أخي الفاضل جزاك الله خيرا وبارك فيك
إن ما قمت به من دراسة حول قصة نبي الله موسى عليه السلام مع بني إسرائيل يخلص إلى محاولة ضبط المواقع الجغرافية الصحيحة للأحداث .. وبالتالي تصحيح نسبة الأحداث التاريخية إلى أهلها .. فهذا له أبعاد استراتيجية ويكشف عن أطماع الصهاينة الخفية
فجميعنا يسلم بأن مصر المذكورة في القرآن هي مصر وادي النيل .. والحقيقة التي لم يلتفت إليها أحد أن مصر لم تعرف بهذا الاسم إلا بعد بناء الفسطاط .. وإنما كان اسمها (قبط)
وكما كان فيها فراعنة فقد كان في مصر عسير باليمن فراعنة يحملون نفس اللقب .. لذلك فمصر التي في القرآن هي مصر عسير باليمن .. فلقب فرعون كان لقبا شائعا في اليمن ربما قبل مصر وادي النيل
وعليه فقصة يوسف وموسى عليهما السلام وبني إسرائيل وفرعون وهامان وقارون تمت فوق أرض عسير
فعسير بها أنهار موسمية كثيرة .. بينما في وادي النيل نهر واحد فقط بلا فروع .. فيما عدا عند مصب النهر حيث يتفرع إلى فروع عديدة تظهرها الخرائط العتيقة والتي تخلو من حضارة فرعونية .. وهذا يوافق ما قاله الله عن لسان فرعون (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) [الزخرف: 51]
وموسى توجه من مدين إلى مصر .. فلا يعقل أن ينزل إلى جنوب سيناء بينما وجهته كانت إلى الشمال صوب السويس
[align=center]
[/align]
ما هو بالخط الأخضر خط سير موسى عليه السلام بأهله من مدين إلى العقبة ومنها إلى السويس مرورا بالطور جنوبا حسب الرواية التوراتية وهو مسار بعيد جدا عن وجهته المباشرة
ما هو بالخط الأزرق خط السير المفترض أن يسلكه موسى عليه السلام بأهله من مدين إلى العقبة ومنها إلى السويس مباشرة وهو أقصر
فحسب الرواية التوراتية ليس من المنطقي أن يسلك موسى عليه السلام كل هذه المسافة الطويلة ..
لكن الوجهة الصحيحة ليست التي بالخط الأخضر أو الأزرق .. إنما اتجه جنوبا صوب مصر عسير اليمن أي عاصمة عسير .. لأن مصر عسير أو عاصمة عسير كانت مدينة ذات أسوار وأبواب .. بدليل قول يعقوب لأولاده عند دخول مصر من قوله تعالى: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ) [يوسف: 67]
وقال تعالى: (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ) [يوسف: 99] فقد طلب منهم الدخول إلى مصر .. وأن لها أبواب متفرقة .. إذا مصر هذه كانت مدينة مسورة ذات أبواب كما تكون العواصم أنذاك .. ولا يفهم من النص القرآني أنها دولة كمصر وادي النيل
كل هذا وأدلة أخرى كثيرة تثبت أن ما نتناوله من تاريخ هو تاريخ توراتي مكذوب وملفق لا صحة له
قرأت كتاب كمال الصليبي "التوراة جاءت من جزيرة العرب" على أثر قرائتي لكتاب "موسى وفرعون في جزيرة العرب" للكاتب أحمد الدبش .. وبكل تأكيد هناك نظر في كتابات الصليبي .. لكن أفضل كتاب ناقش المسألة بمختصر مفيد هو ما كتبه أحمد الدبش .. في 135 صفحة .. إلا أنني توسعت في القراءة والاستدلال حتى اقتنعت بوجود تزوير فعلي في التاريخ .. حتى في التاريخ الإسلامي نفسه اكتشفت أمورا من المخجل أن تسطر في أي كتاب جدير بالاحترام لأنها ترويج للخرافات على حساب النص القرآني .. مثل الحملات التي قامت للبحث عن سد ذو القرنين والتي تدل من وصفها أن الباحث لم يصل إلى شيء إنما كتب من وحي خياله خرافات وأساطير ما أنزل الله بها من سلطان
لذلك لا يكفي لحسم القضية النظر فقط في كتاب الصليبي رغم تواضعه الجم .. أو كلام السواح بنظرته الأثرية لأرض مهملة من التنقيب .. كدت احترم رأي السواح لولا أنه يستند إلى عدم وجود آثار . وقد فاته أن التنقيب مهمل تماما في المنطقة .. ولكن القضية أوسع من هذا بكثير جدا ..
وأحيلك إلى عدة كتبت مما طالعتها في المسألة
ا.د كمال الصليبي (التوراة جاءت من جزيرة العرب) مؤسسة الأبحاث العربية - بيروت
أحمد الدبش (موسى وفرعون في جزيرة العرب) خطوات للنشر والتوزيع - دمشق
زياد منى (جغرافية التوراة مصر وبنو إسرائيل في عسير) رياض الريس للكتب والنشر - لندن
ا.د كمال الصليبي (خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل) دار الساقي - بيروت
ا.د كمال الصليبي (البحث عن يسوع قراءة جديدة في الأناجيل) الشروق - عمان
فرج الله صالح ديب (التوراة العربية وأورشليم اليمنية)
وهناك كارثة أخرى تهز كثيرا من قوة الأدلة الأثرية .. وهي الأدلة المزيفة والمصطنعة .. فمن السهل على الدول الطامعة في إحياء تاريخها البائد أن تصطنع أدلة مزيفة لتثبت لها حقوق تاريخية بائدة .. كإسرائيل مثلا
فاليهود صنعوا حديثا أدلة مزيفة ليثبتوا أن جبل الطور يقع في السعودية وليس في سيناء .. فوضعوا خليج العقبة بقايا عربات حربية مشابهة لما في الرسوم الفرعونية .. ثم زعموا أنها من بقايا العربات التي كانت تبع موسى وقومه
والذي يفضح أنها أدلة مصطنعة فمن المستحيل ان تبقى العجلات في نفس الموقع بسبب حركة مياه البحر والنحر والمد والجزر .. فمن المفترض أن تبتعد تلك العجلات عن موقعا الأصل وأن تطمر في الرمال .. لكن الصور المرفقة تكشف أن العجلات ثابتة في موضوعها وتعلوها طحالب طفيفة وهي تعلو الرمال في قاع الماء
تنبه معي إلى قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي) [طه: 77] أي امشي بعبادي ليلا .. وهذا معناه أن موسى انطلق بقومه ليلا .. فمتى بدأ فرعون بلحاقهم؟
قال تعالى: (فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ) [الشعراء: 60] .. أي بدأ فرعون يتبعهم عند شروق الشمس .. حتى رأى الجمعان بعضهما بعضا (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61] .. وهذا معناه أن الوقت كان نهارا والشمس مشرقة لم تغب بعد
فعلى أقصى حد أنهم تلاقوا عصرا .. إذا فالمسافة بين مصر وبين اليم مسير يوم من الشروق حتى الغروب .. أي أن مصر كانت مدينة أو عاصمة قريبة من البحر على مسافة يوم أو ما يعادل مسيرة عشرة ساعات عدوا بالخيل
والمسافة بين السويس وخليج العقبة كبيرة جدا .. وتحتاج مسيرة عدة أيام .. وهذا الواقع يتعارض مع كتاب الله تعالى
لم يذكر لفظا أنهم تلاقوا في نفس اليوم .. لكن الفارق الزمني بين خروج بني إسرائيل ليلا .. وإتباعهم عند شروق الشمس .. لا يمكن أن يصل اكثر من عشر ساعات
فعلى فرض أن قوم موسى انطلقوا من آخر الليل عشاءا .. يعني من حوالي الساعة الثمانة مساءا .. وشروق الشمس لنفرض أنه في السادسة صباحا .. إذا الفارق الزمني حوالي عشر ساعات على أقصى حد .. ولا يصح أن يكون أياما كما تفضلت
هذا بخلاف أن بني إسرائيل غالبا كانوا يسيرون على أقدامهم وليس على دواب لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي) [طه: 77] فقوله (أَسْرِ بِعِبَادِي) أي سر بعبادي ليلا .. بينما فرعون أتبعهم بخيله ورجله .. مما يؤكد أن حركة فرعون كانت أسرع من حركة بني إسرائيل
وعلى هذا تبطل الافتراضية أنهم ساروا أياما .. بل الأمر كله لم يتجاوز منتصف النهار على أبعد حد .. لكنني افترضت جدلا أبعد من ذلك فقلت أنهم وصلوا عصرا قبل مغيب الشمس
إذا فمستحيل أن يكون موسى عليه السلام وقومه فروا من مصر وادي النيل
ونستنتج أن مصر هذه عاصمة ذات سور .. في منطقة سهلة .. قريبة من البحر تحفها الجبال التي تسيل منها الأمطار الموسمية .. وأن مصر هذه بلدة زراعية تعتمد على الأنهار الموسمية .. وهذا خلاف مدين التي تعتمد على الآبار والرعي
إذا فمصر فرعون تقع على مقربة من البحر .. وأن الشاطئ المقابل لها فيه قوم وثنيون يعكفون على أصناهم .. قال تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ) [الأعراف: 138]
وكذلك نفهم من سياق الآيات أن المسافة بين الشاطئين قصيرة وليست بالكبيرة .. وهذا يذكرنا بلقاء موسى بالخضر عليهما السلام عند مجمع البحرين
فكم مجمع بحرين في المنطقة العربية؟
يوجد مضيق (جبل طارق) غربا .. وهو مستبعد
يوجد (مضيق هرمز) شرقا على الخليج العربي .. وهو بعيد أكثر من مسيرة عشر ساعات من عسير
وهناك مضيق (تيرانا) بين خليج العقبة والبحر الأحمر .. وهذا الخليج ثبت بالخرائط القديمة أنه لم يكن موجودا . بل ولم تكن شبه جزيرة سيناء موجودة بشكلها الحالي (وسوف أكشف هذا موثقا في حينه)
بقي (مضيق باب المندب) وهو الأقرب إلى مصر عسير
ومضيق (باب المندب) يفصل بين شاطئ اليمن وشاطئ الصومال .. وهذه البلاد هي بلاد بونت أو بلاد الحبشة قوم تاريخهم وثني قديم .. إذا فموسى عبر بقومه إلى الصومال .. أو جيبوتي تحديدا وهي جزء منفصل عن الصومال حديثا .. والسامري هناك قول أنه صومالي
[align=center]
[/align]
إذا فمصر الوارد ذكرها في القرآن تقع على محيط دائرة قطرها على مسافة عشر ساعات أعلى من مضيق باب المندب من أرض اليمن أو من عسير
بالإضافة إلى هذا فإن مدينة مصر هي مدينة ساحلية تقع على شاطئ البحر .. قال تعالى: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي * إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه: 37: 41] .. إذا فأم موسى عليه السلام قذفت ولدها في البحر .. ثم ألقاه البحر بالساحل أي بالشاطئ عند بيت فرعون حيث التقطه آل فرعون .. وبالتوفيق بين النصوص فمدينة مصر كانت ساحلية .. وذات سور وأبواب .. وتقع على مصب نهر ذو راوفد عديدة
ليس هناك دليل يثبت أن يعقوب عليه السلام وبنيه كانوا في فلسطين .. فهي أرض زرع وضرع وأمطار وخصب .. بينما كان يعقوب وبنيه مقيمين في البادية .. قال تعالى: (وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [يوسف: 100] والبادية شاسعة في جزيرة العرب وممتدة وهي أقرب إلى اليمن من وادي النيل
أما مصر وادي النيل .. فهي عبارة عن شريط أخضر ضيق على ضفاف النيل .. وليس ثمة يد عاملة تكفي لزراعة ما تحتاجه البلاد وغيرها من الوافدين في سنين الجفاف .. فانتاجها بالكاد يفي بحاجة سكانها .. ولم تتسع رقعتها الزراعية الا حديثا فقط
حتى جفاف النيل مرتبط بمنابع النيل في الحبشة وليس بالجفاف في مصر والمنطقة المحيطة بها .. فإن جفت منابع النيل جف نيل مصر .. ومصر لا تعتمد في زراعتها على المطر حتى تتضرر بانقطاع المطر والجفاف
بينما اليمن أرض خصبة وفيرة المطر .. فان انقطع المطر فسوف ينقطع عن كل المنطقة بكاملها .. وبالتالي يحدث جفاف عام وليس خاص باليمن فقط
والقرآن يثبت أنه كان هناك جفاف في المنطقة العربية كلها وليس في مصر فقط .. مما يؤكد أن مصر المذكورة في قصة يوسف تعتمد على الأمطار الإقليمية الموسمية وليس على نهر يأتي من بلاد بعيدة مثل نهر النيل .. بدليل أن الوفود من البلاد المحيطة كانت تأتي مصر لتأخذ منها ما يسد مؤنتها .. لذلك فمن المستحيل أن يكون المقصور مصر وادي النيل .. فمصر لم تعرف بهذا الاسم الا بعد دخول عمرو بن العاص