عبدالله الشهري
New member
- إنضم
- 13/01/2006
- المشاركات
- 245
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
[align=center]
لئلا يعلم أهل الكتاب
( بقلم: بسام جرار)
آية تختم فيها سورة الحديد أشكلت على عامة أهل التفسير. والمتدبر يكتشف أنّ سبب الاستشكال يرجع إلى عدم إدراك المستشكِل للمعنى وظلالِه. وهذا الأمر يتكرر عند أهل التفسير، وهو أمر لا بد منه، وذلك لقصور العقل البشري وعدم إحاطته بمرامي كتاب الله العزيز. وهذا يعني أن تستمر مسيرة التفسير والتدبّر فلا تتوقف عند شخص أو جماعة أو عصر من العصور.
جاء في الآيتين 28 و29 من سورة الحديد:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. لِئلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ".
" لِئلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ": تذهب الغالبية العظمى من أهل التفسير إلى أنّ لا في لفظة لئلا هي زائدة. وعليه يصبح المعنى: ليعلم أهل الكتاب. والقول بالزيادة غير مقبول في كتاب الله. ومن يذهب إلى القول بالزيادة يكون قد أعلن عن عجزه عن فهم المعنى. بل إنّ الفهم غير الدقيق للمعنى هو الذي يَحمل البعض على القول بالزيادة.
أما الأمثلة التي تُضرب للتدليل على وجود الزيادة في بعض ألفاظ القرآن الكريم فلا تصلح للاستدلال نظراً إلى أنّ مردّها إلى عدم الدقة في الفهم. ومن الأمثلة الشائعة التي تساق للتدليل على الزيادة في بعض الألفاظ القرآنية، قوله تعالى في سورة الأعراف، مخاطباً إبليس:" قال ما منعك ألا تسجدَ إذ أمرتك"، فـ لا هنا عندهم زائدة بدليل قوله تعالى في سورة ص:" قال يا إبليس ما منعك أن تسجدَ لما خلقتُ بيدي". والصحيح أنْ لا زيادة هنا، لأنّ عدم السجود قد يكون لمانع مع توفر الرغبة فيه. وفي مثل هذه الحالة يقال:" ما منعك؟". أي ما الشيء الذي منعك أن تسجد؟. أما إذا كان لا يريد السجود لأمر في داخله حمله على ذلك، فيقال له:" ما الذي منعك ألا تسجد؟"، أي: ما الذي حملك على أن لا تسجد؟!. وما قلناه هنا قُصد به تأكيد القول بعدم الزيادة، وليس استقصاء الفروق في المعنى.
بالرجوع إلى السياق نجد أنّ الآية 25 من سورة الحديد تتحدث عن إرسال الرسل وإنزال الكتب من أجل أن يقوم الناس بالقسط. وأنّ إنزال الحديد كان من أجل منفعة الناس، ومن أجل أن تكون القوة الماديّة معززة لقوة الفكرة الحقّة. ثم تتحدث الآية 26 عن إرسال إبراهيم ونوح، عليهما السلام، وجَعل النبوّة والكتاب المنزّل في ذريتهما، فكان المآل أن انحرف الناس بعد هدى فأصبح أكثرهم فاسقين. ثم تتحدث الآية 27 عن إرسال عيسى، عليه السلام، وما آل إليه أتباعه بعد حين فأصبح أكثرهم فاسقين.
أما الآية 27 فهي:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ".
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ": ظنّ البعض أنّ الكفل هو النصيب السّيّئ، وهذا غير صحيح بدلالة هذه الآية. وظنّ آخرون أنّ الكفل هو النصيب، وأنّ السياق هو الذي يحدد إن كان سيئة أو حسنة. والصحيح أنّ الكفل هو النصيب المكفول أي المضمون حصوله، سواء أكان في عالم السيّئة أم في عالم الحسنة. وعليه نقول:
كأنّ المعنى: إن اتّقيتم الله وآمنتم برسوله يؤتكم ضمانتين فيهما رحمة، ويجعل لكم نوراً تستعينون به في سيركم إلى الله، ويغفر لكم. الضمانة الأولى من شأنها أن تمنع أهل الكتاب من أن يدركوا حقيقة عجزهم عن نيل فضل الله أو منعه أن يصل إلى أهل الإيمان:" لِئلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ": فجهل أهل الكتاب بحقيقة عجزهم هذا مطلوب؛ لأنّهم لو أدركوا أنهم لا يقدرون على منع فضل الله والاستئثار به، لتوقفوا عن الكيد لأهل الحق لإحساسهم بعدم جدوى ذلك. وهذا يعني أنه قد تمّ تحييد عامل مهم من عوامل تسريع ظهور الفكرة الإسلاميّة ومن ثَمّ سيادتها بين الناس. فما يقوم به الغرب، مثلاً، من حملات تبشيريّة ودراسات استشراقيّة وحملات تشكيكيّة وهجمات سياسية وعسكرية... كل ذلك له دور كبير في تسريع الوعي وتسريع عودة المسلمين إلى دينهم الحق. ومن يرصد الواقع يجد أنّ المكر الغربي اليوم لا يصل إلى أهدافه، ويجد أنّ الهجمة الغربيّة تأتي بنتائج معاكسة. أما هم ففي حيرة من أمرهم لأنه لا يعلمون أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله، ولا يعلمون أنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
فهم إذن يجهلون حقيقة عجزهم، ويجهلون حقيقة أنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. وفي ذلك ضمانة ثانية أنّ فضل الله ورحمته ستصيب من اتقى وآمن. وعليه يكون المعنى: إذا اتقيتم الله وآمنتم برسوله يؤتكم نصيبين مكفولين هما من رحمته سبحانه؛ ضمانة ينتج عنها عدم قدرة أهل الكتاب على معرفة حقيقة عجزهم عن منع فضل الله أن يناله المؤمنون. وضمانة ينتج عنها جهل أهل الكتاب بحقيقة أنّ الفضل كله بيد الله، وأنه لا بد أن يناله أهل التقوى والإيمان. كيف لا، والتقوى والإيمان الحق هما من فضل الله تعالى. وإصرار أهل الكتاب على شركهم وفسوقهم وظلمهم دليل صارخ على عدم قدرتهم على نيل الفضل الرباني وبالتالي هم أعجز من أن يمنعوه عن غيرهم، وهم يحاولون دائماً أن يفعلوا ذلك، لأنهم لا يدركون حقيقة عجزهم.
المصدر: http://www.islamnoon.com/ahl-ketab.htm
[/align]
لئلا يعلم أهل الكتاب
( بقلم: بسام جرار)
آية تختم فيها سورة الحديد أشكلت على عامة أهل التفسير. والمتدبر يكتشف أنّ سبب الاستشكال يرجع إلى عدم إدراك المستشكِل للمعنى وظلالِه. وهذا الأمر يتكرر عند أهل التفسير، وهو أمر لا بد منه، وذلك لقصور العقل البشري وعدم إحاطته بمرامي كتاب الله العزيز. وهذا يعني أن تستمر مسيرة التفسير والتدبّر فلا تتوقف عند شخص أو جماعة أو عصر من العصور.
جاء في الآيتين 28 و29 من سورة الحديد:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. لِئلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ".
" لِئلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ": تذهب الغالبية العظمى من أهل التفسير إلى أنّ لا في لفظة لئلا هي زائدة. وعليه يصبح المعنى: ليعلم أهل الكتاب. والقول بالزيادة غير مقبول في كتاب الله. ومن يذهب إلى القول بالزيادة يكون قد أعلن عن عجزه عن فهم المعنى. بل إنّ الفهم غير الدقيق للمعنى هو الذي يَحمل البعض على القول بالزيادة.
أما الأمثلة التي تُضرب للتدليل على وجود الزيادة في بعض ألفاظ القرآن الكريم فلا تصلح للاستدلال نظراً إلى أنّ مردّها إلى عدم الدقة في الفهم. ومن الأمثلة الشائعة التي تساق للتدليل على الزيادة في بعض الألفاظ القرآنية، قوله تعالى في سورة الأعراف، مخاطباً إبليس:" قال ما منعك ألا تسجدَ إذ أمرتك"، فـ لا هنا عندهم زائدة بدليل قوله تعالى في سورة ص:" قال يا إبليس ما منعك أن تسجدَ لما خلقتُ بيدي". والصحيح أنْ لا زيادة هنا، لأنّ عدم السجود قد يكون لمانع مع توفر الرغبة فيه. وفي مثل هذه الحالة يقال:" ما منعك؟". أي ما الشيء الذي منعك أن تسجد؟. أما إذا كان لا يريد السجود لأمر في داخله حمله على ذلك، فيقال له:" ما الذي منعك ألا تسجد؟"، أي: ما الذي حملك على أن لا تسجد؟!. وما قلناه هنا قُصد به تأكيد القول بعدم الزيادة، وليس استقصاء الفروق في المعنى.
بالرجوع إلى السياق نجد أنّ الآية 25 من سورة الحديد تتحدث عن إرسال الرسل وإنزال الكتب من أجل أن يقوم الناس بالقسط. وأنّ إنزال الحديد كان من أجل منفعة الناس، ومن أجل أن تكون القوة الماديّة معززة لقوة الفكرة الحقّة. ثم تتحدث الآية 26 عن إرسال إبراهيم ونوح، عليهما السلام، وجَعل النبوّة والكتاب المنزّل في ذريتهما، فكان المآل أن انحرف الناس بعد هدى فأصبح أكثرهم فاسقين. ثم تتحدث الآية 27 عن إرسال عيسى، عليه السلام، وما آل إليه أتباعه بعد حين فأصبح أكثرهم فاسقين.
أما الآية 27 فهي:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ".
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ": ظنّ البعض أنّ الكفل هو النصيب السّيّئ، وهذا غير صحيح بدلالة هذه الآية. وظنّ آخرون أنّ الكفل هو النصيب، وأنّ السياق هو الذي يحدد إن كان سيئة أو حسنة. والصحيح أنّ الكفل هو النصيب المكفول أي المضمون حصوله، سواء أكان في عالم السيّئة أم في عالم الحسنة. وعليه نقول:
كأنّ المعنى: إن اتّقيتم الله وآمنتم برسوله يؤتكم ضمانتين فيهما رحمة، ويجعل لكم نوراً تستعينون به في سيركم إلى الله، ويغفر لكم. الضمانة الأولى من شأنها أن تمنع أهل الكتاب من أن يدركوا حقيقة عجزهم عن نيل فضل الله أو منعه أن يصل إلى أهل الإيمان:" لِئلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ": فجهل أهل الكتاب بحقيقة عجزهم هذا مطلوب؛ لأنّهم لو أدركوا أنهم لا يقدرون على منع فضل الله والاستئثار به، لتوقفوا عن الكيد لأهل الحق لإحساسهم بعدم جدوى ذلك. وهذا يعني أنه قد تمّ تحييد عامل مهم من عوامل تسريع ظهور الفكرة الإسلاميّة ومن ثَمّ سيادتها بين الناس. فما يقوم به الغرب، مثلاً، من حملات تبشيريّة ودراسات استشراقيّة وحملات تشكيكيّة وهجمات سياسية وعسكرية... كل ذلك له دور كبير في تسريع الوعي وتسريع عودة المسلمين إلى دينهم الحق. ومن يرصد الواقع يجد أنّ المكر الغربي اليوم لا يصل إلى أهدافه، ويجد أنّ الهجمة الغربيّة تأتي بنتائج معاكسة. أما هم ففي حيرة من أمرهم لأنه لا يعلمون أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله، ولا يعلمون أنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
فهم إذن يجهلون حقيقة عجزهم، ويجهلون حقيقة أنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. وفي ذلك ضمانة ثانية أنّ فضل الله ورحمته ستصيب من اتقى وآمن. وعليه يكون المعنى: إذا اتقيتم الله وآمنتم برسوله يؤتكم نصيبين مكفولين هما من رحمته سبحانه؛ ضمانة ينتج عنها عدم قدرة أهل الكتاب على معرفة حقيقة عجزهم عن منع فضل الله أن يناله المؤمنون. وضمانة ينتج عنها جهل أهل الكتاب بحقيقة أنّ الفضل كله بيد الله، وأنه لا بد أن يناله أهل التقوى والإيمان. كيف لا، والتقوى والإيمان الحق هما من فضل الله تعالى. وإصرار أهل الكتاب على شركهم وفسوقهم وظلمهم دليل صارخ على عدم قدرتهم على نيل الفضل الرباني وبالتالي هم أعجز من أن يمنعوه عن غيرهم، وهم يحاولون دائماً أن يفعلوا ذلك، لأنهم لا يدركون حقيقة عجزهم.
المصدر: http://www.islamnoon.com/ahl-ketab.htm
[/align]