توضيح براعة التشبيه في { كأنهم خشب مسندة }

إنضم
09/01/2008
المشاركات
81
مستوى التفاعل
2
النقاط
8
هذا البحث في بيان التشبيه في قوله تعالى { كأنهم خشب مسندة } في سورة المنافقون :

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }

1) معنى مسندة لغة :
التسنيد نصب الشيء معتمدا على شيء آخر كحائط و نحوه .
) قال الشوكاني :" ومعنى { مُّسَنَّدَةٌ } : أنها أسندت إلى غيرها ، من قولهم : أسندت كذا إلى كذا ".
قال التحقيق الأصل الواحد : "هو الاعتماد والاتكاء إلى شيء سواء كان الاستناد في الظاهر أو في أمر معنوي
والفرق بين المادة ومواد الاعتماد والاتكاء والركون والتمكن
أن الاعتماد : هو استقامة واتكاء في النفس بالنسبة إلى شيء وفي قباله
والاتكاء : هو استقرار وتمكن بسبب الاستناد إلى شيء.
والتمكن هو استقرار وتثبت من حيث هو
والركون هو ميل مع سكون كما مر ـ ـ فظهر لطف التعبير بالمادة فإن الاعتماد والركون والاتكاء والتمكن فيها دلالة على الاستقرار في النفس والتمكن والتمايل والاستقامة " أي بخلاف مسندة .

2) معنى الخشب لغة :
قال المعجم الاشتقاقي : المعنى المحوري لـ(خ ش ب) : غلظ الجرم وصلابته مع امتداد وخشونة كالخشب ، ومن الغلظ والخشونة في الأصل استعمل في ما هو غليظ الهيئة جاف غير مسوى فالخشيب السهم حين يبرى البري الأول ولم يسو .
قال التحقيق : الأصل الواحد في هذه المادة هو ما استطال وخشن ـ ـ { كأنهم خشب مسندة } أي إنهم مثل خُشُب صلبة خشنة مستطيلة مسندة إلى جدار والمصداق الأتم في هذا المفهوم ما غلظ من العيدان وما صلب من الأغصان ثم يقاربه السيف الصلب وغيره فظهر اللطف في التعبير في الآية بهذه المادة دون الغصن وغيره فإن فيها الدلالة على التصلب والاستطالة وفقد الشعور وأما التقييد بمسندة فليشار بها إلى فقدان الحركة الاختيارية والاتكاء بالنفس والقيام بنفسه
قال ابن فارس : أصل واحد يدل عليى خشونة وغلظ.
قال التهذيب : الخشب بكسر الشين الغليظ الخشن من كل شيء
3) السر في جمعها جمع كثرة :
و الخشب بضمتين جمع خشبة جمع كثرة وهو دليل على كثرتهم .
4) السر في التشديد { مسندة } :
للتنبه بالتشديد على الكثرة والمبالغة .

موقع الجملة { كأنهم خشب مسندة } :

مستأنفة لذمهم استئنافاً بيانياً جواباً عن سؤال يَنشأ عن وصف حسن أجسامهم وذَلاقة كلامهم في قوله تعالى { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم } ، فيترقب السامع ما يَرد بعد هذا الوصف من حسن الأجسام وحسن الكلام .



5) توضيح التشبيه ووجه الشبه :
المشبه :
1) شبهوا في جلوسهم مستندين في المجالس سواء في مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من النوادي والمجالس فهو حالهم فى كل موضع قعدوا فيه .
2) بأجسامهم الضخمة التي تعجب رائيها ، وصورهم المنظمة الحسنة التي تروق الناظر إليها ، وهياكلهم الجالبة الْمَهِيبَة ، وأبدانهم السالمة فهم حسنو الظاهر إذا رأيتهم حَسِبْتُهم أَرْبَابَ لُبٍّ وَشَجَاعَةٍ وَعِلْمٍ وَدِرَايَةٍ .
3)إلا أن :
·بواطنهم فارغة خالية عن الإيمان والخير وكيانهم خاو منخور ، و أفكارهم منحرفة و عقولهم سقيمة أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام ، صور خالية عن العلم والنظر .
· تركوا التفهُّم والاستبصار وفقدوا روح الإيمان الذي به كمالهم وبقاؤهم أجرام لا عقول لها .
·، فهم منظر بلا مخبر حسن ظواهرهم ، سيئ باطنهم ، فهم أجسام تعجب العيون فحسب ، َفلَا تغتروا بهم .
·وأيضا جبناء فيهم الجبن والخور وعدم الانتفاع بهم في شيء كما يدل عليه { يحسبون كل صيحة عليهم } مع تشبيههم بالخشب غير النافعة
· لا ثبات لهم ولا طمأنية ولا سكون فالتوجس الدائم والفزع الدائم والاهتزاز الدائم ، وهذا من أسرار اختيار مسندة دون الاعتماد والتمكن فيها لأن في الاعتماد والتمكين دلالة على الاستقرار بخلاف مسندة ة.
· ليس لهم إرادة اختيارية فاقدوا الاختيار والقيام بالنفس ، وهو سر التعبير باسم المفعول ا للإشارة إلى أ ذلك ففاعل التسنيد غيرهم
المشبه به :
4) المشبه به الخشب المسندة :
أ- اختار أولا أ المشبه به الخشب ، لأن مادة (خ ش ب) تدل على يبس و وصلابة الجرم وخشونته مع غلظ او امتداد فالخشب جمع خشبة وهي ما استطال وخشن و صلب من العيدان وما صلب من الأغصان فَهِيَ صلبة خشنة غَلِيظَةٌ طَوِيلَةٌ يابسة خالية عن الحياة ليس لها تمييز ولا إدراك ولا شعور فالتعبير في الآية بهذه المادة دون الغصن وغيره فيه دلالة على التصلب والاستطالة وفقد الشعور مع الضخامة في الظاهر وهو تعبير دقيق لا يغني عنه غيره .
ب- ثم وصفها بأنها مسندة، وهي الَّتِي سُنِّدَتْ إِلَى حَائِطٍ أَوْ نَحْوِهِ أُمِيلَتْ إِلَيْهِ
وإنما وصف الخشب بها لأمور :
1.الأمر الأول : إفادة أنهم أشباح كبيرة ضخمة معجبة يحسب من يراها أنها صحيحة سليمة ، لكنها خالية عن الفائدة نخرة متآكلة بلا أرواح، لا خير فيها و لا فائدة ؛لأنّ الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو جعل سارية أو غيرذلك من مظان الانتفاع ، وما دام متروكاً فارغاً غير منتفع به أسند إلى الحيطان مهملا يعتره الجمود الراكد البارد خاليا عن الحياة ، غَيْر نافع .
2. الأمر الثاني : بيان إهمالها واحتقارها ، فالقرآن لم يكتف بوصفهم بالخشب فحسب إنما هي { خشب مسندة }. لا حركة لها ، ملطوعة بجانب الجدار مكدسة .
3.الأمر الثالث : بيان صفة عدم الحياة وانقطاع المدد ، فهي الشيء الجامد الذي لا حياة له ، لأنها لا تشبه الأشجار القائمة التي تنمو وتكبر وتأخذ المدد ، فهي لا باطن لها بثمرة ولا سقي فلا مدد سماوي لها أصلاً يزكيها نوع زكاء.
4. الأمر الرابع : إفادة عدم الثبات والطمأنينة والسكون فهي لا ثبات لها فالتوجس الدائم والفزع الدائم والاهتزاز الدائمكما تشعر به مسندة .
5. الأمر الخامس : الشبه في الإستناد في المجالس يشبه المسندة في الميل .
أبداع هذا التشبيه :
يتمثل إبداع هذا التشبيه من أنه تشبيه غريب بليغ ، مع ما فيه من المشابهة التامة لحالهم من نواح كثيرة تقدمت ثم دقة اختيار الألفاظ خشب ومسندة ثم المبالغة في التفعيل والتضعيف ثم البناء للمفعول ثم موقع الجملة مع غاية الإيجاز فهي عبارة قصيرة أعطت كل هذه المعاني الكثيرة التي لا يمكن جمعها إلا في القرآن مع الإيقاع في الحركات والشدات والإد غامات ، فهو يرسم لهم صورة فريدة مبدعة؛ تثير السخرية والهزء والزراية بهذا الصنف المطموس من الناس ، وتسمهم بالفراغ والخواء والجبن وعدم النفع . بل تنصبهم تمثالاً وهدفاً للسخرية في معرض الوجود .

 
عودة
أعلى