الهمزة وأسرارها
قال ابن هشام: وَأَعْنِي بِالْأَدَوَاتِ الْحُرُوفَ وَمَا شَاكَلَهَا مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ وَالظُّرُوفِ.اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ لِاخْتِلَافِ مَوَاقِعِهَا وَلِهَذَا يَخْتَلِفُ الْكَلَامُ وَالِاسْتِنْبَاطُ بِحَسَبِهَا
)عدد الحروف عدها بعضهم أكثر من مائة .( أحادي، وثنائي، وثلاثي، ورباعي، وخماسي)
الهمزة :حرف غير عامل (مهمل)،ولا محل له من الإعراب يكون للاستفهام، وللنداء. وما عدا هذين، من أقسام الهمزة، فليس من حروف المعاني.
أسرارها أنها
1- حرف مشترك: يدخل على الأسماء والأفعال، جواز حذفها و أَنَّهَا ترد لطلب التَّصَوُّر نَحْو أَزِيد قَائِم أم عَمْرو ولطلب التَّصْدِيق نَحْو أَزِيد قَائِم وَ(هل) مُخْتَصَّة بِطَلَب التَّصْدِيق نَحْو هَل قَامَ زيد وَبَقِيَّة الأدوات مُخْتَصَّة بِطَلَب التَّصَوُّر نَحْو من جَاءَك وَمَا صنعت وَكم مَالك وَأَيْنَ بَيْتك وَمَتى سفرك
[1]
* تدخل على الْإِثْبَات كَمَا تقدم وعَلى النَّفْي نَحْو “ألم نشرح لَك صدرك” “أَو لما أَصَابَتْكُم مُصِيبَة) ألم " دخلت علي النفي وهو لم وهذا استفهام تقريري يفيد النفي
ونفي النفي إثبات . كأن الله يقول له قد شرحنا لك صدرك
2-وهي أصل أدوات الاستفهام. ولأصالتها استأثرت بأمور، منها تمام التصدير بتقديمها على الفاء والواو وثم، في نحو " أفلا تعقلون "، " أو لم يسيروا "، " أثم إذا ما وقع ". وكان الأصل في ذلك تقديم حرف العطف على الهمزة، لأنها من الجملة المعطوفة. لكن راعوا أصالة الهمزة، في استحقاق التصدير، فقدموها بخلاف هل وسائر أدوات الاستفهام. هذا مذهب الجمهور.وذهب الزمخشري إلى تقدير جملة، بعد الهمزة، لائقة بالمحل، ليكون كل واحد من الهمزة وحرف العطف في موضعه. والتقدير: أتجهلون فلا تعقلون؟ " العطف علي مقدر فقوله " أفلم ينظروا " فيقول "أفعميتم فلم تنظروا " وقوله أفلم يسيروا في الأرض " أقعدتم فلم تسيروا في الأرض " ونحو ذلك. وضعف بعدم اطراده، إذا لا يمكن في نحو " أفمن هو قائم على كل نفس "، وبأن فيه حذف جملة معطوف عليها، من غير دليل. قيل: وقد رجع إلى مذهب الجماعة في سورة الأعراف.فالخلاصة :عند سيبويه الهمزة مقدمة من تأخير لأنها لها الصدارة وعند الزمخشري : لا يوجد تقديم من تأخير فهو عطف علي مقدر اعترض ابو حيان وابن هشام عليه:فالزمخشري جعل العطف على جملة مقدرة "أمكثوا فلم يسيروا " فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف " وهو الهمزة " فقد يقال إنه أسهل وعند سيبويه يقول إنه مقدم من تأخير والتقديم من تأخير أسهل من دعوى حذف جملة
3-الهمزة يسئل بها عن كل شيء في الجملة. - يطلب بها تصور كل ما في الجملة كما يطلب بها التصديق- و تكثر الاعتبارات في صياغة الجملة الداخلة عليها وتدق حتى تحتاج إلى حذر ووعى في استعمالها,والكشف عنها كشف عن حكم, ينطوى عليها منطق هذا اللسان
[2].يقول د أبو موسى بعد تطوافه بين أبيات شعرية أخذ يتأمل فيها أسرار الاستفهام بالهمزة وسر تقديمها ونظم البيت الذي يتأمله قال "وهكذا علينا أن نجد في التقاط أطياف المعانى واختلافها لاختلاف أطراف الخيوط الموصولة بالهمزة وهذا الطريق كما ترى وعر مسلكه ولكننا لا نجد طريقا غيره يهدينا إلى ذوق رحيق الكلمة التى هى أهم بنية في الأدب
[3].
* ص206 من أسرار الاستفهام بالهمزة. أن المسئول عنه بها هو ما يليها.وهذا الالتزام ضرورى لأنه يسئل بها عن كل شيئ في الجملة وبالتالى فكل شيئ في الجملة صالح لأن يسئل عنه " فلولا هذا الالتزام لالتبس مراد المتكلمين بها فلو قيل أزيدا لقيت؟ ولم يكن هذا من عُرف لسانهم لما كان هناك وجه لمعرفة مراد السائل هل يسأل عن الفعل ما هو؟ أم عن المفعول من هو؟ أم عن الفاعل أم عن النسبة؟ فالالتزام بهذا يمنع اللبس
وإذا كان موضع الشك هو ما يلى الهمزة فبقية الجملة لا شك فيها فإذا قلت أزيدا أكرمت؟ اقتضى ذلك أنك تشك في المفعول فقط,وأنك تعلم أنه كان منه إكرام ولك أن تردف أم عليا؟ولا تقل أم أهنت؟لأنه يعنى أنك تشك في الفعل ما هو؟وقد بينت بإيلائك الهمزة كما أن السؤال عن الفاعل يقتض بالضرورة معرفة فعل معين حتى يقال في الجواب الذي فعله فلان ولا يعقل السؤال عن فاعل والفعل غير محدد فلا يقال أأنت شربت ماء؟ لأنه لا وجه لتحديده فهل يقول أنا الذي شرب ماء وكيف يخص نفسه بشرب ماءأي ماء والذين يشربون الماء بهذا العموم كثير. واضح أن السؤال عن الفاعل يعنى معرفة الفعل وهذا يعنى بالضرورة أنه معين وإذا أردت أن تسأل هل شرب ماء قلت أشربت ماء؟ "الضوابط المستخلصة في هذا الباب ضوابط فكر "
[4]
1- فإذا بدأت في الاستفهام بالفعل (أَفَعلْتَ كذا؟) كان السؤالَ عن الفعل وكان غَرضُكَ أنْ تَعْلم وُجودَه.
2- وإِذا بدأْتَ بالاسم فقلتَ: (أأَنْتَ فعلتَ؟)كان السؤالَ عن الفاعل، مَنْ هوَ؟
[5].
تكملة :وهذا المعنى قائم في الهمزة، إذ هي كانت للتقرير(الاستفهام التقريري (هو أن تطلب من المخاطب أن يقرَّ بِما يُسأَلُ عنه نفياً أو إثباتاً) تَقريرٌ بفعلٍ قد كان، وإنكارٌ له لِمَ كان، وتوبيخٌ لفاعِلِه عليه. )ففى المختصر للسعد(والتقرير) أي حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه و الجائه إليه بشرط أن يذكر بعد الهمزة ما حمل المخاطب على الإقرار به"تقرير المخاطب بما يعلمه من مضمون الحكم- تقول أضربت زيدا في تقريره بالفعل وأأنت ضربت في تقريره بالفاعل وأزيدا ضربت في تقريره بالمفعول. وقد يقال التقرير بمعنى التحقيق والتثبيت فيقال أضربت زيدا بمعنى انك ضربته البتة
[6] مثال ذلك قولُه تعالى، “أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيم”الأنبياء: 62. لا شبْهةَ في أنَّهم لم يقولوا ذلك له عليه السلامُ وهم يُريدون أنْ يُقِرَّ لهم بأَنَّه قد تم كَسْرُ الأصنام، ولكنْ أن يقر بأنه الذي كسرها؛لأن ذلك الفعل معلوم عندهم، فقد شاهدوه رأي العين، لذا قالوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا”، والاستفهام إنما يكون عن شيء لا يعلم وإنما غرضهم الإقرار بأن ذلك حدث منه، وقوله عليه السلام في الجواب: “بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا” ولو كان التقريرُ بالفعلِ لَكانَ الجوابُ: "فَعلْتُ، أوْ: لم أَفْعَل" فهذا استفهام تقريرى" لفعل قد كان" و إنكارى له،لم كان، وتوبيخ لفاعله علي ذلك الفعل
[7].فالسؤال عن الفاعل أأنت أم غيرك . تقول أأنت أكرمت زيدا أم عمرو؟ ولا تقل أأنت أكرمت زيدا أم عمرا لا يقولها عربي أبدا.لأنه هكذا يكون الشك في المفعول بل الشك في الفاعل .ولا تقل أأنت أكرمت زيدا أم أهنته؟ فيكون الشك في الفعل وهذا غير صحيح.
[1] “ والإدراك بلا حكم تصور ، وبحكم تصديق “. إدراك الماهية من غير حكم عليها يسمى تصوراً ، وهو حصول صورة الشيء في الذهن ، ومع الحكم يسمى تصديقاً . وإنما سمي التصور تصوراً لأخذه من الصورة ، لأنه حصول صورة الشيء في الذهن ، لأنه لَمْ يَحْصُلْ سِوَى صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الذِّهْنِ وسمي التصديق تصديقاً ؛ لأن فيه حكماً يصدق فيه أو يكذب ،
[2] دلالات التراكيب صـ 206
[3] دلالات التراكيب صـ 230
[4] دلالات التراكيب صـ205 ,206
[5] ففي لدلائل (فقولُك: (أَبَنَيْتَ الدارَ التي كنتَ على أنْ تَبْنِيهَا؟ أَقُلْتَ الشِّعرَ الذي كان في نفسكَ أن تقولَهُ؟ أفَرَغْتَ من الكتابِ الذي كنتَ تَكتُبُه؟). تبدأ في هذا ونحْوهِ بالفعل، لأنَّ السؤالَ عنِ الفعلِ نفْسهِ، والشكَّ فيه، لأنَّك متردِّدٌّ في وجود الفعل وانتفائه، مُجوِّزٌ أَنْ يكونَ قد كانَ، وأنْ يكونَ لم يَكُنْ. وتقول: (أأَنْتَ بَنَيْتَ هذهِ الدارَ؟ أأنْتَ قلتَ هذا الشعرَ؟ أأَنتَ كتبْتَ هذا الكتاب؟) فتَبْدأ في ذلك كله بالاسم. ذلك لأنك لم تَشُكَّ في الفعل أنه كانَ. كيفَ، وقد أشرْتَ إلى الدار مَبْنية، والشِّعر مَقُولاً والكتابِ مكتوباً؟ وإنما شكَكْتَ في الفاعل مَنْ هو.ولو قلتَ: (أأَنْتَ بَنيتَ الدارَ التي كنتَ على أنْ تبنيها؟ أَأَنْتَ قلتَ الشعرَ الذي كان في نفسك أن تَقولَه؟ أأَنْتَ فرغْتَ من الكِتاب الذي كنتَ تكْتُبه؟) خرَجْتَ من كلام الناس. وكذلك لو قلْتَ: (أبَنَيْتَ هذه الدارَ؟ أَقلت هذا الشعرَ؟ أَكتبتَ هذا الكتابَ؟) قلْتَ ما ليس بقولِ ذاك، لِفَساد أنْ تقولَ في الشيء المُشَاهَدِ الذي هو نُصْبُ عينيكَ: أَموجودٌ أم لا؟ومما يُعلَمُ به ضرورةً، أنه لا تكونُ البدايةُ بالفعل كالبداية بِالاسم، تقولُ: "أقلتَ شعراً قط؟ "، "أرأيتَ اليومَ إِنساناً؟ "، فيكونُ كلاماً مستقيماً. ولَو قلتَ: "أأنتَ قلت شعرًا قط؟ "، "أأنت رأيت إنسانًا"، أحلت1، وذاك أَنه لا مَعْنى للسؤالِ عن الفاعلِ مَنْ هو في مثلِ هذا، لأنَّ ذلك إِنما يُتَصوَّر إِذا كانتِ الإشارةُ إِلى فعلٍ مخصوصٍ نَحْوَ أَنْ تقولُ: "مَنْ قال هذا الشعر؟ "، و "من بنى هذا الدار؟ " و "من أتاك اليوم؟ "، و "من أذن لك من الذي فعلتَ؟ "، وما أشبَه ذلك مما يُمكنُ أن يُنَصَّ فيه على مُعَيَّنٍ. فأمَّا قيلُ شعرٍ على الجملة، ورؤيةُ إنسانٍ على الإِطلاق، فمُحَالٌ ذلك فيه، لأَنه ليس مما يُخْتصُّ بهذا دون ذاكَ حتى يُسْأَلَ عن عينِ فاعلهِ.
[6] المختصر صـ137
[7] دلائل الإعجاز و الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور المؤلف: أبو الفتح، نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزري، ضياء الدين، المعروف بابن الأثير (المتوفى: 637هـ)صـ114 المحقق: مصطفى جواد الناشر: مطبعة المجمع العلمي 1375هـ و دلالات التراكيب صـ224 ’225