مالمراد بالبركة في قوله تعالى: {تَبَاَرك الذّي بِيَدِه المُلك وَهُوَ عَلَى كُلِ شَيءٍ قَدِير} ولماذا نُسبت إلى الله تعالى؟! وهل يجوز استعمالها في حقّ غيره سبحانه وتعالى؟! وعلام يدل إسنادها إلى الموصول (الذي)؟! نسأل الله أن ينفعنا واياكم بكل خير
هذا جزء من دراسة موضوعية لسورة الفرقان كنت كتبتها منذ زمن بعيد فإن وجدت فيها بغيتك فالحمد لله ولا تنساني من دعوة بظهر الغيب ، وإن لم فلعل أحد الأساتذة الأفاضل يجيبك بما يشفي غليلك.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1) (تَبَارَكَ ) هذه اللفظة وردت في كتاب الله في تسع آيات وهي : 1. (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:54). 2. (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون:14). 3. (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1). 4. (تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) (الفرقان:10) 5. (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (الفرقان:61). 6. (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64). 7. (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (الزخرف:85). 8. (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) (الرحمن:78). 9. (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1) 9. قال العلماء : هذه اللفظة لا تستعمل إلاّ لله سبحانه ، ولا تستعمل إلاّ بلفظ الماضي. قال بن القيم رحمه الله تعالى : فتباركه سبحانه يجمع هذا كله : دوام وجوده ، وكثرة خيره ، ومجده وعلوه ، وعظمته وتقدسه ، ومجيء الخيرات كلها من عنده ، وتبريكه على من شاء من خلقه . والبركة : ثبوت الخير ودوامه ، وكثرته وزيادته. والبركة من الله تعالى ، كما جاء في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنْ اللَّهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ .
قال بن القيم رحمه الله تعالى : وإذا كانت البركة كلها لله تعالى ومنه ، فهو المبارِك ، ومن ألقى عليه بركته فهو المبارَك ، ولهذا كان كتابه مباركا ، ورسوله مباركا ، وبيته مباركا ، والأزمنة التي شرفها واختصها عن غيرها مباركة ، وليلة القدر مباركة ، وما حول المسجد الأقصى مبارك .... فهو المتبارك في ذاته ، الذي يبارك فيمن شاء من خلقه وعليه ، فيصير بذلك مباركا. الأمور المباركة : · القرآن اكريم . وصف الله تعالى كتابه الكريم بأنه مبارك في أربع آيات من كتابه . 1. (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (الأنعام:92). 2. (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155). 3. (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (الانبياء:50). 4. (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29) . قال بن القيم رحمه الله تعالى : وهو أحق أن يسمى مباركا من كل شيء لكثرة خيره ومنافعه ووجوه البركة فيه . وقال الفخر الرازي في تفسيره : قوله تعالى : ( مُّبَارَكٌ ) قال أهل المعاني كتاب مبارك أي كثير خيره دائم بركته ومنفعته ، يبشر بالثواب والمغفرة ويزجر عن القبيح والمعصية ، وأقول : العلوم إما نظرية ، وإما عملية أما العلوم النظرية ، فأشرفها وأكملها معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله وأحكامه وأسمائه ، ولا ترى هذه العلوم أكمل ولا أشرف مما تجده في هذا الكتاب وأما العلوم العملية ، فالمطلوب ، إما أعمال الجوارح وإما أعمال القلوب ، وهو المسمى بطهارة الأخلاق وتزكية النفس ولا تجد هذين العلمين مثل ما تجده في هذا الكتاب ، ثم قد جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عنه والمتمسك به يحصل له عز الدنيا وسعادة الآخرة . يقول مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي : وأنا قد نقلت أنواعاً من العلوم النقلية والعقلية ، فلم يحصل لي بسبب شيء من العلوم من أنواع السعادات في الدين والدنيا مثل ما حصل بسبب خدمة هذا العلم .
· الرسول صلى الله عليه وسلم . إذا كانت البركة هو وجود الخير ودوامه وكثرته وزيادته ، فما عرفت البشرية أكثر بركة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وأوجه البركة في رسول الله صلى الله عليه وسلم تتمثل فيما خصه الله به من الصفات المثمرة للخير ومن ذلك : 1. أنه رسول الله :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)(الفتح: من الآية29). 2. أنه رحمة للعالمين :(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) . 3. أرسله لله لغاية نبيله ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164) . 4. ما جبل عليه من الأخلاق الكريمة والصفات النبيلة : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128) . 5. ما خصه الله به من الخصايص التي ليست لغيره من الرسل .
· البيت الحرام قال الله تعالى :(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96) . ومن أوجه البركة فيه : 1. أنه أول بيت وضعه الله للناس للعبادة وجعل من دخله آمنا (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )(آل عمران: من الآية97) 2. أن الله جعله مهوى أفئدة الناس ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (ابراهيم:37) . 3. أن الله جعله قبلة المسلمين في الصلاة (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة:144). 4. أن الله فرض على الناس الحج إليه وفي هذا منافع دنيويه وأخروية : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران: من الآية97) روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ ، فَلَمْ يَرْفُثْ ، وَلَمْ يَفْسُقْ ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ » . 5. مضاعفة الحسنات فيه ......\
جزاكم الله كل خير .. استفدتُ كثيراً .. لكن علام يدل إسنادها إلى الموصول (الذي)؟! أيضاً في الآية التي تليها ابتدأت بقوله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا) لم أُسندت إلى الاسم الموصول (الذي)؟!
جزاكم الله كل خير .. استفدتُ كثيراً .. لكن علام يدل إسنادها إلى الموصول (الذي)؟! أيضاً في الآية التي تليها ابتدأت بقوله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا) لم أُسندت إلى الاسم الموصول (الذي)؟!