تهذيب النبذ من رسالة الدكتور إبراهيم عوض هتك الستار

إنضم
18/12/2005
المشاركات
170
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
المغرب
تهذيب وترتيب نبذ من رسالة الدكتور ابراهيم عوض"هتك الستار" المؤرخة ب 28/03/2007 وهي في الرد على رسالة "عبد المسيح الكندي" في الرد على الهاشمي

يقول ناشروالرسالتين أنه شىء متفرد ومتفوق على كل ما يشبهه من رسائل جدلية، إذتثير فى وجه المسلم شبهات وبراهين لا يمكنه الرد عليها حسب تصورهم. فظهر للدكتور إبراهيم أن رسالة الكندى متهافتة أشد التهافت وبين ذلك في قسمين كبيرين:
قسم مؤلف من 18 مسألة يثبت فيها أن رسالة الهاشمي مصنوعة لم يكتبها مسلم قط.
وقسم آخر مؤلف من 30 مسألة يفحص فيها رسالة الكندي.


[نبذ مختصرة من القسم الأول]​


-1- منذ متى كان الصديقان الحميمانكالهاشمي والكندى يتحاوران فى الدين كتابة، وهما يتقابلان فى كل وقت،ويمكنهم النقاش شفاها؟ فالأولى قيام رجل ثالث بتسجيل ما دار بينهما شفاها كما يظهر من كتب المناظرات والمحاورات، مثل كتاب: "الإمتاع والمؤانسة" لأبى حيان التوحيدى، ومن صفحات فى كتب الجاحظ، لا أن يكتبكل منهما رسالة وكأنهما عدوّان لا تتراآى ناراهما.
والمفروض أنكليهما قد اطلع بالمخالطة على آراء صاحبه، وتبين له تمسكه بما يعتقده، فعندئذ لا حاجة لمراسلته

[قال سمير القدوري: القاعدة المشهورة تقول "تجنب مناظرة من ليس مذهبه إلا المضادة".]

-2- تقديم الناشرين للرسالتين بكلام محال عقلا، لأنه لو كان هذا الهاشمى وذاك الكندى معروفين على ما وصفهما التقديم لامتلأت كتب التراث بخبر تلك المناظرة التحريرية، فكيف أن النصرانى قدنال فيها من الرسول صلى الله عليه وسلم والعرب والمسلمين نَيْلاً وقحًا شنيعًا (بخلاف ما زعمهوليامموير فى ص 16 من مقدمة النشرة الإنجليزية للرسالة من أن الكندى إنما تحدث عن الرسولباحترام مع تفنيده ادعاءات محمد بعنف، وانتقاده الإسلام بمنتهى القسوة) وهو كلام كاذب.
ولكان انبرى للردعلى وقاحة الكندى جم غفير من الكتاب. هذا إن سكت السلطان أصلا عن سفاهة وسفالة النصراني ولم يؤدّبه الأدب الشرعى الذى ينبغى لأمثاله. فكيف يصمت الجميع ويكرم النصراني على تسافهه. هذا ما لا يمكنأن يكون.
والحال أن للمسلمين كتبا كثيرة العدد فى الأدب الجدالى حبرها رجال كالجاحظ وابن حزم والقرطبى والغزالى والجوينى وابن تيمية، فضلا عن أحباراليهود وقساوسة النصارى الذين أسلموا. فكيف يجوز سكوت كل هؤلاء الكتّاب على تخرصات الكندي. وإنما الحق أنه كتبهما من لم يصرح باسمه، ولم يعش فى عصر المأمون. إذ كيف يجوز في العقل تسمية المأمون لرسول الله بـــ"صاحبنا" فى قوله: "وأما الدين الصحيح فهو التوحيد الذي جاء به صاحبنا"!
فهذا الـ"عبد المسيح" لا وجود له فى كتب التراث، اللهم إلا إشارة عارضة فى كتاب البيرونى: "الآثار الباقية عنالقرون الخالية" ذكر فيها شيئا قاله رجل اسمه عبد المسيح الكندى عن الصابئة فى كتاب له للهاشمي. هذا كل ما هنالك. أمّا مَنِ الكندى هذا فلا أحد يعرف، حتى لقد ظن المستشرق ساخاو)ناشر الطبعة الإنجليزية من كتاب البيرونى: "الآثار الباقية عن القرون الخالية" عام 1879 أنه الكندى الفيلسوف، قاله فى الملاحظات الملحقة فى آخر الكتاب (الملاحظة رقم 187 الموجودة فى صفحة 419على وجه التحديد)، وعلّق وليام مُوِير (ص 6 من مقدمته لترجمة الرسالة المنسوبةللكندى) بأن ذلك غير ممكن لأن الكندى الفيلسوف كان مسلما لا نصرانيا، ومن ثم لايُعْقَل أن يكون هو كاتب الرسالة التى تهاجم الإسلام وتنتصر للنصرانية.



ومع هذا فإن لويس شيخو الكذاب (الذي جعل كلشعراء الجاهلية الوثنيين نصارى مما أثار عليه بلديّه الكاتب اللبنانى النصرانى الساخر مارون عبود فتهكم على هذا التعميد العجيب الذى يُسْتَخْدَم فيه الحبر بدلامن الماء) زعم أن الكندى كاتب الرسالة هو فعلا الكندى الفيلسوف المعروف، و أنه نصرانى وأن أباه كان يتولى الكوفة للمهدى والرشيد الخليفتين العباسيين.
فكيف يجوز أنيتولى نصرانى فى تلك الأيام ولاية فى الدولة الإسلامية، فضلا عن أن تكون تلكالولاية هى الكوفة التى تقع قريبا من دست الحكم فى بغداد. ولم يكتف شيخو بذلك فقال إن عبد المسيح بن إسحاق هو من أنسباء هذا الفيلسوف يعقوب بن إسحاق. فانظر، بالله عليك أيها القارئ، لصفاقة الوجه التى لا مثيل لها. إذ لو كان الكندى الفيلسوف رجلا نكرة، أو كان نصرانيا هو أو أبوه ثم أسلم أحدهما أو كلاهما لكان لكذب شيخو وجه ولو ضعيف، أما والكندى الفيلسوف مسلم أبا عن جد في سلسلة طويلة متصلة إلى عصر النبىعليه السلام إذكان جده البعيد من صحابة رسول الله، فهذا ما يقطع كل كذاب .
ولم يذكر لنا شيخو من أين استقى مافى كتابه: "مجانى الأدب فى حدائق العرب" ونصه: "هو يعقوب بن إسحاقالكندي النصراني. وكان شريف الأصل بصريًا، وكان أبوه إسحاق أميرًا على الكوفة للمهدي والرشيد. ويعقوب هذا أوحد عصره في فنون الآداب، وشهرته تغني عن الأطناب. وكان له اليد الطولى بعلوم اليونان والهند والعجم متفننًا عالمًا بالطب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة والهيئة والفلسفة، وله في أكثر هذه العلوم تآليف مشهورة. ولم يكن في العرب من اشتهر عند الناس بمعاناة علم الفلسفة حتى سموه: "فيلسوفًا" غيريعقوب. وكان معاصرًا لقسطا بن لوقا الفيلسوف البعلبكي النصراني، واستوطن بغداد وأخذ عن أبي معشر البلخي. ومن أنسباء يعقوب هذا عبد المسيح بن إسحاق الكندي، وله رسالة مشتهرة فنّد فيها اعتراضات ابن إسماعيل الهاشمي على النصرانية ذكرها أبو الريحان البيروني في تاريخه".
والحق أن هذا افتراء منه لم يقله أحد قط غيره, ويبطله ما في كتاب الفهرست للنديم في ترجمة الكندي, وما في القانون في الطب لابن سينا, وطبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة وأخبار العلماء والحكماء للقفطي, وكلهم مجمع على أن يعقوب بن إسحاق الكندي عربي مسلم عريق في الإسلام.
وأما أن يكون شيخو جاهلا بهذا فمستحيل في حق مؤرخ للأدب العربى له اطلاعه ويعرفوالد الكندى وعمله وولايته على الكوفة أيام المهدى والرشيد، بما يدل على أنه يعرف كل شىء عن الرجل بما فى ذلك نسبه، لأن كلام المؤرخين عن والد الكندى متصل بكلامهم عن نسبه.


-3- أما ما ورد عند البيرونى واستشهد به هؤلاء المفترون، فهو قوله: "وكذلك حكى عبد المسيح بن اسحاق الكندى النصراني عنهم (أى الصابئة) فى جوابهعن كتاب عبد الله بن اسماعيل الهاشمى أنهم يُعْرَفون بذبح الناس، ولكن ذلك لايمكنهم اليوم جهرا".
وعلق عليه وليام موير فى ص 17 من النشرة الإنجليزية للكتاب بأن هذا الكلام موجود فى ص 25 (وأحسبه يشير إلى نشرة جمعية ترقية المعارف المسيحيةالتى صدرت في لندن عام 1885م)،[قال سمير القدوري: بل يشيرإلى ص 42 من طبعة 1885م]
ونصه: "لا يكاتمون (أى الصابئة) ولا يسترون منهاشيئًا غير القرابين التى يتخذونها من الناس، فإن ذبح الناس لا يتهيّأ لهم اليومجهرًا، بل يحتالون فيه فيفعلونه سرًّا". لكن هذا الكلام ليس موجودا لافى رسالة الكندى ولا فى رسالة الهاشمى اللتين بين أيدينا الآن، فما معنى ذلك؟معناه أن ما بين أيدينا من رسالة الكندى لم يكنهكذا فى الأصل، بل اعترته تغييرات، وربما لم تكن تحتوى على الكلام المنحط فى حقالرسول عليه السلام، بل هو من إضافات بعض الخنازير من المتأخرين.
ثم البيرونى لم يقل إنه رأى رسالة الهاشمى، بل نقل نصا من رسالة الكندى فقط.

.
-4-
العصر الذى عاش فيه صاحباالرسالتين:

فأما عبد المسيح فكل ماوجدناه عنه هو زعم لويس شيخو الكذاب وهو كلام مرفوض لمخالفته حقائقالتاريخ. ولو كان عبد المسيح هذا ذا وجود تاريخى حقيقى، فأين يا ترى كتاباته الأخرى مادام صاحب أسلوب وقدرة على الجدل والوقاحة بالشكل الذى تعكسه رسالته؟ بل لا بد لمثله منمواصلة التأليف والدخول مع المسلمين فى جدالات أخرى، ، فإن لم يكن عبد المسيح أحد هؤلاء الذين تستفزهم كتابات السلمين الكثيرة في الرد على النصارى فمن يا ترىسوف تستفزه؟ كما أن مثله لن يكتفى بالكتابة فى الدفاع عن دينه، بل سوف يكتب فى شرح عقيدته وعبادات ديانته للجمهور، وكذلك سوف يكتب عن تاريخها ورجالها وما إلى ذلك. فأين تلك الكتب؟



[هوية الهاشمي]


وأما ذلك الهاشمى فيقول ساخاو (ص 187) إنه لا يعرف شيئا عن عبد الله بن إسماعيل هذا.

وفي وجدنا في "تاريخ الإسلام" للذهبى : "وفيها (أى فى سنة 350 هـ) تُوُفِّيَ أبو جعفر عبد الله بنإسماعيل الهاشمي خطيب جامع المنصور، وكان ذا قعدد في الأبوة، فإنه في طبقة الواثق،إذ هو عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن المنصور أبي جعفر".

وفى كتاب "النجوم الزاهرة" لابن تغرى بردى أيضا أن عبد الله بن إسماعيل هذا توفى سنة 350هـ، وأنه كان خطيبا لجامع المنصور مثل أبيه، وأنه كان من بنى العباس، وفى طبقة هارون الواثق فى علو النسب.
فإذا عرفنا أن المأمون وُلِد سنة 170هـ، ومات سنة 218هـ، تبين لنا أنبينه وبين الهاشمى هذا أكثر من قرن.
والهاشمى ورد اسمه فى عدد من روايات أسباب النزول فى كتاب الواحدى، وفى سلسلة بعض الأحاديث فى كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبى مثلا. ومع ذلك فإنى لا أظن أنه هومؤلف الرسالة التى تدعو الكندى المزعوم إلى الإسلام.

-5- ثم إن مثل الهاشمى الذى كان من رجال الحديث وخطيبًا لواحد من أكبر الجوامع فى بغداد لا يمكن أن يخطئ تلك الأخطاء العجيبة، إذافتتح رسالته إلى خصمه النصرانى بالسلام عليه والرحمةتشبُّها بسيده وسيد الأنبياء محمد رسول الله لأن الثقات، كما قال، قد رَوَوْا عنهأن هذه كانت عادته، وأنه كان إذا افتتح كلامه مع الناس يبادئهم بالسلام والرحمة في مخاطبته إياهم، ولا يفرّق بين الذمّي منهم والأمي، ولا بين المؤمن والمشرك. والحقأن النبى كان، مع احترامه لجميع البشر، لا يحييهم جميعا بذات التحية. وهذا واضح من تحاياه على الأقل للملوك والزعماء غير المسلمين الذين أرسل إليهم يدعوهم إلى الإسلام، إذ كان يكتفى بقوله: "سلْمٌ أنت" أو "السلام على من اتبع الهدى" أو "السلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله"، ولم يكن يقول: "السلام عليك ورحمة الله" كما يزعم كاتب الرسالة. فلا يسع أى مسلم له أدنى اطلاع على السيرة النبوية أن يجهل هذا، فكيف بمثل ذلك العالم المنتسبللدوحة الهاشمية ذي القرابة إلى خلفاء بنى العباس؟

-6- كذلك جاء فى رسالة الهاشمى المزعومة حديثان نسبا لرسول الله عليه السلام: "بُعِثْتُ بحُسْن الخلق إلى الناس كافة، ولم أُبعث بالغِلظة والفظاظة" و"محبة القريب ديانة وإيمان". وقد بحثت عنهما فى موسوعة الأحاديث الصحيحةوالضعيفة المسماة: "تيسير الوصول إلى أحاديث الرسول" فى إصدارها التاسع المتاح بموقع "الدرر السنية"، فلم أجد لهما أثرا لا بين الصحاح ولا بين الضعاف. بل لقدحاولت العثور على كلمة "فظاظة" أو "ديانة" فى حديث منسوب للرسول الكريم،صحيحا كان أو ضعيفا، فلم أوفق إلى شىء بالنسبة للكلمة الثانية، أما الأولى فلمأجدها وردت إلا على لسان اليهود فى روايةٍ منقطعةٍ ذَكَرها ابنُ كثير فى تفسيرهلقوله تعالى: "من كان عدوّا لجبريل فإنه نزّله على قلبك بإذن الله..."، وهو قولهملعمر بن الخطاب لا للرسول عليه السلام، الذى لم يكن حاضرا: "إن جبريل مَلَك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب". ولا يعقل أن يكون الرجل من رواة الأحاديثويجهل أن ذينك الحديثين لا وجود لهما!

-7- كذلك لا يصح أن يقول هذا الهاشمى وهو من رواة الحديث والخطباء: "ويقول الله مؤكدا"، ناسبا التأكيد إلى الله سبحانه، فمثل هذه اللغة غريبة جدا على كتّاب تلك العصور،بل حتى فى عصرنا هذا غريبة. ولا أخال مسلما [في ذاك الزمان] يسمِّى كتب "العهد القديم" بــ"الكتب العتيقة"، أو كتب"العهد الجديد" بــ"الكتب الحديثة"، فضلا عن أن يسمى أي إنجيل بــ"البشارة" كما صنع الهاشمى فيما نسب له زُورًا.
ولا أن يصف الرهبان وقيامهم فى الأديرة قائلا: "حفاة على المسوحوالرماد باكين بكاءً كثيرًا متواترًا بانهمال دموع من الأعين والجفون منتحبين بسحقٍ عجيب"، فهذه كلها رطانة لم يعرفها المسلمون وقتذاك.
ثم انظر الركاكة فى قوله: "قيامهم على المسوح والرماد"، إذ المسوح ملابس متقشفة يلبسها بعض الرهبان إعلانا عن زهدهم فى الدنيا، والرمادهو التراب المتخلف عن النار، فما معنى أن يقوم إنسان على المسوح والرماد؟وكيف؟ ذلك ما لا ينطق به عربي فصيح لا فى القرن الثانى ولا فيما بعد ذلك بقرون. فكيف بعالم هاشمي.
كما أن المسلم لا يقول: "الإنجيل"، وهو يقصد أناجيل متى ومرقص ويوحنا ولوقا، وأعمال الرسل ورسائلهمورؤيا يوحنا، إذ الإنجيل فى الإسلام هو الكتاب الذى أنزله الله تعالى على عيسى لا الكتب التى كتبها بعض الناس بعد عيسى. ومن المستحيل أن يدور فى ذهن أى مسلم أن أولئك الناس المسَمَّيْن فى العهد الجديد بــ"الرسل" والذين يدور حولهم سفر "أعمال الرسل" هم حواريّو المسيح كما جاء فى رسالة الهاشمى.
ولا يمكن أيضا أنيقول مسلم عالم من الهاشميين عن المسيح وحوارييه إنه "بعثهم إلى الأمم دُعاةً له"،لأن هذا القول يناقض ما جاء فى القرآن من أن عيسى عليه السلام إنما أُرْسِل لبنى إسرائيل فقط، ويناقض كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فقال ما معناه إن كل نبى قبله كان يُبْعَث فى قومه خاصة، أما هو فبُعِث إلى الناس كافّة.
كذلك من المحال أن يُثْنِىَ مسلمعلى إيمان القساوسة والرهبان من أهل التثليث وعلى عبادتهم ورهبانيتهم وهو يقرأ فى القرآن وأحاديث الرسول أنهم كفار وأنهم قد ابتدعوا تلك الرهبانية التى حرمها الله سبحانه وتعالى لمخالفتها سنة الفطرة، وفى وقت كان المسلمون سادة للعالم لا يحتاجون إلىالمواراة والالتواء فى حديثهم إلى أهل ذمتهم.




-9- وينخرط الهاشمى في زعمهم، فى فاصل يستعرض فيه قراءاته فى كتب القوم ومناظراته لرؤسائهم. وهو فاصل غير مفهوم، إذ الكندى يعرف كل ذلك عنه لأنهما صديقان، ثم هل يعقل أن يمضى الهاشمى فيحاضر الكندى فى دينه وكُتُبه وفِرَقه، وكأن الكندي لا يعرف هذا وهو من صميم دينه.
ثم وجدنا الكندى يشرح للهاشمى فى جوابه له فيقول له أثناء حديثه عن جمعالقرآن: "فاجتمع أمرهم وجمعوا ما كان حَفِظه الرجال من أجزائه كسورة "التوبة" التيكتبوها عن الأعرابي الذي جاءهم من البادية وغيره من الشاذ والوافد، وما كان مكتوباعلى اللِّخاف (وهي حجارة بيض رقاق واحدتها لَخْفة، وهي في حديث زيد بن ثابت جامعالقرآن) والعُسُب (وهو جريد النخل) وعلى عظم الكتف ونحو ذلك، ولم يُجمع في مصحف".
[قال سمير القدوري: ما بين الهلالين ليس سوى تحريف انفردت به طبعة القاهرة لسنة 1912م فقط وقد استبعده جورج طارطار في تحقيق ص 110.]
هل من المعقول أن يقضى الهاشمى كل تلكالأوقات فى الكنائس والأديرة مخالطا للقسيسين والرهبان مشاهدا لما يصنعون ويدخل معهم فى مجادلات حول الإسلام والنصرانية ثم لا نجد له سوى تلك الرسالة المزعومة القصيرة المجملة.
والمضحك، أن يقول للكندى إنه قد ذكر له كل شىء عن مشاهداته وتجاربهحتى يعلم كل من يطلع على خطابه إليه أنه كان عالما بالقضية! فإذا شاء أن يقرأه الآخرون، فلم لم يضع فى ذلك كتابا يقرؤه الناس؟
وأخيرا هل يعقل أن ينقض ذلك العالم المسلم على أهل دينه تقربا إلى الكندى فيقول: "ناظرتُهم مناظرةً نصفة طالبا للحق، مسقِطا بيني وبينهم اللجاج والمكابرة والصلف بالحسب، وأوْسعتُهم أمنا أن يقوموا بحجّتهم ويتكلموا بجميع ما يريدونه، غيرمؤاخذٍ لهم بذلك ولا متعنّت عليهم في شيء كمناظرة الرَّعاع والجهال والسفهاء من أهلديانتنا، الذين لا أصل لهم ينتهون إليه ولا عقل فيهم يعوّلون عليه، ولا دين ولاأخلاق تحجبهم عن سوء الأدب، وإنما كلامهم العَنَت والمكابرة والمغالبة بسلطانالدولة بغير علم ولا حجة". الحق أن هذا كلام نصرانىٍّ خبيثٍحقودٍ.

-12- وفى الرسالة المنسوبة إلى الهاشمى: "فأنا الآن أدعوك بهذه المعرفة كلها مِنّي بدينك الذي أنت عليه إلى هذا الدين الذي ارتضاه الله لي وارتضيته لنفسي، ضامنًا لك به الجنة ضمانًا صحيحًا والأمن من النار".
كيف يقع فى هذه الغلطة البلقاء مثل ذلك العالم الكبير؟ هذا كلام رجل لا يعرفالإسلام، وهو من الأسباب القوية التى تدفع إلى التشكك الشديد فى الرسالة وفى نسبتها إلى عالم مسلم كهذا الهاشمى، الذى كان فوق ذلك من أهل الحديث وخطيبا لجامع المنصورفى بغداد.

-13- وجاء فى كلام الهاشمى أيضا عن الشهادتين: "وهذه الشهادة هي الشهادة التي شهد الله بها قبل أن يخلق الخلائق، إذ كان على العرش مكتوبا: لا إلهإلا الله. محمد رسول الله".

قال سمير القدوري: الحديث خرجه أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد القرشي ابن الجوزي (ت. 597 هـ) في كتابه "الموضوعات" تحقيق : توفيق حمدان, دار الكتب العلمية - بيروت - 1415 هـ -1995م ، ج1ص 252, من طريق ((إسحاق ابن إبراهيم الختلي قال حدثنا أبو بكر عبد الرحمن بن عنان الصوفي قال حدثنا محمد بن مجيب الصائغ قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله : ( ( ليلة أسري بي رأيت على العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين يقتل مظلوماً ) ) . ثم قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله . وأبو بكر الصوفي ومحمد بن مجيب كذابان، قاله يحيى بن معين.]

فالحديث إذن موضوع لا أصل له، فهل من الممكن أن يستشهد به محدث كالهاشمى؟.

-14- ومما لا يصدّق أن يقول الهاشمى: "وأدعوك إلى الصلوات الخمس التي مَنْ صلاّها لم يخب ولميخسر بل يربح ويكون في الدنيا والآخرة من الفائزين، وهي الفرض فيها فرضان: فرضٌ منالله، وفرضٌ من رسوله مثل الوتر. وهي ثلاث ركعات بعد العِشاء الأخيرة، وركعتان في الفجر، وركعتان بعد الظهر، وركعتان بعد المغرب. فمن ترك شيئا من هذه فليس بجائزٍله، ويجب على من تركها أياما الأدب ويُستتاب منه". فهل يقال فى الإسلام إن الصلاة فرضان: فرض من الله، وفرض من الرسول؟ إن المعروف أن الصلاة: فرض وسنة، فأماالفرض ففاعله مأجور مثاب، وتاركه يعاقب عليه، وأما السنة فمؤديها مأجور، وتاركها غير آثم، كما هو معلوم للمسلمين كافة. أما القول بأن ثمة عقوبة على من لم يصلّ النوافل فهو هزل لا يليق! ثم هل دخل الكندى الإسلام، ولم يبق إلا أن يفرّق له الهاشمي بين العشاء والعَتَمَة؟ ألا إن هذا لمما يبعث على القهقهة!

-15- ويمضى الهاشمى قائلا لصديقه النسطورى: "ثم أدعوك إلى الحج إلى بيتالله الحرام الذي بمكة، والنظر إلى حرم رسول الله وآثاره ومواضعه المباركة وتلك المشاعر العجيبة" وليس هناك فى كتب الموسوعة الشعرية، وهى بالمئات، عبارة "المشاعر العجيبة".

-16- وثمة أخطاء أخرى لا تليق بمثل ذلك العالم المبجَّل منها:

قوله عن شفاعة النبى يوم القيامة: "ويقول الرحمن للملائكة: إني أستحيي أن أردّ شفاعة صفيي وحبيبي محمد"، فأين هذا الكلام؟ ومن أين أتى به الكاتب؟ هل يعقل أن يقول هذا رجل من رجال الحديث؟ لقد بحثت عنه فلم أجده لافى الأحاديث الصحيحة ولا فى الضعيفة.
ومنها أيضا: "وأما الزكاة فهي ربع العُشر"، معأن هذه النسبة إنما هى فى أنواع معينة من الأموال فقط، أما فى الأنواع الباقية فالنسبة مختلفة عن ذلك، وهو ما يدل على أن الكاتب لا يعرف الإسلام إلا لماما. ثمإنه يضيف قائلا: "إذا أتى على المال وهو في ملك صاحبه حَوْلٌ كاملٌ، فتَصْرِف ذلكعلى المساكين من ملّتك والفقراء من أهلك"، هذا كلام رجل لا يعرفالإسلام إلا لماما فمستحقو الزكاة أكثر منذلك، إذ هم ثمانية أصناف من البشر، فأين الباقون؟ .
ومن ذلك أيضا قوله إن الله ليحب أن يؤخَذ بعزائمه وتشديداته.
فهل إلى هذا الحد يجهل الهاشمى المزعوم حديث رسول الله فلا يورده على الوجه الصحيح الذى يدل على أن الله سبحانه يحب لعباده اليسر لا العسروأنه إذا كان ثمة رخصة فهو يريد للمسلم الأخذ بها، إذ يقول الرسول الكريم: "إن الله يحب أن تُؤْتَى رُخَصه كما يكره أن تُؤْتَى معصيته"، وفى رواية أخرى: "إن الله يحب أن تُؤْتَى رُخَصه كما يحب أن تُؤْتَى عزائمه"؟ إن لفظ "التشديدات" لا وجود له فى القرآن الكريم ولا فىالحديث الشريف لا بصيغة المفرد ولا بصيغة الجمع.

-17- ثم ختم الهاشمى رسالته بالعيب على دين الكندى وعقائده وعباداته وشرائعه وعقله، إذ يقول له: "فدع ما أنت فيه من تلك الضلالة [...] وقولك بذلك التخليط الذي تعرفه [...] وهو قولكم بالآب والابن والروح القدس، وعبادة الصليب التي تضر ولا تنفع،فإني أربأ بك عنه وأجلُّ فيه علمك وشرف حسبك عن خساسته،[...] فَدَعْ ما أنت فيه منتلك الضلالة وتلك الحمية الشديدة الطويلة المتعبة، وجهد ذلك الصوم الصعب والشقاءالدائم الذي أنت منغمس فيه، الذي لا يجدي عليك نفعا إلا إتعابك بدنك وتعذيبك نفسك... فإن أبَيْتَ إلاَّ جهلاً وتماديًا في كفرك وطغيانك الذي أنت فيه..."، وهذا يناقض ما كان قد كاله قبلا من ثناء له وللقساوسة والرهبان، وللنصرانية أيضا فى بعض الأحيان، فكيف ذلك؟

-18- وقد كان المخطوط الأصلى الذى حققه وطبعه الدكتور تين (Dr. Tien) خاليا من اسمَىْ صاحِبَىِ الرسالتين، وهذا من شأنه أن يلقى الريبة فى الصدور،وبخاصة أننا نقرأ فى مقدمة الطبعة العربية أن ناشريها قد أَجْرَوْا فيها بعض التعديلات والتغييرات حسبما يقول النص التالى: "ويسرنا أن نقدم للقارئ العربي رسالتي الهاشمي والكِنْدي في هذه الطبعة الحديثة التي قدمنا فيها رسالة الهاشمي كماوجدناها، أما رسالة الكندي للهاشمي فقد حذفنا منها المترادفات، والتكرار، والتحيات،ونقلنا الاقتباسات الكتابية من ترجمة بيروت المعروفة بترجمة البستاني. وقد تركناكلمة "نصارى ونصرانية" كما هي رغم معرفتنا أن المقصود بها هنا هو "المسيحية" وليسفرقة النصارى". يدل على أن النص الأصلى لم يبق على حاله. لكل ما سبق فإنى أرجح أن الرسالتين مصنوعتان صنعا على يد نصرانى لم يصرح باسمه بل تخفى وراء الاسمين المذكورين.


[القسم الثاني]​


أما بالنسبة إلى رسالة الكندى المزعوم، ذلك الذى لا نعرف عنه شيئا بالمرة، فإلى القارئ العزيز ملاحظاتنا عليها:

-1- يلاحظ إسراف الكاتب فىتبجيل الخليفة (الذى رأينا أنه لا يمكن أن يكون المأمون)، فى الوقت الذى يتسافه فى حق رسول الله. ولا أدرى كيف يكون ذلك لأن من يحرص على تبجيل الخليفة كل هذا التبجيل يجب ألا يتجاسر على مقام الرسول الذى يحكم ذلك الخليفة باسمه فلا يصفه بــ"صاحبك الجلف" مثلا، وهو الوصف الذى لو كان قد كتبه الكاتب فعلا إلى أحد المسلمين لكان قد ضربه بما فى قدمه على وجهه وحطم أنفه ومرغه فى الطين،وبالذات فى تلك العصور حيث كانت الدولة تقوم على العقيدة والشريعة اللتين أتى بهمارسول الله صلى الله عليه وسلم. فتبين أنه من المحال اجتراء مثل ذلك الكلبالكندى على تناول رسول الله فى رسالة له إلى أحد بنى العباس بما تناوله به!

-28- ولأن الكذاب يرد علىشخص موهوم لا وجود له، نراه ينطلق فيفترى عليه الافتراءات التى يحسب أن أحدا لايمكنه الرد عليها، فنراه يزعم أن الهاشمى كان يستعيذ بالصليب فى الملمات فكان الصليب يعيذه ويحميه، إلا أنه يا للأسف قد تنكر للصليب وأفضاله. شف ازاى! وهذا ماقاله نَصًّا فى الرد على اتهام الهاشمى له ولأهل ملته بتبجيل الصليب وعبادته: "فنحن على هذه السنّة أيضا في تعظيم الصليب، ونجري فيها على ما جرى عليه الأنبياء الأبرار. فلِمَ غلب عليك النسيان في هذا الموضع، وكأنك نسيتَ ما جرَّبْتَ من القوةالحالّة في الصليب حين استعذت به عند سقوطك عن الدابة، وحين هربت ممن هربت منه،وحين لقيت الذي لقيت في طريقك وأنت ماضٍ إلى عمر الكرخ، وحين تلقاك الأسد وقاربت ساباط المدائن؟ فإن كنت أنت نسيتها فنحن ذاكرون لها، فلِمَ تكفر بالنعمة وتكافيبالشر وتنكر المعروف؟ أي ضررٍ نالك عند تعوُّذك بالصليب وأنت تعلم أننا معشرالنصارى لا نعبد الصليب، وإنما نُجِلُّ القوة الحالّة في الصليب، والتأييد الذيأيَّدنا به، والخلاص الذي أُوتيناه بسببه؟". لكن لو كان الهاشمى يستعيذ بالصليب كمايزعم هذا الكذاب، أكان يكفِّر الكندى وقومه جميعا لاعتقادهم فيه؟ وكيف سكت عنهالكندى طوال تلك المدة منذ سمعه ورآه يستعين ويستعيذ بالصليب فلم ينتهزها فرصةويَدْعُه إلى النصرانية؟ كذلك هل من المعقول أن يستعين بالصليب ويَكْفُر من ثَمّرجل كهذا قوى الإسلام صليب الاعتقاد فيه والافتخار به حتى إنه لا يكتفى بأن يكونمسلما، بل يريد للنصرانى أن يسلم هو أيضا ويكفّره لاعتقاده فى الصليب؟ وهذا لو أنالصليب له بركة أصلا، وإلا فلماذا لم يستعن به الكندى ومئات الملايين مثل الكندىعلى مدى أربعة عشر قرنا لتدمير المسلمين وشطب الإسلام من خريطة الدنيا؟ الحق أنالكندى، أو بالأحرى: من تسمى باسم الكندى، هو كائن عريق فى الكذب والتدجيل، ولكنه كذب وتدجيل من الدرجة المنحطة العاشرة. أهذا كلام تقوله يا كندى؟ إن مخرج كلامك هذالهو نفسه مخرج نُفَايات القمّص النُّفَاية الذى يقول فى رسائله لى عبارة من مثل: "أصلّى لك ليشرق قلبك بنور المسيح"، أو "أنا متأكد أن المسيح يعمل عمله الآن فى قلبك"، وهو ما يستحق أن يكون الرد عليه هو: "وأنا متيقن أن ما لا أدرى مَنْ يعملعمله الآن فى دبرك".

-29- وبعد فقد تنبهت منذ القراءة الأولى إلى أن الأسلوب فىالرسالتين ماؤه واحد حتى لكأنه خارج من ذات القلم، فانقدح فى خاطرى أنه لا بد من تحقيق هذه النقطة، فكانت الفقرات التالية التى أقمتها على المقارنة بين الرسالتين من تلك الناحية:
فمما يلاحظه الناظر فى كلام الهاشمى ورد الكندى عليه تكرر كلمة "المحبة" فى الرسالتين بدلا من "الحب"، وهى كلمة تشيع بين النصارى أكثر من شيوعها بين المسلمين كما هو معروف. وبالمثل تكرر استعمال كلمة "الديانة" فى موضع "الدين" عدة مرات هنا وهناك.

يضاف إلى هذا أن كلا من الكاتبين تكلم عن الخلود فى الجنة علىأنها "الحياة": يقول الهاشمى: "يأخذون كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، ولهم فيها الكرامة والحياة والجلوس على الأسرَّة، متكئين على الأرائك"، وهو ما نجده عند الكندى فى قوله: "معناه موت الخطيئة الذي هو عبادة الأصنام وانقطاع الرجاء من موعدالحياة الدائمة التي بشر بها المسيح مخلصنا أنه يعطينا إياها يوم القيامة"، وهذه شنشنة نصرانية.

ومما يلفت النظر أيضا فى الرسالتين تكرر لجوء الكاتبين إلى صيغجمعية غريبة، كــ"المناكح" و"الصيامات" فى رسالة الهاشمى، و"الأشفية، والعوافى،والتماجيد، والمآثم، والملاحمات، والمِرَار" لدى الكندى.
وينضاف إلى هذا توارد كلمن الكاتبين على القول بــ"ارتفاع المسيح إلى السماء" بهذا النص تعبيرا عن مفارقتهالدنيا.
وكذلك إشارة كل منهما إلى أن هناك من يمكن أن يقرأ رسالته إلى الآخر مع أنالمفروض أنها رسالة شخصية حساسة، فنجد الهاشمى يقول: "ليعلم من وقع في يده كتابيهذا أني عالم بالقضية"، وعلى نفس الوتيرة يقول الكندى: "وأرجو أن يكون هذا الجوابمقنعا لك وللناظر في كتابنا هذا"، "أما أنا فقد بلغتُ جهد طاقتي في النصيحة لك ولكلمن نظر في كتابي".

ويمكن أن نلحق بذلك استعمال كل منهما صيغة الطلب من الفعل "وَدَع "، فعند الهاشمى: "فدَعْ ما أنت عليه من الكفر والضلال والشقاوة والبلاء"، "فدَعْما أنت فيه من تلك الضلالة وتلك الحمية الشديدة الطويلة المتعبة، وجهد ذلك الصومالصعب والشقاء الدائم الذي أنت منغمس فيه"، وعند الكندى: "ولكن فلْنَدَعْ الآن ذكرهذا ونأخذ في ذكر أعلام النبوة".

وهناك أيضا عدة عبارات وردت فى كل من الرسالتينمنها الدعاء الاعتراضى بــ"عافاك الله" أو "أصلحك الله": ففى رسالة الهاشمى نجد "فهل سمعت، عافاك الله، يا هذا بوصف أحسن وأعجب من هذا...؟"، "فاحتجَّ، عافاك، اللهبما شئت"، وعند الكندى يقابلنا "فأخبرني، أصلحك الله، عن قول صاحبك".

ومن هذا البابمجىء عبارة "أتى على فلان كذا من السنين" عوضا عن "مَضَى عليه": مثال ذلك قولالهاشمى: "وأنت تعلم أني رجل أتت عليَّ سنون كثيرة"، وقول الكندى: "أتت عليه تسعونسنة"، "فلما أتى على ذلك سبعة أيام فتحها على غير عقد ولا عهد"، "وأمر الـمُقْعَدالذي أتت عليه ثمانٍ وثلاثون سنة أن يحمل سريره ويمشي". كذلك تكرر عند الكاتبينإتيان كلمة "النبى" بعد اسم موسى وداود ودانيال وغيرهم من الأنبياء مما لا يجرىعليه المسلمون عادة، مثل "موسى النبى، وإشعياء النبى، وداود النبى".

ومن هذا أيضااستعمال الفعل "صار" فى معنى "ذهب" أو "اتجه" أو "وصل" أو "حدث" كما فى الأمثلةالتالية التى اقتبسنا أول مثال فيها من رسالة الهاشمى، وباقيها من رسالة خصمه: "وأكد أمرهم عندما صاروا إليه حين أفضى الأمر إليه واستوثق له"- "فاغتاظ علي بن أبيطالب غاية الغيظ لأنه لم يكن يشك أن الأمر صائرٌ إليه، فانتُزع من يده"، "إلا أنعليًّا، حين يئس من الأمر أن يصير إليه، صار إلى أبي بكر بعد أربعين يوماً (وقالقومٌ بعد ستة أشهر) فبايعه ووضع يده في يده"، "فهذه الديارات العامرة بالبِيَع... تفيض على جميع من صار إليها وقصدها بإخلاص نيته".



كذلك يشد نظرنا تشابهالرسالتين فى تكرر استعمال كل منهما لعدد بعينه من التراكيب: منها لجوء كل منهماإلى الاسم الموصول: "الذى" فى موضع المبتدأ أو اسم "كان" بدلا من "ما"، كما فى قولالهاشمى: "والذي حملني إليك وحثَّني على ذلك محبتي لك"، ورَدِّ الكندى: "وكان الذيحملك على ذلك فرط المحبة".

وكذلك تكرر اللجوء فى كلتيهما إلى "ما" الموصولة عوضا عنالمصدر: ففى رسالة الهاشمى نقرأ: "فكتبتُ طاعةً له، ولِما أوجبه لك عندنا حق خدمتكلنا ونُصحك إيانا، وما أنت عليه من محبتنا، وما أرى أيضًا من إكرام سيدي وابن عميأمير المؤمنين لك وتقريبه إياك وثقته بك وحسن قوله فيك"، "وكان الرهبان وأصحابالأديرة يكرمونه ويجلّونه طوعًا ويخبرون أصحابهم بما يريد الله أن يرفع من أمرهويعلن من ذكره". وفى رسالة الكندى: "لكني أكره التطويل، فاقتصرت على ما كتبتُ، ولماذكرتَه من أنك درستَ كتبَ الله المنزلة"، "لأن الحجة عليك أوجب منها على غيرك، لماقد فضَّلك الله به من العقل والتمييز، ولما عرفته ودرسته من الكتب".
ومن هذهالتراكيب أيضا الوصف بالاسم الموصول على سبيل التعريف بالشخص أو الشىء، مثل قولالهاشمى: "وناظرت فيها تيموثاوس الجاثليق، الذي له فيكم فضل الرئاسة والعلموالعقل"، "وصلاة الثالثة، التي هي صلاة السَحَر"، "وأيام الاعتكاف، التي يسمونهاأيام البواعيث"، "كمناظرة الرعاع والجهال والسفهاء من أهل ديانتنا، الذين لا أصللهم ينتهون إليه، ولا عقل فيهم يعوِّلون عليه"، "وأدعوك إلى صوم شهر رمضان، الذيفرضه الديّان ونزل فيه الفرقان"، "شهر يشهد فيه الله أن فيه ليلة القدر، التي هيخير من ألف شهر"، "أدعوك إلى الحج إلى بيت الله الحرام، الذي بمكة"، وقول الكندى: "فورَّث إبراهيم ذلك التوحيد إسحق، الذي هو ابن الموعد"، "قد علمتُ أنك قرأتَ كتبالله المنزلة، التي هي الكتب العتيقة والحديثة. ومكتوب في التوراة، التي أنزلهاالله تعالى على موسى النبي..."، "فلا أظنك تدعوني إلى مثل حال إبراهيم في عبادةالأصنام، التي هي الحنيفية"، "وأما الصفات المنزلة، التي هي الطبيعية الذاتية، التيلم يزل جل وعز متَّصفًا بها فهي الحياة والعلم"، "وليس دعائي إياك إلا إلى اللهالواحد، الذي هو ثلاثة أقانيم"، "كان هذا الرجل يتيما في حِجْر عمه عبد منافالمعروف بأبي طالب، الذي كفله عند موت أبيه"، "فهكذا تكون شروط النبوة، التي هي علمالغيب الماضي وعلم الغيب المستقبل"، "وادَّعَوُا الربوبية، التي لم يجعلها اللهلهم"، "الحكم الإلهي، الذي هو فوق الطبيعة"، "أَوَلا تعلم أن هذا فعل الشمسيةوالبراهمة، الذي يسمّونه النُّسك لأصنامهم بالهند؟"، "لا نشك أن سيدنا ومخلصنا يسوعالمسيح، الذي شهد له كتابك أنه وجيه في الدنيا والآخرة ولا وجيه سواه ديّان الخلائقيوم القيامة، لابد أن يكافئ كل واحد على عمله"، "ببعث ابنه الحبيب، الذي هو كلمتهالخالقة"، "وصارت يد الروم، التي هي يده على قفا من عاداه من بني إسرائيل، الذينجحدوا ربوبيته وكفروا به فقتلتهم الروم"، "لا معنى للأنبياء بعد ظهور الإله المسيح،الذي هو بالحقيقة ملك"، "وجعلهم أبناء ملكوت السماء، الذي هو موعد الله، تباركاسمه".

ومنها استعمال كلمة "خاصة" (للتخصيص بعد التعميم) عارية عن "الباء" كما فىقول الهاشمى: "خاصةً في ليالي الآحاد وليالي الجُمَع وليالي الأعياد"، وقول الكندى: "فقد كان في تأديب هذا الشيخ على ذنبه شيء دون القتل، وخاصةً ليلاً وهو نائم مطمئنآمن على فراشه"، "وهي على المرء لنفسه خاصةً حق".

وهناك تركيب آخر يسقط فيه أيضاحرف "الباء" أو "مِنْ" بعد فعل الشهادة أو الوصف أو النقل أو الادعاء وما أشبه كمافى قول الهاشمى: "والشهادة له أنه رسول الله رب العالمين" (بدلا من قوله: "والشهادةله بأنه...")، وقول الكندى: "استوجب أن يوصف أنَّ له خليقةً حيث خلق"، "أو يكون هذاخلاف ما تدّعيه أنت أنه نبيّ مرسَل وأن الملائكة تؤيده وتقاتل دونه"، "فادَّعىمعرفة ما قال في عوائه إنه وافد السباع"، "وإني أعلم أن قصتهم كقصة ما يُضرب من مثلالعامة أن اليهودي إنما تصحّ يهوديته ويحفظ شرائع توراته إذا أظهر الإسلام"، "وأنتتعلم أن صاحبك لم يختتن على ما نقلت الرُّواة عنه أنه لم يكن مختونًابتَّةً".



ومن تلك التراكيب الوصف باسم إشارة يليه اسم موصول فى موضع "البدلية" أو "الوصفية" كما فى الشواهد التالية عند الهاشمى: "كاشفًا عما نحن عليه من ديانتناهذه التي ارتضاها الله لنا ولجميع خلقه"، "وناظرتُ فيها من أهل فِرقَكم هذه الثلاثالتي هي ظاهرة"، "وحضرت صلواتهم تلك الطوال السبع التي يسمّونها صلوات الأوقات"،ومثلها عند الكندى: "... وشرحتَه من أمر ديانتك هذه التي أنت عليها"، "ولنفحص عنأول قصة صاحبك هذا الذي تدعونا إلى الإقرار له بالنبوة"، "فإن كان صاحبك هذا الذيدعوتنا إلى اتِّباعه يقتلهم بسيفه ويضربهم بسوطه ويسبي ذراريهم ويجليهم عن ديارهم،يريد بذلك لهم الخير لينقلهم مما هم عليه إلى ما هو خير منه، فقد تفضَّل وأحسنوتشبَّه بفعل الله تبارك وتعالى اسمه"، "فهل تقدر أن تجحدنا حقنا هذا الذي فيأيدينا...؟"، "ناظرتُ فيها من أهل فِرقَكم هذه الثلاث التي هي ظاهرة".

ومنها كذلكاستعمال اسم الإشارة بعد تمام الجملة لربطها بجملة تالية على سبيل التعليل أوالتوضيح. مثال ذلك قول الهاشمى: "فقلت: أكشف له عما منَّ الله به علينا، وأعرّفه مانحن عليه، بأَلْيَن القول وأحسنه، متَّبعاً في ذلك ما أذنني الله به إذ يأمرني: وَلاَ تَجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (سورةالعنكبوت 29:46)، وذلك أن الرهبان كانوا يبشرونه ويخبرونه قبل نزول الوحي عليه بمامكن الله له وصار إليه"، ومثله قول الكندى: "ولا أشك في أنك تعرف القصة، فقد قلتإنك عارف بالكتب المنزلة دارس لها حق دراستها، وذلك أن قيسا أبا شاول ضاعت له أتن،فوجَّه ابنه شاول في طلبها"، "فمضى وهم معه فبعثه حيًّا، ودفعه إلى أختيه مريمومرثا، وذلك بعد أربعة أيام من موته"، "... وذلك أن المسيح قال في إنجيله الطاهر: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ"، "فنقول إنه ينبغي لك أن تعلم أولاً كيف كان السبب في هذاالكتاب، ذلك أن رجلاً من رهبان النصارى اسمه سرجيوس أحدث حَدَثاً أنكره عليهأصحابه"، "فلم يزل يتلطف ويحتال بصاحبك حتى استماله وتسمَّى عنده نسطوريوس، وذلكأنه أراد بتغيير اسمه إثبات رأي نسطوريوس الذي كان يعتقده ويتديَّن به"، "وكانت لهمصحف وأدراج على منهاج أدراج اليهود، وذلك من حيلة اليهود"، "وحقق قوله بعملهالأعاجيب والدلائل الواضحة التي لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثلها، وذلك بغاية الرفقوالتواضع".

ومنها الاستعانة مع الفعل المتعدى التالى لــ"ما" بحرف "مِنْ" كما فىالشواهد التالية من رسالة الهاشمى: "ويخبرون أصحابهم بما يريد الله أن يرفع من أمرهويعلن من ذكره، وكانت النصارى تميل إليه وتخبره بمكيدة اليهود ومشركي قريش ومايبتغونه له من الشرّ"، "وجعل لهم من الذمة في رقبته ورقاب أصحابه، ووصَّى بهم تلكالوصية عندما أطلعه الله على ما أطلعه عليه من أمرهم وبراءة ساحتهم"، "وأقر الأنامكلهم طائعين مذعنين لما عرفوا من الحق والصدق من قوله وصحة أمره وما جاء به منالبرهان الصريح والدليل الواضح"، "لم تقبل ما بذلناه لك من نصيحتنا"، "فاكتب بماعندك من أمر دينك"، وكذلك من رسالة الكندى: "وشكرتُ ما ظهر لي من فضلك، وما كشفتَهمن لطيف محبتك، فقد كان العهد قبلاً عندي على هذا قديما، وقد زاده تأكيدا ما تبيَّنلي من شفقتك".

ومما يلاحظ أيضا من التراكيب التى تكررت فى الرسالتين استخدامالفعل: "أعنى" للتوضيح كما فى قول الهاشمى: "وناظرتُ فيها من أهل فِرقَكم هذهالثلاث التي هي ظاهرة. أعني الملكية القابلين مركيانوس الملك على عهد الشقاق الواقعبين نسطوريوس وكيرلس، وهم الروم..."، "وصلاة نصف النهار. أعني صلاة الظهر"، "ورأيتأيضا ما يتدبر به الرهبان في قلاليهم أيام صياماتهم الستة. أعني الأربعة الكباروالاثنين الصغيرين"، وقول الكندى: "وإما أن يكون حكما شيطانيا، أعني حكم الجور".

ولنلاحظ كذلك كيف تلجأ الرسالتان جميعا إلى الترادف وحسن التقسيم فى كثير منالأحيان كما فى الشواهد التالية من الهاشمى: "فكتبتُ طاعةً له، ولِما أوجبه لكعندنا حق خدمتك لنا ونُصحك إيانا، وما أنت عليه من محبتنا، وما أرى أيضا من إكرامسيدي وابن عمي أمير المؤمنين لك وتقريبه إياك وثقته بك وحسن قوله فيك"، "فرغبت لكما رغبت فيه لنفسي، وأشفقت عليك لما ظهر لي من كثرة أدبك وبارع علمك وتقدّمك علىالكثير من أهل ملّتك أن تكون مقيما على ما أنت عليه من ديانتك هذه. فقلت: أكشف لهعما منَّ الله به علينا، وأعرّفه ما نحن عليه، بأَلْيَن القول وأحسنه، متَّبعاً فيذلك ما أذنني الله به إذ يأمرني: وَلاَ تَجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّبِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (سورة العنكبوت 29:46)، وذلك أن الرهبان كانوا يبشرونهويخبرونه قبل نزول الوحي عليه بما مكن الله له وصار إليه"، وقول الكندى: "وفهمتُ مااقتصَصْتَه في كتابك وتعمَّقت فيه من الدعوة وشرحتَه من أمر ديانتك هذه التي أنتعليها، وما دعوتني إلى الدخول إليه ورغَّبتني فيه منها"، "فأما ما دعوتني إليه منأمر دينك، وأنك على ملة أبينا إبراهيم، وما قلت فيه إنه كان حنيفا مسلما، فنحن نسألالمسيح سيدنا مخلِّص العالمين، الذين وعدنا الوعد الصادق وضمن لنا الضمان الصحيح فيإنجيله المقدس..."، "ولقد فهمتُ ما دعوتَني إليه من الشهادة لصاحبك والإقراربنبوَّته ورسالته، وما عظَّمتَ من أمره"، "فإذا أنبأتنا بذلك علمنا أنك صادق فيماادَّعيت من عبادة هذا الواحد"، "فكل من ينتحل هذا الاسم فهو بريء من هذه المقالة،جاحد لها كافر بها"، "فأما غزوة أُحُد وما أُصيب فيها من كسر رباعيته السفلى اليمنىوشقّ شفته وثلم وجنته وجبهته، الذي ناله من عتبة بن أبي وقاص، وما علاه به ابنقميئة الليثي بالسيف على شقه الأيمن حتى وقاه طلحة بن عبيد الله التيمي بيده فقطعتأصبعه، فهذا خلاف الفعل الذي فعله الرب مخلص العالم"، "وكان الذي حملك على ذلك فرطالمحبة. وفهمتُ ما اقتصَصْتَه في كتابك وتعمَّقت فيه من الدعوة وشرحتَه من أمرديانتك هذه التي أنت عليها، وما دعوتني إلى الدخول إليه ورغَّبتني فيه منها. وقدعلمتُ أن الذي دعاك إلى ذلك ما يوجبه لنا تفضلك من حق حرمتنا بك". وهذا التشابه فىالأسلوب يدفعنى إلى ترجيح أن الرسالتين من صنع قلم واحد، قلم نصرانى أراد أن يفتعلسانحة ليصب جام حقده على الإسلام ورسوله بحجة أن أحد المسلمين قد استفزه إلى الدفاععن دينه ضد ما شنه عليه من هجوم، وبحيث تكون حجج ذلك المسلم واهنة ضعيفة، وبخاصة أنالكلمة الختامية ستكون له هو فلا تكون ثم فرصة أمام المسلم للرد على رقاعاتالنصرانى وسماجاته. وقد يقال: كيف يمكن أن يكتب نصرانى رسالة مثل رسالة الكندىالإسلامية فى مضامينها ولغتها؟ والجواب سهل جدا، وهو أن الناظر فى الرد النصرانىنفسه يجد تعبيرات إسلامية وقرآنية كثيرة تدل على أن لدى كاتبها القدرة على تقمصشخصية أحد المسلمين.

-30- ويذهب أحد الدارسين خطوة أخرى فيحدد كاتب الرسالتينبأنه يحيى بن عدى، وهذا الدارس هو د. علي بن محمد عودة، الذى خصص لدراسة هذه النقطةبضع فقرات من مقال مهم له على المشباك بعنوان "العدوان الفكري الغربي على الإسلام وعلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام" أعطاها المؤلف عنوانا جانبيا هو: "رسالة النصراني الشرقي". وها هى ذى الفقرات المذكورة، والكلام فيها عن الرسالة المنسوبةإلى عبد المسيح بن إسحاق الكندى: "وهي الأخيرة في المجموعة الطليطلية، وتُعْرَفباسم "الرسالة الإسلامية والجواب المسيحي"، وهي التي أحدثت المشروع الكلوني برمته. وهي عبارة عن رسالة وجواب على الرسالة. الرسالة مرسلة من رجل مسلم يُدْعَى: عبدالله بن إسماعيل الهاشمي إلى صديق له نصراني يدعى: عبد المسيح بن إسحاق الكندي، وقدصيغت رسالة الهاشمي المزعومة بحيث يبدو قريبًا للخليفة المأمون، بينما صيغ الجوابوكأن الكندي المزعوم يعمل في بلاط الخليفة نفسه. ومن الواضح أن كلا الاسمينمستعاران وأن كاتب النصين عالم عربي نصراني عاش في العراق في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، والراجح أنه الطبيب والفيلسوف النصراني يحيى بن عدي المتوفى سنة 364هـ/ 975م. ولا نجد لهذه المصنفة ذكرًا في المصادر الإسلامية إلا عند البيرونيالمتوفَّى سنة 440هـ/ 1048م الذي اقتبس منها نصًا في حديثه عن الصابئة. وقد كلّفبطرس المكرم اثنين من المترجمين بترجمة هذا النص هما بطرس الطليطلي، وبطرس أوفبواتييه. وقد صاغ يحيى بن عدي رسالة الهاشمي المزعوم في نحو عشرين صفحة، بحيث بدأبالسلام والرحمة على صديقه النصراني، زاعمًا أن ذلك سنة النبي في مخاطبته للناس بمافيهم النصارى. ثم يبدي الهاشمي المزعوم تعبيرات مختلفة من الاحترام لصديقه والإشارةإلى النسب الأصيل للكندي، والإشادة بتقواه وثقافته ومعرفته، ويدعوه إلى اعتناقالإسلام الذي هو دين الحنيفية، دين أبيهما الأول إبراهيم عليه السلام، وهو التوحيدالخالص لله تعالى، ثم يعرض أركان الإسلام الخمسة والجهاد، ويسهب في ذكر نعيم الجنةلإغراء صديقه النصراني باعتناق الإسلام، وأنه إذا اعتنق الإسلام يمكنه الزواج بأربعزوجات ويطلق متى يشاء ويملك من الجواري ما يشاء، ويحصل على ترقية في بلاط الخليفة. وفي النهاية يعرض على صديقه أن يجيبه بكل صراحة على عرضه وأن يقول ما يحلو له فيالدفاع عن دينه، ويحثه على التخلي عن عبادة الثالوث.

وقد أجاب يحيى بن عدي علىرسالته التي جعلها على لسان الهاشمي، بجوابه الذي جعله على لسان الكندي في 140صفحة، أي أكبر بسبع مرات من رسالة الهاشمي، بحيث يترك جوابه الانطباع لدى القارئالنصراني أنه نال الغلبة والقهر بالحجة والبرهان. ومن الواضح أن يحيى بن عدي كتبهذا الكتاب حين ازداد دخول النصارى في الإسلام في القرن الرابع الهجري، وكان هدفهمنه تحصين أهل الذمة من النصارى لمنعهم من اعتناق الإسلام وإقناعهم بأن دينهم هوالدين الصحيح. ويبدأ يحيى بن عدي جوابه على لسان الكندي المزعوم بالعرفان بالجميللصديقه الهاشمي والدعاء للخليفة المأمون. ثم يدافع عن عقيدة الثالوث، ويزعم أنعقيدة الحنيفية التي يدعو إليها الهاشمي التي كان عليها إبراهيم عليه السلام إنماهي عبادة الأصنام، حيث يزعم أن إبراهيم ظل يعبدها لمدة سبعين سنة في حرّان معآبائه. ويحاول بأسلوب فلسفي تفنيد عقيدة التوحيد، ثم يوجه هجومه على النبي، ويتهمهبأنه تطلّع إلى المُلْك، ولما كان يعرف أن نفوس قريش تأبى أن يصبح ملكًا عليهاادّعى النبوة للوصول إلى هدفه. ولا يتحدث جواب الكندي المزعوم عن دعوة النبي فيمكة، وإنما ينتقل فجأة إلى المدينة حيث يزعم أن النبي اغتصب مربد غلامين يتيمينوبنى عليه مسجده، وأنه اصطحب قومًا فُرّاغًا لا عمل لهم وبدأ في شن الغارات وممارسةالنهب والسلب وقطع الطريق وإخافة السبيل، ويتهم النبي أنه أمر باغتيال بعض الآمنينفي بيوتهم. ثم يشير إلى جروح النبي يوم أحد، ويرى أنه لو كان رسولاً لمنعه الله منالضرر. ثم يزعم أن النبي لم يكن له هَمٌّ إلا امرأة جميلة يتزوجها، ويتهمهبالاستخفاف بالله في محاباة زوجاته، ويكرر حديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها. وبعدذلك يثير جواب الكندي المزعوم موضوع النبوة وعلاماتها ويزعم أن شروط النبوة لاتتوافر في محمد. ويزعم أن أهم علامات النبوة هي المعجزات، وأن النبي لم يأت بشيءمنها، وأنه أنكر أنه يستطيع أن يأتى بآية كما جاء في القرآن، وأنه لا دليل لدى محمدعلى رسالة إلهية. ويزعم أن الإسلام انتشر بحد السيف، وأن نجاح الفتوح الإسلامية ليسدليلاً على إعجاز إلهي لأنها يمكن أن تكون وسيلة من الله لمعاقبة الناس المذنبين،ويزعم أن النصرانية انتشرت بالتبشير واستشهاد الحواريين بينما الإسلام انتشر بالقهروالسيف، ويزعم أن لغة القرآن ليست معجزة، ويعتبر لغة الشاعر امرئ القيس أقوى من لغةالقرآن. ويزعم جوابُ الكندي أن الأغراء المادي والوعد بالملذات الحسية في جنةشهوانية هو الذي أغرى العرب المحرومين أن ينضموا إلى الإسلام وجيوشه، وأن جيوشالمسلمين كانت مليئة بالمنافقين الذين انضموا إليها طلبًا للغنائم. ثم يهاجم شعائرالإسلام، ويعتبر الحج عملاً من أعمال الوثنية، ويرى أن الجهاد في سبيل الله إنما هوعمل الشيطان. ويزعم أن محمدا لم يكن يهدف مثلما هدف المسيح عليه السلام إلى أنيخلّص ويهذّب الإنسان، وإنما هَدَفَ إلى ما هدف إليه الفاتحون الآخرون، وهو أن يوسعمملكته. ويزعم أن النصرانية هي الصراط المستقيم المذكور في سورة الفاتحة. ويزعم أنالشرائع ثلاث: شريعة الكمال الإلهي، وهي التي جاء بها المسيح عليه السلام، وشريعةالعدل، وهي التي جاء بها موسى عليه السلام، وشريعة الشيطان، وهي التي جاء بها،بزعمه الكاذب، محمد. ويزعم أن النبي كان يتلقى من راهب طُرِد من الكنيسة وذهب إلىتهامة، واسمه سرجيوس، وتسمى عند محمد باسم "نسطوريوس" وأنه هو الذي كان يسميهالنبي: جبريل أو الروح القدس.

وقال هذا النصراني في جوابه عن النبي ما نصه: "فإنا لم نره دعا الناس إلا بالسيف وبالسلب والسبي والإخراج من الديار، ولم نسمعبرجل غيره جاء فقال: من لم يقرّ بنبوتي وأني رسول رب العالمين ضربته بالسيف وسلبتبيته وسبيت ذريته من غير حجة ولا برهان". وزعم زورًا وبهتانًا أن النبي أجبر الناسعلى قبول القرآن: "وقال: من لا يقبل كتابي هذا ويقول إنه مُنزَّل من عند الله وأنينبي مرسل قتلته وسلبته ماله وسبيت ذريته واستبحت حريمه". وزعم النصراني أن عبد اللهبن سلاّم وكعب الأحبار عمدا إلى ما في يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه من القرآنبعد وفاة النبي وأدخلا فيه أخبار التوراة وأحكامها وزادا وأنقصا منه، وسخر من عمليةجمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وزعم أنه وقع فيه التحريف والتبديل، وأنالحجاج بن يوسف الثقفي جمع المصاحف وأسقط منها أشياء كثيرة عن بني أمية، وذكركلامًا كثيرًا ملفقًا في هذا الموضوع، وختم جوابه بدعوة الهاشمي المزعوم لاعتناقالنصرانية. هذه الترجمة الرئيسة في المشروع الكلوني نالت في الغرب شعبية هائلةوأصبحت بمثابة إنجيل المنصِّرين والمستشرقين منذ ترجمتها وإلى اليوم حيث اعتبروهاأفضل دفاع عن النصرانية وأقوى هجوم على الإسلام".

هذا ما قاله الدكتور عودة، وهوكلامٌ جِدُّ مهمٍّ، لكنه للأسف لم يحاول أن يبين لنا الأسباب التى حملته على أنينسب كتابة الرسالتين ليحيى بن عدى. وأقترح أن يلتقط بعض الكتاب الخيط منى ومنالدكتور عودة ويبحث عن كتب يحيى بن عدى ويحاول المقارنة بين أسلوبها وأسلوب هاتينالرسالتين اللتين نحن بصددهما، ومن يدرى؟ فقد ينجح فى إثبات أنهما فعلا من تأليفذلك الكاتب النصرانى. أما أن رسالة الكندى قد أصبحت منذ عثور المبشرين والمستشرقينعليها هى إنجيلهم فأعتقد دون غرور أن الدراسة التى فى يد القارئ قد بينت أنها،كسائر الأناجيل التى تقرها الكنيسة، إنجيلٌ مضروبٌ لا يساوى مليما أحمر!.

انتهت النبذ المستخرجة من رسالة إبراهيم عوض وإليكم بعدها كلامي بالتفصيل عن رسالة الكندي وما خطه الدكتور إبراهيم عوض.
 
النقد التاريخي لأصل نص رسالتي الهاشمي والكندي

نص المجادلة المذكورة تحف به قرائن ظاهرة وقرائن باطنة كلها تشهد عليه بالوضع والتوليد.
وغرضي من هذا البحث جمع شتات تلك المعضلات وإيراد مسائل جديدة عنت لي مع الزمن منذ وقوفي على ذلك النص في عام 1999م وحتى يوم الناس هذا.
تخبرنا الدراسات الأوروبية أن ترجمة لاطينية لتلك المجادلة (بالعربية) أنجزت في طليطلة قريبا من 1142م لفائدة بطرس المبجل كبير الرهبان بدير بلدة كلوني بجنوب فرنسا لتنضم لمجموع لاطيني يسمى المجموع الكلونائي( Corpus Cluniacense) وهو مصنف لأجل الصد الفكري للإسلام للتعويض عن الهزيمة النكراء للصليبييبن في الحروب الصليبية.
فما هي هذه الدراسات الأروبية؟
- 1. مقال للدكتورة ماري تريز دالفرني بشأن ترجمتبن لاطينيتن للقرآن من العصر الوسيط, نشر بالمجلد الخامس عشر (1947- 1948م) من مجلة وثائق للتاريخ العقائدي والأدبي, ص 86- 97.
- 2. مقال كتبه لويس ماسينيون في دائرة المعارف الإسلامية في نسختها القديمة بشأن الكندي.
- 3. مقال لأرمان هابيل عنوانه جواب الكندي ومحله من الجدل الإسلامي المسيحي, نشر سنة 1964 بمجلة الشرق المسيحي التي تصدر في روما, ص501- 523.
- 4. مقال لجيرار تروبو بشأن الكندي في دائرة المعارف الإسلامية. 1986م.
- 5. رسالة السلك الثالث تقدمت بها الباحثة الهولندية إيليزابت دي هاس في جامعة ليدن بحثت فيها صلة النسب بين مختلف روايات الترجمة اللاطينية المخطوطة لنص المجادلة.
- 6. مقال لفان كونينكسفلد: جواب الكندي, نشر بهولندة عام 2004م, ص69- 91.
- 7. ونذكر بتحقيق آخر للنص العربي للمجادلة وترجمته للفرنسية كرسالة دكتوراه السلك الثالث بجامعة ستراسبورغ سنة 1976م واعتمد على نسخ مخطوطة قليلة أقدمها مؤرخ بعام نيف وخمسين وستمائة وألف مسيحي. ثم طبع الترجمة الفرنسية سنة 1985م بباريس.
وسنأتي للمعضلات .
الإختلافات الكثيرة بين مخطوطات النص اللاتيني
الاختلافات الكثيرة بين ما يدعى أنه النص العربي الأصلي الذي عملت عليه تلك الترجمة شكلا ومضمونا وتأخر جل مخطوطاته عن زمن الترجمة اللاتينية بخمس قرون فأكثر.
سمات الزيف والتوليد الكثيرة في لغة النص العربي التي تنبئ على تأخر صنعه عن النص اللاتيني المزعزم والأولى عندي أن يبحث المحققون في مسألة الأصل اللاتيني لتلك المخطوطات العربية المتأخرة للنص المراد له الخداع والمرور على أنه الأصل العربي الذي عمل عليه مترجم طليطلة. وعندي ما يثبت هذا الكلام.
فالغربيون ما صدقوا أن وقعت أيديهم على النص العربي المتأخر للتطبيل والتزمير والتهليل والتمسك بأنه الأصل المعمول عليه النص اللاتيني. وقد كان مزوروا النص العربي الحديث على علم بعجمة القوم ووقوعهم في مصيدة الحيلة فما أن يقولوا ويسلموا بأصلة النص العربي حتى يضربوا صفحا عن كل الخلافات بينه وبين اللاتيني قائلين ما زاد به العربي أسقطه المترجم اللاتيني ولو عكسوا المسألة لفطنوا إلى زيف وتوليد النص العربي فالواجب القول أن كل زيادة وتغيير تفرد به نصهم العربي المزعوم هو تدليس ومن أقواه وأخبثه تركيب تلك الفقرة التي سرقوا بعض ألفاظها من كتاب البيروني ودسوها في مطلع رسالة الهاشمي وكأنهم ماصدقوا وجودها ليروجوا القول بأن البيروني عرف الرسالتين وليقال أن اسماء الرجلين هو على ما ذكره البيروني . وهذا صلب الزيف في الرسالة العربية بل الأولى ألا يتجاوز بتاريخ المجالة اللاتينية الوهمية القرن الثاني عشر الميلادي حين صنع نصها في طليطة نحو 1141م وما سوى هذا فخيالات وضرب من التعصب للباطل .
أما الاضطراب الزماني في النص فكثير جدا ودلائل الانتحال لائحة.كما شرح الدكتور إبراهيم عوض من قبل والدكتور البكري والألوسي والسقا اعتمادا منهم فقط على النص العربي المزور من طرف المنصرين. وسأشرح أيضا بما لم يذكروه فيما سيأتي.

كان الاسم المتداول في القديم هو شمويل أو شموآل أو شماويل وبه سمي سفره المنسوب إليه لدى المعاصرين المفترضين للكندي مثل علي بن ربن الطبري في كتابه الدين والدولة وبعده سعيد ابن البطري والمسعودي وابن حزم والسموأل المغربي كلهم لا يكتب صمويل بالصاد مما يدل على ترجمته هكذا من الاتيني للعربي في نص المجالدلة.
وكذلك يوشع بن نون يذكر بهذا في كل الكتب القديمة المعاصرة واللاحقة للزمن المفترض للكندي ولكن نفاجأ في الرسالة العربية برسم "يشوع بن نون" وهو رسم لم يشع ظهوره إلا بعد انتشار الطباعات العربية للكتاب المقدس بعد القرن 16 م مما يدل على تأخر الصيغة العربية للمجادلة التي يدعى لها أنها من القرن التاسع الميلادي
وهاكم اسما ثالثا هو سفر الأسباط هكذا يسمي علي بن ربن الطبري سفر القضاة بينما في نص المجادلة نجد سفر القضاة لا سفر الأسباط.

وكذلك سفر التكوين كان يعرف لدي المجالدلين المسلمين بسفر البأ والأنساب وبالسفر الأول من التوراة ولم يعرف لديهم بسفر الخليقة كما ف النص العربي الحديث للمجادلة المزعومة المكتوب بعد انتشار طبعات الكتاب المقدس العربية المعمول جلها عن الترجمات الأروبية ومنها اقتبست أسماء الأسفار على عجمتها.
سفر الاستثناء أو التثنية كان يعرف زمن ابن حزم بسفر التكرار والسفر الخامس من التوراة ولكن النص العربي للمجادلة يتنبنى تسميته باصيغ الشائعة بعد انتشار طبعات الكتاب المقدس بعد القرن 17م لهذا لم أتفاجأ حينما علمت أن أقدم مخطوطان النص العربي للمجادلة المزعومة لا يتجاوز القرن 17م وجلها راجع للقرن 19 م فالظاهر أن وقوع النص اللاتيني للمجادلة المزعومة في يد نصارى المشرق استهوت بعضهم فكرة ترجمته للعربية لمن لا يعرف اللاتينية من إخوانهم لهذا فيحينما تقول مخطوطتان من النص العربي المؤرخة في القرن 17 أنها عملت عن مخطوط مؤرخ عام 1173م فهذا قد يشير إلى تاريخ نسخة لاتينية عنها ترجم النص العربي وليس إلى أصل عربي من القرن 12م لأن كل الدلائل النقدية لمتن النص العربي المتادول من المجادلة كلها تصب في تأخر كثير صيغ ومفردات لغته العربية عن القرن 16م.
 
التعديل الأخير:
ومما يفسر الأصل اللاتيني للنص العربي لتلك المجادلة:
ورود نصوص منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم لم نعثر لها على أصل في المدونات الحديثية لا في الأحاديث الصحيحة أو الضعيفة بل وحتى في الأحاديث الموضوعة.
والسبب في رأيي جهل المترجم العربي بالحديث لذلك لم ينجح في ترجمته وافتضح زيفه إذ لوكان النص العربي المتادول للمجادلة أصيلا لوجدنا فيه ألفاظا حديثية لها وجود ولو مرة واحدة
في حين سهل على المترجم معرفة الآيات القرآنية بالرجوع للترجمات الاتينية القديمة ومعرفة السورة والآية من هناك ثم تحويلها إلى الأصل بالرجوع للقرآن مباشرة.
لكن الأمر بالنسبة للحديث ليس كذلك لغياب ترجمة لاتينية لكتب الحديث ولشساعة المدونات الحديثية التي تعد بعشرات الآلاف أحاديثها
فكان المترجم العربي عن الاتيني يقدر ألفاظا عربية لتلائم المعنى ولا يوفق لنص الحديث على الإطلاق.
 
نسيت ذكر اسم صاحب التحقيق وترجمت النص للفرنسية كرسالة دكتوراه السلك الثالث بجامعة ستراسبورغ سنة 1976م فهو القسيس الفرنسي جورج طارطار.
وهاكم الاسم الفرنسي لعمل ماري تيريز دالفرني (المولودة عام 1903م - المتوفاة عام 1991م) وهي مكتبية ومؤرخة فرنسية
Marie-Thérèse D’Alverny, Deux traductions latines du Coran au Moyen Age, dans Archives d’Histoire Doctrinale et Littéraire du Moyen Age, 15, 1947-1948, p. 118-125;

أما فكرة نسبة الرسالة المزعومة ليحيى بن عدي الفيلسوف النصراني فقديمة جدا ولم يكن الباحث العربي الذي أشار إليه الدكتور إبراهيم عوض أول من قال بها بل قال بها قديما المستعرب بول كراوس.
وشتان بين فصاحة ابن عدي الذي اشتغل بالنسخ حتى اشتهر عنه أنه نسخ بخطه تفسير الطبري من أوله إلى آخره وبين رطانة وركاكة رسالة الكندي المزعوم. فهذا دليل يضاف في وجه من يظن أن النص العربي للرسالة قديم وأنه أصل للنص اللاتيني منها.

أما رسالة الدكتور إبراهيم عوض فلم يكن غرضه الأول منها تحرير بحث علمي بجميع المقاييس ولكن ردع وكبح جماح متعصبة المنتديات التنصيرية لذلك تجد في رسالته الجد والهزل والفصحى والعامية.

وقد كان بودي حقا لو نزه الدكتور الفاضل لسانه وقلمه عن كثير مما سطره من عبارات ثقيلة على سمع الموافق والمخالف كقوله مثلا "يعمل عمله في ...." معرضا بشذوذ القمص.

كما أن الرسالة التي كتبها قد تجاوزت حد الاعتدال في الطول لكثرة الحشو والاستطرادات التي تشوش ذهن القارئ القاصد للفوائد العلمية.

ثم وجدت فضيلته لا يفرق بين ابن الجوزي وابن القيم الجوزية ويغلط في نسبة كتاب الثاني للأول وهذا من مثله ثقيل الوقع فالكتاب المحال عليه هو زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية وليس هو كتاب "زاد الميعاد لابن الجوزي" كما سطر الدكتور الفاضل في مشاركته.

ثم حبذا لو عاد الدكتور الفاضل لرسالته تلك ولخصها ورتبها ونقاها من الاستطرادات ومن النقل لصفحات طويلة من كتب توجد على المشباك فكان يكفيه الإحالة على موضع الشاهد باختصار وذكر المصدر.
وكذلك سبق الأستاذ بدراسة البكري ودراسة الألوسي :الجواب الفسيح لما لفق عبد المسيح وهي في قرابة 1500 صفحة وما أظنه يجهلها, فإن كانت لا فائدة فيها عنده فليبين ذلك.
يضاف إلى ذلك تعويله كثيرا على التحقق من الحديث عبر الشبكة العنكبوتية في مواقع ذكرها. وما هكذا يدقق العلماء في مصادر الحديث.
وغابت عن دراسة الأستاذ الدكتور الفاضل جملة من الحقائق بشأن رسالة الكندي وجملة من البحوث كان الأولى به التعريج عليها ليفيد ويتثبت وليحيط بجوانب ما له صلة بموضوعه.
الحق أن قلم الأستاذ سيال ونفسه في الكتاب طويل فلا أشك أنه لو عاود البحث ووجهه لا لغوغاء المنصرين والمتنصرين ولكن للعلماء وطلبة العلم وخاطبهم لكان سيفيد ويستفيد ولأجاد وأفاد.

أما بعض أجوبته على تخرصات الكندي فهي على العموم جيدة لو حررها من العيوب التي ألمعت إليها. ورحم الله قدماء المجادلين فقد كانوا يفحمون الخصوم بما قل ودل ولكننا نحن اليوم نلف وندور ألف دورة قبل أن يدري المخالف والموافق ما نريد قوله من كلامنا وما ذلك إلا لقلة بضاعتنا وقلة دربتنا بفن الجدل والمناظرة.
ثم كثير من شنشنات الكندي قد يستغنى في الرد عليها بما سطره العالم النحرير رحمة الله الهندي فلم نبدي ونعيد فيما فرغ من الرد عليه. ووالله الذي لا إلاه إلا هو مات تحرك تلك الرسالة شعرة من رؤوس أهل اليقين وما تستحق 80 صفحة التي جاد بها الدكتور في الرد عليها.
 
عودة
أعلى