أبو عبد الرحمن المدني
New member
- إنضم
- 19/07/2003
- المشاركات
- 268
- مستوى التفاعل
- 1
- النقاط
- 18
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى من والاه ... أما بعد:
فإن كتاب ( تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن) للشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
من الكتب النافعة في فهم كلام الله تبارك وتعالى, وقد خصصت هذا الموضوع للتعريف بهذا الكتاب لأن كتاب التفسير (تيسير الكريم الرحمن ) قد طغت شهرته على الكتاب المذكور, حتى إن الكثير يظن أن الكتابين كتاب واحد , ولا يعرف أنهما كتابان مختلفان لكل كتاب منهجه وطريقته.
والحقيقة أن كتاب (تيسير اللطيف المنان) يعتبر في الاصطلاح العلمي المعاصر من كتب (التفسير الموضوعي) بل هو من أنفعها.
فقد اشتمل الكتاب على ستين موضوعا من مواضيع القرآن الكريم , هذا على سبيل الإجمال , وفي ثنايا هذه الموضوعات مواضيع متفرعة عنها, وهذه المواضيع شاملة للعقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق وقصص الأنبياء وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد بيّن رحمه الله منهجه في مقدمة كتابه حين قال:
[frame="1 80"](أما بعد ، فقد كنت كتبت كتابا في تفسير القرآن مبسوطا مطولا ، يمنع القراء من الاستمرار بقراءته ، ويفتر العزم عن نشره ، فأشار علي بعض العارفين الناصحين أن أكتب كتابا غير مطول ، يحتوي على خلاصة ذلك التفسير ، ونقتصر فيه على الكلام على بعض الآيات التي نختارها وننتقيها من جميع مواضيع علوم القرآن ومقاصده ، فاستعنت الله على العمل على هذا الرأي الميمون ، لأمور كثيرة منها : أنه بذلك يكون متيسرا على المشتغلين ، معينا للقارئين ، ومنها : أن القرآن العظيم ليس كغيره من الكتب في الترتيب والتبويب ، لأنه بلغ في البلاغة نهايتها ، وفي الحسن غايته ، وفي الأسلوب البديع ، والتأثير العجيب ما هو أكبر الأدلة على أنه كلام الله ، وتنزيل من حكيم حميد ، فتجده في آية واحدة يجمع بين الوسائل والمقاصد ، وبين الدليل والمدلول ، وبين الترغيب والترهيب ، وبين العلوم الأصولية والفروعية ، وبين العلوم الدينية والدنيوية والأخروية ، وبين الأغراض المتعددة والمقاصد النافعة ، ويعيد المعاني النافعة على العباد ، ليتم علمهم ، وتكمل هدايتهم ، ويستقيم سيرهم على الصراط المستقيم ، علما وعملا ).[/frame]
وطريقة الشيخ رحمه الله في عرض المواضيع أن يذكر في بداية الموضوع الآية أو الآيات التي هي أصل في هذا الباب ثم يبدأ بضم النظير إلى نظيره وترتيب المسائل الكبرى ثم ذكر المسائل التي ذكرت في آيات أُخر لها تعلق بالموضوع, فلا ينتهي من موضوع إلا وقد أتى على جُل مسائله التي ذكرت في القرآن مراعيا ما كان له شاهد أو بيان أو تخصيص أو تقييد بالسنة.
وإليك أنموذج من طريقته التي سار عليها رحمه الله
[bor=000099]فصل في آيات في الأطعمة ونحوها والصيود وتوابعها
قال الله تعالى :
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ } [البقرة : 29] .
{ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } [الأنعام : 119] .
{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } [الأعراف : 157] .
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } [المائدة : 3] .
وبعدها : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } [المائدة : 4] . { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } [الأنعام : 121] .
{ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الأنعام : 145] .
دلت هذه الآيات الكريمات على أن الأصل في الأشياء الحل من طعام وشراب وغيرها ؛ ولأن الله تعالى خلق لنا ما في الأرض جميعا ننتفع به بكل وجوه الانتفاعات ، من أكل وشرب واستعمال ، وفصل لنا ما حرم علينا ، فما لم يذكر في الكتاب والسنة تحريمه فهو حلال ، وأباح لنا كل طيب ، وحرم علينا كل خبيث .
فمن الخبائث المحرمة الميتة - سوى ميتة الجراد والسمك - وهي ما مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة غير شرعية ، والدم المسفوح كما قيدته الآية الأخرى ، وأما الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح فإنه طيب حلال { وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } بأن ذبح لغير الله من أصنام وملائكة أو إنس أو جن أو غيرها من المخلوقات .
ومن الخبائث كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الميتة { وَالْمُنْخَنِقَةُ } أي : التي تخنق بالحبال أو غيرها ، أو تختنق فتموت ، { وَالْمَوْقُوذَةُ } وهي التي تضرب بالحصى أو بالعصا حتى تموت ، ومن هذا إذا رمى صيدا فأصاب الصيد بعرضه فقتله ، { وَالْمُتَرَدِّيَةُ } وهي التي تسقط من موضع عال كسطح وجبل فتموت ، { وَالنَّطِيحَةُ } التي تنطحها غيرها فتموت بذلك ، وما أكله ذئب أو غيره من السباع ، وكل هذه المذكورات إذا لم تدرك ذكاتها ، فإن أدركها حية فذكاها حلت ؛ لقوله : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } وسواء غلب على الظن بقاؤه أو تلفه إذا لم يُذَكّ أم لا .
ومن المحرمات الحشرات وخشاش الأرض من فأرة وحية ووزغ ، ونحوها من المستخبثة شرعا وطبا .
ومن المحرمات ما ذكي ذكاة غير شرعية ، إما أن الذابح غير مسلم ولا كتابي ، وإما أن يذبحها في غير محل الذبح وهي مقدور عليها ، وإما أن لا يقطع حلقومها ومريها ، وإما أن يذبحها بغير ما ينهر الدم أو بعظم أو ظفر ، وما أمر الشارع بقتله أو نهى عن قتله دل على تحريمه وخبثه .
وكل هذه الأشياء تحريمها في حال السعة ، وأما إذا اضطر إليها غير باغ لأكلها قبل أن يضطر ، ولا متعد إلى الحرام ، وهو يقدر على الحلال ، فإنه إذا اضطر إليها غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ، من رحمته أباح المحرمات في حال الضرورة .
ومن رحمته وسع لعباده طرق الحلال ، فأباح الصيد إذا جرح في أي موضع من بدنه ، وأباح صيد السهام إذا سمى الرامي عند رميها ، وأباح أيضا صيد الكلاب المعلمة والطيور المعلمة ، والتعليم يختلف باختلاف الحيوانات ، قال العلماء : تعليم الكلب أن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر ، وإذا أمسك لم يأكل من صيده لقوله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } أي : عند إرسالها لقصد الصيد .[/bor]
فتأمل كيف استطاع أن يجمع ويرتب ويعرض هذه المسائل مجتمعة بعبارة موجزة وأسلوب سهل
أما منهجه في ذكر قصص الأنبياء فقد سار على طريقة ترتيب الأحداث قدر اجتهاده وما أداه إليه فهمه فجاء عرضه سلسا مرتبطا بعضه ببعض ثم يختم القصة بما احتوته من فوائد.
وختام هذا العرض الموجز ألخص ما امتاز به الكتاب من ميزات للباحث أو القارئ في التفسير الموضوعي:
1 – شموله : حيث احتوى على مواضيع متعددة ومتنوعة من مواضيع القرآن الكريم.
2- الترتيب المنطقي في عرض الموضوع.
3 – مهارته في صياغة التفسير على وجه العموم وفي حال اختلاف الأقوال على وجه الخصوص, وذلك بعد اختياره للمعنى الذي يترجح إليه مع الإشارة لها بأسلوب بتنبه له طالب العلم, ولا يشغل القارئ أو العامي به.
4 – هذا الكتاب ينمي ملكة ومهارة الكتابة في التفسير الموضوعي للباحثين.
5 – كما يعين هذا الكتاب كثيرا في رسم خطة بحث في التفسير الموضوعي لأي موضوع من المواضيع التي تطرق لها.
6 – هذا الكتاب من النماذج المتميزة لترجمته إلى لغات أجنبيه حيث يعرض مواضيع القرآن وأحكامه عرضا مؤصلا مبنيا بعضه على بعض – وهذا هو الغرض من الترجمة – .
هذه نتف يسيرة,والمقصود من ذلك الالتفات لهذا الكتاب بالقراءة والمدارسة في مجال التفسير الموضوعي
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى من والاه ... أما بعد:
فإن كتاب ( تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن) للشيخ/ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
من الكتب النافعة في فهم كلام الله تبارك وتعالى, وقد خصصت هذا الموضوع للتعريف بهذا الكتاب لأن كتاب التفسير (تيسير الكريم الرحمن ) قد طغت شهرته على الكتاب المذكور, حتى إن الكثير يظن أن الكتابين كتاب واحد , ولا يعرف أنهما كتابان مختلفان لكل كتاب منهجه وطريقته.
والحقيقة أن كتاب (تيسير اللطيف المنان) يعتبر في الاصطلاح العلمي المعاصر من كتب (التفسير الموضوعي) بل هو من أنفعها.
فقد اشتمل الكتاب على ستين موضوعا من مواضيع القرآن الكريم , هذا على سبيل الإجمال , وفي ثنايا هذه الموضوعات مواضيع متفرعة عنها, وهذه المواضيع شاملة للعقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق وقصص الأنبياء وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد بيّن رحمه الله منهجه في مقدمة كتابه حين قال:
[frame="1 80"](أما بعد ، فقد كنت كتبت كتابا في تفسير القرآن مبسوطا مطولا ، يمنع القراء من الاستمرار بقراءته ، ويفتر العزم عن نشره ، فأشار علي بعض العارفين الناصحين أن أكتب كتابا غير مطول ، يحتوي على خلاصة ذلك التفسير ، ونقتصر فيه على الكلام على بعض الآيات التي نختارها وننتقيها من جميع مواضيع علوم القرآن ومقاصده ، فاستعنت الله على العمل على هذا الرأي الميمون ، لأمور كثيرة منها : أنه بذلك يكون متيسرا على المشتغلين ، معينا للقارئين ، ومنها : أن القرآن العظيم ليس كغيره من الكتب في الترتيب والتبويب ، لأنه بلغ في البلاغة نهايتها ، وفي الحسن غايته ، وفي الأسلوب البديع ، والتأثير العجيب ما هو أكبر الأدلة على أنه كلام الله ، وتنزيل من حكيم حميد ، فتجده في آية واحدة يجمع بين الوسائل والمقاصد ، وبين الدليل والمدلول ، وبين الترغيب والترهيب ، وبين العلوم الأصولية والفروعية ، وبين العلوم الدينية والدنيوية والأخروية ، وبين الأغراض المتعددة والمقاصد النافعة ، ويعيد المعاني النافعة على العباد ، ليتم علمهم ، وتكمل هدايتهم ، ويستقيم سيرهم على الصراط المستقيم ، علما وعملا ).[/frame]
وطريقة الشيخ رحمه الله في عرض المواضيع أن يذكر في بداية الموضوع الآية أو الآيات التي هي أصل في هذا الباب ثم يبدأ بضم النظير إلى نظيره وترتيب المسائل الكبرى ثم ذكر المسائل التي ذكرت في آيات أُخر لها تعلق بالموضوع, فلا ينتهي من موضوع إلا وقد أتى على جُل مسائله التي ذكرت في القرآن مراعيا ما كان له شاهد أو بيان أو تخصيص أو تقييد بالسنة.
وإليك أنموذج من طريقته التي سار عليها رحمه الله
[bor=000099]فصل في آيات في الأطعمة ونحوها والصيود وتوابعها
قال الله تعالى :
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ } [البقرة : 29] .
{ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } [الأنعام : 119] .
{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ } [الأعراف : 157] .
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } [المائدة : 3] .
وبعدها : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } [المائدة : 4] . { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ } [الأنعام : 121] .
{ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الأنعام : 145] .
دلت هذه الآيات الكريمات على أن الأصل في الأشياء الحل من طعام وشراب وغيرها ؛ ولأن الله تعالى خلق لنا ما في الأرض جميعا ننتفع به بكل وجوه الانتفاعات ، من أكل وشرب واستعمال ، وفصل لنا ما حرم علينا ، فما لم يذكر في الكتاب والسنة تحريمه فهو حلال ، وأباح لنا كل طيب ، وحرم علينا كل خبيث .
فمن الخبائث المحرمة الميتة - سوى ميتة الجراد والسمك - وهي ما مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة غير شرعية ، والدم المسفوح كما قيدته الآية الأخرى ، وأما الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح فإنه طيب حلال { وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } بأن ذبح لغير الله من أصنام وملائكة أو إنس أو جن أو غيرها من المخلوقات .
ومن الخبائث كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الميتة { وَالْمُنْخَنِقَةُ } أي : التي تخنق بالحبال أو غيرها ، أو تختنق فتموت ، { وَالْمَوْقُوذَةُ } وهي التي تضرب بالحصى أو بالعصا حتى تموت ، ومن هذا إذا رمى صيدا فأصاب الصيد بعرضه فقتله ، { وَالْمُتَرَدِّيَةُ } وهي التي تسقط من موضع عال كسطح وجبل فتموت ، { وَالنَّطِيحَةُ } التي تنطحها غيرها فتموت بذلك ، وما أكله ذئب أو غيره من السباع ، وكل هذه المذكورات إذا لم تدرك ذكاتها ، فإن أدركها حية فذكاها حلت ؛ لقوله : { إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } وسواء غلب على الظن بقاؤه أو تلفه إذا لم يُذَكّ أم لا .
ومن المحرمات الحشرات وخشاش الأرض من فأرة وحية ووزغ ، ونحوها من المستخبثة شرعا وطبا .
ومن المحرمات ما ذكي ذكاة غير شرعية ، إما أن الذابح غير مسلم ولا كتابي ، وإما أن يذبحها في غير محل الذبح وهي مقدور عليها ، وإما أن لا يقطع حلقومها ومريها ، وإما أن يذبحها بغير ما ينهر الدم أو بعظم أو ظفر ، وما أمر الشارع بقتله أو نهى عن قتله دل على تحريمه وخبثه .
وكل هذه الأشياء تحريمها في حال السعة ، وأما إذا اضطر إليها غير باغ لأكلها قبل أن يضطر ، ولا متعد إلى الحرام ، وهو يقدر على الحلال ، فإنه إذا اضطر إليها غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ، من رحمته أباح المحرمات في حال الضرورة .
ومن رحمته وسع لعباده طرق الحلال ، فأباح الصيد إذا جرح في أي موضع من بدنه ، وأباح صيد السهام إذا سمى الرامي عند رميها ، وأباح أيضا صيد الكلاب المعلمة والطيور المعلمة ، والتعليم يختلف باختلاف الحيوانات ، قال العلماء : تعليم الكلب أن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر ، وإذا أمسك لم يأكل من صيده لقوله : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } أي : عند إرسالها لقصد الصيد .[/bor]
فتأمل كيف استطاع أن يجمع ويرتب ويعرض هذه المسائل مجتمعة بعبارة موجزة وأسلوب سهل
أما منهجه في ذكر قصص الأنبياء فقد سار على طريقة ترتيب الأحداث قدر اجتهاده وما أداه إليه فهمه فجاء عرضه سلسا مرتبطا بعضه ببعض ثم يختم القصة بما احتوته من فوائد.
وختام هذا العرض الموجز ألخص ما امتاز به الكتاب من ميزات للباحث أو القارئ في التفسير الموضوعي:
1 – شموله : حيث احتوى على مواضيع متعددة ومتنوعة من مواضيع القرآن الكريم.
2- الترتيب المنطقي في عرض الموضوع.
3 – مهارته في صياغة التفسير على وجه العموم وفي حال اختلاف الأقوال على وجه الخصوص, وذلك بعد اختياره للمعنى الذي يترجح إليه مع الإشارة لها بأسلوب بتنبه له طالب العلم, ولا يشغل القارئ أو العامي به.
4 – هذا الكتاب ينمي ملكة ومهارة الكتابة في التفسير الموضوعي للباحثين.
5 – كما يعين هذا الكتاب كثيرا في رسم خطة بحث في التفسير الموضوعي لأي موضوع من المواضيع التي تطرق لها.
6 – هذا الكتاب من النماذج المتميزة لترجمته إلى لغات أجنبيه حيث يعرض مواضيع القرآن وأحكامه عرضا مؤصلا مبنيا بعضه على بعض – وهذا هو الغرض من الترجمة – .
هذه نتف يسيرة,والمقصود من ذلك الالتفات لهذا الكتاب بالقراءة والمدارسة في مجال التفسير الموضوعي
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه