلَّا بِالرُّجُوعِ إِلَى هِدَايَتِهِ، وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ كَمَا يَرَوْنَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى إِحْيَاءِ لُغَتِهِ فَالدُّعَاءُ لَهُ دُعَاءٌ لَهَا.
جاء في مُصَنَّفِ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ :
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ أَرَاْدَ الْعِلْمَ فَلْيَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَإِنَّ فِيهِ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ. وَعَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ : الْقُرْآنِ وَالْعَسَلِ. فَالْعَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ ، وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ.
جَاء فِي كِتَابِ الرِّسَالةِ للشَّافعيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (المُتوفى: 204هـ):
فَلَيسَتْ تَنزَلُ بِأَحَدٍ مِن أَهْلِ دِينِ اللهِ نَازِلَةٌ إلَّا وَفِي كِتَابِ اللهِ الدَّلِيلُ عَلَى سَبيلِ الهُدَى فِيها.
قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّة رَحِمَهُ اللَّهُ في الفَتَاوى الكُبرى :
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَهْمُ مَعَانِيهِ دُونَ مُجَرَّدِ أَلْفَاظِهِ ,فَالْقُرْآنُ أَوْلَى بِذَلِكَ.وَأَيْضًا فَالْعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْمٌ كِتَابًا فِي فَنٍّ مِنْ الْعِلْمِ كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَلَا يستشرحوه فَكَيْفَ بِكَلَامِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ عِصْمَتُهُمْ وَبِهِ نَجَاتُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ وَقِيَامُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ .
 
قال ابنُ القيم رَحِمَهُ اللَّهُ في زاد المَعاد:
وَأَمّا مُجَرّدُ التّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ وَلَا تَدَبّرٍ فَيَفْعَلُهَا الْبَرّ وَالْفَاجِرُ وَالْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ .
- أَنْوَاع هَجْرِ الْقُرْآنِ :
قال تعالى في سورة الفُرقَان:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) }
قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ الله في الفوائد : هَجْرُ الْقُرْآنِ أَنْوَاع :
أَحَدُهُا : هَجْرُ سَمَاعِهِ ، والإيمانِ بِهِ ، وَالإِصْغَاءِ إِلَيْهِ .والثَّاني :هَجْرُ العَمَلِ بِهِ والوُقُوفِ عِندَ حَلالِهِ وَحَرَامِهِ ، وَإِنْ قَرَأَهُ وَآمَنَ بِهِ . وَالثَّالثْ : هَجْرُ تَحْكِيمِهِ وَالتَّحَاكُمْ إِلَيْهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ .والرَّابِعْ : هَجْرُ الاسْتِشْفَاءِ وَالتَّدَاوِي بِهِ في جَمِيعِ أَمْرَاضِ القُلُوبِ وَأَدْوَائِهَا ، فَيَطْلُب شِفَاءَ دَائِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَهْجُرُ التَّدَاوِي بِهِ .وَالْخَامِسُ:هَجْر تِلاوتِه وتَدَبُّرِهِ وَتَفَهُّمِهِ وَمَعْرِفَةِ مَا أَرَادَ الْمُتَكَلِّمِ مِنْهُ .
وإليكُم مِثالٌ من أعمَقِ ما يَكونُ .......
قال تعالى في سورة يوسف :{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)}
قال السّعدي رَحِمَهُ اللَّهُ:
لما أراد اللهُ تعالى أن يُخرج يوسفَ من السجن، أرى اللهُ الملكَ هذه الرؤيا العجيبة، الذي تأويلها يتناولُ جميعَ الأمة، ليكون تأويلها على يَد يوسف، فيظهر من فضله، ويبين من علمه ما يكون له رفعة في الدارين، ومن التقادير المناسبة أن الملكَ الذي ترجعُ إليه أمور الرعية هو الذي رآها، لارتباط مصالحها به.
تأمل كلامَ السّعدي رَحِمَهُ اللَّهُ :{ لما أرادَ اللهُ تعالى أن يُخرج يوسفَ من السجن، أرى اللهُ الملكَ هذه الرؤيا العَجيبةَ }.
وتأمل كلامَ السّعدي رَحِمَهُ اللَّهُ :{ ومن التقاديرِ المُناسبة أن الملكَ الذي ترجعُ إليه أمورُ الرعية هو الذي رآها، لارتباط مصالحها به. } {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ..}
وقال السّعدي رَحِمَهُ اللَّهُ عن عَدمِ قُدرةِ المَلأ على تَأويل الرؤيا :
وهذا أيضا من لُطف الله بيوسف عليه السلامُ. فإنه لو عبَّرها ابتداء - قبل أن يَعرضها على الملأ من قومه وعلمائهم، فيعجزوا عنها -لم يكن لها ذلك المَوقع، ولكن لما عَرضها عليهم فعجزوا عن الجواب، وكان الملكُ مُهتما لها غايةَ الاهتمامِ ، فعبَّرها يوسف- وقعت عندهم موقعا عظيما.
هي مُجردُ رؤيا كانت سَببا في تَغييرِ الأمورِ في أمةٍ كَاملةٍ – فَلنَستَعِن باللهِ وَحدَه ....!!
فللهِ في أقدراه عَجائب وله في كَونهِ وقائع فَوق قوةِ جَميعِ العُقولِ ..{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}
قوله تعالى في سورة المُرسلات : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)}
قال في فتح القدير : أَيْ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ يُصَدِّقُونَ إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ..
ونفس المَعنى قيل في قوله تعالى في سورة الأعراف :{ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)}
قال في فتح القدير : قِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ، وَقِيلَ: لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،وقيل غير ذلك.
جاءَ في تَفسيرِ ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ: فِيهِ حَكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَخَبَرُ مَا قَبْلَكُمْ، وَنَبَأُ مَا بَعْدَكُمْ، وَهُوَ الفَصْل لَيْسَ بالهَزْل، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّار قَصَمَه اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى مِنْ غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ.
عَنْ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِىِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ - وفي رِوايةٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَه. رَواهَمَا الْبُخَارِيُّ
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ . رَوَاهُ مُسلمٌ
قال في كَشْفِ المُشكَلِ : قَوْلُهُ :{ إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ - يَعْنِي القُرآنَ - أَقْوَامًا - أَرَادَ يَرفَعُ حَافظيه وَالعَاملينَ به ويَضعُ المُضَيعينَ لحقِّهِ المفَرطينَ في أمرِه .
وَلنذكُر لزاما قصةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وأَصْحَابِ الْأُخْدُودِ... مع أن الأولى كانت فِرارا ..والثانية كانت إحراقا .. لكن خلَّدَ القُرآنُ ذكرَهم لمّا كانوا عليه من الحَقِّ.
 
عودة
أعلى